الإيلام (في الحدود)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإيلام (توضيح) .
الحدود قسمان، فقسم يكون للألم و
الوجع فيه دخالة و
موضوعيّة ، وقسم لا يكون كذلك، بل يكون
الغرض فيه تحقّق
نفس الحدّ، سواء كان فيه إيلام أم لا.
فلابدّ فيه من
إجراء الحدّ بحيث يشتمل على الألم
المعتاد ، وإلّا لم يحصل الغرض، وذلك
كالجلد ، كما في
الزاني و
الزانية ونحوهما، فلا يكفي الجلد بما دون المعتاد وبالخالي عن الألم؛ وذلك لقول اللَّه تعالى: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»،
وصريح
الآية اعتبار
صدق العذاب ولزوم خلوّه عن
الرأفة الموجبة
للاقتصار بالخالي عنهما، بل صريح بعض
الفتاوى لزوم
ضرب الزاني ضرباً أشدّ منه في سائر الحدود، ففي
فقه الرضا عليه السلام : «وروي أنّ جلد الزاني أشدّ الضرب...».
«وإن كان في
ثيابه جلد فيها، ويضرب سائر
بدنه أشدّ الضرب ما عدا
رأسه و
فرجه ».
«ويجلد الزاني مجرّداً، وقيل: على الحال التي يوجد عليها، قائماً أشدّ الضرب، وروي متوسّطاً، ويفرّق على جسده، ويتّقى وجهه ورأسه وفرجه».
وقد يقال بمثله في
المستمني ،
وروي أنّ
عليّاً عليه السلام ضرب يده حتى احمرّت وزوّجه من
بيت المال .
نعم، قد يقال في بعض الحدود -
كالقذف - بكون الضرب فيها أخفّ إيلاماً من الضرب في
الزنا ، قال
المفيد : «من افترى على
رجل حرّ مسلم فقذفه بالزّنى كان عليه الحدّ في ذلك ثمانون
جلدة ، ولا يضرب كالضرب في الزنى، بل يكون
أخفّ من ذلك و
أقلّ إيلاماً منه».
«ويجلد
القاذف بثيابه المعتادة، ولا يجرّد كما يجرّد الزاني، ولا يضرب ضرباً شديداً، بل حدّاً متوسطاً دون ضرب الزنا».
وكيف كان، فمستند القائلين بالشدّة في الزاني هو
الآية ، وقد يجاب عنه بما سيجيء عن بعضهم.
وأمّا في غيره فمقتضى
انصراف إطلاق الجلد والضرب إلى المعتاد
الوسط عدم جواز
تعدّي المتعارف .
من الحدود-
كالقطع في
السارق ، الذي يحصل
الغرض منه بمجرّد القطع، كما لعلّه
الظاهر أيضاً من قوله تعالى: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا
جَزَاءً بِمَا كَسَبَا»
- فمقتضى إطلاق الكلمات وجوبه أو جوازه بما يشتمل على الألم والوجع
المتعارف لا أكثر، وكونه بسلاح متعارف
كالسكين و
السيف ونحوهما. كما أنّ
المنصرف من القطع أيضاً هو القطع المتعارف بما يلازمه من الوجع والألم، فلا يجوز
العدول عنه إلى الأوجع الأشقّ الأكثر أذيةً كالقطع
بالمنشار أو بالسكين غير
الحادّة ونحوها؛ لعدم
الدليل عليه بعد عدم جواز
التعرّض لأحد إلّا بدليل.
وهل يجب العدول من المتعارف إلى
الأخف بقدر
الإمكان من باب
الاقتصار على
أصل القطع أم لا؟ ظاهر
الشيخ الطوسي لزومه، قال في قطع يد السارق: «ثمّ يوضع على
المفصل سكّين حادّة ويدقّ من فوقه دقّة واحدة حتى تنقطع
اليد بأعجل ما يمكن... لأنّ الغرض
إقامة الحدّ من غير
تعذيب ، فإن علم قطع أعجل من هذا قُطع به».
وجعله
العلّامة الحلّي أيضاً أقرب، قال في
قصاص العين : «
الأقرب أخذها -العين-
بحديدة معوجة ؛ فإنّه
أسهل »،
وإطلاقه يشمل ما لو كانت
الجناية بأصعب أو أسهل أو
مساوي .
ولكن الظاهر من إطلاق القطع في الآية وكلمات الفقهاء هو القطع المتعارف، ولذا جعله المحقّق الحلّي في قصاص العين أولى.
والتفصيل في محلّه.
