أحكام الجنب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(وأمّا أحكامه) أي الجنب: ما يحرم على الجنب، ما يكره للجنب، حكم من رأى بللا بعد الغسل، حكم من أحدث في أثناء الغسل، إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء.
•
ما يحرم على الجنب، يحرم علي الجنب قراءة إحدى (العزائم)، و(ومسّ كتابة
القرآن )، (ودخول المساجد) مطلقاً،(ووضع شيء فيها) مطلقاً،و ... .
•
ما يكره للجنب،(ويكره قراءة ما زاد على سبع آيات)،(ومسّ المصحف وحمله)، (والنوم ما لم يتوضأ)، (و
الأكل والشرب ما لم يتمضمض ويستنشق)، و ... .
(ولو رأى بللاً بعد الغسل
إعادة إلا مع البول) قبله (أو
الاجتهاد ) كما تقدم الكلام فيه وفي صور المسألة في بحث
الاستبراء .
(ولو أحدث) بالأصغر (في أثناء غسله، ففيه أقوال أصحّها :
الإتمام والوضوء) بعده، وفاقاً للمرتضى
وجماعة.
فعدم الإعادة للأصلين :
البراءة و
استصحاب الصحة المتيقنة. والقدح فيهما بعدم جريانهما في العبادة مع معارضتهما بمثلهما من
الأصل (أي
أصالة بقاء الجنابة منه رحمه الله. )والقاعدة، (وهي أن شغل الذمة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية منه رحمه الله.) مقدوح بعموم الأدلة لحصول الطهارة لما جرى عليه الماء من أعضاء الجنابة، كما ورد في المعتبرة، منها : «ما جرى عليه الماء فقد طهر»
ومنها : «كل شيء أمسسته الماء فقد أنقيته»
وضعف (عطف على عموم الأدلة منه رحمه الله.) المعارضين من حيث مهجورية العمل بهما هنا عند الجماعة بالبديهة، كيف لا؟! والعمل بمقتضاهما لا يحصل إلّا بالعمل بالأقوال الثلاثة في المسألة، وهو
إحداث قول رابع بالبديهة، وليس فيهما تعيين لأحد الأقوال بالضرورة، فتأمل. فلا إعادة.
ووجوب الوضوء لعموم ما دلّ على
إيجاب الأصغر إياه لحصول الاستباحة في المشروط بالطهارة من العبادة، خرج منه ما كان منه قبل غسل الجنابة بالإجماع والأدلّة. وقيل بوجوب
الإعادة خاصة؛
التفاتاً إلى أنّ الصحيح من
غسل الجنابة ما يرتفع معه الأحداث الصغار بالمرّة، ومثل هذا الغسل بعد إتمامه لا يرفع ما تخلّله بالبديهة. وأنّ المتخلّل حدث، ولا بدّ له من أثر ، فهو إمّا موجب الغسل فلا كلام، أو الوضوء وليس مع غسل الجنابة. وأنّ الحدث بعد تمامه ينقض حكمه من إباحة الصلاة، فنقض حكم بعضه المتقدم أولى، ولا يكفي البعض في
الإباحة ، ولا يخلو عنها غسل جنابة. وفي الجميع نظر، لمنع كون شأن الصحيح منه ذلك على
الإطلاق ، كيف لا؟! ولا تساعده الأدلة المثبتة لذلك فيه، بل غايتها الثبوت في الجملة. ومنع المنع عن
الوضوء مع غسل الجنابة مطلقاً حتى المقام، لعدم تبادر مثله من أدلته. ولاقتضاء
الأولوية المزبورة ثبوت ما للأصل للفرع، وليس له إلّا الوضوء ونحن نقول به، وليس له إعادة الغسل فتثبت له.
