صيغة العقد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الصيغة: فالإيجاب والقبول؛ ويشترط النطق بأحد ألفاظ ثلاثة: زوجتك، وأنكحتك، ومتعتك؛ والقبول وهو الرضاء بالايجاب؛ وهل يشترط وقوع تلك الالفاظ بلفظ الماضى؟
الأحوط نعم، لانه صريح في
الإنشاء؛ ولو أتى بلفظ
الأمر كقوله للولى: زوجنيها، فقال: زوجتك، قيل: يصح كما في قصة سهل الساعدى؛ ولو أتى بلفظ المستقبل كقوله: أتزوجك، قيل: يجوز كما في خبر ابان عن
الصادق (عليه السلام) في
المتعة: أتزوجك، فإذا قالت: نعم، فهى امرأتك؛ ولو قال زوجت بنتك من فلان فقال نعم فقال الزوج قبلت، صح، لانه يتضمن السؤال؛ ولا يشترط تقديم
الإيجاب؛ ولا تجزى الترجمة مع القدرة على
النطق، وتجزى مع العذر، كالاعجم وكذا الإشارة للاخرس.
(أمّا
الصيغة ) التي لا بُدّ هنا منها بإجماع علماء
الإسلام (فـ) هي : (الإيجاب والقبول) .
(ويشترط) في الأول : (النطق بأحد الألفاظ الثلاثة) التي هي : (زوّجتك، وأنكحتك، ومتّعتك). و
الاكتفاء بأحد الأوّلَين مجمعٌ عليه، كما في الروضة وعن التذكرة
وغيرهما،
وورد بهما
القرآن العزيز.
وبالثالث مختلفٌ فيه، فالأكثر ومنهم
الإسكافي والمرتضى وأبو الصلاح وابن حمزة والحلّي
كما حُكي
على المنع؛ اقتصاراً فيما خالف
الأصل على المتيقّن، و
التفاتاً إلى عدم ورود التعبير به في الدائم في شيء من الأخبار؛ لانحصار التعبير عنه فيها في الأوّلَين. خلافاً للمتن و
الشرائع والإرشاد والنهاية؛
لعدم النصّ على حصر لفظه في شيء، مع دلالته على المقصود، وكونهِ من ألفاظ النكاح؛ لكونه حقيقةً في المنقطع منه وإن توقّف معه -أي مع المنقطع- على الأجل، كما لو عبّر بأحد الأولَين فيه وميّزه به، فأصل اللفظ صالح للنوعين، فيكون حقيقةً في القدر المشترك بينهما، ويتميّزان بذكر
الأجل وعدمه. وحكمِ -عطف على قوله : عدم النص. منه - جماعةٍ
تبعاً لروايةٍ بأنّه لو تزوّج متعةً ونسي ذكر الأجل انقلب دائماً،
وذلك فرع صلاحيّة الصيغة له. وفي الجميع نظر؛ لعدم الاكتفاء في مثله بعدم النصّ على الحصر ومجرّد الدلالة على المقصود، وإلاّ لاكتُفي بالإشارة المعربة عنه، وهو
باطل إجماعاً.
و
استلزام كونه حقيقةً في المنقطع مجازيّته في غيره مطلقاً -أي سواء كان الدائم أم القدر المشترك. منه- بمعونة أصالة عدم
الاشتراك ، فلا اشتراك معنويّاً.
وعلى تقدير كونه حقيقةً في القدر المشترك يستلزم مجازيّته في خصوص أحد الطرفين، ومنه الدائم. ودعوى
إرادة الخصوصيّة من القرينة وهي عدم ذكر الأجل ممنوعة؛ لعدم الملازمة بينه وبين الدوام، كيف لا؟! وهو أوّل الكلام، فلا يكفي حينئذ؛ إذ لا يكفي ما يدلّ بالمجاز حذراً من عدم
الانحصار . والنقض بالأوّلين مدفوع بالوفاق، مع
احتمال كون الاشتراك فيهما لفظيّاً، أو كونهما حقيقةً في الدائم مجازاً في المنقطع، فلا محذور. هذا، بعد
تسليم كونه -أي لفظ المتعة. منه- حقيقةً في القدر المشترك، وإلاّ فالظاهر كونه حقيقةً في المنقطع خاصّة؛ للتبادر، وصحّة السلب عن الدائم، ومنع القول المحكيّ لضعف دليله.
