ما يستنجى به من البول
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لا إشكال في كفاية
الاستنجاء بالماء لتطهير محلّ البول، بل لا يكفي تطهيره إلّا به، بعكس الغائط حيث يصحّ بالماء وبغيره كالأحجار، بل كلّ جسم طاهر قالع للنجاسة باستثناء بعض الامور التي يأتي ذكرها.وتوضيح ذلك وما يتفرّع عليه من المسائل ضمن العناوين التالية:
ممّا انفردت به الإماميّة
وقام عليه
الإجماع عدم إجزاء غير الماء في الاستنجاء من البول، بل قيل: إنّ عليه ضرورة المذهب.
ويدلّ عليه- مضافاً إلى
الأصل - روايات مستفيضة
كادت تكون
متواترة ،
بل هي كذلك
:
منها: رواية
بريد بن معاوية عن
الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: «يجزي من الغائط
المسح بالأحجار، ولا يجزي من البول إلّا الماء».
ومنها: الروايات الآمرة بالغسل، كصحيحة
زرارة قال: توضّأت يوماً ولم أغسل ذكري، ثمّ صلّيت، فسألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام فقال: «اغسل ذكرك، وأعد صلاتك»،
فإنّ من الواضح ظهور كلمة الغسل في
الإزالة بالماء.
ومنها: الروايات الآمرة بصبّ الماء، كرواية
الحسين بن أبي العلاء ، قال:سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن البول يصيب
الجسد ، قال: «صبّ عليه الماء مرّتين».
أمّا ما يظهر من روايات اخرى من إمكان
الاستغناء عن الماء
والاكتفاء بالمسح، فإنّها روايات شاذّة وغامضة لا تقاوم الأخبار المتقدّمة.
ومن هذه الروايات رواية سماعة قال:قلت
لأبي الحسن موسى عليه السلام: إنّي أبول ثمّ أتمسّح بالأحجار فيجيء منّي البلل ما يفسد سراويلي، قال: «ليس به بأس».
واورد عليها:
أوّلًا: بأنّها ضعيفة سنداً
بحكيم بن مسكين والهيثم بن أبي مسروق ،
مع
إعراض الأصحاب عنها.
وثانياً: بأنّ هذه الرواية وكذا الرواية التالية محمولتان على التقيّة التي كثرت الحاجة إليها في زمان الإمام الكاظم عليه السلام،
فتقدّم الأخبار الاخرى عليهما.ومنها: رواية
حنان بن سدير قال:سمعت رجلًا سأل أبا عبد اللَّه عليه السلام فقال:إنّي ربّما بلت فلا أقدر على الماء ويشتدّ ذلك عليَّ، فقال: «إذا بلت وتمسّحت فامسح ذكرك بريقك، فإن وجدت شيئاً فقل: هذا من ذاك».
واورد عليها:
أوّلًا: بأنّها ضعيفة بحنان بن سدير الذي نصّ الشيخ عليه بأنّه واقفي،
إلّاأنّ السيّد الخوئي وثّقه، وقال: «الوقف لا يضرّ بالوثاقة».
مع عدم عمل الأصحاب بها.
وثانياً: بأنّها- كسابقتها- معارضة لصحيحة
العيص بن القاسم .
وثالثاً: بأنّه من المحتمل أن يراد من المسح بالريق المسح في غير محلّ البول حتى لا يعرف مصدر خروج البلل أهو من الذكر حتى يتنجّس اللباس به أم من الريق حتى لا يتنجّس؛ وذلك تخلّصاً من البلل المشتبه به المحكوم عليه بالنجاسة.
إلّاأنّ هناك من استبعد هذا
الاحتمال في تفسير الرواية.
ومنها: رواية
عبد اللَّه بن بكير قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: الرجل يبول ولا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط، قال:«كلّ شيء يابس زكي».
وفيه: «ذكي».وهذه الرواية- مضافاً إلى ضعف سندها
بمحمّد بن خالد - قاصرة الدلالة عن
إثبات المدّعى؛ لظهورها في عدم منجّسية المحل بعد يبوسته لما لاقاه، لا طهارته بمجرّد اليبوسة، وإلّا لكان الجفاف كافياً في تطهير الفرش والثياب والبدن وغيرها من المتنجّسات من دون حاجة إلى الغسل.
المشهور
وجوب إزالة العين من موضع البول بالأحجار وغيرها مع عدم التمكّن من التطهير بالماء؛
وذلك:
أوّلًا: لقوله سبحانه وتعالى: «وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ»،
فإنّ أوّل مراتب الهجر إزالة عين البول عن محلّه.
وفيه: أوّلًا: أنّ هذا المعنى غير واضح من الآية.وثانياً: لقاعدة (الميسور لا يترك بالمعسور) التي يمكن
الاستدلال بها على لزوم
الإتيان بأحد جزأي المركّب عند تعذّر الإتيان بجزئه الآخر.
