الانفصال (الفقهي)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الانفصال بمعنى
الانقطاع، و هو ضدّ
الاتّصال. و أنّ
الفقهاء و
الاصوليين يستخدمون مصطلح الاتّصال و الانفصال في القضايا الشرطية في مباحثهم الفقهية و الاصولية جرياً على المصطلح المنطقي.
مصدر مطاوع فَصَلَ بمعنى
الانقطاع، يقال: فصل الشيء فانفصل، أي قطعه فانقطع، و هو ضدّ الاتّصال.
و لا يخرج استعمال الانفصال عند الفقهاء عن معناه اللغوي.
نعم، للُاصوليين تطبيق خاصّ للانفصال في باب القرائن الداخلية و الخارجية، كما أنّ المناطقة يطلقون الانفصال في باب القضايا الشرطية، و يقصدون به أن تكون النسبة بين
المقدّم و التالي في
القضية الشرطية هي الانفصال و العناد بينهما أو نفي ذلك كالمثالين التاليين: (اللفظ إمّا أن يكون مفرداً أو مركّباً) أو (ليس الإنسان إمّا أن يكون كاتباً أو شاعراً)؛ و ذلك في مقابل الاتصال في القضية الشرطية و يقصدون به أن تكون النسبة هي الاتّصال بين القضيتين و تعليق إحداهما على الاخرى، من قبيل: (إذا أشرقت الشمس فالنهار موجود) أو (ليس إذا كان الإنسان نمّاماً كان أميناً).
و من المعلوم أنّ الفقهاء و الاصوليين يستخدمون مصطلح
الاتّصال و الانفصال في القضايا الشرطية في مباحثهم الفقهية و الاصولية جرياً على المصطلح المنطقي.
و هي القطع و الانفصال، و منه قول الفقهاء: بانت
المرأة عن زوجها، و منه: إذا انفصلت بطلاق فهي
بائن.
و هو الانفصال و المفارقة، و هو مصدر انفكّ الشيء عن الشيء، إذا انفصل عنه و فارقه.
و الانفصال أعمّ من الانفكاك.
تترتّب آثار و
أحكام شرعية على مصطلح (انفصال) فيما يضاف إليها أو يقرن معها من العناوين، و نذكر هنا أهم ما تعرّضوا له- إجمالًا- فيما يلي:
المشهور بين الفقهاء
أنّه يعتبر في
الغسل بالماء القليل انفصال الغسالة على المتعارف، ففي مثل البدن و نحوه ممّا لا ينفذ فيه
الماء يكفي صبّ الماء عليه و انفصال معظم الماء، و في مثل الثياب و الفرش ممّا ينفذ فيه الماء لابدّ من عصره أو ما يقوم مقامه.
وأمّا في الغسل بالماء الكثير فلا يعتبر انفصال
الغسالة و لاالعصر، بل يطهر بمجرّد غمسه في الماء بعد زوال العين،
على المشهور بين المتأخّرين؛
لإطلاق قول
الإمام الصادق (علیهالسّلام): «... كلّ شيء يراه
ماء المطر فقد طهر».
لكن يظهر من بعضهم تخصيص هذا الحكم بماء المطر،
كما هو ظاهر الخبر المتقدّم؛ لعدم إمكان إلغاء خصوصية المطر عرفاً.
لا خلاف بين الفقهاء
في أنّ كلّ ما ينجس بالموت ممّا تحلّه
الحياة فما قطع من جسده- حيّاً كان أو ميّتاً- فهو
نجس،
بل هو مقطوع به في كلام
الأصحاب.
و استدلّ لذلك بعدّة روايات: منها:
صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه (علیهالسّلام) قال: «ما أخذت الحبالة
(الحبالة: المصيدة)
فقطعت منه شيئاً فهو
ميت، و ما أدركت من سائر جسده حيّاً فذكّه، ثمّ كلْ منه».
القطعة المنفصلة من جسد الميّت قبل تغسيله إذا كانت لا تشتمل على عظم لا يجب تغسيلها و لا تكفينها، بل تلفّ في خرقة و تدفن على
الأحوط.
و إذا كانت مشتملة على عظم أو كانت عظماً مجرّداً عن اللحم و كانت غير الصدر غسّلت
غسل الميّت و تدفن بعد اللفّ في خرقة.
