مسائل النزاع في الوكالة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(الثانية :) في مسائل النزاع.
(إذا اختلفا في
الوكالة ) ولا بيّنة (فالقول قول المنكر مع يمينه) بلا خلاف؛ للأصل، وعموم الخبر : «البيّنة على المدّعى واليمين على من أنكر».
ولا فرق في المنكر بين كونه الوكيل أو الموكّل.
وتظهر فائدة إنكار الوكيل فيما لو كانت الوكالة مشروطة في
عقدٍ لازمٍ لأمرٍ لا يتلافى حين
النزاع ، كما إذا اشترى داراً بشرط أن يوكّله البائع في بيع عبده، فيدّعي البائع حصول التوكيل المشروط بعد وفاة العبد ليستقرّ بيع الدار بحصول الشرط، وينكره المشتري ليتزلزل له البيع ويتسلّط على
فسخه، بناءً على أن الشروط الجائزة في
العقد اللازم تجعله جائزاً، بمعنى أنّه لو لم يف الشارط بالشرط يتسلّط المشروط له على
الفسخ، فالتسلّط على
الفسخ فائدة إنكار
الوكيل .
(ولو) اتّفقا عليها ولكن (اختلفا في العزل أو في
الإعلام أو في التفريط) أو قيمة التالف بعد
الاتّفاق عليه ولا بيّنة (فالقول) في جميع ذلك (قول الوكيل) بلا خلاف، بل عليه
الإجماع في الأولين في الغنية؛
وهو الحجّة.
مضافاً إلى
الأصل ، وعموم الرواية المتقدّمة، وخصوص بعض المعتبرة في الثاني : في امرأة وكّلت أخاها ليزوّجها، ثم عزلته بمحضر الشهود وادّعت إعلامه بالعزل وأنكره
الأخ ، فأتيا
الأمير عليه السلام ، فطلب منها الشهود فأتت بالشهود الذين عزلته بمحضرهم، فشهدوا على العزل دون الإعلام، فلم يقبله عليه السلام وأمضى تزويج الأخ وأحلفه. والرواية طويلة مرويّة في
التهذيب في كتاب الوكالة.
(وكذا لو اختلفا في التلف) يقدّم فيه قول الوكيل، بلا خلاف، بل عليه الإجماع في
المسالك وشرح القواعد؛
وهو الحجّة المخصّصة للأصل وعموم الرواية، مع أنّه
أمين وقد يتعذّر عليه
إقامة البينة فاقتنع بقوله.
ولا فرق في ذلك بين دعواه التلف بأمر ظاهر أو خفي، بلا خلاف في الظاهر، بل عليه الإجماع في ظاهر المسالك.
(ولو اختلفا في الردّ فقولان، أحدهما : أن القول قول الموكّل مع يمينه) للأصل، وعموم الرواية، ذهب إليه الحلّي والماتن في
الشرائع والفاضل وولده والشهيدان في اللمعتين.
(والثاني :) أن (القول قول الوكيل ما لم يكن) وكالته (بجُعل وهو أشبه) وفاقاً للمبسوط والقاضي والتنقيح،
بل في الشرائع وشرحه للصيمري نُسب إلى المشهور.
أمّا الأوّل : فلأنّه أمين وقد قبض المال لمصلحة المالك فكان محسناً محضاً كالودعي.
وأمّا الثاني : فلما مرّ من الأصل وعموم الخبر.
وأمّا ما ذكره في
الروضة : من أنّه يضعّف الأوّل بأن
الأمانة لا تستلزم القبول كما لا تستلزمه في الثاني مع اشتراكهما في الأمانة، وكذلك
الإحسان ، والسبيل المنفي مخصوص؛ فإن اليمين سبيل.
فغير مفهوم؛
لاستفاضة النصوص باستلزام الأمانة القبول، ولذا تمسّك الأصحاب بها له في مواضع، حتى هو بنفسه في الكتاب المذكور في تقديم قوله في التلف هنا، فقال : لأنّه أمين وقد يتعذّر،
إلى آخر ما ذكرناه، ولم يأت بحجّة أُخرى غيره، وهو بعينه جارٍ هنا.
