أحكام المحصور
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
المحصر وهو الممنوع بالمرض عن الوصول إلى مكة أو الموقفين ،فإذا تلبس بالإحرام وأحصر بعث ما ساقه - ولو لم يكن ساق بعث هديا أو ثمنه - وبقي على إحرامه إلى أن يبلغ
الهدي محله، وهو منى إن كان حاجّاً، ومكة إن كان معتمراً، فإذا بلغ قصر وأحل من كل شئ إلا النساء.
(والمحصور) و (هو الذي يمنعه المرض) عن مكة أو الموقفين أو نحو ذلك مما مرّ في الصد كما مرّ.
(فهو يبعث هديه) للتحلّل (لو لم يكن ساق، ولو ساق اقتصر على) بعث (هدي السياق) على المختار من
الاكتفاء به عن هدي التحلل، ويأتي على القول الآخر عدم جواز
الاقتصار عليه كما مرّ في المصدود.
وظاهر الأصحاب عدم الفرق في جواز الاقتصار وعدمه بين الصدّ و
الإحصار ، وصرّح به جمع من الأصحاب.
إلاّ أن ظاهر الماتن هنا والفاضل في القواعد
الفرق، حيث صرّحا بجواز الاقتصار هنا، وأظهرا عدمه في الصدّ، وهو ظاهر الأدلة إن لم نعتبر
الأصل الأول والإطلاقات كتاباً وسنّة، وقلنا باختلاف الأسباب يقتضي تعدّد المسبّبات. وذلك
الاختصاص ما دلّ على جواز الاقتصار على هدي السياق وعدمه من الأخبار بالإحصار، دون الصدّ، فيرجع فيه إلى مقتضى الأصل من لزوم تعدّد المسبّبات عند تعدّد الأسباب، فيتوجّه الفرق. إلاّ أن شبهة
الإجماع المركّب المنقول في عبائر الأصحاب أوجب العدم مطلقاً، سيّما وأن بعض نسخ الكتاب في
الصدّ بدل «لا يجزئ» : «يجزي» كما في نسخ الشرائع،
واحتمال انسحاب ذلك في عبارة القواعد؛ فإنها في الصدّ هكذا : وهل يكفي
هدى السياق عن هدى التحلل؟ الأقوى ذلك مع ندبه. والضمير في «ندبه» كما يحتمل الرجوع إلى هدي السياق، ويكون مفادها حينئذ التفصيل بين السياق المندوب فيجزئ، والواجب فلا يجزئ. كذا يحتمل رجوعه إلى هدي التحلّل، ويكون مفادها حينئذ الاكتفاء بهدي السياق عن هدي التحلّل مطلقاً ولو كان هدي السياق واجباً، ويكون استحباب هدي التحلّل من باب
الاحتياط كما قدّمناه، خروجاً عن شبهة الخلاف، فينوي التحلّل عند ذبح كل من الهديين. وحكى عن الإيضاح نقل هذا
الاحتمال عن والده.
وعلى هذا فيكون مختار الفاضلين في الكتابين جواز الاقتصار في المقامين، فارتفع القائل بالفرق في البين. وكيف كان فالظاهر هنا الاكتفاء بهدي السياق.
(ولا يحلّ حتى يبلغ
الهدي محلّه، وهو منى إن كان حاجّاً، ومكة إن كان معتمراً) على اختلاف فيه بين الأصحاب، بعد اتّفاقهم كغيرهم على وجوب الهدي هنا للتحلّل وإن اختلفوا فيه في المصدود. وما في المتن من عدم جواز التحلّل إلاّ ببلوغ الهدي محلّه مطلقاً هو الأظهر الأشهر بين الأصحاب، بل ظاهر الغنية الإجماع عليه؛
للأصل، وظاهر الآية (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)
والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة :
ففي الصحيحين : القارن يحصر وقد قال : وأشترط فحلّني حيث حبستني، قال : «يبعث بهديه».
وفي الموثق : عن رجل أُحصر في الحج، قال : «فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه، ومحلّه أن يبلغ الهدي محلّه، ومحلّه منى
يوم النحر إذا كان في الحج، وإن كان بعمرة نحر بمكة» الخبر.
خلافاً للمحكي عن ظاهر المفيد والديلمي،
ففصّلاً بين
الإحرام بالحج الواجب فكالأول، والتطوع فيذبح في محل الحصر كالصد. وللإسكافي، فخيّر مطلقاً بين البعث و
الذبح محلّ الحصر، وجعل الأول أولى.
