الإعسار في حقوق الله
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
تعرّض
الفقهاء لكثير من الموارد المتعلّقة بالإعسار في حقوق اللَّه تعالى نذكرها فيما يلي.
تسقط
الزكاة مع الإعسار، وقد تعرّض الفقهاء لهذا الأمر ضمن العناوين التالية:
قد يكون سبب الإعسار
تلف المال الذي فيه الزكاة على وجه يصير به المزكّي معسراً، وعلى هذا إذا لم يكن لدى المزكّي غير المال التالف فهو معسر بحقّ الزكاة، فتثبت في
ذمّته .
هذا إذا كان
مقصّراً في
أدائه وإلّا سقطت الزكاة عنه.
المشهور بين الفقهاء
عدم
وجوب الزكاة على
المالك إذا لم يكن
قادراً على أخذه، كما لو كان
الدين على معسر أو جاحد أو مماطل أو كان مؤجّلًا، بل
صرّح بعضهم
بالاتّفاق عليه.
وفي
الجواهر نفى عنه الخلاف وادّعى
الإجماع بقسميه عليه؛ لأنّ الشرط- وهو
التمكّن من
التصرّف - مفقود، فتسقط زكاته.
إذا كان المال
رهناً قبل أن تجب فيه الزكاة ثمّ حال الحول وهو رهن، فإن كان الراهن غير متمكّن من فكّه لتأجيل الدين أو
للعجز والإعسار فالمشهور
أنّه لا تجب فيه الزكاة؛
لعدم التمكن من التصرّف فيه في الحول.
وخالف في ذلك
الشيخ الطوسي في موضع من
المبسوط ، حيث قال: «ومتى رهن قبل أن تجب فيه الزكاة ثمّ حال الحول وهو رهن وجبت الزكاة وإن كان رهناً؛ لأنّ ملكه حاصل، ثمّ ينظر فيه فإن كان للراهن مال سواه كان
إخراج الزكاة منه، وإن كان معسراً فقد تعلّق بالمال حقّ
المساكين يؤخذ منه؛ لأنّ حقّ المرتهن في
الذمّة بدلالة إن هلك المال رجع على الراهن بماله».
إلّا أنّه وافق المشهور في موضع آخر منه، حيث قال: «إذا كان له ألف درهم واستقرض ألفاً غيرها ورهن عنده هذه الألف... لزمه زكاة الألف التي في يده من مال
القرض ؛ لأنّ زكاته على المستقرض، والألف ليس بمتمكّن منه ولا يلزمه زكاته»،
وكذلك ذهب إليه في
الخلاف .
من شروط وجوب
زكاة الفطرة على
المكلّف أن يكون موسراً عن نفسه وعن كلّ من يعوله، أمّا مع إعساره وإعسار المعال فيسقط وجوب زكاة الفطرة عنهما معاً،
بل نفي الخلاف عنه.
وأمّا إذا كان المعال موسراً فهل يجب عليه الفطرة عن نفسه؟ فيه قولان:
الأوّل: عدم الوجوب، وهذا ما ذهب إليه
الشيخ الطوسي وفخر المحققين والإمام الخميني .
قال الشيخ الطوسي في المرأة
والأمة الموسرتين: «المرأة الموسرة إذا كانت تحت معسر أو مملوك لا يلزمها فطرة نفسها، وكذلك أمة الموسرة إذا كانت تحت معسر أو مملوك لا يلزم
المولى فطرتها؛ لأنّ
بالتزويج قد سقط عنه فطرتها
ونفقتها ».
واستدلّ عليه
بأصالة البراءة ، وبأنّ سقوطها أمّا عن المعيل فلإعساره، وأمّا عن المعال فلأنّ عيلولته بيد غيره لا بيده.
لكن نوقش في ذلك بأنّه لا دليل على
الإسقاط بعيلولة الغير إلّا مع وجوب
أداء الغير، والمفروض أنّ هذا
الوجوب منفي هنا بإعسار المعيل.
واستشكل فيه بأنّه لا مجال للأصل مع عموم الأدلّة.
الثاني: الوجوب، وهو ما ذهب إليه
ابن إدريس ، حيث قال: «بل الواجب على المرأة الموسرة... إخراج الفطرة... لأنّها مكلّفة بإخراج الفطرة عن نفسها».
وقوّاه جمع من
الفقهاء .
واستدلّوا على ذلك بعموم وجوب الفطرة على كلّ إنسان، فلا مجال لأصالة البراءة مع عموم الأدلّة.
وقد فصّل
العلّامة الحلّي في بعض كتبه بين ما إذا كان الزوج ينفق مع إعساره على زوجته الموسرة فلا تجب عليها، وبين ما إذا لم يكن ينفق عليها فتجب الفطرة عليها، إلّا أنّه بعد أن ذكر هذا التفصيل قال: «والتحقيق: أنّ الفطرة إن كانت بالأصالة على الزوج سقطت؛ لإعساره عنه وعنها، وإن كانت بالأصالة على الزوجة وإنّما يتحمّلها الزوج سقطت عنه
لفقره ، ووجبت عليها؛ عملًا بالأصل».
من أحرم
بالتمتّع ولم يكن له
هدي ولا
ثمنه الذي يشتريه يجب عليه
الانتقال إلى
بدله ، وهو
صيام عشرة أيّام، ثلاثة في
الحجّ وسبعة إذا رجع إلى
أهله ،
وقد ادّعي
أنّه لا خلاف في ذلك
بين العلماء كافّة، بل ادّعي
الإجماع بقسميه
عليه؛ وذلك لقوله سبحانه وتعالى: «فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا استَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ في الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ».
