مكروهات البيع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هنا يأتي مسائل التي مكروه في البيع، (والمكروه) أُمور :
(مدح البائع) سلعته (وذمّ المشتري) لها (والحلف) على
البيع والشراء؛ للمستفيضة منها : «من باع واشترى فليحفظ خمس خصال وإلاّ فلا يشترِ ولا يبع :
الربا ، والحلف، وكتمان العيب، والمدح إذا باع، والذّم إذا اشترى».
ومنها : «ثلاثة لا ينظر الله تعالى إليهم : أحدهم رجل اتّخذ الله بضاعة، لا يشتري إلاّ بيمين، ولا يبيع إلاّ بيمين».
ومنها : «ويل للتاجر من لا والله وبلى والله».
وموضع الأدب الحلف صادقاً، وأمّا الكاذب فعليه لعنة الله تعالى.
(والبيع في موضع يستتر فيه العيب) ومن غير قصد إليه، وإلاّ فيحرم؛ للصحيح : «إنّ البيع في الظلال غشّ،
والغشّ لا يحلّ».
(و) التماس (الربح على المؤمن) ففي الخبر : «ربح المؤمن على المؤمن حرام-في المصادر : ربا.- إلاّ أن يشتري بأكثر من مائة درهم فاربح عليه قوت يومك، أو يشتريه
للتجارة فاربحوا عليهم وارفقوا بهم».
وظاهر الحرمة، إلاّ أنّ
الأصل مع ضعف السند، وعموم أدلّة جواز
المرابحة ، وخصوص الخبر : «إن ولّيت أخاك أي بعته بالتولية ورأس المال فحسن، وإلاّ فبع بيع البصير المداق»
أوجب الحمل على الكراهة، مع احتمال
الإبقاء على الظاهر والتخصيص من وجه آخر، وهو الحمل على زمان قيام مولانا
القائم عليه السلام ، كما في الخبر حيث سئل فيه عن تفسيره.
قيل : ويستفاد من آخر وروده مورد
التقيّة وفيه نظر. وكيف كان، فلا ريب في الكراهة مسامحة في أدلّتها، سيّما مع فتوى الأصحاب بها كافّة. (إلاّ مع الضرورة) فيأخذ منهم نفقة يوم له ولعياله موزّعة على المعاملين في ذلك اليوم مع
انضباطهم ، وإلاّ ترك الربح على المعامل بعد تحصيل قوت يومه. كلّ ذلك مع شرائهم للقوت، أمّا للتجارة فلا كراهة مع الرفق، كما دلّت عليه الرواية.
(و) التماسه أيضاً (على من يعده
بالإحسان ) بأن يقول له : هلمّ أُحسن إليك، فيجعل إحسانه الموعود به ترك الربح عليه. ففي الخبر : «إذا قال الرجل للرجل : هلمّ أُحسن بيعك، يحرم عليه الربح».
والجواب عن الحرمة بعين ما مرّ في الرواية السابقة.
(والسوم) وهو
الاشتغال بالتجارة (ما بين طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس) لنهي
النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كما في الخبرين،
مع أنّه وقت دعاء ومسألة من الله سبحانه لا وقت تجارة، وفي الخبر : «إنّ
الدعاء فيه أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد».
(ودخول السوق أوّلاً) والخروج آخراً، بل يبادر إلى قضاء حاجته ويخرج منه سريعاً؛ لأنّه مأوى
الشياطين ، كما أنّ المسجد مأوى الملائكة فيكون على العكس، ففي مرسل الفقيه : «شرّ بقاع الأرض الأسواق، وهي ميدان
إبليس ، يغدو برايته، ويضع كرسيّه، ويبثّ ذريّته، فبين مطفّف في قفيز، أو طايش في ميزان، أو سارق في ذرع، أو كاذب في سلعة، فيقول : عليكم برجل مات أبوه وأبوكم حي فلا يزال مع ذلك أوّل داخل وآخر خارج، وخير البقاع المساجد، وأحبّ أهلهم إلى الله تعالى أوّلهم دخولاً وآخرهم خروجاً منها».