وللمقنع، فالمحصر والمضطر ينحران بدنتهما في المكان الذي يضطران فيه.
ولعلّ مستندهم الصحيح : «إنّ
الحسين بن علي عليه السلام خرج معتمراً فمرض في الطريق، فبلغ علّياً عليه السلام وهو بالمدينة، فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا وهو مريض، فقال : يا بنيّ ما تشتكي؟ قال : أشتكي رأسي، فدعا
عليّ عليه السلام ببدنه فنحرها وحلق رأسه وردّه إلى المدينة».
ونحوه آخر مرّ في بحث
إجزاء هدي السياق عن هدي التحلل في الصدّ.
وظاهرهما الضرورة، ويحتملها عبارة المقنع المتقدمة. ويحتملان
التطوع ، كما مرّ عن ظاهر المفيد وسلاّر، وأن لا يكون الحسين عليه السلام أحرم كما مرّ، وإنما نحرها هو أو أبوه تطوعاً وخصوصاً إذا كان قد ساق.
ويؤيده الصحيح : عن رجل أُحصر فبعث الهدي، قال : «يواعد أصحابه ميعاداً، إن كان في الحج فمحل الهدي يوم النحر، فإذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه ولا يجب عليه الحلق حتى يقضي المناسك، وإن كان في عمرة فلينظر مقدار دخول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم فيها، فإذا كانت تلك الساعة قصّر وأحلّ؛ وإن كان مرض في الطريق بعد ما يخرج فأراد الرجوع رجع إلى أهله ونحر
بدنة أو أقام مكانه حتى يبرأ إذا كان في عمرة، وإذا برئ فعليه العمرة واجبة، وإن كان عليه الحج رجع أو أقام ففاته الحج فإن عليه الحج من قابل، فإنّ الحسين بن علي عليه السلام خرج معتمراً» إلى آخر ما مرّ في الصحيح الأول.
كذا في الكافي، وإن كان في التهذيب مكان «بعد ما يخرج» : «بعد ما أحرم» والسياق يؤيد الأول وإن ظنّ عكسه كما قيل
قيل : وحينئذ فالسقيا هي
البئر التي كان
النبي صلي الله عليه وآله وسلم يستعذب ماءها فيستقى له منها، و
اسم أرضها الفلجان، لا السقيا التي يقال بينها وبين المدينة يومان. وللجعفي فيذبح مكانه مطلقاً ما لم يكن ساق،
وهو خلاف ما فعله الحسين عليه السلام على ما تشهد به الصحيحة الثانية إن كان أحرم.
نعم له الصحيح : في المحصور ولم يسق الهدي، قال : «ينسك ويرجع».
إلاّ أنّ في بلوغه قوة المعارضة لأدلة الأكثر نظراً سيّما مع عدم صراحته في الذبح محل الحصر، واحتماله الحمل على ما يوافق الأكثر وإن بعد. وكيف كان، فلا ريب أن ما اختاروه أولى وأحوط إن لم نقل بكونه أقوى وأظهر.
وقال الشهيد : وربما قيل بجواز النحر مكانه إذا أضرّ به التأخير، وهو في موضع المنع؛ لجواز التعجيل مع البعث.
يعني تعجيل
الإحلال قبل بلوغ الهدي محلّه فإنما فيه مخالفة واحدة لأصل الشرع، وهو
الحلق قبل بلوغه محلّه مع ما مرّ من جواز ذلك في منى، بخلاف ما إذا نحره مكانه ففيه مع ذلك مخالفة بأنه لم يبلغ الهدي محلّه أصلاً. انتهى.
وإذا بلغ ميعاد بلوغ الهدي محلّه (فهناك) أي في ذلك الوقت الذي واعد أصحابه للذبح أو النحر في المكان المعيّن كما مرّ في الصحيح الأخير والموثق (يقصّر) كما في الأول والخبر المتقدم في الصد.
(ويحلّ) من كل شيء أحرم منه (إلاّ من النساء) بالنص
والإجماع على كل من المستثنى منه والمستثنى. قيل : ومن العامة من لا يرى الإحلال إلاّ بأن يأتي بالأفعال، وإن فاته الحج تحلّل بالعمرة، ومنهم من يرى الإحلال من النساء أيضاً.
وفي الدروس : ولو أُحصر في
عمرة التمتع فالظاهر حلّ النساء له؛ إذ لا طواف لأجل النساء فيها.