(والقبول هو) اللفظ الدالّ صريحاً على (الرضا بالإيجاب) مطلقاً وافقه لفظاً أم خالفه مع الموافقة له معنىً، اقتصر على لفظه أم اتبع بالإيجاب عندنا. خلافاً لبعض من خالفنا في
الاقتصار .
وهو ضعيف.
(وهل يشترط وقوع تلك الألفاظ) المعتبرة في الأمرين (بلفظ الماضي؟ الأحوط) على بعض الوجوه، بل الأظهر الأشهر مطلقاً كما نُقل
(نعم). إمّا (لأنّه صريحٌ في
الإنشاء ) عرفاً عامّاً أو خاصّاً؛ لورود التعبير به شرعاً مجرّداً عن قرينة زائدة على قرينة التخاطب لا غير، فلا ينافيها -أي الصراحة- كونها للإخبار لغةً. أو للاتّفاق على الوقوع به، فلا يعارَض بمثله ممّا هو بمعنى
الإخبار ؛ لبطلان القياس، ولزوم الاقتصار في المخالف على محلّ الوفاق. خلافاً لمن سيأتي.
(ولو أتى بلفظ
الأمر ) قاصداً به الإنشاء المعتبر هنا، المعبّر عنه بالرضاء الباطني بالنكاح بالفعل (كقوله) أي الزوج ومن في حكمه لها أو (للولي) ومن في حكمه : زوِّجيني نفسك، أو (زَوّجنيها، فقال : زوّجتك، قيل : يصحّ) القائل : الشيخ، وابنا زهرة وحمزة، والماتن في غير الكتاب.
(كما في قضيّة
سهل الساعدي ) المشهورة، المرويّة بطرق من الخاصّة والعامّة، وفيها الصحيح : إنّ رجلاً سأل
النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم تزويج امرأة، فقال : زَوّجنِيها، فسأله عمّا يصدقها به إلى أن قال : «زوّجتك بما معك من القرآن».
وليس فيها في شيء من الطرق
إعادة القبول، مع أنّ الأصل عدمها.
والأقوى : المنع، وفاقاً للأكثر، ومنهم :
السرائر والجامع والمختلف وابن سعيد و
اللمعة والروضة؛
عملاً بأصالة الحرمة، واستضعافاً للرواية بعدم الصراحة والظهور التامّ، الذي هو المناط لتخصيص مثلها -أي مثل
أصالة الحرمة -. واختصاصها بالقبول مع وقوع التصريح فيها بالماضي في
الإيجاب ، وهو وإن كان يندفع بالإجماع، إلاّ أنّه لا يرفع الوهن الحاصل فيها به، المعتبر مثله في التعارض، الموجب لمرجوحيّة المشتمل عليه. وقصورها عن المقاومة للأصالة المزبورة؛
لاشتهار العمل بها بين الطائفة، واعتضادها بالاحتياط المأمور به في الشريعة. نعم، قد لا يجامعها
الاحتياط ، بل يخالفها فيما إذا وقع العقد بما في الرواية، ولا ريب أنّه خلاف الاحتياط الحكم حينئذٍ بعدم الزوجيّة؛ لاحتمالها بالبديهة. وممّا ذُكِرَ ظهر وجه تقييد الاحتياط في المتن ببعض الوجوه، وينبغي مراعاته حينئذٍ أيضاً بعقد جديد بلفظ الماضي مع بقاء التراضي، و
إجراء الطلاق مع العدم.
