بسط اليد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
البسط (توضيح) .
اصطلح
الفقهاء على
نفوذ تصرّفات
الإمام وقدرته على
تطبيق الأحكام الشرعية ب (بسط يد الإمام ونائبه الخاص أو العام)، والمقصود من
النائب الخاص هو
وكيل الإمام في زمان حضوره عليه السلام، والمقصود من
النائب العام هو
الفقيه الجامع للشرائط في عصر
غيبة الإمام عليه السلام، وهناك أحكام كثيرة مترتّبة على بسط يد الإمام أو نائبه نحاول بحثها فيما يلي:
الولاية للقضاء أو
النظام والسياسة أو على
جباية الخراج أو على القاصرين من الأطفال أو غير ذلك أو على الجميع من قبل السلطان
العادل أو نائبه جائزة قطعاً، بل راجحة؛ لما فيها من
المعاونة على
البرّ و
التقوى و
الخدمة للإمام وغير ذلك، خصوصاً في بعض الأفراد، وربما وجبت عيناً، كما إذا عيّنه إمام
الأصل الذي قرن اللَّه طاعته بطاعته، أو لم يمكن دفع
المنكر أو
الأمر بالمعروف إلّابها. هذا كلّه في الولاية من العادل. وقد يلحق به نائبه العام في هذا الزمان إذا فرض بسط يده في بعض الأقاليم، بل لو نصب
الفقيه المنصوب من الإمام بالإذن العام سلطاناً أو حاكماً
لأهل الإسلام لم يكن من حكّام الجور، كما كان ذلك في
بني إسرائيل ، فإنّ حاكم الشرع والعرف كليهما منصوبان من الشرع.
تلحق بعض العبادات أحكام من حيث بسط يد الإمام أو نائبه وعدمه، نذكرها
إجمالًا فيما يلي:
ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ مقتضى الأخبار أنّ الوجوب العيني
لصلاة الجمعة والعيدين مشروط بزمان
حضور الإمام عليه السلام وبسط يده الشريفة، وأمّا في غيره- كزماننا- فليستا بواجبتين عيناً، ولكن رخّص في
صلاة العيدين فرادى وجماعة إذا اجتمع خمسة أو سبعة.
وأمّا صلاة الجمعة فذهب بعض إلى
استحباب إقامتها إذا أمكن
الاجتماع والخطبتان وإن لم يكن الإمام مبسوط اليد. ومنعه بعض آخر.
واستدلّ القائلون
بالوجوب التخييري بين الظهر والجمعة برواية عبد الملك عن
أبي جعفر عليه السلام قال: قال: «مثلك يهلك ولم يصلّ
فريضة فرضها اللَّه تعالى؟» قال: قلت: كيف أصنع؟ قال: «صلّوا جماعة، يعني صلاة الجمعة».
وتقريب
الاستدلال بها أنّ الإمام عليه السلام لم يكن مبسوط اليد ومع ذلك فقد حثّ عبد الملك- الذي كان من الأجلّاء- على حضورها، والسياق
سياق استحباب، وإلّا لكان على الإمام عليه السلام أن يؤكّد ذلك.
واستدلّ القائلون بالوجوب التعييني لصلاة الجمعة في عصر
الغيبة بالكتاب والسنّة، أمّا
الكتاب فبقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ».
والأمر في «فَاسْعَوْا» ظاهر في
الوجوب التعييني ما لم يثبت غيره بدليل.
وأمّا السنّة فاستدلّوا بأخبار كثيرة تجاوزت حدّ
الاستفاضة ، بل نفي البعد عن دعوى تواترها، كما نفيت
الشبهة في تواترها الإجمالي.
وأصرحها ما ورد في صحيحة
زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «الجمعة واجبة على من إن صلّى الغداة في أهله أدرك الجمعة، وكان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنّما يصلّي العصر في وقت الظهر في سائر الأيّام؛ كي إذا قضوا الصلاة مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم رجعوا إلى رحالهم قبل الليل، وذلك سنّة إلى
يوم القيامة ».
والتفصيل في محلّه.
