الإحصار (أسبابه)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإحصار (توضيح).
يبحث هنا عن سبب الإحصار هل ينحصر
بالمرض فقط أم تلحق به
الموانع الاخرى التي توجب تعذّر
إتمام النسك من كسر أو هلاك دابة أو غير ذلك؟ وعلي أىٍّ من
التقديرين فهل يعمّ حكم الإحصار
السبب الذي يرجى معه زوال
المانع أم يختصّ بما يقطع بعدم زواله؟ فالبحث يقع في مقامين:
لا
إشكال في حصول الإحصار بسبب
المرض الذي يعجز معه عادة عن
إتمام نسكه، ويتفاوت ذلك بالنسبة إلى
الحج و
العمرة كما سيأتي، وهذا ممّا لا
خلاف فيه،
بل ادّعي
استفاضة الإجماع عليه.
قال
الشهيد الثاني : «
اختصاص الحصر بالمرض هو الذي استقرّ عليه رأي أصحابنا ووردت به نصوصهم».
وتدلّ عليه روايات عديدة:
منها:
صحيحة معاوية بن عمّار عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام ، قال: «
المحصور هو المريض، و
المصدود هو الذي يردّه
المشركون كما ردّوا
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ليس من مرض».
ومنها: ما ورد في
الرواية الحاكية لعمرة
الإمام الحسين عليه السلام ، وأنّه احصر بالمرض.
إلى غير ذلك من الروايات التي سيأتي بعضها.
وهذا هو
المتيقن نصاً وفتوى وإنّما
الكلام في غيره من موانع إتمام النسك، وهي على قسمين:
لو كان السبب المانع من إتمام نسكه الموانع الداخلية كالكسر و
الجرح و
الزمانة ، فقد ذهب عدّة من الفقهاء- سيّما
المعاصرين منهم
في المكسور
- إلى أنّ الامور المذكورة من أسباب الإحصار.
قال
الشيخ جعفر كاشف الغطاء في تعريف
المحصر : «هو
الممنوع عن دخول مكّة في العمرة أو
الموقفين في الحج على نحو ما مرّ بسبب المرض، ويلحق به
الكسر والجرح و
القرح و
العرج الحادث والزمانة المانعة عن السير بجميع أقسامه».
وكذا عمّمه بعض المعاصرين
لكلّ جهة داخلية كالموارد المذكورة والضعف؛ لكونها ممّا يبتلي به
الناس كثيراً، ومن البعيد عدم التعرّض للحكم في الروايات الكثيرة التي بأيدينا، فإن لم تكن هذه ونحوها من مصاديق المرض بحيث يشملها عنوان الإحصار
حقيقة ، فلا أقلّ من كونها ملحقة به حكماً.
هذا مضافاً إلى بعض الروايات التي وقع
التعبير فيها
بانكسار الساق في
الإحرام دون التعبير بالإحصار،
مثل خبر
محمّد ابن أبي نصر ، قال: سألت أبا الحسن عن محرم انكسرت ساقه، أيّ شيء يكون حاله؟ قال: «هو
حلال من كلّ شيء».
ولا يضرّ عدم العمل بما في ذيله من حلّيته بالنسبة إلى كلّ شيء الشامل للنساء أيضاً؛
لإمكان حمله على من استناب في
طواف النساء أو غيره من الوجوه.
ولكن ذهب بعضهم إلى عدم الجزم
بإلحاقه بالمحصر،
فيلزم الجمع بين العمل بما هو وظيفة المحصر والتحلّل بعمرة مفردة. و
الأحوط بقاؤه على إحرامه إلى أن يضيق الوقت، فإن فات الحج منه أتى بعمرة مفردة وتحلّل، ووجب عليه الحج من قابل مع حصول الشرائط.
لو كان المانع من إتمام المحرم النسك
هلاك دابّته أو
ضياع أمواله أو نفاد
نفقته أو وجود سبع في الطريق، أو كان المانع سماوياً
كالبرد الشديد ونحوه ممّا يتعذّر معه الوصول إلى
مكّة أو أحد الموقفين بحيث يتعذّر عليه
الإتيان بنسكه، فهل يلحق ذلك بالصدّ أو يجري عليه حكم
الإحصار أم يثبت فيه حكم آخر غيرهما؟
فيه وجوه وأقوال:
ذهب بعض
الفقهاء بعد تنظّره في المسألة إلى الإلحاق بالمحصور لكونه أشقّ من المصدود في الوظيفة تحصيلًا
لبراءة الذمّة .
قال
الشهيد الثاني : «إنّ الحصر فيما ذكروه في موضع النظر، فقد عدّ من الأسباب فناء النفقة وفوات الوقت وضيقه و
الضلال عن الطريق مع الشرط قطعاً، ولا معه في وجه؛ لرواية حمران عن (الإمام)
الصادق عليه السلام حين سأله عن الذي يقول: حلّني حيث حبستني، فقال: «هو حلّ حيث حبسه اللَّه عزّ وجلّ، قال أو لم يقل».
