الإحصار (مايتحلل المحصر منه)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإحصار (توضيح).
يتحلّل
المحصر بالهدي و
التقصير من كلّ شيء إلّا من
النساء ، وأمّا التحلّل من النساء فيختلف حكمه في الحجّ والعمرة المفردة وعمرة التمتّع، وفيما يلي تفصيل ذلك:
ظاهر
الشيخ المفيد توقّف حلّية النساء في الحج الواجب على
إتيان المناسك في القابل، وأمّا الحج المندوب فالمحصر يتحلّل من كلّ شيء حتى النساء؛
استناداً إلى ما أرسله في
المقنعة حيث قال: «قال عليه السلام: «المحصور بالمرض إن كان ساق هدياً أقام على إحرامه حتى يبلغ الهدي محلّه ثمّ يحلّ، ولا يقرب النساء حتى يقضي
المناسك من قابل، هذا إذا كان في
حجّة الإسلام ، فأمّا حجّة التطوّع فإنّه ينحر هديه وقد حلّ ممّا كان أحرم منه، فإن شاء حجّ من قابل، وإن لم يشأ لم يجب عليه الحج»».
وتبعه عليه بعض الفقهاء.
لكن نوقش فيه بضعف السند،
مضافاً إلى معارضته مع الروايات الآتية؛ ولذا ذهب المشهور إلى أنّ المحصر في الحج لا يتحلّل من النساء حتى يأتي بالحج أو العمرة إن كان واجباً، أو يطاف عنه طواف النساء إن كان
تطوّعاً .
وادّعي عليه عدم الخلاف،
بل نسبه العلّامة إلى علمائنا.
وقد ألحق العلّامة الحلّي وغيره
الواجب بالمندوب عند العجز عنه في القابل من غير تفصيل بين
المستقرّ وغيره.
قال: «أحلّ من كلّ شيء إلّا النساء بالنصوص و
الإجماع على كلّ من المستثنى والمستثنى منه... لكن يحرم عليه النساء... فالملخص أنّه إن وجب ما احصر فيه فلا يحلّ له النساء ما لم يأت به إلّا أن يعجز، وإن لم يجب لم يحللن له إلّا أن يأتي به أو بطواف النساء إن قدر على الإتيان به بنفسه، وإن عجز عن الإتيان بما احصر فيه اكتفى أيضاً
بالاستنابة به في
طواف النساء ، أمّا أنّهن لا يحللن له في الواجب المقدور عليه إلّا بأن يأتي به، ولا يكفي الإتيان بطواف النساء فضلًا عن الاستنابة فيه فهو ظاهر
النهاية و
المبسوط ... و
التلخيص ».
ويدلّ على ذلك بالنسبة إلى حكم النسك الواجب قول
الإمام الصادق عليه السلام : «لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت ويسعى بين
الصفا والمروة »،
وهو ظاهر في الإتيان بالطواف ضمن النسك. وكذا يدلّ عليه قوله عليه السلام في مرسل
المفيد : «لا يقرب النساء حتى يقضي المناسك».
وروي ذلك أيضاً في
فقه الرضا عليه السلام .
وأمّا بالنسبة إلى المندوب فقد استدلّ له بالنصوص الدالّة على مشروعية النيابة في طواف النساء لمن نسيه وإن تمكّن من
الرجوع ، وبأنّ الحج المندوب لا يجب العود
لاستدراكه ، والبقاء على
تحريم النساء ضرر عظيم، فيكتفى في الحلّ عنه بالاستنابة في طواف النساء. نعم، أطلق الشيخ الطوسي في الخلاف وابن زهرة في الغنية أنّ النساء لا يحللن للمحصور حتى يطوف طوافهنّ من قابل أو يطاف عنه من غير تفصيل بين الواجب وغيره.
وكذا في
السرائر وغيره.
قال
ابن إدريس : «لم تحل له النساء إلى أن يحجّ في العام القابل أو يأمر من يطوف عنه طواف النساء».
وقال
يحيى بن سعيد : «وإذا استناب المريض لطواف النساء وفعل
النائب حلّت له النساء»،
حيث لم يقيّده بالقابل.
إلّا أنّه يمكن حمل
إطلاق عباراتهم على ما تقدّم من المشهور، كما صرّح به السيد الطباطبائي
والمحقّق النجفي حيث قال الأخير- بعد بيان تفصيل المشهور-: «ولعلّه هو مقتضى إطلاق ما عن الخلاف والغنية... بل وما عن الجامع... بل وما عن السرائر»، ثمّ قال: «وإطلاق العبارات المزبورة وإن اقتضى جواز الاستنابة في الواجب مع القدرة إلّا أنّه يمكن دعوى الإجماع على خلافه، مضافاً إلى
الأصل والصحيح وغيره، مع
احتمال إرادتهم بالإطلاق المزبور
التنويع لا
الإجزاء مطلقاً على كلّ حال».
لكن ذهب
السيد الخوئي إلى أنّ المحصور في الحج يتحلّل من النساء بالإتيان بالعمرة المفردة بناءً على قيام الإجماع على ذلك، وإن لم يتمّ الإجماع يدخل المحصر في الحج في صحيح
البزنطي ، حيث سأل من الإمام عليه السلام عن محرم انكسرت ساقه أيّ شيء يكون حاله؟ وأيّ شيء عليه؟ قال: «هو حلال من كلّ شيء»، قلت: من النساء والثياب والطيب؟ فقال: «نعم، من جميع ما يحرّم على
المحرم ».
