الارتداد (عقوبته)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الارتداد (توضيح) .
تختلف عقوبة
الارتداد من حيث كون المرتد عن فطرة أو عن ملّة، كما أنّه تختلف باختلاف كون المرتدّ رجلًا أو امرأة.وفيما يلي نتعرض لذلك:
•
الارتداد (عقوبة الارتداد عن فطرة)،لا خلاف بين فقهائنا في وجوب قتل
المرتدّ الفطري في الحال بلا
استتابة.
•
الارتداد (عقوبة الارتداد عن ملة)،ذهب الفقهاء إلى أنّ المرتدّ الملّي يستتاب فإن تاب ورجع، وإلّا قتل، من دون خلاف في ذلك،بل عليه دعوى الإجماع بقسميه.
وأمّا حكم
الخنثى فالأكثر على
إلحاقه بالانثى، وهو اختيار الشهيدين
والشيخ جعفر كاشف الغطاء وبعض آخر؛
للشبهة في ذكوريّته المقتضية لدرء الحدود،
واحتياطاً في الدماء، وعموم أدلّة قبول
التوبة من
الآيات والروايات .
وتنظّر
الشهيد الثاني في بعض كتبه في المسألة من جهة أنّ أدلّة قتل المرتد عامّة، فتشمل الذكر والانثى والخنثى، خرجت منها المرأة بدليل خاصّ، فبقى الباقي داخلًا تحتها.
قال في
الروض : «وفي إلحاق الخنثى بأيّهما نظر، من
الشكّ في الذكوريّة التي هي شرط
القتل ، ودخوله في العموم (أي عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من بدّل دينه فاقتلوه» )، وإنّما خرجت المرأة بدليل خاصّ».
وكذا احتمل
المحقّق الأردبيلي إلحاقها بالرجل مع ميله إلى إلحاقها بالانثى، حيث قال: «ويبعد إلحاق الخنثى بالرجل؛ لعدم
الإجماع ، وعدم دليل عامّ شامل لها، مع الأصل، وعموم أدلّة قبول التوبة من الآيات
والأخبار
والإجماع،
والاحتياط في الدماء، وإلحاقها به محتمل أيضاً، ولا ينكشف الحال إلّا
بالاطّلاع على الأدلّة وما يحضرني الآن ذلك».
ولكن ردّ بعض المتأخّرين احتمال إلحاقها بالرجل؛
استناداً إلى أنّ المرجع في الشبهات المصداقيّة الاصول العمليّة لا
أصالة العموم ، أو الإطلاق.
ومع ذلك فما ذهب إليه المشهور إنّما يتمّ- عند بعض- إذا كانت النسبة بين حدّ المرتد والمرتدّة الأقلّ والأكثر ليتصوّر الاحتياط، وإلّا فلو كانت بينهما نسبة التباين فمقتضى
الأصل التخيير .
قال
السيد الگلبايگاني : «مقتضى كون الحدّين من قبيل المتباينين هو التخيير بينهما لا الإلحاق بالمرأة؛ فإنّ قاعدة الشبهة غير جارية مع
العلم الإجمالي بأحد الحدّين، اللهمّ إلّا أن يعلم كون حفظ النفس أهمّ فهناك يصحّ الإلحاق. إلّا أن يقال: إنّ حفظ النفس بهذه الكيفيّة والعذاب ليس بأهمّ من القتل، فالمتعيّن التخيير.وأمّا درأ الحدّ بالشبهة فربّما يقتضي عدم
إجراء حدّ عليه أصلًا، وهو إن كان لا بأس به لو قلنا بكون الخنثى طبيعة ثالثة، لكنّه خلاف ما عليه
الأصحاب ».
ذكر عدّة من الفقهاء أنّ المتولّي لقتل المرتدّ
الإمام عليه السلام،
بل نسب ذلك إلى المشهور.
وزاد بعض آخر نائب الإمام،
واحتمله المحقّق الأردبيلي،
بل صرّح الشيخ جعفر كاشف الغطاء بأنّه ثابت لنائبه العام مع فقد الإمام ونائبه الخاصّ.