و إذا كانت مشتملة على الصدر أو كانت هي الصدر كلّه، أو كانت بعض الصدر المشتمل على القلب حال الحياة و إن لم يشتمل عليه فعلًا، تغسل و تكفّن و يصلّى عليها و تدفن.
و في إلحاق المنفصلة من الحيّ بالميّت في جميع ما تقدّم إشكال، و لا يترك
الاحتياط بالإلحاق فيها.
صرّح الفقهاء بعدم جواز
السجود على ما يأكله الإنسان عادةً من نبات الأرض كالحنطة و
الأرز، ولكن يجوز السجود على ورق الشجر و على خشبه و لحاه، و على قشور الفواكه و الثمار بعد الانفصال إذا كانت القشور ممّا لا تؤكل عادة؛
لأنّه قبل الانفصال يصدق السجود على المأكول، و أمّا بعده فلا يصدق، بل يصدق السجود على غير المأكول. و لا وجه لاستصحاب المنع؛ لتغيّر الموضوع عرفاً.
ذكر بعض الفقهاء أنّ للمأموم الانفصال من الجماعة أثناء
الصلاة بأن يعزم على مفارقة الإمام إذا كان لعذر، بلا ريب.
نعم، في بعض الأعذار لابدّ من نيّة الانفراد و الانفصال، قال
المحقّق النجفي: «الأعذار التي تلجأه إلى إتمام صلاته قبل صلاة الإمام- كحدوث وجع في بطنه مثلًا أو مزاحمة
بول أو
غائط و نحوها- فالظاهر أنّه لابدّ فيها من نيّة الانفراد».
و أمّا إذا لم يكن لعذر مع نيّة الانفراد ففيه أقوال:
الأوّل: جواز الانفصال، و هو المشهور بينهم،
بل ادّعي أنّه لا خلاف فيه يظهر إلّا من المبسوط.
الثاني: عدم جواز الانفصال فتبطل الصلاة بالعدول، و هو قول
الشيخ الطوسي في
المبسوط، حيث قال: «من فارق الإمام لغير عذر بطلت صلاته».
الثالث: التفصيل بين ما إذا كان قاصداً للانفصال و الانفراد من بداية الصلاة، و بين ما إذا بدا له
العدول في الأثناء، فيجوز الانفصال على الثاني دون الأوّل، كما ذهب إليه بعض الفقهاء.
ثمّ إنّه قد يعبّر عن ذلك في ألسنة الفقهاء بالعدول عن الجماعة أو الانفراد.
صرّح الفقهاء- في باب الصلاة عند التعرّض لأحكام الشكّ- بلزوم الإتيان بالركعة المنفصلة قائماً أو الركعتين المنفصلتين جالساً في بعض الموارد، كما إذا شكّ المصلّي بين الاثنين و الثلاث في الرباعية، فالمشهور بينهم
البناء على الأربع، ثمّ يأتي بركعة منفصلة من قيام أو ركعتين منفصلتين من جلوس.
و كذا من شكّ بين الثلاث و الأربع، حيث إنّه يبني على الأربع على مذهب الأكثر،
ثمّ يأتي بركعة منفصلة أو ركعتين من جلوس.
و يؤيّد الانفصال
ما رواه
زرارة عن أحدهما (علیهمالسّلام)- في
حديث- قال: قلت له: رجل لا يدر اثنتين صلّى أم ثلاثاً، فقال: «إن دخله الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة، ثمّ صلّى الاخرى و لا شيء عليه و يسلّم»،
حيث إنّ المراد بقوله (علیهالسّلام): «ثمّ صلّى الاخرى» هي الركعة المنفصلة لا الموصولة؛ لدلالة كلمة (ثمّ) الدالّة على الترتيب بانفصال.
تعرّض الفقهاء للنماء المنفصل و بعض أحكامه في أبواب متفرّقة من
الفقه، نوجز أهمّها فيما يلي:
يجب
الخمس في
النماء المنفصل للأعيان التي يملكها الإنسان، كالولد و
اللبن من الحيوان المملوك، و كالبيض و الفراخ من الدجاج و الطيور المملوكة، و إن كان الأصل ممّا لم يتعلّق به وجوب الخمس أو كان الخمس قد تعلّق به و أدّاه.
