أركان الإجارة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
أركان
الإجارة ثلاثة:
العقد، والمتعاقدان- وهما طرفا العقد-، ومحل الإجارة.
ويبحث في كلّ واحد من هذه الأركان عن شروطه العقلية التي تكون دخيلة في تحقّق ذلك الركن،
والشرعية التي تكون دخيلة في ترتّب الأثر عليه شرعاً وقانوناً فتكون من شروط الصحة.
ويعتبر فيه عدّة شروط:
فلا تنعقد من
الهازل والسكران والنائم ونحوه.
•
إنشاء عقد الإجارة، ويراد
بإنشاء العقد (
الايجاب والقبول )
إبراز ذلك المضمون العقدي بمبرزٍ عرفي يدل عليه من قبل الطرفين، ويتحقق ذلك في
الإجارة بإيجاب يصدره المؤجر وقبول يصدره المستأجر
عند المشهور الدال على الرضى بالايجاب.
في حين يرى البعض أنّه يصح أن يقع الإيجاب من المستأجر والقبول من المؤجر؛
إذ لا يراد بالإيجاب إلّا ما ينشأ من الأمر الاعتباري أوّلًا. نعم يكون المنشأ حينئذٍ هو الاستئجار لا الإيجار أي تملّك
المنفعة بعوض لا تمليكها، فإنّه فعل المؤجر لا المستأجر.
ثمّ إنّ هذا الانشاء قد يحقّق باللفظ وقد يحقّق بالفعل، وفيما يلي نشير إلى كلّ منهما.
•
تنجيز عقد الإجارة، والمعروف اشتراطه في
الإجارة بل في جميع
العقود .
والتنجيز يراد به تارة ما يقابل
التعليق ، واخرى ما يقابل
الترديد ، وثالثة يراد به ما يقابل اضافة
المنفعة إلى المستقبل، فلا بد من ملاحظة ثلاثة امور يأتي فيما يلي.
•
عدم اشتراط ما ينافي عقد الإجارة، ومن شرائط صحة عقد
الإجارة عدم تقيد
الصيغة بشرطٍ ينافي ما شرّع العقد لأجله كجواز
الانتفاع وملكية العوضين، وقد ذكر
الفقهاء الشروط التي وقع الكلام في مخالفتها لمقتضى
العقد.
•
المتعاقدان في الإجارة، لا شكّ أنّ المؤجر والمستأجر طرفان وركنان في عقد
الإجارة كما هو في كافّة عقود
المعاوضة . والبحث عن المتعاقدين يقع ضمن ما يلي.
وهو قد يكون عبارة عن العين والاجرة- كما في
إجارة الأعيان- وقد يكون عبارة عن العمل
والاجرة - كما في إجارة الأعمال- غير أنّ
المبادلة في
عقد الإجارة تقع بين
المنفعة - بمعناها الأعم الشامل لعمل الإنسان أيضاً- والاجرة، ومن هنا كان عقد الإجارة في
الفقه الإسلامي شاملًا لإجارة الأعيان وإجارة الأعمال معاً من دون تفكيك. فالبحث عن محل الإجارة يقع في (منفعة العين) و (العمل) و (الاجرة).
•
منفعة العين، منفعة العين المعقود عليها في
إجارة الأعيان قد تكون منفعة عين خارجية، وقد تكون منفعة عين
كلّية في الذمة .
والأوّل أيضاً على أقسام، فقد تكون المنفعة منفعة عين خارجية معيّنة، وقد تكون منفعة إحدى الأعيان الخارجية بنحو
الكلّي في المعيّن ، وقد تكون منفعة عين مشاعة كما سيأتي في أقسام المنفعة.
•
العمل، يقع العمل مورداً للإجارة في
إجارة الأعمال حيث يكون المطلوب فيها
أداء عمل وخدمة يستفيد منها المستأجر، وقد تقدم شرح ذلك في تعريف عقد الإجارة.
فالمألوف في
الفقه الإسلامي تبديل الحقوق والالتزامات الشخصية التي تفرزها العقود إلى حقوق عينية؛ وذلك أنّهم ذكروا أنّ حقيقة الإجارة عبارة عن تمليك العمل بعوض كالمنفعة في إجارة الأعيان، فجعلوا المعقود عليه العمل الذي هو حق عيني، والوفاء به حق شخصي متفرع عليه.