أمّا الجنايات الموجبة للقصاص:
فلو صدرت الجناية من الجاني بالأخفّ الأسهل فقد تقتضي
المماثلة لزوم الاقتصار على الأخفّ المماثل ولا يجوز بالمتعارف، قال
المحقّق النجفي : «ولو قلع عين
إنسان فهل له قلع عين الجاني بيده؟ الظاهر ذلك؛ لإطلاق الأدلّة، بل لا أجد خلافاً بيننا في أصل الجواز وإن قال المصنّف:
الأولى انتزاعها بحديدة معوجة؛ فإنّه أسهل، بل في
القواعد : الأقرب ذلك، لكنّه ليس
إشارة إلى خلافٍ، كما اعترف به في
كشف اللثام وغيره. نعم، عن
الشافعي في أحد قوليه عدم جواز القصاص إلّابحديدة، بل قد يكون
القلع باليد أسهل من الحديدة، فيصير حينئذٍ أولى من الحديدة، وخصوصاً مع
فرض كون الجاني قلعها بيده؛ فإنّ المماثلة فيه حينئذٍ أتمّ.
نعم، لو فرض أنّ الجاني قلعها بحديدة، وفرض كونه أسهل، كان الأولى مراعاة المماثلة، وإن كان لو لم يراعها لم يستحقّ عليه تعزيراً وتأديباً كما في كشف اللثام؛ ولعلّه لعدم الدليل على حرمته بعد أن لم يكن مُثلةً، وقد اطلق في قوله تعالى: «العَينَ بِالعَينِ»
من دون
اعتبار كيفية خاصّة.
ولكن لا يخلو من نظر مع فرض
زيادة العقاب ؛ فإنّه إيلام غير
مستحقّ ، يندرج في
الظلم ، بل الأولى للمجني عليه
مراعاة الأسهل وإن جنى عليه بالأصعب، ولكن لو استوفاه بالأصعب المماثل لم يكن عليه
شيء ، أمّا لو جنى عليه بالأسهل فاستوفاه بالأصعب كان عليه
التعزير ، و
اللَّه العالم ».
وهو ظاهر
الفاضل الأصفهاني أيضاً حيث قال: «فالأولى بالمجني عليه أن يتخيّر الأسهل وإن جنى عليه بالأصعب، ولو انعكس
الأمر أساء واستحقّ
ملامة ، وإن اعتدى بمثل ما اعتدى عليه فلا
إساءة ، ولعلّ (الأولى) مكان (الأقرب) كما في
الشرائع أولى...».
كما أنّ
المستفاد من كلماتهم في قصاص النفس لزوم كونه بالسيف، وهو
القتل المتعارف.
وإن كانت الجناية بأصعب- كمُثلةٍ و
إحراقٍ ونحوهما- فلا يجوز
اختيار المماثل في هذه المواضع. قال
المحقّق الأردبيلي : «لأنّ
المجوَّز هو القصاص
بإزهاق الروح ، وهو
حاصل به، والزيادة تعذيبٌ ما ورد به
الشرع ».
ويدلّ عليه بعض الروايات أيضاً، كرواية
الحلبي ... و
أبي الصباح الكناني جميعاً عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألناه عن رجل ضرب رجلًا
بعصا ، فلم يقلع عنه الضرب حتى مات، أيدفع إلى وليّ
المقتول فيقتله؟ قال: «نعم، ولكن لا يترك يعبث به ولكن يجيز عليه بالسيف».
وأمّا إذا كانت الجناية بالمتعارف كالسيف ونحوه، فهل يجب كونه بالأسهل؟ ظاهرهم
العدم . وأمّا جوازه بالأسهل مع
رضاية الولي ، كوصله
بالكهرباء فيوجب قتله فوراً من دون
إيذاء - وهو من
المسائل المستحدثة - فقد صرّح عدّة من الفقهاء بجواز القصاص به مع رضاية وليّ
الدم به.
قال
السيّد عبد الأعلى السبزواري : «لا يقتصّ إلّابالسيف وإن كانت الجناية بغيره
كالحرق و
الغرق و
الرضخ بالحجارة ، ويجوز بالأسهل إن رضي الولي بذلك كاتّصاله
بالأسلاك الكهربائيّة... وكذا القتل بواسطة بعض
الإشعاعات الخاصّة
المشعّة على المخّ بحيث لا يحسّ الجاني بالقتل، كما هو المعروف في هذه
الأعصار ».
بل الظاهر من إطلاق
الإمام الخميني عدم اعتبار
إذن الولي أيضاً حيث قال قدس سره: «ولا يقتصّ إلّابالسيف ونحوه، ولا يبعد الجواز بما هو أسهل من السيف
كالبندقة على
المخّ ، بل و
بالاتّصال بالقوّة الكهربائية»
وإن احتمل كونه
بصدد بيان أصل الجواز لا قيوده.
و
التفصيل في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۹، ص۳۸۱-۳۸۵.