تعيين نية الإحرام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
تقدّم من بعض
الفقهاء أنّه بناءً على
اعتبار التعيين لما يحرم به لا يجب عليه التعيين مفصّلًا، بل يكفي التعيين
الإجمالي .
لكنّهم مع ذلك اختلفوا في بعض الموارد هل أنّها من مصاديق التعيين إجمالًا أو هي نوع من
الترديد و
الإبهام في النيّة؟
لو قصد
امتثال الفرد الذي سيعيّنه بعد ذلك من حجّ أو عمرة فهل يكفي ذلك المقدار من التعيين حين النيّة؟ ذهب بعض إلى
كفاية ذلك؛ لأنّه نوع من التعيين.
حيث فرّق بينه وبين ما لو نوى مردّداً مع
إيكال التعيين إلى ما بعد
وقال: «لو نوى الإحرام من غير تعيين وأوكله إلى ما بعد ذلك، بطل، فما عن بعضهم من صحّته وأنّ له صرفه إلى أيّهما شاء من حجّ أو عمرة لا وجه له؛ إذ الظاهر أنّه جزء من النسك فتجب نيّته كما في أجزاء سائر العبادات. وليس مثل
الوضوء والغسل بالنسبة إلى الصلاة. نعم
الأقوى كفاية
التعيين الإجمالي ، حتى بأن ينوي الإحرام لما سيعيّنه من حجّ أو عمرة فإنّه نوع تعيين وفرق بينه وبين ما لو نوى مردداً مع إيكال التعيين إلى ما بعد».
ووافقه عليه
السيّدان الحكيم و
الخوئي ؛
نظراً إلى «أنّ ذلك الفرد معلوم عند اللَّه واقعاً وهو لا يدري فيقصد المتعيّن الواقعي وإن كان لا يعرفه بالفعل، فإنّ المنوي يكون متعيّناً في علم
اللَّه وهو يشير إليه في مقام النيّة، فإنّ القصد إلى الشيء يقع على قسمين: أحدهما: أن يقصد الطبيعة المطلقة من دون نظر إلى
التعيين أصلًا، وإنّما يتعيّن فيما بعد. ثانيهما: أن يقصد المتعيّن واقعاً وإن كان لا يدري به فعلًا، كما إذا فرضنا أنّه عيّنه وكتبه في
قرطاس ثمّ نسى ما عيّنه وكتبه ولم يعثر على القرطاس ثمّ ينوي
الإحرام على النحو الذي كتبه».
لكن صرّح أكثر المعلّقين على العروة
كالنائيني و
الأصفهاني و
البروجردي وغيرهم من الفقهاء بعدم
الاجتزاء به وبعدم الفرق بين هذه الصورة وبين ما لو نوى مردداً مع إيكال التعيين إلى ما بعد، بل يلحق بالترديد في النيّة.
إذا أحرم
الإنسان بنيّة إحرام الغير فهو إمّا عالم بما أحرم به الغير وإمّا غير عالم، وفي الصورة الثانية إمّا ينكشف له الحال فيما بعد أو لا ينكشف له الحال أبداً لموت الغير أو غيبته، وإمّا أن ينكشف أنّ الغير لم يحرم أصلًا، فالصور أربعة:
إذا أحرم بإحرام الغير وكان عالماً بما أحرم:
ذهب الشيخ والمحقّق وغيرهما
إلى صحّته.
وادّعى
المحقق النجفي عدم الخلاف في ذلك؛
لحصول النيّة المعتبرة وتمييز المنوي، بل هو من مصاديق التعيين تفصيلًا،
ومجرّد قصده بأنّ إحرامه كإحرام فلان غير ضارّ بصحّة إحرامه.
قال : «لو قال: كإحرام فلان وكان عالماً بما ذا أحرم صحّ».
وذكر الفقهاء نحوه أيضاً.
إذا أحرم بإحرام الغير ولم يكن يعلم بذلك حين الإحرام لكنّه انكشف له الحال قبل
الطواف ، وفيها عدّة أقوال:
ذهب جماعة من الفقهاء إلى الصحّة و
انعقاد الإحرام بالعمل على مقتضى إحرام الغير، كما ذهب إليه الشيخ و
ابن حمزة والعلّامة في
المنتهى والشهيدان وغيرهما.
قال : «وإن أحرم وقال: إحراماً كإحرام فلان، فإن علم بما ذا أحرم فلان من حجّ أو عمرة،
قران أو
إفراد أو تمتّع، عمل عليه».