(ولو أتى بلفظ المستقبل) قاصداً به الإنشاء (كقوله : أتَزوَّجُكِ) وقالت : زَوَّجتُكَ نفسي (قيل : يجوز) القائل : العماني والماتن في غير الكتاب،
وجماعة.
للروايات المستفيضة في تجويز مثله في عقد المتعة :
منها
الموثّق : قال : «لا بُدّ أن يقول فيه هذه الشروط : أتَزَوَّجُكِ متعةً على كذا وكذا» الحديث.
ومثله الحسن : قال : «تقول : أتَزَوَّجُكِ متعةً على كتاب الله تعالى وسنّة نبيّه صلي الله عليه وآله وسلم» الخبر.
ومثلهما رواية
أبان بن تغلب ، المشار إليها بقوله : (كما في خبر أبان عن)
مولانا (الصادق عليه السلام في
المتعة : «أتَزَوَّجُكِ متعةً.. فإذا قالت : نعم.. فهي امرأتك)
وكذا غيرها
المشترك معها في ضعف
الإسناد ، والأوّلان وإن اعتبرا بحَسَبه إلاّ أنّهما بالقطع، وعدم النسبة إلى
إمام مشاركان لها فيه ايضاً، فلا يمكن
الاستناد إليها في الجواز.
مضافاً إلى اختصاصها بالمتعة، ولا بُدّ من الدليل في التعدية إلى ما حكم به الجماعة، وفقده واضح بالبديهة. فإذاً القول بالمنع في غاية القوّة؛ بالنظر إلى أصالة الحرمة، وعدم الدليل على
الإباحة بهذه العبارة، وفاقاً للمختلف وابني سعيد وحمزة والشهيدين في اللمعة و
الروضة .
نعم، مراعاة الاحتياط المتقدّم في الصورة المزبورة في سابق هذه المسألة محمودة في الشريعة. والقول بعدم الجواز في هذه المسألة أقوى منه في المسألة السابقة.
(ولو قال) مستفهمٌ للوليّ : (زوَّجتَ بنتك من فلان؟ فقال : نعم) بقصد إعادة اللفظ تقديراً، و
إقامة «نعم» مقامه للإنشاء لا بقصد جواب
الاستفهام (فقال الزوج : قَبِلتُ، صحّ) عند المصنّف هنا، وفي الشرائع على تردّد،
وفاقاً للشيخ وابن حمزة، والعلاّمة في
الإرشاد قطعاً، وفي القواعد مستشكلاً.
(لأنّه يتضمّن السؤال) وجارٍ مجراه
اتّفاقاً ، فكأنّه قال : زوَّجْتُها منه، وربما يرشد إليه خبر أبان المتقدّم وغيره. والتردّد و
الاستشكال لضعف الرواية واختصاصها بالمتعة، والتأمّل في أنّ حكمَ الصّريح في الشيء حكمهُ شرعاً.
مضافاً إلى أنّ مقتضى تضمّنه السؤال إفادته الإخبار الخالي عن الإنشاء، بناءً على تضمّن السؤال
الاستخبار عن وقوع المسئول في الماضي، ومراعاة التطبيق بينه وبين الجواب يستلزم كونه إخباراً عن الوقوع، لا إنشاءً للتزويج، فلو صرّح به فيه لارتفع التطابق اللازم المراعاة، ومن هنا يمكن أن يقال بعدم وقوع التزويج لو أبدل «نعم» بالصريح -أي زوَّجتُ-. فالأقوى : المنع، تبعاً للأكثر كما في
المسالك ؛
عملاً بالأصل الخالي عن المعارض.
