من يجب عليه الإحرام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
المعروف أنّه يجب الإحرام بالعمرة أو الحجّ على كلّ من يريد دخول مكّة.
المعروف أنّه يجب الإحرام بالعمرة أو الحجّ على كلّ من يريد دخول مكّة، بل قيل: إنّه لا
خلاف فيه،
بل ادّعى
الشيخ وغيره
الإجماع عليه
وإن دخل في السنة مرّتين أو ثلاثاً كما في
المقنع .
والوجوب هنا بمعنى
حرمة الدخول بدون الإحرام، فإنّه لا يجوز دخول مكّة بلا إحرام،
فالوجوب شرطي لا
تكليفي ، أي لا يجوز الدخول إلى مكّة إلّا محرماً، فإذا وجب الدخول بسبب ما وجب الإحرام أيضاً وجوباً مقدّميّاً، وأمّا إذا لم يكن الدخول واجباً فلا يجب الإحرام،
فاتّصاف الإحرام بالوجوب نظير اتّصاف الوضوء بالوجوب لصلاة
النافلة أو لمسّ
المصحف الشريف .
إلّا أنّ هذا لا ينافي اتّصاف الإحرام بالمطلوبية أيضاً- وجوباً أو استحباباً- باعتباره شرطاً أو جزءاً من النسك المطلوب في نفسه وجوباً أو استحباباً، على حدّ مطلوبيّة
الوضوء حتّى إذا كان لمسّ المصحف، وهذا يعني أنّ ما هو شرط لدخول مكّة إنّما هو فعل المنسك المطلوب شرعاً في نفسه، سواء كان بنحو الوجوب- كما في
حجة الإسلام - أو
الاستحباب كما في العمرة أو الحجّ المستحبّين.
والدليل على هذا الحكم جملة من الأخبار، كخبر
ابن أبي حمزة ، قال: سألت
أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل يدخل مكّة في السنة المرّة والمرّتين والثلاث، كيف يصنع؟ قال: «إذا دخل فليدخل ملبّياً، وإذا خرج فليخرج محلّاً».
وكذا صحيح
ابن مسلم ، قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام هل يدخل الرجل مكّة بغير إحرام؟ قال: «لا، إلّا مريضاً أو من به
بطن ».
ونحوه صحيحه الآخر،
إلّا أنّ فيه الحرم بدل مكّة. وظاهرها عدم جواز دخول الحرم إلّا محرماً فضلًا عن دخول مكّة كما في
الجامع ،
بل في
الوسائل التصريح به.
وقد يستدلّ عليه
بالروايات الدالّة على عدم جواز تجاوز
الميقات إلّا محرماً
وذهب
كاشف الغطاء إلى أنّ
الأقوى وجوب الإحرام لدخول الحرم، سواء أراد
الوصول إلى
الكعبة أو لا، وسواء كان من
أهل مكّة وقد خرج عن الحرم أو من خارجها.
ولكن صرّح آخرون
بعدم وجوب الإحرام على من أراد حاجة في خارج مكّة ولم يرد الدخول إليها، بل في
المدارك : أنّ عليه إجماع العلماء، فلا يجب الإحرام بنفسه على من دخل الحرم ولم يرد دخول مكّة ولا النسك فيها». وعليه يمكن حمل الخبر على داخل الحرم
لإرادة دخول مكّة الذي لا إشكال في وجوب الإحرام عليه؛ لما عرفت، فلو أراد دخول الحرم فقط و
الرجوع إلى خارجه لا يجب عليه الإحرام.
وقد يستشهد لذلك بأنّ
المستفاد من بعض النصوص أنّ لمكّة بخصوصها مزيّة وقدسيّة وحرمة، وأنّه لا يجوز الدخول إليها إلّا ملبيّاً للحجّ أو العمرة؛ كصحيحة
معاوية بن عمّار ، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكّة: «إنّ اللَّه حرّم مكّة يوم خلق السماوات والأرض، وهي حرام إلى أن تقوم
الساعة ، لم تحلّ لأحد قبلي، ولا تحلّ لأحد بعدي، ولم تحلّ لي إلّا ساعة من نهار»،
بناءً على أنّ المراد من تحريمها عدم جواز الدخول إليها إلّا بإحرام،
إلى غير ذلك من النصوص. ومنها:
حسن كليب الأسدي عنه عليه السلام: «أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم استأذن اللَّه عز وجل في مكّة ثلاث مرّات من الدهر، فأذن له فيها ساعة من النهار، ثمّ جعلها حراماً ما دامت السماوات والأرض».
