الاستحقاق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى ثبوت
الحق ووجوبه .
الاستحقاق- لغةً- ثبوت الحقّ
ووجوبه ، يقال: استحقّ فلان الأمر، إذا استوجبه فالأمر مستحقّ- بفتح الحاء
- ومنه قوله تعالى: «فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً»
أي استوجبا
عقوبةً .
وقد يأتي الاستحقاق بمعنى
طلب الحقّ.
وقد استعمل
الفقهاء كثيراً الاستحقاق بالمعنى الأوّل كما في قولهم في
تعريف الأنفال أنّها: هي ما يستحقّه
الإمام عليه السلام على جهة الخصوص لمنصب
إمامته .
واستعمله أيضاً جملة منهم بمعنى ظهور كون الشيء مستحقّاً للغير كما في قول
الشيخ الطوسي : «كلّ
وكيل باع شيئاً فاستحقّ وضاع
الثمن في يد الوكيل فإنّ
المشتري يرجع على الوكيل».
وكذا قول
ابن حمزة الطوسي : «
وخيار تبعّض الصفقة أن يبتاع شيئاً فاستحقّ بعضه».
وقول
الشهيد الأوّل : «ولو ذبح
هدياً فاستحقّ ببيّنة فللمستحقّ
لحمه ».
إلّا أنّ هناك موارد كثيرة في كلمات الفقهاء حيث استعمل الاستحقاق بمعنى ثبوت الحقّ ووجوبه من دون
دلالة على الظهور والتبيّن، ولكن استعمل معه
اللفظ الدالّ على الظهور والتبيّن كما في قول
الشيخ الطوسي : «إذا اختلعت نفسها بعبد
قيمته مائة وخرج نصفه مستحقّاً فهو خلع
بعوض معيّن».
وقول
المحقّق الحلّي : «إذا ظهر استحقاق أحد العوضين بطل
الصلح ».
وكذا قول
السيّد الخوئي : «في صحّة ما يحدثه المشتري في
الأرض المشتراة من
بناء أو
غرس أو نحو ذلك إذا ظهر كونها مستحقّةً للغير إشكال».
وكيف كان فمعنى ما ورد في هذه الكلمات من استحقاق الشيء أو ظهور استحقاق الشيء هو ظهور كون الغير مستحقّاً
ومالكاً لذلك الشيء
بملكيّة سابقة لا جديدة؛ ولذا لا يصحّ هنا التعبير
بالتملّك .
الأصل في الاستحقاق- بمعنى الطلب-
الجواز ، فإنّه يجوز
للمكلّف أن يطلب ويستوفي حقّه من يدٍ
جائرة ، إلّا أنّه قد يجب كما إذا كان للمكلّف
دين على الآخر بمقدار مئونة
الحجّ وكان الدين حالًّا ولكنّ المديون غير باذل لمماطلته أو كان غير معترف به إلّا أنّه أمكن
إجباره بإعانة متسلّط عليه أو إثباته بالرجوع إلى
الحاكم وإن كان
حاكم الجور ، فيجب حينئذٍ طلب حقّه منه
واستيفاؤه وصرفه في الحجّ؛ لأنّه
واجب مطلق فتجب مقدّمته وهو طلب الحقّ.
وأمّا الاستحقاق بمعنى ثبوت الحقّ ووجوبه فالكلام فيه في العناوين الخاصّة التي يتعلّق بها الحقّ كحقّ
الحضانة وحقّ
الشفعة ونحو ذلك.
هناك طرق لإثبات دعوى الاستحقاق، فقد يكون إثباتها
بإقرار المدّعى عليه، وقد يكون
بشهادة رجلين عدلين أو
بحلف المدّعي بعد نكول
المنكر عن
اليمين أو بغير ذلك.
وقد تسقط دعوى الاستحقاق كما إذا حلف المدّعى عليه على عدم استحقاق المدّعي بعد عدم إقامة
البيّنة من قبل المدّعي.
وتفصيل الكلام في طرق إثبات دعوى الاستحقاق وما تسقط به في موطنه.
لو تبيّن أنّ
المبيع كلّه مستحقّ
وملك للغير
فالبيع حينئذٍ يكون من جهة المبيع والمثمن
فضوليّاً ، فلا ينفسخ
العقد بذلك ابتداءً، بل يصبح متوقّفاً على
إجازة المستحقّ والمالك، فإن أجازه صحّ ولزم، وإن ردّه بطل.