إلّاأنّ
الإشكال في أنّ التطهير أمر بسيط ليس فيه أجزاء خارجيّة أو ذهنيّة يمكن تطبيق القاعدة عليها،
على أنّ القاعدة غير ثابتة إلّافي بعض العبادات الخاصّة.وثالثاً: لما رواه عبد اللَّه بن بكير قال:قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: الرجل يبول ولا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط، قال: «كلّ شيء يابس زكي».
وفيه: «ذكيّ».
واورد عليه بأنّه غاية ما تدلّ عليه الرواية عدم
سراية نجاسة المحل بعد تيبيسه بالمسح، فهو كالزكي من هذه الناحية، لا أنّ المسح فيه واجب أو مطهّر.
نعم، يجب تطويق المحل والمنع من تعدّي نجاسته إلى الثوب وسائر مواضع البدن،
وهو أمر آخر.
ورابعاً:
لإطلاق بعض الروايات الدالّة على أنّ حدّ الاستنجاء هو النقاء،
كما في حسنة
ابن المغيرة عن [[|أبي الحسن]] عليه السلام،التي ورد فيها: قلت له: للاستنجاء حدّ؟ قال: «لا، (حتى) ينقي ما ثمّة»، قلت: فإنّه ينقي ما ثمّة ويبقى الريح، قال: «الريح لا ينظر إليها».
بناءً على تحقّقه بمجرّد زوال العين دون الأثر.وإن كان يشترط في الغسل بالماء زوال العين والأثر في حال القدرة
والاختيار ، إلّا أنّه مع عدم القدرة إلّاعلى إزالة العين يبقى إطلاق وجوب
النقاء على حاله ليشمل إزالة العين، وهو ممكن التحقّق
بالاستجمار .
ونوقش فيه: بأنّ الظاهر من النقاء هو زوال الأثر؛ لأنّه بمعنى
النظافة لغةً.
ومن هنا نسب إلى ظاهر المتأخّرين
عدم وجوب إزالة العين عند فقدان الماء أو تعذّر استعماله؛
لأنّه موافق للأصل، مع عدم وجود دليل معتبر على خلافه.
نعم، ذكر بعضهم أنّ إزالة عين النجاسة وإن كانت غير واجبة إلّاأنّ من الأولى
الالتزام بها؛
لأنّها أوفق
بالاحتياط .
ثمّ إنّ من يقول بإزالة العين من موضع البول عند عدم التمكّن من الماء لا يعني به إلّا جواز الدخول به في الصلاة عند الضرورة وعدم التمكّن من استعمال الماء، فمع التمكّن تجب إزالة النجاسة بالماء مع زوال المانع بالإجماع؛ لأنّه كسائر النجاسات الاخرى.
•
تعدد الغسل في الاستنجاء من البول،ختلف الفقهاء في عدد الغسلات التي لابدّ منها في تطهير موضع البول على أقوال.
ذهب بعض الفقهاء
إلى أنّ المرأة تطهّر محلّ البول مرّتين بناءً على كفاية المرّة في الرجل؛ لأنّ عمدة ما دلّ على كفايتها موثّقة
يونس بن يعقوب ورواية نشيط المختصّتان بالرجل، حيث ورد في الاولى: «يغسل ذكره»، وفي الثانية:«مثلا ما على الحشفة من البلل»، ولمّا كانت المرأة غير متّصفة بذلك فلا تكون مشمولة للحكم المذكور في هاتين الروايتين.
بينما ذهب آخرون إلى عدم الفرق بين الرجل والمرأة،
وذلك:أوّلًا: لعموم
قاعدة الاشتراك .وثانياً: لعدم دخل خصوصية الحشفة في موضوع الحكم بعد إطلاق كلام السائل في هذا المجال، وإنّما تعرّضت بعض الروايات للذكر بملاحظة حال السائل؛ إذ ليس المقصود إلّابيان كفاية مثلي ما على المخرج من بلل، خصوصاً وأنّ السؤال في موثّقة يونس كان عن
الوضوء الذي افترضه اللَّه على عامّة الناس لمن جاء من الغائط أو بال، فليس من المناسب أن يكون الجواب حينئذٍ مختصّاً بالرجال، فلا ينبغي
الارتياب في عدم إرادة الخصوصية في الموثّقة.
وكما لا يختلف الحال في التطهير بين الرجل والمرأة كذلك لا يختلف بين الثيّب والبكر في عدم وجوب تطهير الباطن، فلا يجب على الثيّب
إدخال إصبعها في موضع الثيبوبة؛ لعدم الدليل عليه،
ولأنّ الباطن لا ينفعل بالنجاسة. نعم، لو وصل البول إلى موضع الثيبوبة وجب غسل ظاهره عند الجلوس على القدمين.الأغلف: هو الذي لم يختتن.وكذا الكلام في
الخنثى ؛ لأنّها لا تختلف عن الرجل والمرأة من هذه الناحية؛ لإطلاق الأدلّة الشاملة للجميع.
