تقدير منفعة الإجارة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
و الرابع من شرائط الإجارة : أن تكون
المنفعة مقدّرة إمّا في نفسها كخياطة الثوب المعين وركوب الدابة إلى موضع معيّن أو بالمدّة المعيّنة كسكنى الدار سنة، وخياطة الثوب شهراً مثلاً، بلا خلاف، بل عليه
الإجماع في الغنية.
لاستلزام عدم التقدير الغرر والجهالة، و احتمال أن يؤول
الأمر إلى المنازعة، وجميع ذلك ضرر منفي في الشريعة، فلا بد من حسم مادّته بتقدير المنفعة بما يتقدّر بها، فإن اتّحد كسكنى الدار و
الإرضاع الغير المقدّرين إلاّ بالزمان لزم التقدير به، وإن تعدّد تخيّر بين التقدير بأيّهما شاء، كالخياطة وركوب الدابّة ونحوهما المقدّرين تارة بالزمان كفعلهما في شهر مثلاً، وأُخرى بإضافتهما إلى معيّن كما مرّ في العبارة، والضابط هو العلم بالمنفعة على أحد الوجهين.
ولو قدّرت بالعمل والمدّة معاً كأن يخيط هذا الثوب في هذا اليوم مثلاً فالأكثر على
البطلان إن قصد التطبيق، وفاقاً للطوسي والحلّي؛
لأنّه ربّما فرغ قبل انتهاء المدّة فيبقى بعضها مستحقّة بلا عمل، وربما لا يفرغ فيها فيحتاج إلى مدّة أُخرى فيحصل جهالة المدّة والعمل، وهو غير جائز.
وتردّد الماتن في الشرائع؛
لذلك، ولأنّ العقد قد وقع على العمل والمدّة ذكرت للتعجيل. ووافقه على
الاحتمال الثاني الفاضل في
المختلف كما حكي (لم نعثر عليه في المختلف).
واستشكله آخرون كالشرائع.
ولعلّه ليس في محلّه، بل الأوّل أجود، وعلّة الصحّة خارجة عن محل الفرض، لوقوعه في وقوع العقد على التطابق دون العمل فقط.
نعم، لو أرادا الظرفيّة المطلقة وأمكن وقوع الفعل فيها جاز بلا شبهة.
(ويملك) المستأجر (المنفعة) المعقود عليها (بالعقد) بلا خلاف؛ لما مرّ في تملّك الموجر
الأجرة .
ولا فرق بينهما إلاّ من حيث إنّ تسليم الأُجرة يتوقّف على تمام العمل أو دفع العين المستأجرة، ولا كذلك المنفعة؛ فإنّه يجب تسليمها مع المطالبة بتسليم العمل أو العين التي وقع عليها
الإجارة .
ووقت تسليمها في المقدّر بالمدّة عند الفراغ من العقد مع إطلاقه، و
ابتداء الزمان المشترط مع تقييده به، متصلاً كان أم منفصلاً، وتصحّ الإجارة فيه بقسميه، وكذا في الأوّل على الأشهر الأظهر.
خلافاً للطوسي في
المبسوط والخلاف في الأوّل،
فأبطلها به، واشترط في صحتها فيه تعيين المدّة.
وله فيهما في القسم الثاني من الثاني، وتبعه فيه
الحلبي ،
فأبطلاها أيضاً.
وعمومات الأدلّة من الكتاب والسنّة، وفحوى النصوص الواردة في المتعة الدالّة جملة منها على الصحّة مع
الإطلاق ،
وأُخر منها عليها مع اشتراط
الانفصال وهي مع كثرتها منجبرة أو معتضدة بالشهرة ثمّة، كما سيأتي إليه
الإشارة حجة عليهما.
نعم، ينبغي تقييد الصحّة في صورة الإطلاق بصورة دلالة العرف على
الاتّصال ، وإلاّ كانت باطلة؛ للجهالة.
ولا ينافيه إطلاق تلك النصوص وعبائر كثير من الجماعة الحاكمين بالصحّة في هذه الصورة، كالقاضي والحلّي؛
لوروده مورد الغالب، فإنّ عدم
انصراف الإطلاق إلى الاتّصال كاد أن يلحق بالنادر وأيّ نادر، ولعلّه لذا أنّ الفاضل في
الإرشاد والماتن في الشرائع
ادّعيا انصراف الإطلاق مطلقا إلى ذلك. ولعلّه كذلك.
وفي المقدّر بغير المدّة عند المطالبة. وقيل : عند الفراغ من العقد مطلقا كالسابق؛ لانصراف الإطلاق إلى التعجيل، ولم يثبت في مثله إلاّ إذا كان ثمّة قرينة من عرف أو عادة، ولا كلام معها.