وهناك أبحاث وفروع كثيرة وقع الكلام فيها بين الفقهاء مثل البحث عن الإجازة وما يرجع إليها من أنّها بما ذا تتحقّق؟
وهل هي كاشفة أو ناقلة؟ وغير ذلك من الآثار والأحكام المترتّبة عليها، وكذا البحث عن الردّ وما يترتّب عليه من الآثار والأحكام. والكلام في ذلك كلّه في موضعه.
وإذا تبيّن أنّ بعض المبيع مستحقّ لغير
البائع صحّ البيع فيما يملك، وأمّا بيع مال غيره فصحّته موقوفة على إجازة المالك المستحقّ، فإن أجاز صحّ، وإلّا بطل، وحينئذٍ يكون للمشتري
خيار تبعّض الصفقة فله
فسخ البيع بالإضافة إلى ما يملكه البائع.
وإذا تبيّن أنّ الثمن كلّه أو بعضه مستحقّ لغير المشتري فهو حينئذٍ فضوليّ في كلّ الثمن أو بعضه، فلا يصحّ منه الشراء إلّا بإجازة مالك الثمن، فإن أجاز العقد صحّ ولزم، وإن ردّه بطل. وتفصيل الكلام في ذلك في موطنه.
لو بان أنّ
العين المستأجرة مستحقّة لغير
المؤجر فإن أجاز
المالك المعاملة صحّت
الإجارة ولزمت، وإلّا بطلت. وكذا الحال في
الاجرة .
لو ظهر أنّ الاصول مستحقّة للغير، فحينئذٍ إن أجاز المالك المستحقّ المعاملة صحّت
المساقاة بينه وبين العامل، وإلّا بطلت وكان تمام
الثمرة للمالك وللعامل
اجرة المثل يرجع بها إلى
الفضولي الغاصب .
إذا تبيّن أنّ متعلّق
الصلح مستحقّ للغير، فإن أجاز المستحقّ صحّ الصلح، وإلّا بطل. وقد صرّح بعض الفقهاء أنّ الفضوليّة تجري في الصلح حتى فيما إذا تعلّق بإسقاط
دين أو حقّ أو أفاد فائدة
الإبراء والإسقاط الذين لا تجري فيهما الفضوليّة،
إلّا أنّ بعضاً آخر قال:
إذا ظهر استحقاق أحد العوضين بطل الصلح.
إذا تبيّن أنّ
المال في
المضاربة مستحقّ للغير فوقع عقد المضاربة حينئذٍ فضوليّاً فتتوقّف صحّته على إجازة المالك المستحقّ.
لو تبيّن أنّ المرهون كلّه مستحقّ لغير الراهن صحّ
الرهن إن أجاز المستحقّ المالك، وإلّا بطل.
ولو ظهر أنّ بعض المرهون مستحقّ لغير الراهن صحّ الرهن فيما يملكه الراهن، وأمّا في غيره فتتوقّف صحّة الرهن على إجازة مالكه ومستحقّه.
إذا ظهر بعد القسمة أنّ بعض المال مستحقّ للغير فإن كان في حصّة أحدهما دون الآخر بطلت القسمة، وإن كان في حصّتهما معاً فإن كانت النسبة متساوية صحّت القسمة ووجب على كلّ منهما ردّ ما أخذه من مال الغير إلى صاحبه، وإن لم تكن النسبة متساوية كما إذا كان ثلثان منه في حصّة أحدهما وثلث منه في حصّة الآخر بطلت القسمة أيضاً.
لو خرج المبيع من مال
المفلّس مستحقّاً للغير فأخذه مالكه رجع
المشتري على كلّ واحد من
الغرماء بجزء من
الثمن إن كان قد تلف فيقدّم به على الغرماء.
ويحتمل الضرب به مع الغرماء؛ لأنّه دين لزم المفلّس فهو من جملة الديون، والأقرب عند بعض
الفقهاء التقديم؛ لأنّ ذلك من مصالح
الحجر لئلّا يرغب الناس عن
الشراء .
لو أصدقها عيناً فخرجت مستحقّةً فإن كانت مثليّة فالمثل، وإلّا
فالقيمة ، ويحتمل
مهر المثل .
لو خالعها على عين مستحقّة فإن علم
الزوج فسد
الخلع إن لم يتبعه
طلاقاً ، وإن أتبعه كان رجعيّاً، وإن لم يعلم استحقاقها قيل: بطل الخلع، ويحتمل الصحّة والرجوع إلى المثل أو القيمة إن لم يكن مثليّاً.
وقد نسب ذلك إلى المشهور.