الأغلف: هو الذي لم يختتن.من البول:اختلف الفقهاء في وجوب تطهير
البشرة التي تحت الغلفة على قولين:
الأوّل: وجوبه إذا كان بالإمكان
الكشف عنها؛ لأنّها من الظاهر الذي يجب غسله عند تلوّثه بالنجاسة.
القول الثاني: عدم وجوب التطهير، صرّح به بعض المعاصرين، مستدلّاً له
بالأصل ، وباحتمال كون ما تحت الغلفة من البواطن.
ثمّ إنّه بناءً على
الاكتفاء بالمرة في غسل مخرج البول يأتي الاشكال في المقدار اللازم في غسل الأغلف غلفته، وأنّه هل تكفي المرة، أم تجب المرتان؟استشكل صاحب الجواهر في كفاية المرة حينئذٍ بالنسبة للأغلف الغير المتمكن من
إخراج حشفته، بل والمتمكن، بناءً على أنّ الحشفة من البواطن لغلبة استتارها فلا يجب إخراجها وغسلها، أمّا بناءً على وجوب اخراجها وغسلها فاستظهر عدم كفاية المرة، بل لابدّ من غسل الغلفة مرتين؛ لأنّها من الجسد الذي أصابه البول، بل قوّى ذلك حتى بناءً على القول بعدم وجوب إخراج الحشفة؛ اقتصاراً لما خالف إطلاق المرتين لإصابة البول الجسد على المتيقّن، ونبّه على أنّ الكلام يأتي أيضاً في المرأة وغيرها ممن لا حشفة له.
لا خلاف بين الفقهاء في كفاية الغسلة الواحدة المزيلة للعين والأثر، من دون فرق بين المخرج الطبيعي وغيره إذا كان الخارج غائطاً.وإنّما الكلام في البول بناءً على أنّ الواجب في تطهير المخرج الطبيعي منه غسلة واحدة، حيث اختار بعضهم كفايتها في غير الطبيعي أيضاً، سواء كان معتاداً أو لم يكن كذلك.
واختار آخر عدم كفايتها في غير الطبيعي المعتاد فضلًا عن غير المعتاد؛ لأنّ الروايتين اللتين استدلّ بهما على الغسلة قد وردتا في الطبيعي، حيث ذكر في إحداهما كلمة (الحشفة) وفي الاخرى كلمة (الذكر)، ممّا يعني عدم شمولهما لغير الطبيعي، فلا تكفي فيه غسلة واحدة، بل لابدّ من غسلتين، حاله في ذلك حال سائر أجزاء البدن.
اختلف الفقهاء في المقدار
اللازم من الماء الذي يصبّ
لإزالة البول مع غضّ النظر عن عدد الغسلات، ومنشأ ذلك ما ورد في رواية نشيط بن صالح عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: سألته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال: «مِثلا ما على الحشفة من البلل».
والاختلاف في هذه العبارة والتفاسير العديدة لها أوجب
الاختلاف في مقدار ما يصبّ من الماء، وأنّه هل المراد وجوب صبّ مثلي ما على الحشفة في غسلة واحدة، أو في كلّ غسلة، أو مثل ما على الحشفة في كلّ غسلة.
فقد ذهب المشهور
إلى أنّ أقلّ ما يجزي من الماء في إزالة البول مِثلا ما على المخرج.
وذهب بعض آخر إلى عدم التقدير بذلك، بل يجب الإزالة مطلقاً بما يسمّى غسلًا، سواء زالت بأقلّ أو بأكثر.
ويظهر من
الشهيد الأوّل أنّ الاختلاف هنا في مجرّد العبارة.
ولكنّ
المحقّق النجفي بعد ما وجّه كلام الشهيد قال: «الأوجه خلافه، بل النزاع معنوي، كما يظهر من المصنّف والعلّامة وغيرهما، وتظهر الثمرة فيما لو تحقّق الغسل بالأقل من المثلين، فلا يجتزي به بناءً على الأوّل، بخلاف الثاني، فيكون في الحقيقة اشتراط المثلين تعبّدياً».
هذا كلّه في بول الكبير. أمّا بول الرضيع فقد قال المحقق النجفي: الظاهر
استثناء بول الرضيع غير المتغذّي بالطعام بناءً على اشتراط التعدّد؛ لخفّة نجاسته كما يظهر من الأدلّة.لكن هل يعتبر في المرّة المثلان؟وجهان، أحوطهما- إن لم يكن أقواهما- ذلك.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۲۵۰-۲۶۳.