والظاهر من هؤلاء عدم جواز قتل المرتد لغير الإمام أو نائبه، بل هو صريح
الشيخ الطوسي والعلّامة الحلّي وابن فهد .نعم، يجوز مع
الإذن .
قال الشيخ الطوسي: «إذا ارتدّ المسلم فبادر رجل فقتله قبل
الاستتابة فلا
ضمان عليه؛ لأنّه مباح الدم... إلّا أنّه وإن لم يجب عليه الضمان فعليه
التعزير ؛ لأنّه فعله بغير إذن الإمام».
وقال العلّامة الحلّي: «والقتل إلى الإمام... ولو قتله مسلم أخطأ ولا قود عليه ولا
دية ».
وقال ابن فهد: «المتولّي لقتله الإمام أو نائبه، ولو قتله غيرهما أثم وكان
هدراً ».
ولكن ذهب آخرون إلى جواز قتله لكلّ أحد،
وإن قيّد في بعض العبارات بعدم
التقيّة ،
أو عدم المفسدة؛
استناداً إلى خبر
عمّار الساباطي : «كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن
الإسلام وجحد محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم نبوّته وكذّبه فإنّ دمه مباح لمن سمع ذلك منه...».
وكذلك إطلاق غيره بقتله.ونوقش فيه بأنّ الحدود إلى من إليه الحكم وهو الإمام أو نائبه، وخبر عمّار موثّق بطريق وضعيف باخرى، والإطلاق ليس نصّاً في التعميم.
هذا كلّه في غير السابّ منه، وأمّا السابّ فإنّ قتله لا يتوقّف على إذن الإمام على المشهور- كما تقدّم- بل عليه الإجماع،
فيجوز لكلّ سامع قتله مع الأمن على نفسه.
ظاهر بعض الفقهاء بل صريحهم أنّ الارتداد من أسباب التعزير، فتكون عقوبته تعزيراً لا حدّاً.قال
ابن حمزة : «والثاني (أي الذي لا يوجب القصاص والدية) ضربان: قتل
بالاستحقاق وقتل لدفع الضرر، فما هو للاستحقاق قتل بسبب الحدّ... وأمّا القتل المستحقّ لغير الحدّ فثلاثة: قتل
الكافر والمرتدّ...».
وقال المحقّق الحلّي: «كلّ ما له عقوبة مقدّرة يسمّى حدّاً، وما ليس كذلك يسمّى تعزيراً... والثاني أربعة:
البغي والردّة و...».
وهو ظاهر
السرائر أيضاً حيث ذكر عقوبة الارتداد في ضمن البحث عمّا يجب فيه التعزير.
ولكنّ ظاهر الأكثر أنّ عقوبة الارتداد حدّ، حيث تعرّضوا لها في باب الحدود ويعدّونها ضمن الحدود ويعبّرون عنها بالحدّ فيقولون: حدّ المرتد، أو حدّ الردّة، أو حدّ الارتداد.
وفي عبارة
الفاضل الاصفهاني : أنّ الإمام يتولّى قتل المرتدّ كسائر الحدود.
بل قال الشهيد الثاني: «جعل عقوبة الباغي... والمرتد تعزيراً غير معهود، والمعروف بين الفقهاء تسميته حدّاً، ولا ينافي كون الحدّ مقدّراً؛ لأنّ القتل أيضاً مقدّر
بإزهاق الروح، إمّا مطلقاً أو على وجه مخصوص».
وقال السيد الگلبايگاني أيضاً:«لا يخفى أنّه وإن كان المصطلح من الحدّ هو القدر المعيّن من العقوبة إلّا أنّه قد يطلق أيضاً على مجرّد العقوبة وإن لم تكن محدودة بحدّ معيّن ومقدّرة بمقدار مخصوص».
ولكن تردّد
المحقّق النجفي في المسألة حيث قال: «يحتمل ذلك ( اندراج ما لا مقدّر له شرعاً تحت اسم الحدّ)؛ لإطلاقه ( الحدّ) على مطلق العقوبة في كثير من النصوص نحو: «إنّ اللَّه جعل لكلّ شيء حدّاً ولمن جاوز الحدّ حدّاً»،
ويحتمل العدم، كما هو ظاهر الأصحاب هنا ( في كتاب الحدود)..؛ لظهور لفظ الحدّ عرفاً في المحدود، ولنحو خبر
حمّاد بن عثمان .