ونحوه خبر
بشير النبال.
وبذلك يتضح دلالة صحيح سعيد الأعرج عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «إنّ
قريشاً لمّا هدموا الكعبة وجدوا في قواعده حجراً فيه كتاب لم يحسنوا قراءته حتى دعوا رجلًا قرأه، فإذا فيه: أنا اللَّه ذو بكّة، حرّمتها يوم خلقت السماوات والأرض، ووضعتها بين هذين الجبلين، وحففتها بسبعة أملاك حفّاً».
هذا، ويدلّ على ما ذهب إليه كاشف الغطاء صحيحة
محمّد بن مسلم الثانية المتقدّمة، ولا ينافيها ما ورد فيه عنوان دخول مكّة؛ لأنّ ذلك وارد في سؤال السائل، فيكون جواب
الإمام بلزوم الإحرام عليه باعتبار أنّ دخول مكّة لا يكون إلّا بدخول الحرم، فلا
تعارض بين ذلك وبين الصحيحة الثانية، فيكونان كالخبرين المثبتين، فيؤخذ بالأوسع منهما. ويؤيّد ذلك ما ورد من أنّ وجوب الإحرام لعلّة الحرم.
وما تقدّم من نقل الإجماع ليس بحجّة حتّى إذا استحصل الإجماع؛ لقوّة احتمال
استناد المجمعين إلى بعض النصوص التي ذكر فيها دخول مكّة.
هل يختصّ هذا الحكم بما إذا كان الدخول إليها من خارج الحرم، فلا يشمل من خرج منها أو من هو من أهلها، فيدخلان بلا إحرام، أو يجب عليهما ذلك أيضاً؟
الظاهر عدم الفرق؛
لإطلاق الأخبار المتقدّمة والفتاوى عدا ما استثني، وسوف يأتي.
إذا خرج أحد من مكّة لكنّه لم يصل إلى خارج الحرم ثمّ عاد إليها، فهل يجب عليه الإحرام ثانياً أم لا؟ صرّح
السيّد العاملي وغيره
بأنّ الإحرام إنّما وجب لدخول مكّة إذا كان الدخول إليها من خارج الحرم، وإلّا دخل بغير إحرام، وظاهره المفروغيّة من ذلك.
واعترض
المحقّق النجفي عليهم بأنّ هذا إن كان إجماعاً أو
سيرة قاطعة فذاك، وإلّا فهو منافٍ لإطلاق
النصّ و
الفتوى أو عمومهما، ولا ينافي ذلك كون الميقات
أدنى الحلّ ؛ ضرورة أنّه بناءً على الوجوب يجب عليه الخروج إليه مع
التمكّن ، وإلّا أحرم من مكانه كغيره ممّن يجب عليه الإحرام.
وهذا
الاعتراض لا وجه له بناءً على القول بلزوم الإحرام لدخول الحرم لا مكّة بالخصوص كما اختاره كاشف الغطاء؛ لأنّ مفاد الروايات حينئذٍ أنّ الإحرام لازم لدخول الحرم لا مكّة بالخصوص، فما لم يخرج عنه لا يصدق عليه أنّه خارج، فيكون
المعيار الدخول والخروج بالنسبة إليه لا إليها. هذا مضافاً إلى أنّه حتّى على القول الآخر.
ويمكن أن يقال
: إنّ المراد من النصوص الدالّة على حرمة مكّة ما يشمل حرمها؛ ولذا ذكر فيها عدم
تنفير الصيد وغيره ممّا هو من أحكام الحرم، فمع فرض عدم الخروج عنه لا يجب عليه الإحرام، بخلاف ما لو خرج عنه ثمّ أراد الدخول بقصد الدخول في مكّة، فإنّه يجب عليه الإحرام حينئذٍ مع فرض مضي شهر كما سيأتي.