(ولا يشترط تقديم
الإيجاب ) على القبول في المشهور، بل عليه
الإجماع عن المبسوط والسرائر؛
وهو الحجّة في تخصيص الأصل. لا التعليل بأنّ العقد هو الإيجاب والقبول، وأنّ الترتيب كيف اتفق غير مخلٍّ بالمقصود. وأنّه يزيد
النكاح على غيره بأنّ الإيجاب من المرأة، وهي تستحيي غالباً من
الابتداء به، فاغتُفِرَ هنا وإن خولف في غيره؛ لعدم الدليل على
الاغتفار . لعدم ما يدلّ على كفاية
الاستحياء ، مع أنّه أخصّ. وكون الأوّل مصادرة، إلاّ على تقدير عمومٍ دالٍّ على كفاية حصول المقصود باللفظين بأيّ وجهٍ اتفق، وفقده ظاهر. ولذا رجعوا إلى الأصل في كل ما اختُلِفَ في صحّته مع عدم قيام دليلٍ عليها، وعلى تقدير وجوده لزم أن يكون الأمر بالعكس، فتدبّر. ثم إنّه يعتبر حيثما قدّم القبول كونه بغير : قبلتُ ورضيتُ، ك : نكحتُ وتزوّجتُ، وهو حينئذٍ بمعنى الإيجاب؛ وذلك لعدم صدق المعنى بذلك.
ويجب
إيقاع الركنين بالعربيّة (ولا تجزي الترجمة) عنهما أو أحدهما بمثل الفارسيّة (مع القدرة على النطق) على الأشهر الأظهر، بل اتّفاقاً منّا كما عن
المبسوط والتذكرة.
لتوقيفيّة العقود، ولزوم تلقّيها من الشارع، وليس ما وصل إلاّ ما ذُكِر، مع الأصل والاحتياط في الفروج. واحتمالُ كون اقتصاره بذلك لكونه عرفه واصطلاحه فلا يمنع عن جواز غيره، حسنٌ مع قيام دليلٍ على صحّته عموماً أو خصوصاً، وفقدهما ظاهر، فإجازة ابن حمزة ذلك ضعيفة، لكن مع
استحباب العربيّة.
(وتجزئ) كما قطع به الأصحاب كما حكي - أي مميّزاً كان أم غيره، وخصّهما الولي في إجراء الصيغة أم لا، أجاز بعده أم لا، منه- (مع العذر) كالمشقّة الكثيرة في التعلّم، أو فوات بعض الأغراض المقصودة (كالأعجم). ولا فرق في ذلك بين العجز عن الركنين أو أحدهما، ولكن تختصّ الرخصة في الأخير بالعاجز، ويُلزَم بالعربيّة غيره، ويصحّ حينئذٍ أيضاً كما في
اختلاف الترجمتين، بشرط فهم كلّ منهما كلام الآخر، ولو بمترجمين عدلين، أو عدل واحد في وجهٍ قوي، وذلك مع عدم حصول القطع بإخباره، ومعه فلا ريب في كفايته.
والأصل في المسألة بعد حكاية الإجماع فحوى
اجتزاء الأخرس (و) لكن ورد (في رواية) صحيحة عمل بها الشيخ في النهاية وتبعه ابن البرّاج
: أنّه (إذا زوّجت السَّكرى نفسها، ثم أفاقت فرضيت، أو دخل بها فأفاقت وأقرّته، كان ماضياً)
إلاّ أنّها لمخالفتها الأُصول القطعيّة، المعتضدة في خصوص المقام بالشهرة العظيمة، لا يجوز التعويل عليها في مقابلتها وتخصيصها بها؛ مع أنّ المذكور فيها الإنكار بعد
الإفاقة ، الملازم لعدم الرضاء بالصحّة، نعم تضمّنت
الإقامة معه بعده لمظنّة اللزوم، إلاّ أنّها مع عدم معلوميّة كونها الرضاء المعتبر غير نافعة بعد
الإنكار . فلا يمكن
الإلحاق بالفضولي من هذا الوجه أيضاً، فطرحها رأساً أو حملها على ما في المختلف
وغيره
وإن بَعُدَ متعيّن.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۱، ص۹- ۱۸.