الإحبال
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو بمعنى
الامتلاء ويطلق على
الجنين لامتلاء
الرحم به.
الإحبال إفعال من الحَبَل بفتحتين
مصدر حَبِلَ كفَرِح
بمعنى الامتلاء، يقال: حَبِل من
الشراب والماء: انتفخ
بطنه وامتلأ،
ويطلق على الحمل والجنين لامتلاء الرحم به.
وفي
معجم مقاييس اللغة: «الحاء والباء واللام
أصل واحد يدلّ على امتداد الشيء، فالحبل
الرسن وهو معروف». ثمّ قال: «ومن الباب الحَبَل وهو الحمل؛ وذلك أنّ
الأيّام تمتدّ به».
والمستفاد من إطلاق كلمات أكثر
أهل اللغة بل صريح بعضهم كما في
العين: «حبِلت
المرأة حَبَلًا فهي حُبلى،
وشاة حُبلى».
عدم الفرق فيه بين
الإنسان وغيره، وبين ما إذا حصل الحبل بالوجه المتعارف وغيره. نعم قد يقال باختصاصه
بالآدميات، وأمّا غير الآدميات من
البهائم والشجر فيقال فيها:
حمل لا الحبل.
وليس
للفقهاء إطلاق غير
المعنى اللغوي المذكور.
وهو إفعال من نَجُب ينجُب نجابة كشرف بمعنى ظهور
النجابة والفضل،
ويقال: أنجب فلانٌ أي وُلد له
ولد نجيب.
وقد يستعمل في لسان
العرف في مطلق الاستيلاد- أي الحبل والإحبال- فيقال:
(هذا
الرجل لا يتمكن من الإنجاب) أو (هذه المرأة لا تتمكّن من الإنجاب)، فهو يرادف الحبل والإحبال.
وهو حالة تحول دون
التناسل، فهو مقابل الإنجاب،
والعقيم هو الذي لا يولد له، يطلق على
الذكر والانثى، فيقال: رجل عقيم وامرأة عقيم.
وهو في
اللغة بمعنى إقلال الشيء ونقله مصاحباً،
ويطلق على حمل المرأة
جنينَها كما في قوله تعالى:
«وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً»
كما يطلق أيضاً على نفس المحمول في الباطن
كالجنين كما في قوله تعالى: «حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ»،
وقوله تعالى: «وَ تَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها».
لا
إشكال في
جواز إحبال
الزوج زوجته والمولى أمته ولو من دون
رضاهما. وقد يقال
باستحباب الحبل والإحبال مقدّمة لما رغّب فيه
النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تكثير الامّة حيث رغّب في
الزواج من
المرأة الولود.
فعن
أبي جعفر عليه السلام قال: «قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: تزوّجوا
بكراً ولوداً، ولا تزوجوا حسناء جميلة
عاقراً، فإنّي اباهي بكم
الامم يوم
القيامة».
وعن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «جاء رجل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا نبي اللَّه إنّ لي
ابنةُ عَمّ قد رضيتُ جمالها وحسنها ودينها ولكنّها عاقر، فقال: لا تزوّجها، إنّ
يوسف بن
يعقوب لقى
أخاه فقال: يا أخي كيف استطعت أن تتزوّج النساء بعدي؟
قال: إنّ
أبي أمرني وقال- يعني يعقوب-: إن استطعت أن تكون لك
ذرّية تثقل
الأرض بالتسبيح فافعل، قال: فجاء رجل من الغد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له مثل ذلك، فقال له: تزوّج سوءاء ولوداً، فإنّي مكاثر بكم الامم يوم القيامة...»
الحديث.
وفي بعض
الروايات ولو بالسقط،
وهذا المضمون مشهور في
كتب الحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد يجب الإحبال كما إذا خيف على بيضة
الإسلام أو
المذهب من قلّة
أهله، كما قد يحرم إذا خيف على نفس الحامل بما يوجب
هلاكه.
الإحبال قد يكون
بالجماع المشروع وقد مرّ
حكمه، وقد يكون بالطرق غير المألوفة
كالتلقيح الصناعي، ومجمل الحكم فيه أنّه لا إشكال فيه لو لم يستلزم
حراماً آخر، وإنّما الإشكال في إحبال
الأجنبية بماء الرجل الأجنبي.