وعلى العكس من ذلك في الفقه الوضعي، فقد أولى الحقوق الشخصية أهمية خاصة في باب
العقود والالتزامات، حتى أنّه فسّر عقد الإيجار خصوصاً في إجارة الأعمال بذلك، وجعل الحقوق العينية في طول الحقوق الشخصية، وقد تقدم بعض الكلام في ذلك.
الاجرة عبارة عمّا يلتزم به المستأجر للمؤجر عوضاً عن
المنافع أو الأعمال التي يمتلكها المستأجر، فهي بمنزلة الثمن في عقد
البيع ، فيكون هو الآخر محلًا لعقد
الإجارة .
وقد ذكروا أنّ كلّ ما يصلح أن يكون
ثمناً في البيع يصلح أن يكون اجرة في عقد الإجارة أيضاً،
أي من حيث اشتراط المعلومية والمالية والمملوكية والقدرة على
التسليم ونحو ذلك من الشروط. إلّا أنّ هذا التعبير ليس دقيقاً، فانّه يشترط في البيع أن يكون الثمن متمحّضاً في المالية كالنقود، فلا يكون
مبادلة متاع بمتاع آخر بيعاً وإن كانت معاوضة صحيحة. وأمّا في الإجارة فلا يشترط ذلك، فيمكن أن تكون الاجرة متاعاً أو طعاماً أو غير ذلك.
كما أنّ الاجرة قد تكون عيناً خارجية أو منفعة عين أو خدمة أو عملًا، وقد تكون مالًا خارجياً معيّناً أو كلياً في الذمة أو في المعيّن، أو مالًا خارجياً مشاعاً.
كما أنّها قد تكون معجّلة أو مؤجّلة، وقد تكون مطلقة من دون أن يشترطا شيء فيها.
ويشترط في
الأجرة جميع ما تقدم في شروط المنفعة والعمل من المالية والملكية
والقدرة على التسليم والمعلومية وغيرها.
ومستند ذلك ما تقدم في شروط المنفعة والعمل مما تقتضيه القواعد العامة
والروايات الخاصة في عقد الإيجار، وقد تقدمت الإشارة إليها، كما تقدم أنّ اشتراط المعلومية إنّما يلزم على وجه يرتفع به
الغرر والجهالة،
فيجب أن تكون الاجرة معلومة من جميع الجهات التي تؤثّر في رغبة العقلاء، وحينئذٍ فلو كانت الاجرة مجهولة بنفسها أو بضم شيء مجهول آخر إليها بطلت، إلّا إذا قيل بصحة الإجارة بأُجرة مجهولة التحقّق مع الضميمة المعلومة في طرف الاجرة، فلو لزم من عدم تعيين الاجرة الغرر أو
الجهالة وعدم ضبط الاجرة مما يتطرق إليه الزيادة والنقصان بطلت، كما في إجارة الإنسان بكسوته وطعامه،
وإجارة الأرض والدار بشرط تعميرها،
واستئجار الراعي على شيء من اللبن أو النسل أو الصوف، وكالاستئجار على رضا
المكاري .
نعم لو أمكن رفع الغرر والجهالة بالرجوع إلى عادة مضبوطة
- كدفع الاجرة من نقد البلد الذي وقع فيه العقد قضاءً للعرف وحملًا له على نظائره في جميع العقود- اكتفي بذلك.
لو استأجر شيئاً مدّة معيّنة لم يجب ذكر تقسيط الاجرة في متن العقد على الأجزاء
إجماعاً ؛ لإطلاق الأدلّة، سواء كانت المدة قصيرة أو طويلة، خلافاً لبعض الجمهور فأوجبه إن كانت الإجارة لسنين فصاعداً.