(ولو مضت مدّة يمكن استيفاء المنفعة) المعقود عليها بنفسه (و) كانت (العين في يد المستأجر) والمدة ما تعيّنت شرعاً للاستيفاء، إمّا بالتعيين أو ما في حكمه، كما إذا عيّنت المنفعة بالعمل فإنّ مدّتها هي الزمان الذي يسعها عادة (استقرّت الأُجرة) على المستأجر مطلقا (ولو لم ينتفع) بها، بلا خلاف، بل عليه
الإجماع في الغنية؛
وهو الحجة.
مضافاً إلى العمومات الحاكمة بلزومها بمجرّد العقد، وإنّما لم يجب تسليمها به بل بعد تسليم العين أو العمل لمصلحة المستأجر وترتب الضرر عليه بتكليفه عليه قبله، وهو هنا قد أقدم على الضرر بتركه
الانتفاع ، ولا تقصير من جهة المؤجر.
وفي الخبر القريب من الموثق : رجل استأجر من رجل أرضاً فقال : آجرنيها بكذا وكذا إن زرعتها، فإن لم أزرعها فأعطيتك، فلم يزرعها، قال : «له أن يأخذ إن شاء تركه وإن شاء لم يتركه».
ولا فرق في ثبوت الأُجرة عليه بالتسليم بين كون الإجارة صحيحة أو فاسدة، فإنّ كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفساده بمقتضى القاعدة الكلّيّة المتّفق عليها، لكن مع الفساد يلزم
أجرة المثل عمّا فات من المنافع في يده.
وفي حكم التسليم ما لو بذل العين فلم يأخذها المستأجر حتى انقضت المدّة، أو مضت مدّة يمكنه
الاستيفاء فتستقر الأُجرة هنا أيضاً، لكن قيل : لا بد فيه من تقييده بالصحيحة.
(وإذا عيّن) الموجر حين العقد (جهة الانتفاع) فيما يتعدّد فيه (لم يتعدّها المستأجر) بلا إشكال؛ عملاً بمقتضى العقد والشرط اللازم الوفاء بهما.
(ويضمن مع التعدّي) لعموم : على اليد،
وخصوص ما مرّ من النصوص.
(ولو تلفت العين) المعيّن في العقد استيفاء المنفعة منها (قبل القبض) أو بعده بلا فصل (أو امتنع الموجر من
التسليم مدّة الإجارة بطلت الإجارة) بلا خلاف في الأوّلين في الظاهر، وبه صرّح في التنقيح،
قيل
: لفوات المتعلّق فيكون كتلف المبيع قبل قبضه، واستيفاء المنفعة هنا بتمامها قائم مقام القبض في المبيع، كما أن استيفاء بعضه كقبض بعضه.
ولو لا
الاتفاق على هذا الحكم لأمكن المناقشة فيه على إطلاقه، بل مطلقا؛ لمخالفته
الأصل الدالّ على لزوم الأُجرة، و
انتقال المنفعة إلى ملك المستأجر بمجرّد العقد، فرجوع كلّ منهما إلى مالكهما الأوّل مخالف للأصل، ولا دليل عليه سوى القياس على البيع، وهو فاسد بعد
اختصاص الدليل به.
نعم، لو كان التلف من قبل المؤجر أمكن ثبوت الحكم هنا؛ لتفويته المنفعة على مالكها، فيضمن.
لكن البطلان فيه أيضاً محل إشكال، وغاية
الإتلاف الرجوع إلى تضمين المتلف اجرة المثل، لا المسمّى.
وفي حكم تلف الجميع تلف البعض، إلاّ أنّ
البطلان هنا يختص بالتالف، ويتخيّر في الباقي بين الفسخ لتبعّض الصفقة، و
إمساك الحصّة بقسطها من الأُجرة.
وطريق التقسيط في العين المتساوية الأجزاء ظاهر، وفي غيرها : بأن تقوّم اجرة مثل جميع المدّة ثمّ تقوّم الأجزاء السابقة على التلف وينسب إلى المجموع، فيؤخذ من المسمّى بتلك النسبة.
وعلى إشكال في الأخير : من أن التسليم شرط للاستحقاق بالاتفاق، فليس لأحد على الآخر شيء، وينفسخ العقد بنفسه؛ لأنّه بمنزلة تلف المبيع والعين قبل التسليم.
ومن أنّ المنفعة مملوكة له وقد منعه عنها، وهي مضمونة كالأعيان، كما إذا غصب العين غاصب، فللمستأجر الخيار في الفسخ و
الإلزام بالتسليم، وله اجرة المثل مع عدم الفسخ، والمسمّى معه، وبه أفتى الماتن في الشرائع والفاضل في الإرشاد والشهيدان في اللمعتين والمقداد في التنقيح،
وهو الوجه.
و
اشتراط التسليم للاستحقاق مطلقا ممنوع، بل هو مختصّ بالمؤجر.
