ثبوت موجب قصاص النفس
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو أُمور ثلاثة:
الإقرار، أو
البيّنة عليه أو
القسامة وهي
الأيمان.
•
الإقرار في قصاص النفس، يكفي في
الإقرار المرة
، وبعض الأصحاب يشترط التكرار مرتين
؛ ويعتبر في المقر:
البلوغ،
والعقل،
والاختيار،
والحرية؛ ولو أقر واحد بالقتل عمدا والآخر خطأ تخير الولي تصديق أحدهما
؛ ولو أمر واحد بقتله عمدا فأقر آخر أنه هو الذي قتله ورجع الأول درئ عنهما
القصاص والدية، وودي من
بيت المال، وهو قضاء
الحسن بن علي (علیهماالسّلام).
•
البينة في قصاص النفس،
البينة: شاهدان عدلان، ولا تثبت
بشاهد ويمين، ولا بشاهد وامرأتين؛ ويثبت بذلك ما يوجب الدية: كالخطأ، ودية الهاشمة، والمنقلة، والجائفة، وكسر العظام؛ ولو شهد اثنان أن القاتل زيد، وآخران أن القاتل عمرو، قال
الشيخ في
النهاية يسقط
القصاص ووجبت الدية نصفين
؛ ولو كان خطأ كانت
الدية على عاقلتهما، ولعله احتياط في عصمة الدم لما عرض من تصادم البينتين؛ ولو شهد بأنه قتله عمدا، فأقر آخر أنه هو القاتل دون المشهود عليه، ففي رواية
زرارة عن
أبي جعفر (عليه السلام): للولي قتل المقر، ثم لا سبيل على المشهود عليه، وله قتل المشهود عليه ويرد المقر على أولياء المشهود عليه نصف الدية، وله قتلهما ويرد على أولياء المشهود عليه خاصة نصف الدية
، وفي قتلهما اشكال، لانتفاء العلم بالشركة؛ وكذا في الزامهما بالدية نصفين لكن
الرواية من المشاهير.
وهنا مسائل ثلاث:
قيل كما عن النهاية
والقاضي والصهرشتي والطبرسي والإسكافي وابن حمزة: إنّه يحبس المتّهم بالدم ستّة أيّام كما عمّن عدا الأخيرين، وبدّلها الأخير بالثلاثة، والإسكافي بالسنة، وهو كالنهاية إن قرئ «ستّة» بالتاءين على احتمال ظاهر، وإن قرئ «سنة» بالنون بدل التاء الاولى كان قولاً ثالثاً في المسألة. ومستنده غير واضح كقول ابن حمزة.
وبعد انقضاء المدّة فإن ثبتت الدعوى بإقرار أو بيّنة وإلاّ خلّي سبيله.
والأصل في المسألة قوية
السكوني عن مولانا
الصادق (علیهالسّلام) أنّه قال: «إنّ
النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) كان يحبس في تهمة الدم ستّة أيّام، فإن جاء أولياء المقتول ببيّنة، وإلاّ خلّى سبيله»
.
وعمل بها من المتأخّرين جماعة،
كالفاضل في
التحرير والمختلف، لكن في الأخير قيّده بما إذا حصلت التهمة للحاكم بسبب، قال: عملاً بالرواية، وتحفّظاً للنفوس عن الإتلاف. وإن حصلت
التهمة لغيره فلا عملاً بالأصل، واستحسنه
الفاضل المقداد في
التنقيح وغيره من الأصحاب
.
ولا يخلو عن قرب يظهر وجهه زيادةً على ما مرّ في المختلف ممّا سبق في كتاب
القضاء في بحث جواز تكفيل المدّعى عليه مع دعوى المدّعى البيّنة وغيبتها ثم التمسه.
خلافاً لصريح
الحلّي وفخر الدين وجدّه على ما حكاه عنه، وظاهر
الماتن هنا وفي
الشرائع، فردّوا الرواية رأساً؛ لما أشار إليه بقوله: وفي المستند ضعف ومع ذلك فيه تعجيل لعقوبة لم يثبت سببها.
وظاهر الفاضل في
القواعد والإرشاد التردّد، وهو حسن لولا ما قدّمناه، ويجبر به الضعف وما بعده، مع إمكان جبره بدعوى الشيخ إجماع العصابة على قبول روايات
الراوي، ولذا قيل بوثاقته أو موثّقيته، كما يحكى عن الماتن في بعض تحقيقاته
، ويعضده كثرة رواياته، وعمل الأصحاب بها غالباً، وغير ذلك ممّا حقّق في وجه تقويته وتقوية صاحبه، هذا.
مع ما عرفت من عمل هؤلاء الجماعة بروايته في المسألة.
ثم إنّ إطلاقها كإطلاق عبائر أكثرهم يشمل صورتي التماس المدّعى للحبس وعدمه، وقيّده بعضهم
بصورة التماسه، وهو حسن، ولعلّه المراد من
الإطلاق؛ فإنّه عقوبة لحقّه، فلا يكون إلاّ بعد التماسه، ويؤيّده عدم الحكم بدون التماسه مع ثبوته.
وهل المراد بالدم ما يشمل الجراح كما يقتضيه إطلاق العبارة ونحوها وصدر الرواية أيضاً، أم القتل خاصّة؛ لاحتمال اختصاص الإطلاق بحكم
التبادر به، مع اشتمال ذيل الرواية على ما يعرب عن إرادة
القتل من الدم المطلق في صدرها خاصة؟ وجهان، والحوالة إلى الحاكم ليراعى أقلّ الضررين كما قدّمناه في التكفيل غير بعيد.