ونحوه المروي عن المجالس بزيادة «وأبغض أهل الأسواق أوّلهم دخولاً إليها وآخرهم خروجاً منها».
ولا فرق في ذلك بين التاجر وغيره، ولا بين
أهل السوق عادةً وغيرهم.
(ومبايعة الأدنين) قيل : وهم الذين يحاسبون على الشيء الدون، أو من لا يسرّه الإحسان ولا تسوؤه
الإساءة ، أو من لا يبالي بما قال ولا ما قيل له.
وفي الفقيه نسب التفاسير الثلاثة إلى الأخبار
ليس فيه التفسير الأوّل.، ولكن في تفسير السفلة.
(وذوي العاهات) والنقص في أبدانهم، كالجنون
والجذام والبرص والعمى والعرج.وفي الخبر : إنّ عندنا قوماً من الأكراد لا يزالون يجيئون بالبيع فنخالطهم ونبايعهم، فقال : «لا تخالطوهم، فإنّ الأكراد حيّ من أحياء الجنّ كشف الله تعالى عنهم الغطاء، فلا تخالطوهم».
(والتعرّض لـ) مباشرة (الكيل أو الوزن إذا لم يحسن) شيئاً منهما؛ حذراً من الزيادة والنقصان المؤدّيين إلى المحرّم. وفي الروضة : وقيل : يحرم حينئذٍ؛ للنهي عنه في الأخبار المقتضي للتحريم، وحمل على الكراهة.
انتهى.
ولم أقف على هذا النهي، نعم في المرسل قلت له : رجل من نيّته
الوفاء وهو إذا كان لم يحسن الكيل، قال : «فما يقول الذين حوله؟» قلت : يقولون : لا يوفي قال : «هذا لا ينبغي له أن يكيل».
وهو مع
إرساله واختصاصه بالكيل غير ظاهر في التحريم، بل مشعر بالكراهة، كما ذكره الجماعة .
(والاستحطاط) أي طلب الوضيعة من الثمن (بعد الصفقة) للخبرين، في أحدهما «نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن
الاستحطاط بعد الصفقة»
وفي بعض النسخ بدل الصفقة «الضمنة» بالنون، أي لزوم
البيع وضمان كلّ منهما به ما صار إليه. وفي الثاني : «الوضيعة بعد
الصفقة حرام».
وظاهرهما التحريم، إلاّ أنّ قصور السند مع الأصل، وشهرة الكراهة بل
الإجماع عليها، أوجب الحمل على الكراهة، سيّما مع ورود الرخصة به في المستفيضة، منها : الرجل يشتري من الرجل البيع فيستوهبه بعد الشراء من غير أن يحمله على الكره، قال : «لا بأس».
ومنها : الرجل يشتري المتاع ثم يستوضع، قال : «لا بأس»،
ونحوهما خبران آخران.
لكن الخبرين الأوّلين معتبراً السند؛ لوجود
ابن أبي عمير في سند الأوّل، الجابر جهالة الراوي بعده، ووثاقة الرواة في الثاني في
التهذيب وإن ضعف في الكافي، إلاّ أنّ معارضتهما للمستفيضة المنجبرة بالأصل والشهرة غير واضحة، سيّما مع
اعتبار سند بعضها بوجود صفوان الذي أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة، فمثله يوازي الرواية الأوّلة.وأما الثانية وإن كانت صحيحة، إلاّ أنّ ظاهر سياقها الذي تركناه الحرمة في الوضيعة مطلقاً ولو بدون الاستحطاط، ولم أقف على من قال به حرمة ولا كراهة، فتشذّ الرواية.
