الإسلام بالتبعية
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يحكم
بإسلام بعض
الطوائف لمجرّد
تبعيّتها لمسلم، منها: التبعية
للأبوين.
يحكم بإسلام
غير المميّز إذا كان من
أبوين مسلمين،
ذكراً كان أو انثى،
عاقلًا كان أو مجنوناً، وحينئذٍ تجري عليه جميع أحكام المسلمين، وذلك ممّا لا خلاف فيه نصّاً و
فتوى ،
بل ادّعي
الإجماع عليه،
بل لا خلاف في إسلامه حتى بعد
ارتداد أبويه؛
استصحاباً للحالة السابقة.
واستدلّوا للتبعية-
مضافاً إلى الإجماع- بعدّة أدلّة:
منها: قوله تعالى: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ
ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ»»، حيث اعتبر
إيمان الذرّية كإيمان أبويهم.
واورد عليه بأنّ
الآية الكريمة لا
علاقة لها بما نحن فيه
بقرينة قوله تعالى في ذيلها: «وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِم مِن شَيْءٍ».
فهي ناظرة إلى
إلحاق الذرّية بالآباء في الجنّة.
وغيرها من الأخبار الواردة في جواز
إعطاء أطفال المؤمنين من الزكوات والكفّارات،
وجواز العقد عليهم،
مع
اشتراط الإسلام في جميع هذه الامور
اتّفاقاً نصّاً وفتوى.
السيرة القطعية المتصلة بالمعصومين عليهم السلام؛ إذ لم يسمع من أحد
إلزام أطفال المسلمين
بالإقرار بالشهادتين بعد بلوغهم.
بل المتواترة،
كقول
الإمام محمّد الباقر عليه السلام : «أولاد المشركين مع آبائهم في النار، وأولاد المسلمين مع آبائهم في الجنّة».
وقد أشرنا فيما تقدّم إلى
مناقشة بعض هذه النصوص؛ لمخالفتها مذهب
الإمامية ، ولأنّ كلّ مكلّف يجازى بما يفعله مختاراً بعد بلوغه.
ولا فرق في
التبعيّة المذكورة بين إسلام كلا الأبوين أو أحدهما، وإن ذكر بعضهم أنّ النصّ قاصر عن الشمول
للُامّ لولا تسالم
الفقهاء على تبعيّة الولد لأشرف الأبوين.
ذهب جملة من الأعلام إلى تبعيّة الأطفال لإسلام
الأجداد والجدّات من حين إسلامهم، سواء كانوا لأب أو لُامّ ؛ لصدق عنوان الأبوين عليهما، ولأنّ الأب يتبع الجدّ ويكون
أصلًا له، فتكون
أصالة الجدّ للطفل أولى،
من دون فرق في ذلك بين كون الأب حيّاً أو ميّتاً،
وإن استشكل بعضهم في صورة حياة الأب؛
لانتفاء حضانة الجدّ مع حضانته.
واجيب عنه بأنّ أحقّية الأبوين لا تنافي ثبوت التبعيّة للجدّ، خصوصاً مع ثبوت
الولاية له في
النكاح مع وجود
الأب .
وقيّد بعضهم التبعيّة بما إذا كان الجدّان قريبين.
المشهور بين الفقهاء أنّ
ولد الزنا مسلم كسائر المسلمين؛ لأصالة الإسلام
المستندة إلى
حديث الفطرة ،
وللتبعيّة
إذا كان الزاني مسلماً.
وخالف في ذلك بعض الفقهاء منهم
الشيخ الصدوق والسيّد المرتضى
و
وابن إدريس ؛
للروايات الدالّة على انتفاء النسب عنه شرعاً، فلا تبعيّة حتى يمكن الحكم بها عليه بالإسلام؛
لأنّها إنّما تتحقّق إذا كان هناك نكاح صحيح.
اللقيط: هو كلّ صبي ضائع لا كافل له حال
الالتقاط ،
وعدّ بعضهم
المجنون منه أيضاً.