قال : «وذلك لحصول التعيين إجمالًا، والإبهام في النيّة وإن كان حاصلًا لكنّه ليس بمبطل للإحرام على ما تقدّم من مبنى
الشيخ الطوسي وغيره.
مضافا إلى النصوص الواردة في
إهلال أمير المؤمنين عليه السلام الذي هو العمدة في الباب حيث أحرم كإحرام
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يكن عالماً بما أحرم به صلى الله عليه وآله وسلم حين الإحرام.
منها: صحيحة
الحلبي عن
الصادق عليه السلام في
حجّة الوداع أنّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يا علي بأيّ شيء أهللت؟ فقال: أهللت بما أهلّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم».
وكذا صحيح
معاوية بن عمّار الوارد في حجّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيه: ذكر أنّ عليّاً عليه السلام قدم من
اليمن على
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو
بمكّة ، إلى أن قال النبي: «وأنت يا علي بم أهللت؟ قال: قلت يا رسول اللَّه إهلالًا كاهلال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: كن على إحرامك مثلي، وأنت شريكي في
هديي ».
فقد ذكروا أنّ معنى ذلك: إنّي نويت الإحرام بما أحرمت به أنت يا رسول اللَّه كائناً ما كان، فكأنّه لم يعيّن إهلاله حجّاً أو
عمرة ، وإنّما نوى إهلالًا كإهلال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأقرّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك بقوله: لا تحلّ أنت وكن على إحرامك.
وعليه، فالحكم بالصحّة ظاهر على مبنى الشيخ والعلّامة في بعض كتبه وكلّ من لم يشترط التعيين في النيّة، وجوّز الإحرام مطلقاً كما تقدّم.
قال : «يصحّ إبهام الإحرام، وهو: أن يحرم بما إذا أحرم به فلان، لما رواه (علماء
الفريقين من إحرام علي عليه السلام)، ولأنّ إطلاق الإحرام وتعيينه صحيحان، وهو لا يخلو عن أحدهما، بل هو أخص من المطلق، فكان أولى. وإذا علم ما أحرم به فلان انعقد إحرامه بمثله، (ثمّ ذكر رواية إحرام
علي عليه السلام أيضاً)».
وكما ذهب إلى
اختيار هذا القول جمع من الفقهاء المعاصرين ممّن اشترط التعيين في النيّة أيضاً كما سيأتي.
ذهب جماعة من الفقهاء إلى
البطلان كالعلّامة في
القواعد حيث قال: «ولو قال: كإحرام فلان صحّ إن علم حال النيّة صفته، وإلّا فلا»،
ووافقه جملة من الفقهاء
كالمحقّق الكركي والفاضل الهندي و
المحدّث البحراني والمحقّق النجفي
كما استشكل جماعة من فقهائنا المعاصرين في الصحّة.
والدليل على البطلان ما تقدّم من لزوم تعيين المنوي من غيره.
ومناقشاتهم فيما هو العمدة من دليل القول بالصحّة ممّا روي في إحرام الإمام علي عليه السلام كإحرام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حيث استشكلوا فيه بوجوه:
أوّلًا:
احتمال اختصاص الحكم بالصحّة بعلي عليه السلام كما يومئ إليه تفاخره عليه السلام به
على ما رواه
الصدوق ، قال: «وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ساق معه مائة بدنة، فجعل لعلي عليه السلام منها أربعاً وثلاثين، ولنفسه ستّاً وستين، ونحرها كلّها بيده- إلى أن قال:- وكان علي عليه السلام يفتخر على الصحابة ويقول: من فيكم مثلي وأنا شريك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم في هديه، من فيكم مثلي وأنا الذي ذبح رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم هديي بيده».
إذ لو كان هذا الحكم عامّاً في جميع الناس- كما يدّعونه- لم يكن
لافتخاره عليه السلام بذلك وجه.
وثانياً: أنّه لا ظهور للنصوص في عدم
اطّلاعه عليه السلام بما أحرم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛
«لأنّ الظاهر من قول أمير المؤمنين عليه السلام: «إهلالًا كإهلال النبي صلى الله عليه وآله وسلم» : أنّي نويت الحجّ المشروع الواجب على المسلمين وهو حجّ الإفراد أو القران. فمراده عليه السلام- واللَّه العالم- إنّي نويت الحجّ كحجّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسائر المسلمين، ولم يكن
حجّ التمتّع حينذاك مشروعاً، وإنّما شرع بعد وصول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكّة وبعد
السعي ، قبل وصول أمير المؤمنين عليه السلام إلى مكّة، فما نواه أمير المؤمنين إنّما هو
حجّ الإفراد ».