لا تجوز
الجناية على
الحرّ أو
الحرّة بإبطال
قوّتهما على الحبل أو الإحبال سواء كان
بإخصاء أو رضّ
الخصيتين أو إشراب
دواء يوجب تعطيلهما؛ لأنّه جناية على
المنافع وإضرار بالغير فيكون محرّماً، وفيه
الدّية أو
الأرش بلا إشكال كما ثبت في محلّه.
وأمّا إقدام الإنسان نفسه وبرضاه على تعطيل هذه القوّة وعلى ما يوجب
عقم نفسه فالمعروف أنّه لا يجوز له ذلك
مع صدق الجناية والإضرار بالنفس؛ لحرمة مثل هذا الفعل، كما صرّح به بعضهم.
والظاهر من بعض المعاصرين عدم صدق الجناية إذا كان لهما
أولاد متعددون.
وكذلك
الرقّ لا يجوز له ولا لغيره- ولو كان
مالكه ومولاه- أن يقوم بذلك؛ لصدق الجناية والإضرار بمجرد تعطيل هذه القوة والقابليّة في
الإنسان، والمالك إنّما يجوز له استيفاء منافع مملوكه لا الجناية عليه، وكذا تأديبه بما لا يوجب
حداً أو
تعزيراً.
بل قد يوجب مثل هذا الفعل
الانعتاق مع صدق
التنكيل،
وقد يعدّ منه
الجبّ كما في بعض الروايات.
وأمّا
الحيوان فيجوز فعل ذلك به إذا كان في ملك الشخص نفسه،
نعم إذا صدق عليه عنوان
التعذيب ولم يكن
لغرض مشروع فقد يحكم بحرمته من جهة حرمة
تعذيب الحيوان.
الحكم في دية إبطال قوّة الحَبل والإحبال في الغير بلا إذنه ورضاه هو الحكم في دية الجناية على المنافع؛ لأنّهما منها، فيتعلّق باتلافهما ديتها بتناسب
الرجولةوالانوثة والحرّية والرقّية.
«
قوّة الإمناء والإحبال فيهما الدّية».
«في تعذّر إنزال المني حالة الجماع الدية؛ لفوات الماء المقصود
للنسل، وفي معناه تعذّر الإحبال والحَبل- وإن نزل المني- لفوات النسل، لكن في تعذّر الحَبَل دية المرأة إذا ثبت استناد ذلك إلى الجناية».
ومستند الحكم- مضافاً إلى
القاعدة المستفادة من عموم بعض
الأخبار بمضمون أنّ ما في الجسد منه واحد ففيه الدية وما كان منه اثنان ففيه نصف الدية
- خصوص رواية
سليمان بن خالد سأل
الصادق عليه السلام عن رجل وقع
بجارية فأفضاها وكانت إذا نزلت بتلك المنزلة (أي سنّ الحبل) لم تلد؟ قال: «الدية كاملة».
ولكن قد يستشكل في شمول تلك القاعدة للمنافع؛ لتبادر غير المنافع منها،
كما يستشكل في مستندها
بالإرسال،
كما يشكل في رواية سليمان باختصاصها بالحَبل، فيحتمل الفرق بين الحَبل والإحبال،
ولذلك استقرب بعض المعاصرين أنّ في دية الجناية على الإحبال
الحكومة.
الجناية على
الحبلى باسقاط حملها حرام وموجب للدية أيضاً كما مرّ في
الإجهاض، سواء كانت من جانبها أو من جانب غيرها.
وهو بأن يشترط أحد الزوجين على الآخر في ضمن
العقد أن يمنع من حصول الحبل أو الإحبال بعزل أو غيره.
أمّا اشتراط الزوج على الزوجة ذلك فهو جائز له ويبطل به حقّ المرأة، ولا يحقّ لها بعد ذلك مطالبة الإحبال، وهذا
الفرض هو القدر المتيقّن من موارد جواز العزل عن الحرّة كما سيأتي.
وأمّا اشتراط الزوجة على زوجها ذلك- بالعزل أو بغيره من أنحاء
المنع الجائزة- فالظاهر
صحّته أيضاً بمقتضى إطلاقات صحّة الشروط، كما صرّح به بعضهم.