قيل : وهو حسن؛
للصحيح : عن محرم انكسرت ساقه أيّ شيء يكون حاله، وأيّ شيء عليه؟ قال : «هو حلال من كل شيء» قلت : من النساء والثياب و
الطيب ؟ فقال : «نعم من جميع ما يحرم على المحرم» الحديث.
وفيه نظر؛ إذ ليس فيه تصريح بالعمرة المتمتع بها، بل هو مطلق شامل للعمرة المفردة والحج بأقسامه، ولا قائل به حينئذ، و
إخراج ما عدا العمرة المتمتع بها بالإجماع وإن أمكن جمعاً، إلاّ أن الجمع غير منحصر فيه.
فيحتمل الحمل على
التقية ، لكون جواز الإحلال مطلقاً حتى من النساء مذهب بعض العامة كما عرفته، ويؤيده كون الإمام عليه السلام المروي عنه الرواية ممن كانت التقية في زمانه في غاية الشدة. أو على ما إذا استنيب وطيف عنه، كما ذكره بعض المحدّثين.
ومع ذلك فهو معارض بالصحيح المجمع عليه، الوارد في قضية الحسين عليه السلام، وفيه بعد نقلها : فقلت : أرأيت حين برئ من وجعه حلّ له النساء؟ قال : «لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت ويسعى بين
الصفا والمروة » فقلت : فما بال النبي صلي الله عليه وآله وسلم حين رجع إلى
المدينة حلّ له النساء ولم يطف بالبيت؟ فقال : «ليس هذا مثل هذا، النبي صلي الله عليه وآله وسلم كان مصدوداً والحسين عليه السلام كان محصوراً».
وهو كما ترى أيضاً مطلق ليس فيه تقييد بما عدا عمرة التمتع فيشملها أيضاً، كما صرّح به جماعة، ومنهم
المحقق الثاني وشيخنا الشهيد الثاني،
معترضين به على ما في
الدروس بعد نقله وميلهما إليه أوّلاً، فاستدركاه بإطلاقه، وهو في محلّه. ويعضده استصحاب بقاء الإحرام بالإضافة إلى النساء على حاله إلى أن يتحقق المخرج عنه، وليس إلاّ ما مرّ، وضعفه قد ظهر.
وكذا التعليل في الدروس بقوله : إذ لا طواف لأجل النساء فيها.
فإنه إنما يتمّ لو علّق الإحلال منهم على طوافهن، وليس، إذ ليس فيما وصل إلينا من الروايات تعرّض لذكر طواف النساء، وإنما المستفاد من الصحيح المتقدم توقف حلّهن على الطواف و
السعي ، وهو متناول للحج بأقسامه والعمرتين. ونحوه الرضوي، لكن فيه : «لا يقرب النساء حتى يحجّ من قابل».
لكن ربما يقال : إن سياق الصحيح لعلّه يشعر باختصاص مورده بغير العمرة المتمتع بها، كما لا يخفى، فلا إطلاق فيه لها، إلاّ أن هذا غير كاف في إخراجها؛ إذ غايته نفي
الإطلاق ، وحينئذ فينبغي الرجوع فيما لم يشمله إلى مقتضى الأُصول، وهو هنا البقاء على الإحرام بالإضافة إليهن حتى يثبت المحلّل، وليس إلاّ
الطواف ، لانعقاد الإجماع على الإحلال به منهنّ دون غيره.
وبالجملة : فالأظهر مساواة العمرة المتمتع مع غيرها في أنه لا يحل بالحصر من النساء (حتى يحجّ في القابل إن كان) أي الحج المحصَر عنه (واجباً) مستقراً في ذمته (أو يطاف عنه للنساء إن كان ندباً) لما مضى. لكن الصحيح والرضوي لا يفيدان هذا التفصيل وإن كان مشهوراً حتى عزاه في
المنتهى إلى علمائنا،
مؤذناً بدعوى الإجماع عليه، بل إطلاقهما يشمل الندب أيضاً، فلا يتحلل فيه أيضاً عن النساء إلاّ بأن يطوف بالبيت. لكن الإجماع المنقول، المعتضد بالشهرة العظيمة، بل عدم ظهور مخالف معتدّ به في المسألة، وبأن الحج المندوب لا يجب العود لاستدراكه، والبقاء على
تحريم النساء ضرر عظيم، فالاكتفاء في الحلّ بالاستنابة لعلّه كاف، لا سيّما مع ضعف دلالة نحو هذا الحديث، لوروده لبيان حكم آخر، كما لا يخفى على من تدبّره.