ذكر جماعة أنّه لا خلاف بين الفقهاء، بل
الإجماع المحصّل والمنقول قائم على
الوجوب الكفائي للجهاد بشرط وجود الإمام وبسط يده، أو من نصبه للجهاد، ولو بتعميم ولايته له ولغيره في قطر من الأقطار، بل أصل مشروعيّته مشروط بذلك فضلًا عن وجوبه.
فقد ورد في خبر
بشير عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قلت له: إنّي رأيت في
المنام أنّي قلت لك: إنّ
القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير، فقلت لي: نعم، هو كذلك، فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «هو كذلك، هو كذلك».
وأمّا
الدفاع عن بيضة الإسلام مع هجوم العدوّ ولو في عصر الغيبة فلا يحتاج إلى
إذن الإمام عليه السلام أو مَن نصبه لذلك مع بسط يدهما؛ لإطلاق الأدلّة واختصاص النهي عن الجهاد
ابتداءً للدعوة إلى الإسلام.
والكلام فيهما يقع في موارد وهي كما يلي:
المعروف من سيرة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم و
أميرالمؤمنين عليه السلام نصب العمّال لأخذها وجمعها وتفريقها في أربابها ومصارفها، إلّا أنّ المتيقّن من الولاية هو زمان الحضور وبسط اليد، وإلّا فلا ريب في جواز تصدّي المالك لأدائها من دون مراجعة الإمام عليه السلام إلّافي سهم الإمام من
الخمس .
يسقط سهم
العاملين على الزكاة لظاهر تعريف الفقهاء للعاملين من أنّهم النوّاب والسعاة من قبل الإمام عليه السلام، وحينئذٍ فيتّجه سقوط هذا السهم في زمان الغيبة، إلّاإذا استعمل
المجتهد على جبايتها ونحوها، مع احتمال السقوط فيه أيضاً
باعتبار انسياق العمل الناشئ عن بسط اليد من الأدلّة، وليس ذلك إلّافي زمن ظهور الإمام عليه السلام وبسط يده. وصرّح بعض الفقهاء بسقوط سهم المؤلّفة وسهم السعاة وسهم الجهاد؛ لأنّ هؤلاء لا يوجدون إلّامع ظهور الإمام عليه السلام وبسط يده.
إلّاأنّه بناءً على مثل نظرية الولاية العامة للفقيه لا يبعد الشمول لزمان الغيبة أيضاً.
إذا كان الإمام عليه السلام حاضراً مبسوط اليد فلا
إشكال في عدم سقوط الخمس، بل هو من الضروريّات في الجملة، وأمّا مع عدم بسط يده أو في زمن الغيبة فالمعروف بين الأصحاب عدم سقوطه. ويدلّ عليه- مضافاً إلى
أصالة عدم السقوط-
إطلاق أدلّة الخمس من الكتاب والسنّة.
وأمّا أخبار
تحليل الخمس لشيعتهم
فقد وجّهها الفقهاء بتوجيهات كتعذّر
إيصالها إليهم عليهم السلام، أو ما يقع في أيدي
الشيعة من جهة المعاملة مع من لا يخمّس، أو تحليلها للشيعة في زمن خاص أو لضيق الأمر على الشيعة، فإنّ المتأمّل بما ورد عنهم عليهم السلام في
التشديد على أمر الخمس يفهم ورودها على أحد المحامل المذكورة.
والتفصيل في محلّه.
إذا لم يكفِ الخمس حوائج ذرّية النبي صلى الله عليه و
آله وسلم فعلى الإمام أن يتمّها من ماله، وهو مختصّ بصورة بسط يده ووصول الخمس إليه بأجمعه على ما قيل.
ذكر الفقهاء بعض الأحكام للأراضي مرتبطة ببسط يد الإمام وعدمه نذكرها إجمالًا فيما يلي:
لا خلاف ولا إشكال في أنّ النظر في
الأرض المفتوحة عنوة إلى الإمام عليه السلام حال بسط اليد؛ لأنّه هو المتولّي لُامور المسلمين، قال
الإمام الرضا عليه السلام في صحيح
أحمد بن محمّد بن أبي نصر : «... وما اخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبِّله بالذي يرى، كما صنع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر قبّل أرضها ونخلها، والناس يقولون: لا تصلح قبالة
الأرض والنخل إذا كان البياض أكثر من السواد، وقد قبّل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم خيبر، وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر».