ويدلّ عليه أيضاً النصوص.
لو أعسر
المكلّف عن
الكفّارة المالية
كعتق رقبة أو
إطعام ستّين
مسكيناً - التي تجب عليه بفعل المحرّم في الحج أو
بالإفطار في شهر
رمضان أو بغير ذلك- وعجز عن بدلها أيضاً سقطت الكفّارة عنه بالإعسار بالاتّفاق فيما عدا كفّارة
الظهار .
قال
المحقّق الحلّي : «كلّ من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز صام ثمانية عشر يوماً، فإن لم يقدر تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام، فإن لم يستطع استغفر اللَّه تعالى ولا شيء عليه».
وقال في كتاب الظهار: «إذا عجز المظاهر عن الكفّارة أو ما يقوم مقامها عدا
الاستغفار ، قيل: يحرم عليه حتى يكفّر، وقيل: يجزيه الاستغفار، وهو أكثر».
وقال
العلّامة الحلّي : «لو عجز عن الأصناف الثلاثة (أي
العتق والإطعام والصيام) صام ثمانية عشر يوماً، فإن لم يقدر تصدّق بما وجد أو صام ما استطاع، فإن لم يتمكّن استغفر اللَّه تعالى، ولا شيء عليه، قاله علماؤنا».
وقال
المحقق النجفي : «ظاهر الأصحاب
الاتّفاق على بدليّته (الاستغفار) مع
العجز عن خصال الكفّارة - على الوجه الذي عرفت- في غير الظهار».
وكلامهم شامل لصورة الإعسار، بل سيأتي في كلماتهم ما يجعلها المدلول الأروايةوّل لهم.
وقد استدلّ
على ذلك بقول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في
رواية جميل بن دراج عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام: «فخذه وأطعمه عيالك واستغفر اللَّه عزّوجلّ».
وبقول الإمام الصادق عليه السلام في
خبر أبي بصير : «كلّ من عجز عن الكفّارة التي تجب عليه- من صوم أو عتق أو
صدقة في
يمين أو
نذر أو
قتل أو غير ذلك ممّا يجب على صاحبه فيه الكفّارة- فالاستغفار له كفّارة، ما خلا يمين الظهار».
واستظهر المحقّق النجفي منها بدليّته على وجه تسقط عنه الكفّارة حتى لو تمكّن منها بعد ذلك.
وأمّا حقيقة الاستغفار فالبحث فيه يقع في مصطلح (استغفار).
وحدّ العجز عن الكفّارة عن المعسر أن لا يجد ما يصرفه في الكفّارة فاضلًا عن قوته وقوت عياله ذلك اليوم.
قال
العلّامة الحلّي : «حدّ العجز عن
التكفير أن لا يجد ما يصرفه في الكفّارة فاضلًا عن قوته وقوت عياله ذلك اليوم».
وأمّا العجز عن الكفّارة في المظاهر ففيه قولان:
أحدهما: عدم
السقوط ، فتحرم الزوجة المظاهرة عليه إلى أن يتمكّن من الكفّارة فيكفّر حتى تحلّ.
ثانيهما: السقوط،
ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا أعسر
بالفدية في الصوم سقطت، ويستغفر اللَّه.
وتدل عليه رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «كلّ من عجز عن الكفارة التي تجب عليه- من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك ممّا يجب على صاحبه فيه الكفّارة- فالاستغفار له كفّارة، ما خلا يمين الظهار».
إذا عجز الناذر عمّا نذره لإعساره أو غيره سقط فرضه.
ويتحقّق العجز عن المنذور بعجزه في جميع الوقت المعيّن، كما لو نذر
الحجّ في هذه السنة فلم يتمكّن منه فيها، أمّا لو كان مطلقاً فإنّ العجز لا يتحقّق إلّا
باليأس منه في جميع وقت العمر، وحيث يتحقّق العجز يسقط عنه فرض النذر
أداءً وقضاءً .
وقد استدلّ عليه
بقبح التكليف بما لا يطاق.
وبقول
الإمام الصادق عليه السلام في رواية
عنبسة بن مصعب : «من جعل للَّهشيئاً فبلغ جهده فليس عليه شيء».
على أنّ فيه العسر
والحرج أيضاً.
هذا فيما لو كان متعلّق
النذر مالًا أو بحاجة إلى مال وأعسر الناذر، وأمّا لو كان متعلّق النذر صوماً فعجز عنه فهل يجب عليه قضاؤه أو يتصدّق بدلًا عن كلّ يوم بمدّين أو لا؟ فيه بحث عند
الفقهاء يراجع في محلّه.
إذا تعلّق
اليمين بإنفاق مال أو بفعل يحتاج إلى
بذل مال في زمان معيّن، وكان ذلك ممكناً في حقّه في ذلك الزمان فحصل له عجز مالي في الزمان عينه سقط عنه وجوب
الوفاء ؛
لقبح التكليف بما لا يطاق، وعمومات نفي العسر والحرج.
وكذا لو لم يكن مقيّداً بزمان معيّن لكن حصل اليأس من التمكّن منه.
نعم، لو تجدّدت
القدرة قبل
انقضاء زمان الأداء في المقيّد أو مطلقاً في غيره وجب الوفاء به
بلا خلاف ولا إشكال.
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۷۸-۸۴.