وظاهر المتن في الواجب إطلاق توقف حلّهن على قضائه في القابل ولو مع العجز عنه، وعدم كفاية
الاستنابة مطلقاً، كما هو مقتضى الأصل، ونحوه الصحيح المتقدم، وحكي عن ظاهر النهاية و
المبسوط والمهذّب والوسيلة والمراسم والإصباح والفاضلين في جملة من كتبهما،
لكن لم يحك عنهم التعميم إلى صورة العجز، بل في القواعد التصريح بالاكتفاء بالطواف عنه لهنّ إذا عجز،
ونسب في الدروس إلى القيل،
ولعلّ دليله الحرج أو لزم العمل بإطلاق ما مرّ من الصحيح، فيخصّ بعموم ما دلّ على نفيه في الدين. وإنما لزم الاستنابة اقتصاراً في مخالفة الإطلاق على قدر ما يندفع به الضرورة، مضافاً إلى عدم قائل بالإحلال مع العجز من غير استنابة، هذا. وعن الخلاف و
الغنية والتحرير
: لا يحللن للمحصور حتى يطوف لهنّ في القابل، أو يطاف عنه، من غير تفصيل بين الواجب وغيره. وعن الجامع : إذا استناب المريض لطواف النساء وفعل النائب حلّت له النساء.
ولم يقيد بالقابل.
قيل : وكذا في
السرائر : أنهن لا يحللن له حتى يحجّ في القابل، أو يأمر من يطوف عنه للنساء. وهذا أظهر في
الاعتبار ، والأول أحوط. وفي الكافي : لا يحللن له حتى يحجّ أو يحجّ عنه. ويجوز أن يريد أن يطاف عنه.
انتهى.
وفيما ذكره من أظهرية ما ذكره من الأقوال للاعتبار محل إشكال، بل غاية الاعتبار ما مرّ من التفصيل بين
الاختيار فقضاؤه المناسك بنفسه من قابل، و
الاضطرار فجواز الاستنابة، لا جوازها على الإطلاق. واعلم أن ما نقل عن الخلاف ومن بعده من عدم التفصيل بين الواجب وغيره يدافع دعوى الإجماع الظاهرة من المنتهى على التفصيل بينهما بما في العبارة، مضافاً إلى عدم صراحة لفظه فيها، فيتوجه حينئذ القول بإطلاق الصحيح وتاليه في الحكم باتحاد الواجب والندب في عدم جواز الاستنابة ولزوم الطواف والسعي من قابل.
لكن الظاهر عدم قائل به؛ فإنّ الأصحاب ما بين مفصِّل بين الواجب وغيره بما مرّ، وفيه جواز الاستنابة في الندب؛ ومطلِقٍ لجوازها فيه وفي الفرض، كما مرّ عن الخلاف وغيره؛ وقائلٍ بالتحلل في الندب من غير توقف على شيء حتى الاستنابة، كما عن المفيد وغيره،
ولهما المرسل في
المقنعة : «المحصور بالمرض إن كان ساق هدياً أقام على إحرامه (حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ثم يحلّ، ولا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل، هذا إذا كان
حجة الإسلام ، فأما حجة التطوع فإنه ينحر هديه وقد أحلّ ممّا أحرم عنه، فإن شاء حجّ من قابل وإن شاء لا يجب عليه الحج» الخبر.
فالقول في الندب بمساواته مع الواجب في عدم الإحلال من النساء إلاّ بأداء المناسك خلاف ما اتّفقت عليه الأقوال، والمتّجه منها بحسب الاحتياط الواجب في نحو المقام بحكم
الاستصحاب هو قول المشهور.
وقول المفيد مع ضعف سنده، واحتمال كون محل البحث من المرسل من عبارته نادر، كقول الخلاف ومن بعده من جواز الاستنابة في الواجب مطلقاً، فإنه نادر أيضاً، مع عدم صراحة عبارتهم في التخيير، لاحتمالها التنويع، ويكون الشق الأول من فرديه في الواجب، دون الثاني، لاختصاصه بالندب، ولا بُعد فيه، ومع ذلك فلا مستند له حتى يخرج به عن مقتضى وإطلاق نحو الصحيح المتقدم، المعتضد جميع ذلك بالشهرة والإجماع المنقول الظاهر من المنتهى،
كما مضى.
