الإفطار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى
إتيان الصائم بما يفسد صومه،
كالأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء
والكذب على اللَّه
ورسوله متعمّداً وغيرها من المفطرات.
الإفطار- لغة-: مشتقّ من الفطر- بالفتح- بمعنى الشقّ، يقال: فطر اللحم، إذا شقّه، وانفطرت السماء، أي انشقّت.
وبمعنى الخلق، فطر الخلق، أي خلقهم، وفطر الأمر بمعنى ابتدأه وأنشأه.
وبالكسر بمعنى
نقيض الصوم ، يقال: فطر الصائم، وأفطر، إذا أكل وشرب.
وقد استعمله
الفقهاء في المعنى اللغوي الأخير، وهو
إتيان الصائم بما يفسد صومه،
كالأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء
والكذب على اللَّه
ورسوله متعمّداً وغيرها من المفطرات.
وهو- لغة-
الكفّ والامتناع ، ومنه
الإمساك في الصوم؛ لأنّ الصوم لغة هو مطلق الإمساك ثمّ استعمل في
الشرع في الإمساك المخصوص، أي الكفّ والامتناع عمّا حرمه الشارع من المفطرات من
طلوع الفجر إلى
غروب الشمس مع
النية . وعلى هذا فهو على خلاف الإفطار.
قد اتّضح من تعريف الإمساك أنّ الصوم في اللغة مطلق الإمساك، وفي الشرع هو الإمساك عن المفطرات التي حددها
الشارع وفي الوقت المحدد أيضاً مع النية، فهو عكس الإفطار.
يختلف
حكم الإفطار
تكليفاً باختلاف الحالات والموارد، فإنّه إذا وجب الصوم على المكلّف وتعيّن ولم يحصل مسوّغ شرعي للإفطار يكون محرماً كالإفطار في شهر
رمضان أو
قضائه بعد
الزوال بناءً على ما هو المعروف بين الفقهاء من
جوازه قبل الزوال وعدم جوازه بعده.
وإن ظهر من بعض المتقدمين عدم جوازه قبل الزوال أيضاً حيث ذكر أنّه إذا أفطر في يوم عزم على صومه قضاءً قبل الزوال فهو مأزور وإن كان بعد الزوال تعاظم وزره،
وكذا قبل الزوال مع ضيق وقته فإنّه حينئذٍ لا يجوز مطلقاً لذلك، كما لو لم يبق من
شعبان إلّا ما يمكن إتيان القضاء فيه.
كما لا يجوز الإفطار في كل صوم اتّصف
بالوجوب والتعين غير شهر رمضان وقضائه
كالنذر المعيّن
إذا لم يوافق اليوم الذي يحرم صيامه- كيوم
العيد - وصوم
الاعتكاف الذي وجب بمضي يومين بالشروع فيه،
فلا يحرم الإفطار في الصوم
الواجب الموسع كقضاء شهر رمضان قبل الزوال ومع السعة وصوم النذر غير المعيّن وصوم
الكفارة .
وخالف في ذلك بعض الفقهاء فأوجب المضي في كلّ صوم واجب شرع فيه وحرّم قطعه مطلقاً؛
عملًا بعموم
النهي عن
إبطال العمل، خرج من ذلك قضاء شهر رمضان
بالنص وبقي الباقي.
وساوى بعضهم بين قضاء النذر وقضاء شهر رمضان في الحرمة بعد الزوال.
هذا، وقد ضعف الجميع، للأصل بعد عدم الدليل على الحرمة في غير المنصوص والمعين.
في حين أنّه يباح الإفطار في مواضع كثيرة كما في الصوم
المندوب فإنّه يجوز فيه الإفطار في أيّ وقت شاء، وفي الصوم الواجب غير المعيّن وفي قضاء شهر رمضان قبل الزوال وفي الصوم الواجب مع حصول المسوّغ الشرعي الذي يأتي ذكره تحت عنوان مسوّغات الإفطار، بل قد يجب بمعنى عدم صحّة الصوم أو بمعنى
حرمته كما لو حكم الشارع بوجوب الإفطار على نحو
العزيمة لا
الرخصة ، أو كان الصوم مستلزماً
للإضرار أو
الهلاك أو غير ذلك، كما ستسمع موارده في مسوّغات الإفطار.
