إحرام الصبي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يصحّ
إحرام الصبي المميّز وإن لم يجب عليه بناءً على شرعيّة
عبادته ، ويصحّ أن يحرم عن غير المميّز وليّه ندباً.
لا
إشكال في صحّة إحرام الصبي المميّز،
ولعلّه إجماعي،
مضافاً إلى دلالة الروايات الكثيرة عليه.
والصحّة إمّا بمعنى أنّ إحرامه يكون
تمرينيّاً أو مشروعاً بناءً على مشروعيّة عباداته،
بل قال بعض باستحباب ذلك له.
قال المحقّق: «يصحّ إحرام الصبي المميّز وإن لم يجب عليه، ويصحّ أن يحرم عن غير المميّز وليّه ندباً، وكذا
المجنون ».
وقال المحقّق النجفي: «لا إشكال في أنّه يصحّ إحرام
الصبي المميّز وإن لم يجب عليه بناءً على شرعيّة عبادته. نعم، لا بدّ من إذن الولي بذلك
لاستتباعه المال في بعض الأحوال، فليس هو عبادة محضة مع
احتمال العدم».
هل يعتبر في إحرام الصبي المميّز إذن الولي أم يصحّ بلا إذنه؟ فيه قولان:
ذهب
المشهور كالمحقّق والعلّامة والشهيدين وغيرهم إلى
اشتراط إذن الولي؛ لحاجة الإحرام إلى مال، فيجري مجرى العقود المالية التي لا تصحّ إلّا بإذن الولي،
أو لأنّ الإحرام عبادة متلقّاة عن الشارع، فيجب
الاقتصار فيها على مورد
الفتوى والنصّ الذي هو الصبي المأذون.
ويستحبّ للولي أيضاً
الإذن فيه، بل يستحبّ له أن يأمره بالإحرام.
واختار بعض متأخّري المتأخّرين عدم
اعتبار الإذن في صحّة إحرامه؛ نظراً إلى أنّه ليس تصرّفاً مالياً، وإن كان ربّما يستتبع المال، مضافاً إلى
الأصل و
العمومات بعد ما ثبتت مشروعيّة أعماله من قبل الشارع، وعليه فلا بدّ للولي من
بذل المال له لتتميم العمل، كما لو أتلف الصبي مال الغير.
نعم، قد يقال بأنّ الإذن وإن لم يكن شرطاً في صحّة حجّ الصبي وإحرامه، إلّا أنّه يجب في بعض الصور كأداء ثمن
الهدي أو
أداء الكفّارات، فإن تمكّن من
الاستئذان فعل، وإلّا كان عاجزاً عن الهدي ونحوه.
لا خلاف
في أنّ للآباء والأجداد
ولاية الإذن للإحرام، بناء على القول باعتبار إذن الولي في صحّة إحرام الصبي، وأمّا الامّ ففيها خلاف كما سيأتي.
قال
العلّامة الحلّي : «الآباء والأجداد للآباء لهم ولاية الإحرام بإجماع من سوّغ الحجّ للصبيان، وهو قول علمائنا أجمع، وبه قال
الشافعي ؛ لأنّ للأب والجدّ
للأب ولاية المال على الطفل، فكان له ولاية الإذن في الحجّ».
وعليه تثبت الولاية للوصي أيضاً، بل قيل: إنّه مقطوع به في كلام الفقهاء؛ لأنّ للوصي ولاية المال على الطفل،
ويشهد له
إطلاق لفظ
الولي في النصوص.
قال
المحقّق الحلّي : «الولي هو من له ولاية المال كالأب والجدّ للأب و
الوصي ، وقيل: للُامّ ولاية الإحرام بالطفل».
واورد عليه بأنّ ثبوت الولاية في المال لا يستلزم ثبوت الولاية في
البدن ، والحجّ يستلزم التصرّف في البدن أيضاً.
ولا يخفى بناء على القول بعدم الحاجة إلى إذن الولي في صحّة إحرام الصبي أنّه لا تسقط ولاية الآباء والأجداد بالنسبة إلى
إحجاجه ، فلا يجوز للغير إحجاجه إلّا مع إذنهم.