ولا ينافيه عدم
استلزامها إيّاه في الثاني بالإجماع؛ فإنّ العام المخصّص حجّة في الباقي.
وبه يظهر الجواب عمّا ضعّف به نفي السبيل عليه مع إحسانه : من توجّه اليمين عليه بلا خلاف، بل إجماعاً، كما ادّعاه في المسالك؛
فإنّ ثبوت مثل هذا السبيل عليه بالإجماع لا ينافي عدم ثبوت غيره عليه للعموم إلاّ على القول بكونه بعد التخصيص غير حجّة في الباقي، وهو مع أنّه خلاف التحقيق خلاف ما عليه كافّة المحقّقين، كما صرّح هو به في حاشية الكتاب المزبور في هذا المقام، هذا.
وقد ادّعى في المهذّب الإجماع على القبول، فقال : الامناء على ثلاثة أقسام : الأوّل : من يقبل قوله في الردّ إجماعاً، وضابطه من قبض العين لنفع المالك، فهو محسن محض، فيقبل قوله في ردّها حذراً من مقابلة الإحسان
بالإساءة ، واستشكله العلاّمة من حيث إنّ الأصل عدم الردّ، وهو نادر، وجزم في كتاب فتواه بموافقة الأصحاب.
وهو كما ترى شامل للمقام وإن نقل الخلاف فيه قبل هذه الدعوى، فإنّ خروج معلومي النسب ولو كانوا مائة غير قادح في
انعقاد الإجماع عنده وعند الأصحاب كافّة.
(الثالثة : إذا زوّجه) امرأة (مدّعياً وكالته) على تزويجها، أو مطلقاً (فأنكرها الموكّل فالقول قول المنكر مع يمينه) وعدم بيّنة للمدّعي، بلا خلاف؛ للأصل، وعموم الخبر المتقدّم.
(وعلى الوكيل مهرها) كملاً، وفاقاً للنهاية والقاضي وقوّاه الحلّي؛
لأنّ المهر يجب
بالعقد كملاً ولا ينتصف إلاّ بالطلاق المفقود في المقام، وقد فوّته الوكيل عليها بتقصيره في
الإشهاد فيضمنه.
(وروى) في التهذيب في باب زيادات
النكاح في الصحيح، عن أبي عبيدة : في رجل أمرَ رجلاً أن يزوّجه امرأة من
أهل البصرة من بني تميم، فزوّجه امرأة من أهل الكوفة من بني تميم، قال : «خالف أمره، على المأمور نصف الصداق لأهل
المرأة ولا عدّة عليها ولا ميراث بينهما» فقال له بعض من حضر : فإن أمر أن يزوّجه امرأة ولم يسمّ
أرضاً ولا قبيلة ثمّ جحد الآمر أن يكون أمره بذلك بعد ما زوّجه، فقال : «إن كان للمأمور بيّنة أنّه كان أمره أن يزوّجه كان الصداق على الآمر لأهل المرأة، وإن لم تكن بيّنة كان الصداق على المأمور لأهل المرأة ولا ميراث بينهما ولا عدّة، ولها نصف
الصداق إن كان فرض لها صداقاً، وإن لم يكن سمّى لها صداقاً فلا شيء».
وهو صريح في أن عليه لها (نصف مهرها).
ونحوه رواية أُخرى مرويّة في التهذيب أيضاً في كتاب
الوكالة ،
وزاد فيها التعليل بما ذكره بقوله : (لأنّه ضيّع حقّها) بترك الإشهاد.
وبهما أفتى الطوسي في المبسوط
واختاره الحلّي،
ونسبه في المسالك وفاقاً للمحقّق الثاني إلى المشهور،
وفي الروضة إلى الأكثر.
وهو أقوى؛ لانجبار مخالفتهما الأُصول وضعف الثانية بالشهرة المحكيّة، بل المحقّقة في الجملة؛ لاتّفاق المشهور على ثبوت المهر في الجملة وإن اختلفوا في الكمال والنقيصة، فيحصل لهما
الانجبار بالإضافة إلى مخالفة الأُصول البتّة.