والقول بأنّ الغرض في
العقد الدائم هو
الاستيلادوالتناسل، وهذا ينافيه الشرط المزبور. يردّه: مضافاً إلى
ورود النصّ بجواز اشتراط
العزل، أنّ هذا لو سلّم إنّما هو في
الأغراض المنحصرة و
العلل التامّة، وليس كذلك الاستيلاد، بل هو منها لا تمامها. على أنّ هذه المنافاة إنّما تلاحظ بين الشروط ومقتضى العقود لا الأغراض.
نعم، قد يقال: إنّ النصّ الوارد في العزل إنّما هو في اشتراط الزوج على الزوجة دون العكس، إلّا أنّ ذلك لا خصوصية فيه
عرفاً باعتبار أنّ الزوجة هي الطالبة والراغبة في عدم العزل عادة، ومن هنا قيل باشتراط رضاها في تجويز العزل إذا كانت حرَّة.
يجوز العزل- بإفراغ
المني خارج
الفرج- في الأمة وإن كانت منكوحة بعقد دائم،
وقد ادّعي عدم الخلاف فيه.
وكذا في الحرّة المتمتّع بها، وهو محل وفاق،
بل ادعي عليه
الإجماع بقسميه
أيضاً.
وأمّا الحرّة الدائمة فظاهر
المفيدوالشيخ الطوسي والشهيد الحرمة،
لكن الأشهر بل المشهور
الكراهة. وعلى كلّ تقدير فيرتفع الحكم المزبور برضاها أو اشتراط ذلك عليها ضمن العقد كما تقدّم.
«العزل من الحرّة لا يجوز إلّا برضاها، فمتى عزل بغير رضاها أثِم».
وقال أيضاً: «يكره للرجل أن يعزل عن امرأته الحرّة، فإن عزل لم يكن به
مأثوماً، غير أنّه يكون تاركاً فضلًا. اللهم إلّا أن يشترط عليها في حال العقد أو يستأذنها في حال
الوطء، وأمّا الأمة فلا بأس بالعزل عنها على كلّ حال».
«العزل عن الحرّة إذا لم يشترط في العقد ولم تأذن قيل: هو محرّم، وقيل: هو مكروه، وهو أشبه».
وقال: «يجوز العزل للمتمتع، ولا يقف على
اذنها».
وقال في
الدّيات: «أمّا العزل عن الأمة فجائز، ولا دية وإن كرهت».
هذا كلّه في العزل، وأمّا لو لم يعزل فهل له إجبار زوجته بتناول دواء أو أن تفعل بنفسها ما يمنع من الإنجاب؟ صريح بعضهم العدم،
وتفصيله متروك إلى محلّه.
وذلك بأن تتناول
دواء أو
قرصاً أو تزرّق
إبرة تمنع من
انعقاد النطفة، أو أن تفعل بنفسها فعلًا يمنع من نزول مائها واختلاطه بماء الرجل، وهو جائز مع إذن الزوج أو اشتراط ذلك عليه في ضمن العقد
بناءً على أنّ الاستيلاد من حقوقه، أو طرو العناوين الثانويّة من
مرض أو
حرج ونحوه.
وأمّا العمل الموجب للعقم والمنع من الإنجاب على وجه الدوام من دون مرض واضطرار فالمعروف فيها أنّه حرام لصدق الجناية أو الانقاص على النفس.
الحبل والإحبال ليسا بنفسهما من علائم
البلوغ في حقّ الرجال والنساء ولكنّهما باعتبار كشفهما عن سبق الإمناء يكشفان عن بلوغ سابق.
فيترتّب أحكام الاستيلاد
كضمان الواطئ
لقيمتها للمالك إذا كان الحبل من دون إذن المالك ونحوها.
إحبال الأمة
المرهونة قبل قبضها للمرتهن تصرّف فيها فيكون بمنزلة الرجوع بناءً على اشتراط لزوم الرهن
بالقبض، وأمّا الإحبال بعد القبض ولزوم الرهن فلا يؤثر في انحلاله شيئاً ولو كان بإذن المرتهن. هذا في الإحبال، وأمّا
الوطء من دون إحبال فلا يؤثر شيئاً على كلّ حال.
لو أحبل الرجل زوجته فنزل
اللبن قبل
الولادة ففي جريان أحكام
الرضاع على هذا اللبن خلاف، صرّح بعضهم بالعدم قائلًا: «إنّ اللّبن الذي ينزل على الإحبال لا حرمة له وإنّما الحرمة ما ينزل على الولادة».
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۱۷-۲۳.