توضيحه : أن لغسل الجنابة حكمين :
أحدهما : رفع
الأثر الحاصل من الجنابة المانع من استباحة الدخول في المشروط بالطهارة. والآخر : رفع الأثر الحاصل من
الحدث الأصغر المانع من ذلك. ولا ينقض الحدث الأصغر بعد الإتمام منهما إلّا الثاني دون الأوّل إجماعاً. ومقتضى الأولويّة
انتقاض هذا الحكم في بعض الأجزاء بالحدث في الأثناء، ونحن نقول به. والقول بنقضه هنا للأوّل أيضاً ـ مع عدم ثبوته من الأولوية ـ فرع التلازم بين النقضين، وهو ممنوع، كيف لا؟! والتفكيك ثابت فيه بعد صدوره بعده، ولا
استبعاد فيه مطلقاً إلّا بتقدير انحصار معنى صحة الغسل في حصول
الاستباحة ، وتطرّق المنع إليه جلي. كيف لا؟! وما عدا غسل الجنابة صحيح مع عدم استباحة الدخول في المشروط بالطهارة به بخصوصه إلّا بعد
الإتيان بالوضوء على الأظهر الأشهر، وإليه ذهب أصحاب هذا القول. فليس معنى صحة الغسل هنا إلّا رفع الأثر الموجب له. ولا
امتناع في إرادته من الصحة في المقام فالمراد بصحة الغسل فيه
ارتفاع الأثر الموجب له وإن لم يستبح به الصلاة إلّا بالوضوء بعده كما في نظائره؛ ولا دليل على كون صحة غسل الجنابة خاصة هو حصول الاستباحة مطلقاً، ولا إجماع، كيف؟! وهو أوّل الكلام.
وربما يمكن
الاستدلال لهذا القول بالرضوي : «فإن أحدثت حدثاً من بول أو غائط أو ريح بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من أوّله».
وهو مع قوّته في نفسه معتضد بالشهرة المحكية عن بعض المحقّقين في
شرح الألفية والخبر الذي بمعناه عن عرض المجالس.
فهو أقوى، وفاقاً للفقيه والهداية والنهاية والمبسوط و
الإصباح والجامع
وجماعة.
ولكن الأحوط الجمع بين القولين بالإعادة ثمَّ الوضوء.
وربما قيل
بالاكتفاء بالإتمام، كما عن الحلّي و
ابن البرّاج والشيخ علي
بناء على عدم إيجاب المتخلّل الغسل فلا وجه للإعادة، ولا وجه للوضوء بناء على عدمه مع الغسل عن الجنابة. وضعفه ظاهر بما تحرّر. ولا
احتياط في مراعاته، وإن قيل به فلا بأس به.
(ويجزي غسل الجنابة عن الوضوء) مطلقاً بإجماعنا، حكاه جماعة من أصحابنا
وإن اختلف في استحبابه وعدمه، إلّا أنّ المشهور الثاني. ويدلّ عليه جملة من أخبارنا الحاكمة ببدعيّة الوضوء قبل الغسل وبعده،
ويدل عليه أيضاً ما سيأتي.
وما ربما يتوهم منه الجواز
ـ فمع متروكية ظاهره للأمر به فيه، مع قصور سنده ـ يوافق مذاهب جميع من خالفنا، إذ هم ما بين موجب
ومستحب
له فيه، فحمله على
التقية مقتضى القواعد المقرّرة عن
أئمتنا . فمصير الشيخ في التهذيب إلى
الاستحباب حملاً للخبر عليه غير واضح؛ ولا يبعد ذكره ذلك لمجرّد الجمع بين الأخبار، لا لأجل الفتوى، فنسبة ذلك إليه لا يخلو عن شيء.
(وفي)
إجزاء (غيره) عنه (تردّد، أظهره أنه لا يجزي) وفاقاً لجمهور أصحابنا، بل كاد أن يكون إجماعا بيننا كما صرّح به بعض أصحابنا.
وعن الصدوق في
الأمالي كونه من دين
الإمامية ،
وعبارته وإن قصرت عن التصريح بالوجوب إلّا أنّها كعبارة المرسل كالصحيح الآتي الظاهر في الوجوب.
لإطلاق الآية الآمرة به للصلاة
من دون تقييد. وعموم ما دلّ على وجوبه بحدوث أحد أسبابه، كما في الصحاح المستفيضة التي كادت تكون متواترة، بل متواترة بالضرورة، فإجزاء الغير عنه يحتاج إلى دليل، وليس، كما يأتي. وخصوص المرسل كالصحيح ـ على الصحيح ـ : «كلّ غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة»
وظاهره بنفسه اللزوم والمشروعية على التحتم، أو بمعونة الشهرة، أو الأخبار الأخر التي هي دليل برأسها، كالرضوي : «وليس في غسل
الجنابة وضوء، والوضوء في كلّ غسل ما خلا الجنابة، لأنّ غسل الجنابة فريضة
عن الفرض الثاني ولا يجزيه سائر الأغسال عن الوضوء، لأن الغسل سنّة والوضوء فريضة، ولا تجزي سنّة عن فريضة، وغسل الجنابة والوضوء فريضتان فإذا اجتمعا فأكبرهما يجزي عن أصغرهما، وإذا اغتسلت لغير الجنابة فابدأ بالوضوء ثمَّ اغتسل ولا يجزيك الغسل عن الوضوء، فإن اغتسلت ونسيت الوضوء فتوضأ وأعد الصلاة».