ثمّ انّه وقع الاختلاف عند
الفقهاء في صحة الإجارة من ناحية الاجرة في الموارد التالية:
إجارة الأرض لزرع الحنطة أو الشعير ونحوهما مما يخرج منها، فقد ذهب
الشيخ وغيره
إلى الجواز استناداً إلى رواية
زرعة التي صرّح
الإمام عليه السلام فيها بعدم البأس في استئجار الأرض بخمس ما يخرج منها وقال:
وسألته عن الأرض يستخرجها الرجل بخمس ما خرج منها وبدون ذلك أو بأكثر مما خرج منها من الطعام والخراج على العلج؟ قال: «لا بأس».
واعترض
العلّامة على الرواية بضعف السند، وبحملها على المزارعة بشهادة رواية فضيل حيث قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام عن إجارة الأرض بالطعام؟
قال: «إن كان من طعامها فلا خير فيه»،
ثمّ اختار المنع وفاقاً لبعض الفقهاء؛
للزوم الغرر والجهالة،
وأنّ مال الإجارة ليس موجوداً لا في الذمة ولا في الخارج،
ولما في صحيحة
الحلبي الدالّة على عدم جواز استئجار الأرض بالحنطة ثمّ زرعها حنطة،
حيث استظهر من النهي فيها النهي عن جعل الاجرة ما يخرج منها.
وفصّل بعض الفقهاء بين أنواع الإجارة كإجارة الأرض لزرع الحنطة أو الشعير فلا يجوز، وبين إجارتها بذلك في الذمة مع اشتراط
الأداء منها فيجوز على المشهور.
كما أنّ لبعضهم
تفصيل آخر بين الإجارة بالحنطة أو الشعير فلا يجوز، وبين الإجارة بسائر الحبوب فيجوز؛ لعدم النص عليه، وسيأتي تفصيله.
استئجار الأجير على بعض ما يعمل فيه كاستئجار الطحان على صاع من الدقيق والحاصد على سدس ما يحصده، فقد صرّح العلّامة في بعض كتبه
بالجواز؛ لوجود المقتضي- وهو العقد- وارتفاع المانع؛ للأصل، إلّا أنّه اشترط في
التذكرة وغيرها
عدم كون الاجرة من جنس
المنفعة المعقود عليها للجهالة.
وفيه: عدم الجهالة مع تعين الاجرة كماً وكيفاً وتحققاً.
ومن هنا ذكر
فخر المحققين في بيان وجه فساده أنّ صحة الإجارة تستلزم استلزام الشيء لنقيضه، ببيان أنّ الحكم بلزوم الإجارة يقضي بلزوم الملك له المستلزم لعدم وجوب العمل فيما يخصه؛ لأنّه عمل في ملك نفسه، فلا يلزم العمل في منفعة تعود إليه، واللازم باطل بالضرورة فكذا الملزوم.
هذا بناءً على مملوكية مال الإجارة بنفس العقد، وأمّا بناءً على أنّ الملك يكون بالعمل فلا استحالة.
وزاد عليه
المحقق الكركي بأنّ ذلك يستلزم كون العوضين لواحد؛ لأنّ الاجرة إنّما تثبت ازاء العمل، وحيث إنّ بعض العمل حق له، فتكون الإجارة باطلة.
ويمكن أن يُردّ بأنّ ملكية
الأجير إنّما تكون بنحو الكلي في المعيّن، فلا ينافي ملك المستأجر لما في الخارج الواقع موضوعاً لعمل الأجير، وهذا واضح.
ذهب الفقهاء
إلى الجواز حتى أنّ
الشهيد الثاني ادعى عدم الخلاف فيه؛
لأنّ العقدين بمنزلة العقد الواحد، وما دام العوض معلوماً فيه بالإضافة إلى الكلّ فهو كافٍ في انتفاء الغرر والجهالة وإن كان عوض كلّ منهما بخصوصه مجهولًا حال العقد، إلّا أنّه ذهب بعض الفقهاء
إلى
بطلان ذلك؛ للزوم الغرر وجهالة الثمن والاجرة بالنسبة. وتفصيل الكلام تقدم في شروط عقد الإجارة.
الإجارة بشرط عدم الاجرة أو
اسقاطها أو نقص الاجرة أو عدمها فيما لو خالف قيداً أو شرطاً مأخوذاً في عقد الإيجار، وقد تقدم كلّ ذلك فيما سبق فراجع.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۲۸-۱۱۴.