وفي إلحاق أحكام هؤلاء بالمصدود أو بالمحصر أو
استقلالهم نظر؛ من مشابهة كلّ منهما، والشكّ في حصر السبب فيهما، وعدم التعرّض لحكم غيرهما ويمكن ترجيح جانب الحصر؛ لأنّه أشقّ وبه يتيقّن
البراءة ».
لكن استشكل
المحقّق النجفي في ذلك وذهب إلى عدم الإلحاق بأيٍّ من المحصور والمصدود بل حكم بلزوم البقاء على
الإحرام أو
التحلّل بنسكٍ وإن كان هو العمرة المفردة. نعم، الممنوع من الطريق ولو لا لظلم ينطبق عليه عنوان المصدود وتجري عليه أحكامه. قال بعد نقل عبارة المسالك: «لا يخفى عليك ما فيه، بل هو من غرائب الكلام؛ ضرورة عدم صدق كلّ منهما (المحصور والمصدود)على أمثال هؤلاء كضرورة عدم لحوق حكم كلّ منهما لشيء منهم بعد عدم
اندراجهم ، بل يبقون على الإحرام أو إلى الإتيان بالنسك ولو العمرة المفردة، وقد ذكر
الأصحاب حكم من فاته الحج غيرهما مكرّراً، وأغرب شيء
احتماله أخيراً
ترجيح جانب الحصر باعتبار كونه أشقّ، وأنّ به يتيقّن البراءة فإنّه واضح المنع، فالتحقيق ما ذكرناه، ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك
الاحتياط بمراعاة محلّل غير المصدود أيضاً»» .
وفي مقابل المسلكين المتقدّمين- أي الإلحاق بالمحصور وعدم الإلحاق به وبالمصدود- ذهب جماعة من الفقهاء إلى إلحاق الممنوع عن إتمام
مناسك الحجّ أو العمرة بأحد الأسباب المتقدّمة حكماً أو موضوعاً بالمصدود،
إذ قال
الشيخ كاشف الغطاء : «ومن الصدّ، منع
البهائم وشدّة الحرّ أو
البرد أو الطين أو المطر عن
إتمام المناسك »
. ويدلّ عليه عدم اختصاص المصدود بالعدوّ؛ لأنّ ما ورد في الأخبار إنّما هو على سبيل التمثيل وبيان بعض المصاديق لا لحصر الحكم فيه
.وممّا يؤيّده ورود لفظ الحصر في
الآية المباركة بمعناه اللغوي الشامل لمطلق المنع بما في ذلك المصدود ولو بغير العدو وهو ما استند إليه
السيد الخوئي وبعض تلامذته
مستشهداً له بورود الآية في صدّ المشركين
للنبي صلى الله عليه وآله وسلم .
نعم، مع قطع النظر عن دلالة الآية والرواية فإنّ مقتضى القاعدة
انحلال الإحرام وفساده من دون حاجة إلى
التحليل بالعمرة المفردة ؛
لانكشاف الفساد بالعجز اللاحق وعدم
الأمر بالمركب من أوّل الأمر، وذلك لأنّ صحّة الأجزاء السابقة مشروطة بالشرط المتأخّر بإتيان الأجزاء اللاحقة والقدرة عليها، كما هو الحال بالنسبة إلى أجزاء
الصلاة ، فمع عدم ذلك ينكشف فساد الأجزاء السابقة ولا يحتاج إلى محلّل أبداً؛ لعدم كونه محرماً من أوّل الأمر،
ولذا ذهب بعض الفقهاء المعاصرين
إلى
بطلان الإحرام في غير المصدود والمحصور فقط الثابت
استثناؤهما بالنص، ولا دليل على استثناء غيرهما من المعذورين عن إتمام الحج أو العمرة.
إلّا أنّ هذا مبني- كما تقدّم- على ما تقتضيه القاعدة، نعم لو ثبت
إطلاق الآية وأنّ المراد منها مطلق الصدّ فلا إشكال في دلالتها على استثناء مطلق المعذورين.
هل أنّ السبب في الإحصار هو صرف طروّ المرض فيجوز له التحلّل حتى مع رجاء
زوال المانع ، أو لا يجوز له ذلك؟
لا شكّ في جواز التحلّل له مع طروّ المرض الذي لا يرجى زواله إجماعاً،
وهذا وإن ذكره الفقهاء في بحث الصدّ، لكنّه يجري في الإحصار أيضاً على ما صرّح به في غير موضع من كلماتهم. أمّا لو علم
بارتفاع المرض أو ظنّ بزواله أو رجا زواله فهل يجوز له أيضاً؟ فيه وجوه وأقوال، وتفصيله ضمن صور:
إذا علم بارتفاع المانع قبل خروج الوقت و
إمكان إكمال النسك مع
المصابرة ، فقد ذهب بعض الفقهاء إلى عدم جواز التحلّل، حتى أنّ
المحقق النجفي ادّعى ظهور كلمات الأصحاب فيه
إلّا ما حكي عن البعض من
الذهاب إلى الجواز.