وأمّا
الامّ فقد ذكر الشيخ: أنّ لها ولاية بغير تولية، ويصحّ إحرامها عنه،
وتبعه عليه العلّامة في بعض كتبه
والشهيدان
وغيرهم،
ولعلّه هو المشهور بينهم.
و
المستند فيه: أنّ إحرام الصبي ما دام كونه
طاعة ومرغوب فيه شرعاً فإنّ للُامّ
الإتيان به، مضافاً إلى ما في
صحيحة عبد الله بن سنان عن
أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «مرّ
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برويثة وهو حاجّ، فقامت إليه
امرأة ومعها صبي، فقالت: يا رسول اللَّه، أ يحجّ عن مثل هذا؟ قال: نعم، ولك أجره»،
بتقريب عدم ثبوت
الأجر للُامّ إلّا بعد الحكم بصحّة الحجّ به، وموافقة جميع ما فعلته به أو عنه من أفعال الحجّ للشرع.
هذا، ويظهر من جماعة كالحلّي والمحقّق وغيرهما
عدم ثبوت ولاية الإحرام للُامّ؛
لانتفاء ولايتها في المال و
النكاح فتنتفي هنا أيضاً.
ولكن ذهب العلّامة في
المنتهى إلى صحّة الإحرام، مع أنّه صرّح بعدم الولاية للُامّ، فقال: «لو أحرمت امّه عنه صحّ وإن لم يكن لها ولاية، عملًا بالحديث الذي تلوناه عن الصادق عليه السلام؛ لقوله: «ولكِ أجره»، ولا يضاف إليها الأجر إلّا لكونه تبعاً لها في الإحرام».
أمّا من عدا هؤلاء فلا يصحّ إذنهم، ولا ولاية لهم في الحجّ والإحرام على الصبي إلّا أن تكون الولاية عليه من الحاكم
أو أمينه، على خلاف في الأخير.
وقال
السيّد العاملي - مذيّلًا كلام المحقّق-: «ربّما يظهر من قول المصنّف رحمه الله: الولي من له ولاية المال ثبوت الولاية في ذلك للحاكم أيضاً، ونقل عن الشيخ رحمه الله في بعض كتبه
التصريح بذلك، ولا بأس به؛ لأنّه كالوصي».
لا يجزي إحرام الصبي وحجّه عن
حجّة الإسلام وإن كان صحيحاً. نعم، لو بلغ قبل
الوقوف فأدركه مع شرائطه أجزأه عن حجّة الإسلام، كما هو المشهور،
بل في الخلاف و
التذكرة الإجماع عليه؛
لإطلاق النصوص الدالّة على أنّ من أدرك أحد
الوقوفين فقد أدرك الحجّ،
وغيرها من الروايات الدالّة على
إمكان الإحرام من عرفة لمن تعذّر عليه الإحرام من
مكّة .
وعن ظاهر المحقّق في
المختصر وصريح ابن سعيد عدم
الإجزاء ؛
نظراً إلى أنّ كفاية
إدراك المشعر تكون لمن أدرك الحجّ الذي نوى لا غيره، والمنوي هنا الحجّ
المندوب لا حجّة الإسلام.
وصلاحيّة الوقت للإحرام لا يفيد إلّا إذا لم يكن الشخص محرماً، أمّا المحرم فليس له الإحرام ثانياً إلّا بعد
الإحلال ، ولا
العدول إلّا إلى ما دلّ عليه الدليل، ولا دليل هنا.
وبناءً على القول المشهور فقد صرّح ثاني الشهيدين بعدم الفرق في الحكم المزبور بين حجّ
التمتّع و
الإفراد و
القران ؛
للإطلاق في النصّ والفتوى،
فلو اعتمر
عمرة التمتّع ثمّ أتى بحجّه وكان فرضه عند
البلوغ التمتّع بقي على التمتّع وأجزأه ما أتى به منها قبله. وخالف بعضهم في ذلك، فذكر أنّه لا بدّ من العدول بنيّته إلى الإفراد، وإلّا انقلب حجّه مفرداً.