(والزيادة) في
السلعة (وقت النداء) عليها من الدلاّل، بل يصبر حتى يسكت ثم يزيد؛ للدلالة على الحرص على الدنيا المرغوب عنه، وللخبر : «إذا نادى المنادي فليس لك أن تزيد، وإنّما يحرّم الزيادة النداء ويحلّها السكوت».
(ودخوله في سوم أخيه) المؤمن بيعاً أو شراءً، بأن يطلب
ابتياع الذي يريد أن يشتريه ويبذل زيادة عنه ليقدّمه البائع، أو يبذل للمشتري متاعاً غير ما اتّفق عليه هو والبائع؛ للنهي عنه في خبر المناهي المروي في الفقيه.
وهو وإن اقتضى التحريم، إلاّ أنّ الأصل مع ضعف السند وشهرة الكراهة أوجب الحمل عليها، سيّما مع تضمّنه كثيراً من النواهي التي هي لها بإجماع الطائفة.
فالفتوى بالحرمة كما عن [[|الطوسي]] وجماعة ضعيفة، وإن أيّدت بأنّ فيه كسر قلب المؤمن، وبأحاديث الحقوق المشهورة؛
للشك في
إفادة الأوّل الحرمة في نحو المسألة، والأحاديث محمولة على الكراهة، ولهذا لم يقولوا بوجوب
المساواة في الأموال والشبع والجوع. وما يقال من أنّ العمل بالأحاديث يلزم إلاّ ما خرج بالإجماع، مدفوع
باستلزامه خروج الأكثر عن العام، المقتضي لخروجه عن الحجية على الأظهر الأشهر بين الطائفة، فلم يبق إلاّ حملها على الكراهة.
وإنّما يكره أو يحرم بعد التراضي أو قريبه خاصّة. فلو ظهر له ما يدلّ على عدمه فلا كراهة ولا تحريم؛ للأصل، وعدم صدق الدخول في السوم حينئذٍ عادة، وادّعى عليه
الاتّفاق في المسالك.
ولو كان السوم بين اثنين سواء دخل أحدهما على النهي أم لا بأن
ابتدءا فيه معاً قبل محلّ النهي لم يجعل نفسه بدلاً عن أحدهما؛ لصدق الدخول في السوم جدّاً.
ولا كراهة فيما يكون في الدلالة؛ لأنّها عرفاً موضوعة لطلب الزيادة ما دام الدلاّل يطلبها، فإذا حصل الاتفاق بين الدلاّل وبين الغريم تعلّقت الكراهة، لأنّه لا يكون حينئذٍ في الدلالة وإن كان بيد الدلاّل.ولا كراهة في طلب المشتري من بعض الطالبين الترك؛
اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتبادر، أو المتيقن من النصّ وهو الدخول في السوم بغير هذا النحو، إلاّ أن يستلزم لجبر الوجه فيكره، لعدم الرضا في نفس الأمر، مع
احتمال العدم، للأصل المتقدّم.
وكيف كان، لا كراهة في ترك الملتمس منه قطعاً، بل ربما يستحب؛ لأنّ فيه قضاء حاجة لأخيه. قيل : ويحتمل الكراهة لو قلنا بكراهة طلبه؛
لإعانته له على فعل المكروه.
وفيه نظر؛ إذا لا دليل على الكلّية بعد تسليم موضوعها، وإنّما هو لو تمّ في
الأمر المحرّم خاصّة، مع أنّ المكروه إنّما هو طلب الترك وقد حصل من الطالب من دون توقف على إعانة الملتمس، فليس في
إجابته له إعانة على الكراهة، فتأمل.
(وأن يتوكّل) في بيع المال (حاضر لباد) وهو الغريب الجالب للبلد وإن كان قروياً؛ للنصوص منها : «لا يبيع حاضر لباد، والمسلمون يرزق الله تعالى بعضهم من بعض»
وفي بعض النسخ : «ذروا المسلمين يرزق الله تعالى».