قال
المحقق الكركي في عدم جواز التحلّل في الفرض المذكور: «لو علم ذلك ( انكشاف العدوّ)قطعاً فهل يجوز؟ فيه وجهان، وعدم الجواز أولى».
ويدلّ على عدم الجواز أنّ ظاهر الأدلّة الدالّة على الصدّ والحصر
الاختصاص بما يكون مانعاً عن إتمام نسكه لا بما يكون مانعاً فعلًا موقّتاً مع العلم بزوال المانع،
فإنّه باقٍ تحت إطلاق أدلّة وجوب النسك مع القدرة عليها في وقتها ووجوب إتمامها.
إذا رجا زوال العذر قبل
فوات النسك أو غلب على ظنّه ذلك فهل يجوز له التحلّل أم لا؟ فيه قولان:
الأوّل: جواز التحلّل، ذهب إليه
المحقّق و
العلّامة الحلّيان والشهيدان وغيرهم
بل هو
المعروف بين الفقهاء كما صرّح بذلك صاحب
الذخيرة وادعى
الطباطبائي أنّه ظاهر إطلاق النص والفتوى مطلقاً،
كما ادّعى المحقّق النجفي عدم وجدانه خلافاً معتدّاً به في ذلك؛ نظراً إلى تحقّق عنوان الحصر الوارد في الأدلّة، وإطلاقه فيشمل المحصر سواء ظنّ انكشاف المانع قبل الفوات أم لا.
قال المحقق الحلّي في مبحث الصدّ
المشترك مع الإحصار في هذا الحكم: «إذا غلب على ظنّه
انكشاف العدوّ قبل الفوات جاز أن يتحلّل، لكنّ
الأفضل البقاء على إحرامه، فإذا انكشف أتمّ، ولو اتّفق الفوات أحلّ بعمرة».
وقال العلّامة الحلّي: «لو غلب على ظنّه انكشاف العدوّ قبل الفوات جاز له أن يتحلّل؛ للعموم».
وقال
السيد العاملي : «هل يعتبر في جواز التحلّل بالصدّ عدم رجاء زوال العذر؟ الظاهر من كلام الأصحاب عدم
الاشتراط ، حيث صرّحوا بجواز التحلّل مع ظنّ انكشاف العدوّ قبل الفوات».
القول الثاني: عدم جواز التحلّل عند رجاء زوال المانع أو غلبة ظنّه قبل خروج الوقت، ذهب إليه الشهيد الثاني في
الروضة ، والسيّدان العاملي والطباطبائي وغيرهم
وقوّاه
المحقّق النراقي أيضاً.
وذهب جماعة من الفقهاء المعاصرين إلى أنّه
الأحوط مع الرجاء.
ثمّ إنّه قد صرّح جماعة من الفقهاء كالمحقّق والعلّامة والشهيد وغيرهم
ممن قال بجواز
التحلل عند الظنّ أو الرجاء بارتفاع المانع بأفضلية
الانتظار ، حتى قال
المحقق السبزواري : «وأمّا أفضلية البقاء فمقطوع به في كلامهم من غير نقل خلاف»،
كما تقدّمت الإشارة إليه.
واستدلّ عليه
بالأصل مع القرينة
الارتكازية الحافّة بالاطلاقات- وهي أنّ التكاليف العذرية تدور مدار
إحراز استقرار العذر وثبوته- التي تمنع من التمسّك بالإطلاق اللفظي لو فرض وجوده، إلّا أن يكون
إجماع على هذا
التعميم ، وهو غير ثابت،
ومع عدم الإطلاق يقتصر في موارد الشك على
القدر المتيقن ، وهو ما إذا لم يرجُ زوال المانع.
قال السيد الطباطبائي: «
الأظهر اختصاصه بصورة عدم الرجاء قطعاً أو ظنّاً اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقن من إطلاق النص والفتوى، وليس بحكم
التبادر وغيره إلّا ما ذكرنا، دون صورة الرجاء قطعاً».
إذا ظنّ ببقاء المانع وعدم زواله فظاهر كلمات
الفقهاء أنّه ملحق بصورة العلم بعدم زواله في
جواز التحلّل؛ لشمول إطلاق أدلّة الإحصار لذلك وعدم ثبوت الارتكاز المتقدّم فيه، بل قد يدّعى أنّ
الظنّ في باب الضرر والمرض ونحوهما يكون
حجّة عرفاً.
الموسوعة الفقهية، ج۷، ص۵۵-۶۲.