وبين هذا وذاك قد يتصف الإفطار
بالاستحباب أو
الكراهة ، ومثال الأوّل الإفطار عن الصوم المستحب
استجابة لدعوة المؤمن ، فإنّه تستحب إجابته بلا خلاف
بل عليه
الاتّفاق ؛
للنصوص المستفيضة
:
منها: قول
أبي عبد اللَّه عليه السلام في
رواية جميل بن دراج : «من دخل على أخيه وهو صائم فأفطر عنده ولم يعلمه بصومه فيمنّ عليه، كتب اللَّه له صوم سنة».
ومنها: رواية
إسحاق بن عمار عنه عليه السلام أيضاً: «إفطارك لأخيك المؤمن أفضل من صيامك تطوعاً».
ومنها: قول
أبي الحسن الماضي عليه السلام حين سئل عن حكم الإفطار إذا دعاه قوم إليه: «افطر فإنّه أفضل».
فالمستفاد من هذه الروايات أنّ
الإجابة إلى الإفطار أفضل من الصوم،
والحكمة في ذلك إجابة دعوة المؤمن
وإدخال السرور عليه وعدم ردّ قوله، لا مجرّد كونه أكلًا.
وقد ذكر بعض الفقهاء أنّه لا فرق في ذلك بين دعائه في أوّل النهار وآخره، ولا بين مهيّئ الطعام له ولغيره ولا بين من يشق عليه المخالفة وغيره؛
لاطلاق النص، نعم، يشترط كونه مؤمناً.
وأمّا مثال
المكروه فإفطار الصائم ندباً بعد الزوال كما صرّح بذلك بعض الفقهاء؛
لرواية
مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللَّه عن أبيه عليهما السلام: «أنّ
عليّاً عليه السلام قال: الصائم تطوعاً
بالخيار ما بينه وبين نصف النهار، فإذا انتصف النهار فقد وجب الصوم».
ورواية
معمر بن خلاد عن أبي الحسن عليه السلام قال:... فقلت: وكذلك في
النوافل ليس لي أن أفطر بعد
الظهر ؟ قال: «نعم»؛
حملًا لهما على الكراهة بقرينة ما دلّ على
جواز الإفطار فيه في أيّ وقت شاء،
مع أنّ بقاءهما على ظاهريهما يوجب طرحهما بالشذوذ، مضافاً إلى أنّه مع
التعارض تترجح أحاديث الجواز بالأصحّية والأشهريّة والأصرحيّة.
هذا مع خفاء
الدلالة على الحرمة في الأخيرة؛ لجواز أن يكون قوله عليه السلام: «نعم» بمعنى: لك أن تفطر، بل لو كان بمعنى ليس لك أن تفطر أيضاً ليس صريحاً في الحرمة؛ لاحتمال نفي
الإباحة بالمعنى الخاص.
هذا، وقد استثنى الفقهاء من هذه الكراهة من يدعى إلى طعام،
بل قالوا بأنّه يكره له المضي فيه حينئذٍ،
وقد تقدّم استحباب ذلك آنفاً.
هذا هو مجمل حكم الإفطار من الناحية التكليفية. ومزيد التفاصيل في محالّها من المصطلحات ذات العلاقة خصوصاً مصطلح (صوم).
•
مسوغات الإفطار .
•
ما يترتّب على الإفطار المحرّم (عقوبة الإفطار) .
لو أفطر
نسياناً - بأن تناول المفطر ناسياً عن كونه صائماً- لا يبطل صومه، سواء كان
واجباً أو
ندباً ، فلا يترتّب عليه
قضاء ولا
كفّارة .