ويكفي لانجبار الثانية بما فيها من الضعف والجهالة موافقتها الأصل؛ لأصالة
براءة ذمّة الوكيل عن الزيادة؛ مضافاً إلى
الاعتضاد بالصحيحة، والشهرة المحكية، وسلامتها كالصحيحة عمّا تصلح للمعارضة في
إثبات الزيادة.
والعلل المتقدّمة مع أنّها
اجتهادات في مقابلة النصوص المعتبرة مخدوشة بابتنائها أوّلاً : على صحّة
العقد، والموافق للأُصول فساده بالضرورة.
وثانياً : على تقديرها مقتضاها لزوم المهر على من
عقد له دون الوكيل، وسببيّة تقصيره للزومه عليه بمجرّده غير معلومة، مع عدم وجوب الإشهاد عليه أوّلاً في الشريعة، مع أنّه على تقدير تماميّته مقصور بصورة تقصيره وقد لا يحصل منه بأن أشهد ثم توفّي الشهود، والحكم بالتمام جارٍ عندهم في هذه الصورة، فالدليل مقدوح بالأخصّية.
وما ذكرناه وإن كان جارياً في لزوم النصف أيضاً، بناءً على أن مقتضاه
بطلان العقد في الظاهر فكما لا
عقد فكذا لا مهر بالكليّة، إلاّ أنّه خرجت بالنصوص المعتبرة المعتضدة بما قدّمناه من الشهرة العظيمة، ولولاها لكان المصير إلى ذلك متعيّناً، كما حكاه الفاضلان في الشرائع والمختلف
قولاً لكن لم يسمّيا له قائلاً معروفاً، ومالا إليه أيضاً كالمسالك والروضة
والصيمري في شرح الأوّل. وهو حسن لولا ما تقدّم.
ثم ما تضمّنه صدر الصحيحة قد حكي الفتوى به عن النهاية
إلاّ أنّه أفتى بتمام المهر دون نصفه، وهو محجوج بها، فإنّها مع صحّتها في ردّها صريحة.
(و) كيف كان، يجب (على الزوج) المنكر للوكالة (أن يطلّقها سرّاً) إن أبى عن الجهار (إن كان وكّل) حقيقة، بلا خلاف، وبه صرّحت الرواية الثانية، قال بعد التعليل المتقدّم : «حلّ لها أن تتزوّج ولا يحلّ للأوّل فيما بينه وبين الله تعالى إلاّ أن يطلّقها، لأنّ الله تعالى يقول : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ)
فإن لم يفعل فإنّه مأثوم فيما بينه وبين الله تعالى، وكان الحكم الظاهر حكم
الإسلام ، وقد أباح لها أن تتزوّج».
وما تضمّنته من اختيارها في التزويج من الغير عليه كافّة الأصحاب؛ لما تقدّم من فساد
العقد.
وإن النكتة في وجوب المهر نصفاً إنما هو تقصير الوكيل في حقّها.
لكن صرّح جماعة
باشتراطه بعدم تصديقها الوكيل على الوكالة، وإلاّ فليس لها
الخيار؛ لكونها باعترافها زوجة، والحجّة فيه واضحة، وليس في
إطلاق الرواية بإثباتها
الخيار لها منافاة لذلك، بناءً على ورودها مورد الغالب وهو عدم تصديقها للوكيل على الوكالة.
ولو امتنع من الطلاق حينئذٍ لم يجبر عليه؛ لانتفاء
النكاح ظاهراً.
وحينئذٍ ففي تسلّطها على
الفسخ، دفعاً للضرر، أو تسلّط الحاكم عليه، أو على الطلاق، أو بقائها كذلك حتى تطلق أو يموت، أوجه.
ولو أوقع الطلاق معلّقاً على شرطٍ، ك «إن كانت هذه زوجتي فهي طالق» صحّ ولم يكن إقراراً ولا تعليقاً مانعاً عن صحّته؛ لأنّه أمر يعلم حاله، لكن هذا إذا لم يكن
الإنكار مستنداً إلى نسيان التوكيل، وإلاّ فلا يصحّ، فتأمّل.
وكذا في نظائره كقول من يعلم أن اليوم الجمعة : إن كان اليوم
الجمعة فقد بعتك كذا، أو غيره من
العقود.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۸۲- ۸۹.