والمشهور
الحكم بإسلام
لقيط دار الإسلام،
بل ادّعي عليه الإجماع،
ذكراً كان أو انثى، حرّاً كان أو عبداً.
وقد عبّروا عن
دار الإسلام أيضاً بتبعيّة الدار.
وقبل ذكر أدلّتهم نشير إلى أنّ كلماتهم اختلفت في
المقصود من دار الإسلام هنا:
فمنهم من عرّفها بأنّها التي خطّها المسلمون وبناها
كبغداد و
البصرة ، أو فتحوها
كبلاد الشام .
ومنهم من عرّفها بأنّها التي نفذ فيها حكم الإسلام ولم يكن فيها
كافر إلّا
معاهد . مع أنّه لا ثمرة- كما ذكر
المحقّق النجفي - لهذا
الاختلاف بعد خلوّ الأخبار من هذا التعبير، و
اعتراف الجميع بكفاية وجود مسلم واحد قابل
للاستيلاد في دار الكفر.
ومن هنا ذكر بعضهم أنّ دار الإسلام تختلف من هذه الناحية عن سوق المسلمين التي لا تجري أحكامها إلّاإذا كان أصل البلد للمسلمين.
قال : «وظاهر هذه التعريفات أنّ المراد من دار الإسلام هنا غير
المراد بها في حكمهم بأنّ سوق الإسلام يحكم على لحومه وجلوده بالطهارة... لأنّ المسلم الواحد لا يكفي في ذلك إذا كان أصل البلد للمسلمين، ولا يصدق عليه سوق المسلمين».
وعلى أيّة حال فقد استدلّ الفقهاء على إسلام اللقيط المذكور- مضافاً إلى الإجماع الذي قيل: إنّه مدركيّ لا يعوّل عليه
- بالأدلّة التالية التي أخضعها المتأخّرون كلّها للنقد و
التفنيد :
: قوله تعالى: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا»،
فإنّ المراد من
الفطرة - كما ورد في بعض الأخبار- هي فطرة الإسلام.
وكذلك قوله صلى الله عليه و
آله وسلم: «كلّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه».
ونوقش
الاستدلال بالآية الشريفة بأنّ المقصود بالفطرة فيها فطرة
التوحيد و
اعتقاد الإنسان بأنّ له خالقاً إذا تأمّل في مراحل خلقته التي مرّ بها،
قال تعالى: «وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ
الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ».
ويشهد لذلك
ذيل رواية
عبد الله بن سنان عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام التي فسّرت الفطرة بالإسلام حيث ورد فيها: «...فطرهم اللَّه حين أخذ ميثاقهم على التوحيد، قال: «أَلَستُ بِرَبِّكُم»،
وفيه
المؤمن والكافر».
كما نوقش الاستدلال بالرواية
بإعراض الأصحاب عنها،
وضعفها السندي
كما ذكر بعضهم في تفسيرها أنّ المقصود منها كلّ مولود يولد ليكون- لو خلّي ونفسه- على الفطرة بعد
البلوغ .
ما ورد
عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه»،
المنجبر ضعفه بفتوى الفقهاء،
فلابدّ من الحكم على اللقيط بالإسلام.
واورد عليه بقصور دلالته على المطلوب؛
لدلالته على علوّ الإسلام على غيره في الحجّة و
البرهان دون الحكم عليه بالإسلام.
النصوص الدالّة على أنّ اللقيط حرّ،
كما في رواية محمّد بن مسلم قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام عن اللقيط، فقال: «حرّ لا يباع ولا يوهب».
وردّ بأنّ الحكم بالحرّية أعمّ من الإسلام، فلا
ملازمة بينهما.
أنّ الحكم بإسلام اللقيط هو مقتضى السيرة في بلاد الإسلام الغالب فيها المسلمون.
ويرد عليه: أنّه أخصّ من المدّعى الذي هو عبارة عن الحكم بإسلام اللقيط حتى في البلاد التي لم يكن الغالب فيها الإسلام؛ ولعلّه لذلك ذكر المحقّق النجفي هذا الدليل في سياق ما قد يقال في هذا المجال.