وعدم استحقاقه الأُجرة مع
الامتناع عنه مسلّم، إلاّ أنّه لا ينفي
استحقاق المستأجر للمنفعة، بل له المطالبة بها أو ببدلها. ولا فرق فيه كالسابق بين الامتناع من تسليم الجميع أو البعض، فله الفسخ لتبعّض الصفقة. خلافاً للقاضي فحكم باللزوم.
وهو ضعيف.
(و) ذكر جماعة من الأصحاب من غير خلاف أجده أن المستأجر (لو منعه الظالم) عن الانتفاع بالعين المستأجرة (بعد القبض) لها (لم تبطل) الإجارة؛
لاستقرار العقد بالقبض، وبراءة الموجر والحال أن العين موجودة، فيمكن تحصيل المنفعة منها وإنّما المانع عارض.
(وكان الدَّرَك) أي درك المنفعة (على الظالم) فيرجع المستأجر عليه بأُجرة مثل المنفعة الفائتة في يده. ولا فرق بين وقوع الغصب في ابتداء المدّة وخلالها.
ولو كان المنع قبل القبض لم تبطل أيضاً، إلاّ أن للمستأجر الخيار بين الفسخ؛ لأنّ العين قبل القبض مضمونة على المؤجر، فللمستأجر الفسخ عند تعذّرها، ومطالبة الموجر بالمسمّى، لفوات المنفعة، والرضا بالإجارة وانتظار زوال المانع، أو مطالبة المانع بأُجرة المثل.
قيل : بل يحتمل مطالبة المؤجر بها أيضاً؛ لكون العين مضمونة عليه حتى تقبض.
ولا يسقط التخيير بزوال المانع في أثناء المدّة
لأصالة البقاء.
وكثير من هذه الأحكام منظور فيه إن لم ينعقد الإجماع عليه، ولكن عدم ظهور الخلاف لعلّه كافٍ في إثباته، إلاّ أن ظاهر العبارة مفهوماً البطلان مع المنع قبل القبض، إلاّ أن وجهه لمخالفته الأصل غير واضح، مع أن الأكثر على خلافه.
(ولو انهدم المسكن) المستأجَر (تخيّر المستأجِر في الفسخ) وإن كان بعد استيفاء شيء من المنفعة، ولا يمنع من ذلك كون التصرّف مسقطاً للخيار؛ لأنّ المعتبر منه ما وقع في العوض المعيب الذي تعلّقت به المعاوضة، وهو هنا المنفعة، وهي تتجدّد شيئاً فشيئاً، وما لم يستوفه منها لا يتحقّق فيه التصرّف المسقط.
وإطلاق العبارة يقتضي ثبوت الخيار مطلقاً ولو خرج المسكن بالانهدام عن
إمكان الانتفاع به أصلاً، أو أمكن إعادته بحيث لا يفوت عليه شيء معتدّ به.
والأوّل لا ينطبق على ما ذكروه من أن تلف العين يبطل الإجارة.
وللثاني وجه من حيث ثبوت الخيار بالانهدام فيستصحب، وبه أفتى الشهيد الثاني
والمفلح الصيمري.
خلافاً لبعض المتأخّرين، فلم يثبت له الخيار، وحكم بلزوم العقد.
ولعلّه للأصل، و
انتفاء الضرر الموجب للفسخ مع التزام المالك
بالإعادة بالنهج المتقدّم.
وهو أوجه، إلاّ أن يثبت أنّ ثبوت الخيار بنفس
الانهدام من حيث هو هو، فيتّجه حينئذٍ العمل
بالاستصحاب . ولكنّه غير معلوم؛ لعدم وضوح دليله، إذ ليس إلاّ نفي الضرر، وجوابه قد مرّ، أو الإجماع، وضعفه أظهر، لمكان الخلاف، وعدم العلم به من وجه آخر.
(و) حيث لم يفسخ كان (له إلزام المالك بإصلاحه) توصّلاً إلى حقّه اللازم على المالك
أداؤه بدفع ما يحصل به.
ويحتمل قويّاً العدم، وفاقاً للفاضل في الإرشاد؛
للأصل، وعدم دليل صالح على الوجوب، إذ اللازم عليه إنّما هو تسليم العين المستأجرة وما يتوقّف عليه الانتفاع من الأبواب والمفاتيح، وأمّا التعمير بعد الخراب فلا، إذ ليس متعلّق العقد بالكليّة.
(ولا يسقط) من (مال الإجارة) شيء (لو كان الهدم بفعل المستأجر) مطلقا، كان على جهة الانتفاع أو غيرها، ما لم يكن فيه من طرف الموجر تعدٍّ أو تفريط، ومع أحدهما يتقاصّان إذا كان ثمّة شرائط التقاصّ، وإلاّ فعلى المالك الأُجرة للمستأجر، وعليه
بدل التالف للمالك.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۲۷- ۳۵.