ثمّ إنّه بناءً على المشهور هل يجب
تجديد النيّة للإحرام بحجّة الإسلام أو لا يجب ذلك؟
ذهب جماعة من الفقهاء إلى لزوم تجديد نيّة
الوجوب .
ولكن اختار بعضهم عدم لزوم ذلك؛ نظراً إلى إطلاق النصّ والفتوى و
انعقاد الإحرام، و
انصراف الفعل إلى ما في الذمّة إذا نوى عينه وإن غفل عن خصوصيّته.
لا إشكال في عدم مشروعيّة إحرام غير المميّز لو أحرم بنفسه، ولا
أثر له؛ لأنّه لا
قصد حقيقي له.
نعم، يصحّ للولي أن يحرم عنه ندباً،
بلا خلاف في
أصل مشروعيّة ذلك للولي،
بل ادّعي عليه الإجماع.
بل قيل بجوازه لغير الولي أيضاً
كالأخ والامّ،
كما تدلّ عليه صحيحة عبد اللَّه ابن سنان المتقدّمة.
وليس المراد بإحرام الولي عن الصبي كونه نائباً ومتحمّلًا للإحرام عنه لكي يقال بعدم جواز إحرام الولي عن غير المميّز إذا كان الولي محرماً، وأنّه لا بدّ من كونه محلّاً كما عن الشافعي،
بل المراد أنّه يعقد الإحرام عن الصبي ويجعله محرماً بفعله، فإنّه يجوز للولي ذلك وإن كان محرماً كما هو صريح الفقهاء،
وبه نطقت الأخبار: كصحيحة
زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: «إذا حجّ الرجل
بابنه وهو صغير فإنّه يأمره أن يلبّي، ويفرض الحجّ، فإن لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه، ويطاف به، ويصلّى عنه». قلت: ليس لهم ما يذبحون عنه، قال: «يذبح عن
الصغار ويصوم
الكبار ، ويتّقي عليهم ما يتّقي على المحرم من
الثياب و
الطيب ، فإن قتل صيداً فعلى أبيه».
وصحيحة
معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «انظروا من كان معكم من
الصبيان فقدّموه إلى
الجحفة ، أو إلى
بطن مرّ ويصنع بهم ما يصنع بالمحرم، ويطاف بهم ويرمى عنهم، ومن لم يجد الهدي منهم فليصم عنه وليّه».
فإنّ المستفاد من هاتين الروايتين وما ورد في معناهما صحّة ما يأتي به الطفل بنفسه من غير نيابة عنه كالوقوف الذي يجب على الولي
إحضاره فيه، وكذا التلبية والرمي، إن أحسن ذلك وإلّا ناب عنه الولي فيما يعجز عنه، وأمّا ما يكون بحاجة إلى نيّة وقصد ممّا لم يصحّ من الطفل كالإحرام، فعله الولي عنه،
فيقول: «اللّهمّ إنّي قد أحرمت بابني...». ولا بدّ أن يكون حينئذٍ مواجهاً للصبي بالإحرام، فإذا فعل ذلك صار الصبي محرماً دون الولي، فيلبسه ثوبين، فيحرم عليه كلّ ما يجتنبه المحرم.
وأمّا كيفيّة
إتيان النسك من الصبي وتخلّفه وأحكامه فسيأتي في مصطلح (حجّ).
ومشهور الفقهاء لم يفرّقوا بين الصبي والصبيّة في هذه الأحكام تبعاً لظاهر الأخبار الواردة، بضميمة أنّ أكثر الأحكام في أبواب
الفقه إنّما صدرت في الرجال، مع أنّه لا خلاف ولا
إشكال بينهم في
إجرائها في النساء أيضاً.
نعم، استشكل
النراقي فيه؛ نظراً إلى عدم الدليل على
الإلحاق ، وإن كان المستفاد من بعض الروايات رجحان حجّ الصبيّة بنفسها لا الحجّ بها،
كموثّقة يعقوب، قال: إنّ معي صبيةً صغاراً، وأنا أخاف عليهم البرد، فمن أين يحرمون؟ قال عليه السلام: «ائت بهم العرج فليحرموا منها».
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۲۵۳-۲۵۹.