وأمّا حال الغيبة ونحوها فلا خلاف معتدّ به في جريان حكم يده بالنسبة إلى براءة ذمّة من عليه الخراج، وأمّا غيره فالمرجع فيه إلى نائب الغيبة، كما صرّح بذلك جماعة، وهو الذي تقتضيه قواعد الشرع.
لا إشكال ولا خلاف في أنّه يصرف الإمام عليه السلام في حال بسط اليد حاصل الأرض الخراجية في المصالح العامّة من سدّ الثغور، ومعونة الغزاة، وبناء القناطر، ونحو ذلك ممّا يرجع نفعه إلى عامّة
المسلمين ، بل الإجماع بقسميه عليه.
وكذلك الفقيه- بناءً على عموم النيابة- بشرط بسط يده، ففي الحقيقة إنّما له الولاية بما هو رئيس للمسلمين وحافظ لجماعة المؤمنين.
ومع عدم التمكّن من التصرّف على هذا الوجه يرجع الأمر إلى من يقوم بهذا الأمر وإن كان متغلّباً؛ لأنّ فوات مصلحة قيامه بالأمر لا يسوّغ تفويت مصالح المسلمين و
إهمال شؤونهم.
ما كان مواتاً من الأرض المفتوحة عنوة وقت الفتح فهو للإمام عليه السلام خاصة بلا خلاف، وحينئذٍ فلا يجوز
إحياؤه إلّا بإذنه إن كان موجوداً ظاهراً مبسوط اليد، بلا خلاف فيه، بل الإجماع بقسميه عليه. ويملكها المحيي من الشيعة عند عدم ظهوره عليه السلام وعدم بسط يده من غير إذن خاص، بلا خلاف ولا إشكال أيضاً، بل الإجماع بقسميه عليه.
ويدلّ عليه أيضاً صحيح
الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه عليهما السلام قالا: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: من أحيى أرضاً مواتاً فهي له».
والتفصيل في محلّه.
ذكر الفقهاء أنّه يجب على الإمام مع بسط يده جميع أفراد
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتي منها الجهاد، وقتال البغاة، وإقامة الحدود والتعزيرات، و
ردّ المظالم العامّة والخاصة، وغير ذلك ممّا لا يقوم به إلّاالإمام عليه السلام.
ويجب كفاية على النوّاب العامّة القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان واليد مع بسط يدهم، وعدم الخوف من حكّام الجور، وبقدر الميسور مع
الإمكان .
والتفصيل في محلّه.
يتمّ عقد الذمّة من قبل الإمام عليه السلام في زمن حضوره، ومن قبل نائبه في زمن غيابه مع بسط يده،
بل ادّعي نفي الخلاف فيه.
وذهب بعض الفقهاء إلى
إمضاء عقد الذمّة وعدم بطلانه إذا أجراه السلطان مع عدم بسط يد الإمام عليه السلام أو نائبه، فقد وجّه صاحب
الجواهر ما في بعض العبارات من أنّ عقد الذمّة للإمام عليه السلام ونائبه فقط؛ لأنّه مؤبّد، فكان النظر إليه فيه، يُراد منهما عند بسط يد الإمام لا مطلقاً حتى يقتضي
بطلان العقد معهم من قبل غير الإمام أو نائبه.
وأيّد ذلك بقول الإمام الرضا عليه السلام: «إنّ بني تغلب أنَفوا من
الجزية وسألوا عمر أن يعفيهم، فخشي أن يلحقوا بالروم، فصالحهم على أن صرف ذلك عن رؤوسهم، وضاعف عليهم
الصدقة ، فعليهم ما صالحوا عليه ورضوا به إلى أن يظهر الحقّ».
والتفصيل في محلّه.