لكنّه مع ذلك احتاط فيه بعدم التحلّل عن النساء حتى يطوف ويسعى ويأتي بطواف النساء بعد ذلك في حج أو عمرة.
وتبعه عليه بعض الفقهاء المعاصرين.
ذهب الفقهاء
إلى أنّ المحصور في
العمرة المفردة لا يتحلّل من النساء إلّا بعد إتيانه بعمرة مفردة بعد
إفاقته ، والظاهر أنّه لا خلاف فيه، بل عليه الإجماع.
ويدلّ عليه- مضافاً إلى إطلاق ما تقدّم في الحج- صحيحة معاوية بن عمّار الحاكية لحصر
الإمام الحسين عليه السلام عن العمرة المفردة، وأنّه عليه السلام لمّا برأ من وجعه اعتمر، قال معاوية: فقلت: أ رأيت حين برأ من وجعه أحلّ له النساء؟ فقال عليه السلام: «لا تحلّ له
النساء حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة»، فقلت: فما بال النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين رجع إلى
المدينة حلّ له النساء، ولم يطف بالبيت؟ فقال: «ليس هذا مثل هذا، النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان مصدوداً والحسين عليه السلام محصوراً».
المشهور
مساواة العمرة المتمتّع بها مع غيرها في كيفيّة التحلّل من النساء فلا يتحلّل منها إلّا بإتيان عمرة مفردة بعد رفع المنع؛
عملًا بإطلاق الأخبار
نحو قوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمّار: «والمحصور لا تحلّ له النساء».
لكن ذهب الشهيد إلى أنّه لو احصر في
عمرة التمتّع حلّت له النساء من دون أن يأتي بعمرة مفردة؛ لأنّه لا طواف للنساء في عمرة التمتّع، فلا حاجة في تحلّل النساء إلى
أمر آخر غير الهدي.
استحسنه
الفاضل الهندي واستدلّ له بما تقدّم في صحيح البزنطي بقوله عليه السلام: «هو حلال من كلّ شيء»، فقال: من النساء والثياب والطيب؟ فقال: «نعم، من جميع ما يحرم على المحرم»،
وهو بإطلاقه يشمل عمرة التمتّع.
ووافقهما جماعة من المعاصرين
أيضاً.
واستشكل على ما استدلّ به
الشهيد بأنّه لم يدلّ دليل على أنّ حرمة النساء وحلّيتها لأجل طواف النساء وعدمه حتى يقال بأنّ عمرة التمتّع ليس فيها طواف النساء، فالحرمة الثابتة ليست ناشئة من ترك طواف النساء، بل الحرمة ناشئة ومسبّبة عن الإحرام، والتحلّل من النساء يختلف بحسب الموارد، ففي بعضها: يتحلّل منها بطواف النساء، وفي بعضها الآخر: بالذبح في مكانه، بل مقتضى إطلاق قوله عليه السلام: «المحصور لا تحلّ له النساء» عدم حلّية النساء.
أمّا صحيح البزنطي فأورد عليه المحقّق النجفي
بانعقاد الإجماع على الإحلال بالطواف من النساء، وأنّه معارض بصحيح معاوية بن عمّار الدالّ على أنّ المحصور لا تحلّ له النساء، فلا بدّ من حمل صحيح البزنطي على
التقية ؛ لعدم توقّف الحلّية عندهم على
الطواف .
إلّا أنّ السيد الخوئي ذهب إلى حصول التحلّل بنفس الهدي وفاقاً للشهيد وجماعة من المعاصرين، وأجاب على ما تقدّم عن
الجواهر بأنّه لا معارضة بين صحيح البزنطي وصحيح معاوية بن عمّار لكي يحمل الأوّل منهما على التقية، وأمّا ما ذكره من مخالفة صحيحة البزنطي للإجماع، فيرد عليه: أنّ مخالفة الإجماع توجب
رفع اليد عن الإطلاق، لا طرح أصل الرواية بالمرّة.
ثمّ استدلّ لما اختاره بأنّ صحيح البزنطي بإطلاقه قد يدلّ على حلّية النساء بالحصر من دون توقّف على شيء سواء في العمرة المفردة أو عمرة التمتّع أو الحج؛ لأنّ
الموضوع في الخبر عن المحرم إذا انكسرت ساقه، وهو يشمل جميع الأقسام الثلاثة، وفي قبال ذلك
صحيحة معاوية بن عمّار الدالّة على أنّ «
المحصور لا تحلّ له النساء»، وهي بإطلاقها تشمل الحج والعمرتين معاً فيتعارضان، إلّا أنّه لا بدّ من رفع اليد عن إطلاق صحيح البزنطي؛ لأجل العمل بصحيحة معاوية بن عمّار الاخرى الحاكية لعمرة الإمام الحسين عليه السلام الدالّة على توقّف التحلّل على الإتيان بعمرة مفردة بعد
الإفاقة ورفع الحصر، فتخرج بها العمرة المفردة عن إطلاق صحيح البزنطي ويقيّد بغير العمرة المفردة، فإذن تنقلب النسبة بين الصحيحتين إلى العموم والخصوص بعد ما كانت النسبة بينهما
التباين . فالمحصور في العمرة المفردة لا تحلّ له النساء إلّا بإتيان عمرة مفردة، وأمّا عمرة التمتّع فتدخل في إطلاق صحيح البزنطي.
وهذا الوجه مبتنٍ على قبول كبرى
انقلاب النسبة وهو محلّ إشكال بل منع عند جملة من المحققين، وتفصيله في
علم الأصول .
الموسوعة الفقهية، ج۷، ص۹۹-۱۰۴.