ولا يخفى ما فيه من
الأمر به فيه والتأكيد في إيجابه والأمر بإعادة الصلاة مع تركه ومثله حجّة لقوّته، سيّما مع
اشتهاره .
ومثله في الأمر به والتأكيد في وجوبه المروي في
الغوالي عن
النبي صلي الله عليه وآله وسلم : «كلّ الأغسال لا بدّ فيها من الوضوء إلّا الجنابة».
هذا مع ما في الصحيح : «إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضأ واغتسل»
والأمر للوجوب، ولا قائل بالفصل، فيتمّ المطلوب. خلافاً للمرتضى والمحكي في المختلف عن
الإسكافي ،
فحكما بالإجزاء مع استحبابه. واستدل لهما بعض المتأخرين
تارة : بالصحيحين الحاكمين بالإجزاء، معلّلين له بأيّ وضوء أطهر من الغسل؟!.
وهما لعدم عمومهما ـ لفقد اللفظ الدال عليه فيهما، وانصرافهما إلى الفرد المتبادر الغالب الذي هو الغسل عن الجنابة، مع ظهور صدر أحدهما فيه وبه تعلّق الجواب ـ لا يصلحان لصرف الأخبار المتقدمة عن ظواهرها. وليس في التعليل
إشعار بالعموم لاحتمال الخصوصية، ونفيها هنا فاسد بالبديهة. واُخرى : بما دلّ على بدعيته مع الغسل كالصحيح وغيره.
وفيه ـ مع ما تقدّم من الإطلاق المنصرف إلى ما تقدّم ـ : متروكية ظاهرها على تقدير تعميمها، كيف لا؟! والاستحباب معتقد الخصم، والرجحان والمشروعية في الجملة مجمع عليه، وهو من أعظم الشواهد على حمل الغسل المطلق فيها وفي غيرها على ما ذكرنا.
واخرى : بالأخبار النافية له عن غسل مثل
الجمعة والعيد، معلّلاً في بعضها بما تقدّم من العلّة.
وهي ـ مع قصور أسنادها كملاً، وضعف أكثرها قطعا ـ معارضة بالصحيح المتقدم
الآمر به في
غسل الجمعة . ولا شيء منها تبلغ قوة المقاومة له ولو صحت، لاعتضاده بإطلاق الآية، والشهرة العظيمة، وصريح غيره من المعتبرة.
واُخرى : بالصحاح في
غسل الحائض و
المستحاضة والنفساء الظاهرة في عدم وجوبه، للاكتفاء فيها بذكر الغسل خاصة، وعدم تعرّضها له بالمرة مع ورودها في مقام الحاجة. وفيها : أنّ الظاهر من سياقها الحاجة إلى معرفة الرافع للأحداث الثلاثة وبيانه، لا بيان غيره من الرافع للأصغر، فقد يكون وجوب رفعه في حقّهنّ معروفاً معلوماً من الخارج. ولو سلّم فلا عبرة بها بعد الثبوت، وإن هي حينئذ إلّا كالعام المخصّص أو المطلق المقيّد أو الظاهر المؤوّل. ثمَّ على المختار هل يستحب تقديم الوضوء على الغسل؟ كما عن النهاية والوسيلة و
السرائر والجامع والمعتبر وموضع من
المبسوط والشرائع القواعد،
وادّعي عليه الشهرة،
بل عن الحلّي
الإجماع عليه.
أم يجب؟ كما عن ظاهر الصدوقين والمفيد والحلبيّين.
قولان، وظاهر أكثر الأخبار مع الثاني، وإطلاق بعضها مع الأوّل، إلّا أنّ مقتضى القاعدة
إرجاعه إلى الأوّل، (أي الوجوب. )وإن كان القول بالاستحباب ليس بذلك البعيد، للإجماع المنقول المعتضد بالشهرة. وكيف كان ، فلا تعلّق له بصحة الغسل بلا خلاف ، على ما حكاه بعض مشايخي سلّمه اللّه تعالى. فلو أثم بالتأخير عمداً على القول بالوجوب صحّ غسله ولزمه الإتيان به لمشروط به من العبادة. وهو العالم.
رياض المسائل، ج۱، ص۲۲۲- ۲۴۱.