لا
إشكال في وجوب
المرابطة لو نُذرت مع وجود الإمام عليه السلام وبسط يده، مع فقده وغيبته أو قصور يده فلا إشكال في استحبابها، بل لا خلاف معتدّ به في ذلك،
وذهب بعض إلى وجوبها مطلقاً مع النذر، سواء كان الإمام حاضراً أم غائباً.
والدليل على استحبابها مطلقاً ما رواه
سلمان عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «رباط ليلة في سبيل اللَّه خير من صيام شهر وقيامه، فإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمل واجري عليه رزقه وأمن الفتّان»، (الفتّان: يروى بضمّ الفاء وفتحها، فالضمّ جمع فاتن، أي يؤمن من
الإضلال عن الحقّ والفتنة، وبالفتح هو
الشيطان ؛ لأنّه يفتن الناس عن الدين. )
حيث لا تقييد فيها ببسط يد الإمام.
وقول الإمام الرضا عليه السلام في رواية
محمّد ابن عيسى ليونس : «... إذا كان ذلك كذلك فلا يقاتل عن هؤلاء، ولكن يقاتل عن بيضة الإسلام، فإنّ في ذهاب بيضة الإسلام دروس ذكر
محمّد صلى الله عليه وآله وسلم »،
ويعضد ذلك فتوى الفقهاء بالاستحباب.
ولو نذر شخص أن يصرف شيئاً على المرابطين وجب أيضاً مع بسط يد الإمام، ودلّ على ذلك الإجماع المحصّل والمنقول. ووقع
الاختلاف بين الفقهاء في حال غيبة الإمام أو قصور يده، فذهب بعض إلى وجوبه، وقال آخرون بحرمته ويصرفه في وجوه البرّ إلّامع خوف
الشنعة .
هناك أحكام ترتبط بالقضاء مأخوذاً فيها بسط اليد عند بعض الفقهاء نذكرها إجمالًا كما يلي:
لا ينفذ حكم القاضي الذي يتراضى به
أهل البلد في زمن حضور الإمام عليه السلام وبسط يده مع نصبه عليه السلام لغيره؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام كانا يرسلان القضاة إلى البلاد، فلا ينفذ حكم قاضٍ آخر مع وجود قاضٍ منصوب من قبل المعصوم.
وأمّا في زمن غيبة
المعصوم أو حضوره وعدم بسط يده، فإنّ
الإذن العام الصادر منهم عليهم السلام يقتضي نفوذ حكم القاضي الذي استقضاه
أهل البلد وطلبوا منه النظر في مرافعاتهم، على الخلاف في الصفات المعتبرة فيه، و
القدر المتيقّن هو المجتهد المطلق.
وتدلّ على ذلك رواية
أبي خديجة سالم بن مكرم الجمّال ، قال: قال
أبو عبد اللَّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام : «إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته قاضياً، فتحاكموا إليه».
والتفصيل في محلّه.
ذكر بعض الفقهاء أنّه لا يجوز لأحد
إقامة الحدود إلّاللإمام عليه السلام مع وجوده وبسط يده، أو من نصبه الإمام لإقامتها خاصّة،
ولا يجب على الفقيه الحقّ إقامة الحدود الشرعية مع فرض عدم بسط يده.
ولكن ذكروا أنّه مع عدم ظهوره عليه السلام وعدم بسط يده يجوز للمولى وإن لم يكن مجتهداً إقامة الحدّ على مملوكه، وفاقاً للمشهور نقلًا وتحصيلًا، بل كاد يكون إجماعاً.
وقد رخّصت الأخبار في ذلك، منها: خبر
عنبسة بن مصعب ، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إن زنت جارية لي أحدّها؟ قال: «نعم، وليكن في ستر؛ فإنّي أخاف عليك السلطان».
والتفصيل في محلّه. وهكذا ذكروا أنّه لا يجوز قتل المرتدّ إلّا مع وجود حاكم مبسوط اليد وثبوت
ارتداده عنده.
والتفصيل في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۲۰، ص۳۰۴-۳۱۳.