و يجب الخمس في ما هو كالمنفصل من
النماء المتّصل للعين المملوكة، كالصوف و الوبر من الحيوان.
المشهور بين الفقهاء أنّه لو رجع أحد المتبايعين و فسخ
العقد، أنّ النماء المنفصل و المنافع- مستوفاة كانت أو تالفة- ملك لمن انتقل إليه المال، فلا تردّ بردّ العين، و النماء المتّصل تابع للعين.
و أمّا في النماء المتّصل الذي يقبل الانفصال- كالصوف و الشعر- فقد اختلفوا في أنّ حكمه حكم السمن أو حكم المنفصل. و التفصيل موكول إلى محلّه.
ولو باع عبداً بيعاً فاسداً و أقبضه لم يملك بالقبض، و لم ينفذ عتقه و لا شيء من تصرّفه من
البيع و
الهبة و
الوقف و غير ذلك، و يجب عليه ردّه و ردّ ما كان من نمائه المنفصل منه؛ لأنّ ملك الأوّل لم يزل عنه، فالتصرّف فيه لا يصحّ و يلزمه ردّه على البائع و لا إثم عليه؛ لأنّه قبضه بإذن مالكه.
حكم الفقهاء بأنّ منفعة الرهن للراهن و لا تدخل في
الرهن، و كذلك نماء الرهن المنفصل عنه للراهن، و ذلك مثل الثمرة و الولد و الصوف و اللبن، فهذا كلّه يدفع إلى الراهن و يتصرّف فيه كيف شاء، سواء كان موجوداً حال الرهن أو حادثاً في يد المرتهن.
ذكر الفقهاء أنّه لو باع
أمة ثمّ أفلس المشتري بالثمن و كانت الأمة حائلًا، فإن كانت قد حملت و وضعت لم يكن للبائع حقّ في
الولد؛ لأنّ الولد نماء منفصل فلم يتبع الأصل في
الفسخ، و أمّا إن وجدها حاملًا لم تضع بعد، فمنهم من قال: إنّ الولد لا يأخذ قسطاً من
الثمن، فالبائع يرجع بالامّ و
الحمل تابع لها، و منهم من قال: له قسط من الثمن، لا يرجع في الأمة؛ لأنّ حملها يجري مجرى النماء المنفصل فلم يتبع الأصل في الفسخ.
ذكروا أنّه لو وجد المالك و قد حصل للقطة نماء متّصل يتبع العين، فإنّه يأخذ العين بنمائها، سواء حصل قبل التعريف أو بعده، أو حصل قبل التملّك أو بعده. و أمّا
النماء المنفصل، فإن حصل بعد التملّك كان للملتقط، فإذا كانت العين موجودة دفعها إلى المالك دون نمائها، و إن حصل في زمن التعريف أو بعده قبل التملّك كان للمالك.
إذا كان على الميّت
دين و خلّف مالًا دون ذلك، قضي بما ترك دينه، و ليس هناك
وصيّة و لا ميراث، و يكون ذلك بين أصحاب الديون بالحصص، فإن وجد متاع بعض الديّان بعينه ردّ عليه متاعه بعينه بنمائه المتّصل دون نمائه المنفصل، و قضي دين الباقين من
التركة.
يجوز انفصال زمان الإجارة عن زمان العقد
على المشهور بينهم،
من غير فرق بين كون
الإجارة على عين أو ثابتة في الذمّة، فيصحّ أن يؤجر داره شهراً متأخّراً عن زمان العقد؛ لأنّ وجوب الوفاء بكلّ عقد بحسبه، فإذا كان مضمون العقد هو ملكية المنفعة الاستقبالية، فيلزم الوفاء و التسليم في أوّل المدّة التي انعقدت الإجارة عليها، و المفروض إمكان ذلك بعد كونه المتعارف بين الناس.
نعم، ذهب
الشيخ الطوسي و بعض من تبعه إلى أنّ الانفصال لا يصحّ على الأعيان، فلو أطلق أو عيّن شهراً متأخّراً عن
العقد بطلت الإجارة، حيث إنّ عقد الإجارة حكم شرعي، و لا يثبت إلّا بدلالة شرعية، و ليس على ثبوت الإجارة في الموضعين المذكورين دليل.