لو قتل رجلاً وادّعى أنّه وجد المقتول مع امرأته يزني بها قتل به مع اعترافه بقتله صريحاً إلاّ أن يقيم البيّنة بصدق دعواه فلا يقتل حينئذٍ، بلا خلاف في المقامين فتوًى ونصّاً، ففي المرتضوي: رجل قتل رجلاً وادّعى أنّه رآه مع امرأته، فقال (علیهالسّلام): «
القود، إلاّ أن يأتي ببيّنة»
.
مضافاً في الأوّل إلى الأصل، وعموم: «البيّنة على المدّعى»
وخصوص
الصحيح وغيره
: «إنّ أصحاب النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) قالوا
لسعد بن عبادة: لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت صانعاً؟ قال: كنت أضربه بالسيف، فخرج رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) فقال: ماذا يا سعد؟ قال سعد: قالوا: لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت تصنع به؟ فقلت: أضربه بالسيف، فقال: يا سعد، وكيف بالأربعة الشهود؟ فقال: يا رسول الله بعد رأي عيني وعلم الله تعالى أن قد فعل؟! قال: إي والله بعد رأي عينك وعلم الله تعالى أن قد فعل؛ لأنّ الله عزّ وجلّ قد جعل لكل شيء حدّا، وجعل لمن تعدّى ذلك
الحدّ حدّا».
وظاهر إطلاقه وإن كان ربما يتوهّم منه المنافاة للحكم الثاني، إلاّ أنّه محمول على كون اعتبار الشهود لدفع القود عن نفسه في ظاهر
الشرع وإن لم يكن عليه إثم فيما بينه وبين الله تعالى، كما ظهر من الرواية السابقة وفتاوي أصحابنا، وإن اختلفت في تقييد الحكم بعدم إثم الزوج في قتله الزاني بكونه محصناً، كما عن الشيخ والحلّي
، أو إبقائه على إطلاقه فيشمل غير
المحصن، كما هو ظاهر أكثر
الفتاوي وعن صريح الماتن في
النكت، وبه صرّح غيره كشيخنا في
الروضة، حيث قال في جملة شرحه لقول المصنف: ولو وجد مع زوجته رجلاً يزني بها فله قتلهما: هذا هو المشهور بين الأصحاب، لا نعلم فيه مخالفاً، وهو مروي أيضاً، ولا فرق في الزوجة بين الدائم والمتمتع بها، ولا بين المدخول بها وغيرها، ولا بين الحرّة والأمة، ولا في الزاني بين المحصن وغيره؛ لإطلاق الإذن المتناول لجميع ذلك
.
ونحوه المولى
المقدّس الأردبيلي مدّعياً شهرته، بل كونه مجمعاً عليه
.
خطأ الحاكم في
القتل والجرح على
بيت المال كما في
الموثّق وغيره
: قضى
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) أنّ ما أخطأت به القضاة في دم أو قطع فعلى بيت مال المسلمين.
ولعلّه لا خلاف فيه، كما يظهر من التنقيح
، حيث لم يتكلم في المسألة مع أنّ دابة التكلم في المسائل الخلافية.
وقال الخال
العلاّمة المجلسي في حواشيه على الأخبار بعد ذكر الرواية: وعليه الفتوى سواء كان في مال لا يمكن استرجاعه، أو قصاص مع عدم تقصير
.
ومن جنى على أحد بعد أن قال: حذار، لم يضمن عاقلته جنايته، كما في الخبر: «كان صبيان في زمن
علي بن أبي طالب (علیهالسّلام) يلعبون بأخطار
لهم فرمى أحدهم بخطره فدقّ رباعية صاحبه، فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين (علیهالسّلام) فأقام الرامي البيّنة بأنّه قال: حذار، فدرأ عنه أمير المؤمنين (علیهالسّلام) القصاص، ثم قال: قد أعذر من حذّر»
.
ولم أر من تعرّض لهذا الحكم هنا عدا الماتن، وإلاّ فباقي الأصحاب تعرّضوا لذكره في كتاب الديات في بحث ضمان النفوس وغيرها.
وظاهرهم عدم الخلاف فيه، كما صرّح به المقدّس الأردبيلي
ويحتمل
الإجماع، كما يظهر من
ابن زهرة وغيره
، فيجبر بذلك قصور
سند الرواية.
ولكن اشترطوا إسماع الحذار للمجني عليه في وقت يتمكن منها، قالوا: فلو لم يقل: حذار، أو قالها في وقت لا يتمكن المرمي من الحذر، أو لم يُسمع فالدية على العاقلة. ولا بأس به؛ لشهادة الاعتبار به.
ومن اعتدي عليه فاعتدى بمثله على المعتدي لم يضمن جنايته وإن تلفت فيها النفس، كما في الصحيح: «من بدأ فاعتدى فاعتدي عليه فلا قود له»
.
وفي آخر: عن رجل أتى رجلاً وهو راقد، فلمّا صار على ظهره ليقربه فبعجه بعجة فقتله، قال: «لا دية له ولا قود، قال
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): من كابر امرأة ليفجر بها فقتلته فلا دية له ولا قود»
.
ويعضده النصوص المتقدمة في
محاربة اللص، وجواز قتله إذا لم يمكن دفعه بدونه.
•
القسامة، هي
الأيمان التي تُقسم على الأولياء في الدم، ولا تثبت القسامة الا مع اقتران دعوى قتل لقتيل وجد في موضع ولا يعرف قاتله باللوث وقد دلت عليها الكثير من الروايات، وعددها في
القتل العمد خمسون يميناً، وفي
القتل الخطأ وقتل الشبهة خمسة وعشرون يميناً.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۲۶۴-۲۷۸.