.. وغير ذلك ممّا يدلّ على مغايرة التعزير للحدّ في المفهوم... نعم، لا ينكر إطلاق الحدّ على ما يشمل التعزير أيضاً، فلعلّ
الاقتصار في الأحكام المخالفة للُاصول والعمومات على الحدّ بالمعنى الأخصّ دون غيره إلّا ما يفهم من فحوى أو غيرها لا يخلو من قوّة».
ثمّ إنّه- في موضع آخر- أطلق الحدّ على عقوبة الارتداد، وقال: «إنّ منه حدّ المرتدّ».
وتظهر فائدة ذلك في الأحكام الكثيرة الواردة في النصوص، كدرئ الحدّ بالشبهة، وعدم اليمين في الحدّ، وعدم
الكفالة فيه، وعفو الإمام عن الحدّ الثابت
بالإقرار دون البيّنة، وعدم
الشفاعة في الحدّ، وغير ذلك.
ذكر الفقهاء أنّ المرتدّ لو جنّ بعد ارتداده عاقلًا فإن كان عن فطرة قتل، ولا يكون
الجنون مانعاً من قتله؛
لعدم سقوط قتله بالتوبة، وأنّ المطلوب هو
إتلافه على كلّ حال.
وفي
كشف اللثام : أنّه يقتل؛
استصحاباً لثبوت القتل عليه.
وأمّا إذا كان ارتداده عن ملّة وكان جنونه قبل استتابته لم يقتل.
وعلّله جماعة بأنّ قتله مشروط
بالامتناع عن التوبة، ولا حكم لامتناع المجنون.
نعم، لو طرأ الجنون بعد الامتناع المبيح لقتله قتل؛
لأنّ شرط القتل، وهو الامتناع عن التوبة قد وجد، وعروض الجنون بعده لا يوجب سقوط القتل عنه؛ لعدم الدليل على سقوطه.
قال المحقّق النجفي: «إذا جنّ المرتدّ الملّي بعد ردّته قبل استتابته لم يقتل؛ لأنّ قتله مشروط بالامتناع عن التوبة،ولا حكم لامتناع المجنون. نعم، لو طرأ الجنون بعد الامتناع المبيح لقتله قتل كما يقتل الفطري على كلّ حال».
وقال السيد الگلبايگاني- بعد تعرّضه لحكم الفقهاء بقتل الملّي مع طروّ الجنون عليه بعد الاستتابة وامتناعه عن التوبة ودليله-: «وهذا وإن لم يكن خالياً عن الكلام؛ لأنّه لصيرورته مجنوناً لا أثر لعقوبته أصلًا، بل ربّما يأبى العقل عن إجراء الحدّ عليه فلا بدّ من التأخير في ذلك، فلعلّه حصل له
الإفاقة ... إلّا أنّه ربّما لا يكون المقصود الوحيد والأصلي من إقامة الحدّ عليه عقوبته وردعه بشخصه، بل ليكون عبرة للآخرين؛ فلذا يمكن الحكم بإجراء الحدّ عليه خصوصاً بلحاظ ما ذكر قبل ذلك من أنّه لا يسقط الحدّ جلداً أو رجماً باعتراض الجنون ولا الارتداد. ويدلّ على ذلك صحيح
أبي عبيدة عن
أبي جعفر عليه السلام: في رجل وجب عليه الحدّ فلم يضرب حتى خولط، فقال:«إن كان أوجب على نفسه الحدّ وهو صحيح لا علّة به من ذهاب عقل اقيم عليه الحدّ كائناً ما كان»
•
الارتداد (استتابة المرتد)،قد تقدّم قيام
الإجماع على قبول توبة المرتدّ عن ملّة والمرتدّة ولو كانت فطريّة، بمعنى سقوط أحكام الردّة عنهما بالتوبة، بل أنّهما يستتابان قبل
العقوبة .
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۳۸۵-۳۹۵.