لكن اجيب عنه بما تقدّم من أنّ عمومات وجوب الوفاء تشمل ذلك.
الانفصال و الفرقة بين الزوجين قد يكون بالطلاق أو
اللعان أو
الفسخ أو
الموت،
ولكلّ واحد من هذه الأسباب أحكام تراجع تفاصيلها في محالّها.
إذا انفصل رأس الذبيحة قبل خروج
الروح منها- و هو ما يعبّر عنه غالباً في اصطلاح الفقهاء بالإبانة، وهي بمعنى الانفصال
- فقد صرّحوا بعدم الإشكال في ذلك إذا كان الذابح غافلًا أو مع سبق السكّين، من دون حرمة و لا كراهة في
الأكل و الانفصال.
أمّا مع التعمّد ففيه قولان:
الأوّل:
التحريم، ذهب إليه جماعة من الفقهاء؛
و ذلك لرواية
محمّد بن مسلم عن
أبي جعفر (علیهالسّلام) قال: «... و لا يقطع الرقبة بعد ما يذبح»،
بتقريب أنّ النهي ظاهر في الحرمة.
الثاني:
الكراهة،
و هو قول الأكثر.
قال الشيخ الطوسي: «يكره إبانة الرأس من الجسد، و قطع النخاع قبل أن تبرد الذبيحة، فإن خالف و أبان لم يحرم أكله، و به قال جميع الفقهاء».
ثمّ استدلّ لذلك بأنّ الأصل الإباحة، و بإطلاق قوله تعالى: «فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ»،
و هذا ممّا ذكر
اسم اللَّه عليه، فلا وجه للحرمة، و أنّ النهي الوارد يحمل على الكراهة حيث يعدّ الانفصال في سياق
آداب الذباحة.
ثمّ على تقدير الحرمة هل تحرم الإبانة تكليفاً أو يستتبع
الحكم الوضعي أيضاً؟ ذهب الشيخ الطوسي في بعض كتبه إلى الثاني؛
بمعنى تحريم الأكل و الفعل بالانفصال،
لكنّ أكثر القائلين بالحرمة صرّحوا بالحرمة التكليفية فقط.
صرّح الفقهاء بأنّ الحمل يرث و يورث لو انفصل حيّاً و إن مات من ساعته، فلو علم حياته بعد انفصاله فمات بعده يرث و يورث، و لا يعتبر في ذلك الصياح بعد السقوط لو علم سقوطه حيّاً بالحركة البيّنة و غيرها؛
لما ورد في موثّق
أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللَّه (علیهالسّلام): «قال أبي (علیهالسّلام): إذا تحرّك المولود تحرّكاً بيّناً فإنّه يرث و يورث، فإنّه ربما كان أخرس».
والمراد من التحرّك البيّن الحركة الإرادية التي لا تصدر إلّاعن حيّ.
اختلف الفقهاء في لزوم ديمومة انفصال العضو المقطوع في
القصاص، و عدم جواز وصله، أو جواز وصله بعد قطعه على أقوال:
الأوّل: عدم جواز الوصل و لزوم انفصاله، و قد ذهب إليه بعض الفقهاء.
قال الشيخ الطوسي: «إذا قطع اذن غيره قطعت اذنه، فإن أخذ الجاني اذنه فألصقها فالتصقت كان للمجنيّ عليه أن يطالب بقطعها و إبانتها».
القول الثاني: جواز وصل العضو المقطوع بعد انفصاله، و هو مختار جماعة آخرين من الفقهاء.
قال
الإمام الخميني: «لو قطع اذنه فألصقها المجني عليه و التصقت فالظاهر عدم سقوط القصاص. و لو اقتصّ من الجاني فألصق الجاني اذنه و التصقت، ففي رواية قطعت ثانية؛ لبقاء الشين، و قيل: يأمر الحاكم بالإبانة لحمله
الميتة و النجس، و في الرواية ضعف. و لو صارت بالإلصاق حيّة كسائر الأعضاء لم تكن ميتة، و تصحّ
الصلاة معها، و ليس للحاكم و لا لغيره إبانتها».