ونحوه المروي عن مجالس الشيخ.
وسئل عن تفسيره في بعضها فقال : «إنّ الفواكه وجميع أصناف الغلاّت إذا حملت من القرى فلا يجوز أن يبيع لهم أهل السوق من الناس، ينبغي أن يبيعه حاملوه من القرى والسواد». وظاهره الاختصاص بالنوعين، لا كلّ ما يجلب كما هو ظاهر الأصحاب، ولذا اقتصر عليهما بعض المتأخّرين.
والعموم أولى، تبعاً لهم؛ التفاتاً إلى عموم التعليل، وحملاً للمفسّر على الغالب. ومنه مضافاً الى التعليل يظهر الوجه في تعميم البادي للقروي.
وظاهر النهي التحريم، (و) لذا (قيل : يحرم) كما عن
الخلاف والمبسوط والسرائر والوسيلة،
إلاّ أنّ
الأصل مع ضعف الأسانيد أوجب المصير إلى الأوّل، وفاقاً للأكثر.
وفي الصحيح : قلت له : الرجل يأتيه النبط بأحمالهم فيبيعها لهم بالأجر، فيقولون له : أقرضنا دنانير إلى أن قال ـ : «لا بأس به» الحديث.
وفيه نوع تأييد للجواز، مع
إمكانه بعموم الأخبار المرخّصة للسمسار في الوكالة لبيع أموال الناس.
وذكر للحكم كراهةً أو تحريماً شروط خمسة لا دليل على شيء منها سوى علم الحضري بالنهي؛ لإناطة التكليف على
الإطلاق به. وجهل الغريب بسعر البلد، فلو علم لم يكره؛
لإشعار التعليل باشتراطه.
ولو باع مع النهي انعقد وإن قلنا
باقتضائه الفساد على الإطلاق؛ لتعلّقه هنا بالخارج. قيل : ولا بأس بشراء البلدي له؛
للأصل، واختصاص النصوص بالبيع.ويضعّفان بعموم التعليل : «ذروا الناس يرزق الله تعالى بعضهم من بعض» إلاّ أنّي لم أقف على قائل به، فالتخصيص بالبيع أولى، وإن كانت الكراهة محتملة؛ لما مضى، للتسامح
والاكتفاء فيها بمثله جدّاً.
ثم إنّ المحرمين اختلفوا في إطلاق التحريم تبعاً لإطلاق النص كما في الأوّل، أو تقييده بما يضطرّ إليه كما في الثاني، أو بما إذا حكم عليه الحاضر فباع بدون رأيه، أو أكرهه على البيع بغلبة الرأي كما في الثالث، أو بيع الحاضر للبادي في البدو لا في الحضر كما في الرابع. ولا دليل على شيء من ذلك.
•
حكم تلقي الركبان ،وتلّقي الركبان) القاصدين إلى بلد
البيع والخروج إليهم للبيع عليهم والشراء منهم.
مضافاً إلى أنّه غشّ (وهو) المسمى (النجش) ولا يبطل به
البيع وإن تخيّر المشتري مع الغبن، لنفي الضرر، وفاقاً للأكثر في الأول، بل نفي عنه الخلاف في الخلاف،
وللفاضل وغيره
في الثاني. خلافاً للإسكافي في الأوّل، فأبطله إن كان من فعل البائع.
وللخلاف في الثاني، ففي الخيار على الإطلاق؛ للأصل،
وانحصار العيب الموجب له فيما كان في المبيع خاصّة
ويضعّفان بما مرّ. وللقاضي، فأثبت الخيار مطلقاً؛
للتدليس وليس بشيء.
•
حكم الاحتكار ،(
والاحتكار ) وهو افتعال من الحُكرة بالضم (وهو حبس) الطعام،أو مطلق (الأقوات) يتربّص به الغلاء.
رياض المسائل، ج۸، ص۲۶۹-۲۸۸.