هذا بناءً على عدم سياق الهدي، فإن ساق الهدي- كما في بعض الروايات- كان حجّه قراناً،
فيكون فعله عليه السلام أجنبي عن الإجمال في النيّة.
هذا، مضافاً إلى المنافاة بين صحيحتي معاوية بن عمّار والحلبي في جهة بحيث لا يمكن الجمع بينهما؛ لأنّ مقتضى صحيحة معاوية بن عمّار أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد ساق الهدي فكان حجّة قراناً، ومقتضى صحيحة الحلبي أنّه عليه السلام لم يأت بالهدي ولم يسق هدياً، وإنّما رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ساق مائة بدنة وأشركه في هديه وجعل له سبعاً وثلاثين، وحينئذٍ يكون الحكم مختصّاً به عليه السلام، فمجرّد
نيّة الإحرام كإحرام النبي صلى الله عليه وآله وسلم- مع أنّه عليه السلام لم يسق الهدي- لا يستوجب
إشراكه في الهدي، فمع عدم الهدي يكون حاله حال سائر
المسلمين من جواز
الإحلال ، ولكن مع ذلك فقد أمره صلى الله عليه وآله وسلم بعدم الإحلال، وأشركه في هديه وحجّه، وكون حجّه قراناً.
ولكن مع ذلك لم يرتض القول بالبطلان جمع من الفقهاء المعاصرين واستشكلوا فيه واختاروا- تبعاً للشيخ الطوسي وغيره- القول بالصحّة
كالسيد اليزدي و
السيد الحكيم و
السيد الخوئي، والعمدة عندهم هو عدم القصور في النية وكفاية ذلك المقدار من التعيين الإجمالي حين النيّة.
قال : «لو نوى كإحرام فلان، فإن علم أنّه لما ذا أحرم صحّ، وإن لم يعلم فقيل بالبطلان؛ لعدم التعيين، وقيل بالصحّة؛ لما عن علي عليه السلام، والأقوى الصحّة؛ لأنّه نوع تعيين».
وتبعه عليه السيد الحكيم، حيث قال- بعد الإشكال على النصوص الواردة في المقام-: «قد عرفت فيما سبق أنّه لا قصور في النيّة في فرض المسألة، بل الصحّة فيها أظهر منها فيه؛ لتحقّق التعيين حال النيّة في الفرض دون ما سبق، ومن العجب ما في الجواهر هنا من أنّ الأقوى
البطلان ، كيف؟ ولعلّ أكثر السواد على هذا النهج من النيّة، فإنّهم يحرمون كما يحرم غيرهم ممّن يعرفونه بالمعرفة و
التفقّه ».
كما اختاره السيد الخوئي أيضاً، مستدلّاً بحصول التعيين الإجمالي وعدم الدليل على
اعتبار الأزيد من ذلك، لكنّه مع ذلك استشكل في نصوص الباب.
إذا أحرم بإحرام الغير ولم يكن يعلم بذلك حين الإحرام ولم ينكشف له الحال لموت الغير أو غيبته، فهنا عدّة آراء:
ذهب الشيخ إلى أنّه يتمتّع
احتياطاً للحجّ والعمرة
وتبعه بعض الفقهاء المعاصرين كما سيأتي، قال في
الخلاف : «إذا أحرم كإحرام فلان وتعيّن له ما أحرم به عمل عليه، وإن لم يعلم حجّ متمتّعاً...دليلنا: أنا قد بيّنا أنّ ما يدعونه في القران لا يجوز، فإذا بطل ذلك فالاحتياط يقتضي أن يأتي بالحجّ متمتّعاً؛ لأنّه يأتي بالحج والعمرة وتبرأ ذمّته بيقين بلا خلاف».
وذكر السيد العاملي في بيان وجهه: «لأنّه إن كان متمتّعاً فقد وافق، وإن كان غيره فالعدول منه جائز».
ولكن نوقش فيه: أنّ العدول إنّما يسوغ في حجّ الإفراد خاصّة إذا لم يكن متعيّناً عليه،
مضافاً إلى أنّ العدول خلاف القواعد، والثابت منه حال معلومية المعدول عنه، لا مشكوكيته.