إذا وهب غيره شيئاً معيّناً وقبض الموهوب له
المال الموهوب ثمّ ظهر أنّ المال الموهوب ملك غير الواهب بطلت
الهبة وجاز لمالكه أن يرجع إلى مثله إذا كان مثليّاً أو بقيمته إذا كان قيميّاً، ويتخيّر في أن يرجع بذلك على الواهب أو على الموهوب له، ومع رجوعه عليه له أن يرجع على الواهب بما غرم؛ لأنّه مغرور من قبله.
وأمّا إذا كان الموهوب كلّياً ودفع إلى الموهوب له فرداً خاصّاً من الكلّي وبعد قبض الموهوب له ظهر أنّ المدفوع إليه مستحقّ لغير الواهب جاز له أن يأخذ ما يملكه وهو الفرد المدفوع، وجاز للواهب أن يدفع إلى الموهوب له فرداً غيره، وإذا دفعه إليه تحقّق بذلك القبض وصحّت الهبة، ويجوز له أن لا يدفع إليه شيئاً؛ لعدم تحقّق القبض بالدفع الأوّل فلم تصحّ الهبة؛ لعدم شرطها.
ولو تبيّن أنّ
العوض المدفوع من المتّهب مستحقّ للغير جاز له أن يأخذ عين ماله حيث وجدها إذا كانت موجودة، وإذا كان تالفاً جاز لمالكه أن يرجع إلى مثله أو قيمته، ويتخيّر في أن يرجع بذلك على الواهب أو على الموهوب له، وإذا رجع به على الواهب رجع الواهب على الموهوب له بما اغترم وصارت الهبة غير معوّضة.
إذا تبيّن الموصى به مستحقّاً للغير بطلت
الوصيّة به وإن أجازها
المالك المستحقّ، هذا إذا كان الإيصاء به عن نفسه بأن جعل مال الغير لشخص بعد
وفاة نفسه.
وأمّا عن الغير بأن جعله لشخص بعد وفاة مالكه فهي صحيحة ونافذة إن أجازها المالك.
لو تبيّن أنّ الأرض التي وقعت
المزارعة عليها مستحقّة للغير وكان
البذر للعامل تبطل المزارعة بالنسبة إلى المزارع، فإن أجاز المالك المستحقّ عقد المزارعة وقع له، وإلّا كان
الزرع للزارع وعليه
اجرة المثل لمالك الأرض، هذا إذا انكشف الحال بعد بلوغ الزرع وإدراكه.
وأمّا لو انكشف الحال قبله كان المالك مخيّراً أيضاً بين
الإجازة والردّ ، فإن ردّ فله الأمر بالإزالة أو الرضى ببقائه ولو
بأُجرة وعلى الزارع اجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى.
يجوز
ضمان عهدة
الثمن للمشتري عن
البائع لو ظهر
المبيع مستحقّاً للغير، واختلف في صحّة ضمان درك ما يحدثه المشتري من
بناء أو
غرس في الأرض المشتراة للمشتري عن البائع إن ظهرت مستحقّة للغير وقلعه المالك.
إذا ظهر الثمن الذي دفعه المشتري مستحقّاً لغيره فإن كان معيّناً فلا
شفعة لبطلان البيع مع عدم
إجازة المالك أو مطلقاً، وأمّا إذا كان الثمن غير متعيّن في المدفوع بل في
الذمّة فتبقى الشفعة حينئذٍ لصحّة
الشراء .
فإذا ظهر أنّ ما دفعه الشفيع إلى
شريكه مستحقّاً للغير لم تبطل شفعته سواء أخذ بمعيّن أو بغير معيّن؛ لأنّه استحقّ الشفعة لا بعين ما دفعه بل بما يساوي الثمن، وهو أمر كلّي ينطبق على كلّ ما يمكن أن يكون ثمناً، فإذا دفع شيئاً مستحقّاً للغير كان عليه إبداله.
وإذا أخذ الشفيع حصّته وبنى أو غرس فيها ثمّ ظهر أنّها مستحقّة للغير فقلع الغير البناء أو الغرس فإنّ للشفيع أن يرجع على المشتري في الثمن، وما نقص من
قيمة البناء أو الغرس وغير ذلك.
لو قبض الغالب في
السبق والرماية العوض بعد تبيّن سبقه ثمّ ظهر كون المال مستحقّاً للغير ضمن العوض مع عدم إجازة المالك وعدم كون الباذل غارّاً.
وأمّا لو كان الباذل قد غرّه فدفع العوض
المغصوب إليه جاز له أن يرجع على الباذل بمثل العوض إذا كان مثلياً وبقيمته إذا كان قيميّاً.
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۲۵۱-۲۵۷.