أصالة عدم تولّده من كافر.
واورد عليه بأنّه
معارض بأصالة عدم تولّده من مسلم،
ولا أصل آخر يقتضي الحكم بالإسلام.
إذا سبي
الصبي وكان أبواه كافرين ففيه صورتان:
وفيها عدّة أقوال:
وهو مختار جماعة،
بل قيل: إنّه المشهور.
ويدلّ على التبعيّة عدّة امور:
منها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم المتقدّم: «كلّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه»،
وذلك إذا كان المقصود تبعيّته لهما في دينهما ما داما معه، فإذا سبي وانفصل عنهما رجع إلى الفطرة
بانتقاله إلى دار الإسلام تبعاً لسابيه المسلم.
ونوقش بأنّ الرواية وإن كانت مشهورة
إلّاأنّها ضعيفة سنداً ودلالة،
أمّا سنداً فلعدم نقلها من طرقنا، وأمّا دلالة
فلاحتمال أن يكون المقصود منها أنّ المولود لو خلّي وطبعه لاختار الإسلام عند بلوغه إلّاأنّ أبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه.
ومنها: السيرة المستمرّة في سائر الأعصار والأمصار على
إجراء حكم المسلم على الصبي المنفرد في السبي.
ومنها: أنّ الطفل لا حكم له بنفسه، فلابدّ أن يتبع السابي بعد انقطاعه عن تبعيّة الأبوين وخروجه من دارهم إلى دار الإسلام.
واورد عليه بأنّه لا دليل على
إثبات التبعيّة للسابي بعد ثبوتها قبل ذلك لأبويه قطعاً،
كما أنّه لا دليل أيضاً على انقطاعه عنهما بمجرّد سبيه منفرداً، ولو كان ذلك صحيحاً لتبع
السابي بمجرّد موتهما، مع أنّه لا خلاف في تبعيّته لهما وبقائه على كفره.
كما صرّح به غير واحد من الفقهاء،
بل ادّعى عليه بعضهم الشهرة، خصوصاً بين المتأخّرين؛
لعدم الدليل على
انقطاع التبعيّة للأبوين
وإثباتها للسابي،
بل الدليل على خلافها؛
لقوله تعالى: «وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً»،
ولظهور أخبار التبعيّة في أنّ الولد تابع لأبويه في الكفر إلى
يوم القيامة ، من دون فرق في ذلك بين حال السبي وعدمه.
هذا بالإضافة إلى أنّ عدم التبعية هو مقتضى استصحاب كفره قبل انقطاعه عن أبويه.
بتبعيّته للسابي في
الطهارة دون سائر الأحكام، كالصلاة عليه وغسله؛
لعدم تماميّة أدلّة التبعيّة في ذلك،
ممّا يعني
إمكان جريان استصحاب التبعيّة لأبويه للشكّ في بقائها.
هذا بالإضافة إلى أنّ القول بعدم التبعيّة في الطهارة يستلزم
الحرج المنفي دون سائر الأحكام.
واورد على الاستدلال بالحرج بأنّه غير صالح
لتأسيس الحكم بالطهارة في المقام؛
إذ يمكن تجنّبه
بإجارتهم للغير-مثلًا- وهم على نجاستهم.
فإنّه يحكم بتبعيّته لهما في الكفر، وقد نفى المحقّق النجفي وجدان الخلاف في ذلك،
فلا يتبع السابي في إسلامه قطعاً، وكذا لو كان معه أحدهما خاصة،
إلّاأنّه قد يستفاد من مفهوم كلام
السيد اليزدي تبعيّته للأب دون الامّ، وذلك عندما قال: «التبعيّة: وهي في موارد... الثالث: تبعيّة
الأسير للمسلم الذي أسره إذا كان غير بالغ ولم يكن معه أبوه أو جدّه»؛
فإنّه قد يستفاد من إثباته الحكم المذكور للأب والجدّ- من دون تعرّضه للُامّ- أنّه يرى عدم حصول التبعيّة لها إذا كانت معه في
الأسر .
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۳۸-۴۶.