ذهب السيد العاملي والمحقّق النجفي
وغيرهما إلى البطلان، وجعله الشهيد الثاني أحوط؛
نظراً إلى تعذّر معرفة ما أحرم به، فيكون من المجمل الذي لا يجوز الخطاب به مع عدم طريق لامتثاله.
واختاره جماعة من الفقهاء المعاصرين أيضاً،
وكذا ذهب إليه كلّ من قال بالبطلان في الصورة الثانية، فذهابه إليه هنا يكون بطريق أولى. نعم، ربّما احتمل السيد العاملي التخيير أيضاً كما في حال
الإطلاق ونسيان ما أحرم به، ولكنه مع ذلك قال: «لعلّ البطلان أقرب».
كما استظهره
الفاضل الهندي من جماعة من الفقهاء، حيث قال: «فظاهر
الشرائع و
التحرير و
التذكرة والمنتهى التوقّف في لزومه عليه؛
لأصل البراءة فيتخيّر بين الأنساك».
لكن ذهب السيد الخوئي إلى الصحة محتجّاً بكفاية تعيّنه في الواقع مع الإشارة إليه وقال: «لا موجب له (البطلان)؛ لأنّ التعيّن الواقعي مع
الإشارة الإجماليّة إليه يكفي وإن لم يعلم به تفصيلًا، وذكرنا في (الناسي) أنّ الإحرام إذا كان بقصد ما عيّنه واقعاً وإن كان منسيّاً فعلًا يحكم بصحّته، ولا فرق بين المقامين سوى كون النسيان مسبوقاً بالعلم، وإلّا فالواقع متعيّن في الموردين، غاية
الأمر لا يتمكّن من التمييز فتكفي الإشارة الإجماليّة، بل حتى إذا كان متمكّناً من التمييز لا يلزم التفصيل في النيّة وتكفي الإشارة الإجماليّة، فيجوز له أن يحرم لما يعيّنه اللَّه واقعاً فيما بعد، والمقام أولى بالصحّة؛ لأنّه متعيّن في غير علم اللَّه أيضاً؛ لأنّ الشخص الذي أحرم أوّلًا يعلم قصده، غاية الأمر من أحرم كإحرامه لا يدري بما قصده».
إذا أحرم بإحرام الغير ثمّ انكشف عدم إحرام الغير أصلًا ففيه قولان:
ذهب جماعة من الفقهاء إلى الصحّة وانعقاد الإحرام مطلقاً، فهو بالخيار إن شاء حجّ وإن شاء اعتمر، كما صرّح به الشيخ الطوسي و
العلّامة الحلّي في بعض كتبه وغيرهما؛ لأنّه لو ذكر أنّه أحرم بالحجّ جاز له أن يفسخ ويجعله عمرة.
فلا بدّ لكل من يقول بكفاية مطلق الإحرام بلا تعيين، القول بالصحة هنا أيضاً؛ لأنّ المفروض أنّه ناوٍ لأصل الإحرام لتخيّله أنّ الغير قد أحرم.
قال الشيخ الطوسي: «وإن بان له أنّ فلاناً ما أحرم
أصلًا كان إحرامه موقوفاً، إن شاء حجّ وإن شاء اعتمر».
وقال العلّامة الحلّي: «لو بان أنّ فلاناً لم يحرم انعقد مطلقاً وكان له صرفه إلى أيّ الأنساك شاء».
واستحسنه السيد العاملي بعد نقله كلام العلّامة.
وكذا السيد الخوئي، حيث ذهب في تعليقته على
العروة إلى الصحّة ولزوم العمل بالاحتياط.
وذهب بعض الفقهاء إلى البطلان كما هو ظاهر كلّ من حكم بالبطلان في صورة عدم العلم حين الإحرام بما ذا أحرم الغير، وكذا كلّ من ذهب إلى البطلان في الصورة السابقة، وهو ظاهر العلّامة في قواعده،
وتبعه المحقّق الكركي
والمحقّق النجفي.
وبه صرّح السيد اليزدي وأكثر المعلّقين على العروة.
نظراً إلى أنّه أحرم إحراماً لا واقع له؛ إذ المفروض أنّ ذلك الشخص لم يحرم.
ولو لم يعلم بأنّ الغير أحرم أم لا كان حكمه حكم من لم يحرم.
ولو طاف قبل التعيين في فرض انعقاد الإحرام لم يعتد بطوافه؛ لأنّه لم يطف في حجّ أو عمرة.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۳۲۸-۳۳۶.