هل يجب الإحرام بحجّ أو عمرة أم يجوز ذلك
مستقلّاً وبلا نيّة لهما؟ ذهب الفقهاء
إلى وجوب الإحرام بالحجّ أو العمرة، قال السيّد العاملي: «يجب على الداخل أن ينوي بإحرامه الحجّ أو العمرة؛ لأنّ الإحرام
عبادة لا يستقلّ بنفسه، بل إمّا أن يكون بحجّ أو عمرة، ويجب
إكمال النسك الذي تلبّس به ليتحلّل من الإحرام».
وذكر نحوه
المحقّق الأردبيلي .
وذكر المحقّق النجفي: أنّه إن كان إجماعاً فذاك، وإلّا أمكن الاستناد في مشروعيّته نفسه إلى
إطلاق الأدلّة في المقام وغيرها، وكونه جزء منهما لا ينافي مشروعيّته في نفسه.
واستشهد لذلك بمرسل
الفقيه ، قال: «روي عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم و
الأئمّة عليهم السلام أنّه: «وجب الإحرام لعلّة الحرم»».
وبمرسل
العبّاس بن معروف المروي عن
العلل عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «حرم المسجد لعلّة الكعبة، وحرم الحرم لعلّة المسجد، ووجب الإحرام لعلّة الحرم».
وبخبر
أبي المغراء عنه عليه السلام أيضاً، قال: «كانت
بنو اسرائيل إذا قرّبت القربان، تخرج نار تأكل
قربان من قُبل منه، وأنّ اللَّه جعل الإحرام مكان القربان».
وبخبر جابر عن
أبي جعفر عليه السلام : «أحرم موسى عليه السلام من رملة
مصر » قال: «ومرّ بصفاح
الروحاء محرماً يقود ناقته بخطام من صفحة من ليف عليه عباءتان قطوانيّتان يلبّي وتجيبه الجبال».
إلى غير ذلك ممّا يمكن
الاستدلال به على مشروعيّته في نفسه. لكن قد يقال: إنّ ما دلّ على عدم حصول
الإحلال له إلّا بإتمام النسك كاف في عدم ثبوت استقلاله؛ إذ دعوى إحلاله بالوصول إلى مكّة أو
بالتقصير أو بغير ذلك لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلّة خلافها. بل يمكن بعد التأمّل في النصوص
استفادة القطع بتوقّف الإحلال من الإحرام في غير
المصدود ونحوه على
إتمام النسك، وليس إلّا أفعال عمرة أو حجّة.
لو أخلّ الداخل بالإحرام أثم ولم يجب عليه قضاؤه، كما هو صريح جماعة من الفقهاء كالشيخ والعلّامة و
الشهيد الثاني وغيرهم؛
لما تقدّم من أنّه لم يترك واجباً وإنّما ارتكب محرّماً، بل لو فرض وجوبه أيضاً لا يثبت بمجرّد ذلك القضاء؛ لأنّ
الأصل براءة الذمّة من القضاء، وهو إنّما يجب في التكاليف بأمر جديد ولم يدلّ دليل عليه.
ونسب الشيخ والعلّامة
القضاء إلى بعض العامّة. قال
أبو حنيفة : «عليه أن يأتي بحجّ أو عمرة فإن أتى في سنته بحج
الإسلام أو منذوره أجزأه ذلك عن عمرة الدخول
استحساناً ، وإن لم يحجّ من سنته استقر
القضاء ».
ونوقش
في الحكم بالقضاء: بأنّه لا دليل على القضاء مع فرض عدم وجوبه عليه، كما أنّه لا
إبطال كي يتّجه الوجوب عليه، فإنّه إنّما يتحقّق بفعل المنافي لما تلبّس به، بخلاف الفرض الذي أثم بعدم
الإتيان به لا بإبطاله، لكن جزم الشهيد الثاني في موضع آخر من
المسالك بالقضاء.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۲۳۱-۲۳۶.