القول الثالث: التفصيل بين وصله عضو نفسه المقطوع فيحقّ للمجني عليه منعه، و بين وصله عضواً جديداً من ثالث حيّ أو ميّت فلا يحقّ.
و لعلّ نظر القولين الأوّلين إلى الصورة الاولى هنا.
القرينة- لغة-: مأخوذة من قرن الشيء بالشيء، أي شدّه إليه و وصله به.
و في الاصطلاح: هي الكلام المعدّ من قبل المتكلّم لأجل تفسير الكلام الآخر.
و هي تصنّف إلى أصناف عديدة يبحث عنها و عن أحكامها و مواطنها في مصطلح (
قرينة). و الكلام هنا في القرينة المتّصلة و المنفصلة.
و المراد بالقرينة المتّصلة، هي التي ترد بعد الكلام مباشرةً و دون فصل بحيث تأتي قبل أن يتمّ المتكلّم شخص كلامه، من قبيل: (أكرم كلّ العلماء، و لا تكرم الفسّاق منهم)، أو أنّها مستبطنة في ذات الكلام، من قبيل: (أكرم العلماء الأتقياء) فإنّ صفة الأتقياء قرينة متّصلة على إرادة صنف خاص من العلماء،
و يطلق عليها
القرينة الداخلية أيضاً باعتبار أنّها تشكّل جزء الدليل، من قبيل سياق اللفظ أو وجود ألفاظ في الدليل ترجع إلى معنى خاص.
أمّا القرينة المنفصلة، فهي القرينة التي لم يتضمّنها شخص الكلام، بل وردت في كلام مستقلّ آخر من قبيل المخصّصات الحاصلة بكلام منفصل،
و يطلق عليها
القرينة الخارجية أيضاً مع فرق بينهما، و هو أنّ القرينة المنفصلة كثيراً ما تستخدم في القرائن اللفظية دون غيرها من الحالية و المقامية، بينما القرينة الخارجية تستخدم للقرائن اللفظية و غيرها.
و لعلّ الحال كذلك بالنسبة إلى اصطلاحي القرينة المتّصلة و الداخلية أيضاً.
وقد تحدّث الاصوليون عن دور الاتصال و الانفصال في القرينة و تأثيره على ظهور الكلام أو على
الحجّية، فذكروا أنّ كلّ قرينة إذا كانت متّصلة بذي القرينة منعت عن انعقاد
الظهور التصديقي أساساً،
و المراد بالظهور التصديقي: أنّ المراد الجدّي له هو ظاهر الكلام الذي تكلّم به، و القرينة المتّصلة مانعة من انعقاد هذا الظهور بصرفه إلى ظهور آخر مخالف لظهور الكلام من قبيل: (رأيت أسداً يرمي) فلو ورد دليل: (أكرم العلماء الأتقياء) و ورد دليل آخر: (لا تكرم العلماء) فلا تعارض بينهما؛ لأنّ الدليل الأوّل لا ظهور له في العموم كي يعارض عموم الدليل الثاني، بل هو ظاهر في القسم الخاص من العلماء، و حينئذٍ يتخصّص به عموم الدليل الثاني و ينصرف ظهوره إلى غير الأتقياء من العلماء.
و أمّا القرينة المنفصلة فلا ترفع أصل
الظهور و إنّما ترفع حجّيته، و هذا معناه انعقاد الظهور الأوّلي للكلام، و في قباله انعقد ظهور آخر مخالف له فيتعارضان، غير أنّ الظهور الثاني رافع لحجّية الظهور الأوّل باعتبار أنّ حجّية الظهور الأوّل موقوفة على أن لا يعدّ المتكلّم الظهور الآخر تفسيراً و كاشفاً للمراد النهائي له، و معه يكون المعوّل عقلائياً على الظهور الثاني المعدّ للتفسير و كشف المراد النهائي. و هذا يعني أنّ القرينة المنفصلة لم ترفع أصل الظهور و إنّما رفعت حجّيته.
و تفصيل الكلام موكول إلى علم الاصول.
الموسوعة الفقهية، موسسه دائرة المعارف الفقه الاسلامي، ج۱۸، ص۴۱۲-۴۲۲.