قال
العلّامة الحلّي : «لا خلاف بين علمائنا في أنّ الناسي لا يفسد صومه، ولا يجب عليه قضاء ولا كفّارة بفعل المفطر ناسياً».
واستدلّ عليه بعدّة روايات، منها:
صحيح
الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: أنّه سئل عن رجل نسي فأكل وشرب ثمّ ذكر، فقال: «لا يفطر، إنّما هو شيء رزقه اللَّه فليتمّ صومه»،
ونحوه غيره ممّا لا فرق في إطلاقه-
كالفتوى - بين أقسام الصوم الواجب والمندوب، والمعيّن وغيره، ولا بين أفراد المفطرات.
إكراه
الصائم على الإفطار يكون على نحوين:
أن يبلغ به
الإكراه حدّاً يرفع معه قصده كما لو اوجر في حلقه أو كان إكراه
قهر ، فقد ادّعي نفي الخلاف في عدم
بطلان صومه بذلك،
وصرّح به جماعة من
الفقهاء .
أن يتوعّد على ترك الإفطار بما يكون مضرّاً به في نفسه أو من يجري مجراه بحسب حاله مع قدرة المتوعّد على فعل ما توعّد به وشهادة القرائن بأنّه يفعله به لو لم يفعل، ولم يبلغ إكراهه حدّاً يرفع قصده، كمن خوّف حتى أكل باختياره، فقد وقع الخلاف في أنّ الإفطار عن الإكراه بهذا النحو هل يبطل الصوم أو لا؟ على قولين:
أنّه لا يفطر بذلك،
وقد نسب هذا القول إلى الأكثر.
وقد استدلّ عليه:
أوّلًا:
بالأصل .
وثانياً:
بحديث الرفع .
وثالثاً: بأنّ المكره لا خيرة له، فلا يتوجّه إليه النهي، فيكون تناوله سائغاً كالناسي.
ولا ينافيه ترتّب القضاء على إفطار المريض بعد اختصاصه بالدليل.
بطلان الصوم بذلك، ذهب إليه
الشيخ الطوسي قدس سره في
المبسوط وجماعة،
ويجب عليه
القضاء دون
الكفّارة .
وقد استدلّ عليه:
أوّلًا: بأنّه فعل المفطر اختياراً، فيدخل تحت إطلاقات فساد الصوم به، ووجوب القضاء وعموماته.
وثانياً: وبما دلّ على حكم اليوم الذي يفطر
للتقية ؛ إذ هو في معنى الإكراه،
كمرسل
رفاعة عن
الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: دخلت على
أبي العبّاس بالحيرة ، فقال: يا أبا عبد اللَّه، ما تقول في الصيام اليوم؟ فقال: «ذاك إلى الإمام إن صمت صمنا، وإن أفطرت أفطرنا». فقال: «يا غلام، عليّ بالمائدة، فأكلت معه وأنا أعلم واللَّه أنّه يوم من شهر رمضان، فكان إفطاري يوماً وقضاؤه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي ولا يعبد اللَّه».
وفي المرسل الآخر: «أفطر يوماً من شهر رمضان أحبّ إليّ من أن يضرب عنقي»،
حيث أطلق عليه اسم الإفطار.
•
آداب الإفطار .
لا إشكال في أنّ وقت الإفطار
غروب الشمس ،
ولا خلاف فيه،
وإنّما وقع الخلاف في
كفاية غياب القرص وعدمه على قولين:
الأوّل: ما هو
المشهور من عدم كفاية ذلك، بل لابدّ من ذهاب
الحمرة المشرقية .
قال
المحقّق الحلّي : «وقت الإفطار ذهاب الحمرة المشرقية، وهو وقت وجوب
صلاة المغرب ».
الثاني: هو
استتار قرص الشمس، ذهب إليه
ابن بابويه في كتاب
علل الشرائع ،
والشيخ الطوسي في موضع من
المبسوط وقوّاه في
المدارك .
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۳۱۸-۳۴۲.