( ولو بان أن هديه لم يذبح ) سواء بعثه أو بعث ثمنه ( لم يبطل تحلّله ) بمعنى عدم ترتب ضرر عليه من
كفارة وغيرها بارتكاب ما يلزم المحرم اجتنابه، (و) لكن يبعثه لـ (يذبح) له (في القابل) بلا خلاف في شيء من ذلك ولا إشكال.
للصحيح : «فإن ردّوا الدراهم عليه ولم يجدوا هدياً ينحرونه وقد أحلّ لم يكن عليه شيء، ولكن يبعث من قابل ويمسك أيضاً».
وللموثق : إن ردّوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه وقد أحلّ فأتى النساء؟ قال : «فليعد وليس عليه شيء، وليمسك الآن عن النساء إذا بعث».
وفي آخر : «وإن اختلفوا في الميعاد فلا يضره إن شاء الله تعالى».
(وهل) يجب أن (يمسك عمّا يجب على المحرم
الإمساك عنه) إلى يوم الوعد، كما هو ظاهر الأمر في الخبرين، والمشهور كما في المسالك والروضة وغيرهما.
(الوجه) عند الماتن والفاضل في المختلف والمقداد في شرح الكتاب وغيرهما من المتأخرين وفاقاً للسرائر
أنه (لا) يجب؛ للأصل، لأنه ليس بمحرم ولا في الحرم، فلا وجه لوجوب الإمساك عنه وإن ورد به الخبران، إمّا لكونهما من الآحاد، فلا يقوّيان حجة عند الحلّي لتخصيص الأصل، أو لعدم صراحتهما، لاحتمالهما الحمل على
الاستحباب ، كما نزلهما عليه من عداه. والأول لعلّه أظهر؛ لما مرّ من الخبرين، بناءً على المختار من حجية أخبار الآحاد، وأولوية تخصيص الأصل من حمل
الأمر على الاستحباب، لصراحته في الوجوب بالإضافة إلى الأصل.
هذا على تقدير
تسليم جريان الأصل هنا، كما هو ظاهر أكثر الأصحاب، وإلاّ فالظاهر أن الأصل بالعكس، وذلك لأن مفاد الآية أنه يشترط في التحلل بلوغ الهدي محلّه في نفس الأمر، فلو تحلّل ولم يبلغ كان باطلاً، ولا يستفاد من الخبرين المتقدمين وغيرهما سوى أنه لو تحلّل يوم الوعد ولم يبلغ لم يكن عليه ضرر، والظاهر أن المراد به
الإثم والكفارة، ولا ريب فيه، لوقوع التحلل بإذن الشرع، فلا معنى لأن يتعقبه ضرر، و
انتفاء الضرر لا يستلزم حصول التحلل في أصل الشرع ولو مع
الانكشاف ؛ ولعلّ هذا هو الوجه في الأمر في الخبرين بالإمساك.
ولازم هذا التحقيق كون هذا لرجل محرماً وإن اعتقد لجهله بالحال كونه محلاًّ، وبهذا يتوجه المنع إلى قوله في تصحيح الأصل بأنه ليس بمحرم، فإنه في حيّز المنع، إذ لا دليل عليه لا من نصّ ولا من إجماع، لوقوع الخلاف، وتصريح بعض المتأخرين بكونه محرماً، وأنّ وقت الإمساك إنّما هو حين الانكشاف،
كما هو مقتضى هذا التحقيق، ولم يصرّح من القائلين بوجوب الإمساك بخلافه؛ لسكوتهم عن بيان وقت الإمساك واحتمال إرادتهم به ما ذكرناه كالأخبار.
ودعوى جماعة عدم الخلاف في صحة الإحلال أو عدم بطلانه
غير ظاهرة في إرادتهم عدم
البطلان في نفس الأمر وأنه مُحلّ الآن وواقعاً؛ لقوة احتمال إرادتهم ما ذكرناه في تفسير المتن، ولا ريب أن عدم البطلان بذلك المعنى ممّا لا خلاف فيه ولا شبهة تعتريه كما قدّمناه. لا يقال : إن قوله عليه السلام في الموثق الأخير : «وإن اختلفوا في الميعاد فلا يضره» ينفي الضرر على العموم من غير تقييد بوجوب الإمساك، ولا ريب أن وجوبه ضرر.
لأنا نقول : الظاهر أن المراد أن الخلف لا يوجب عليه فيما فعله ممّا يجتنبه المحرم، لا أنه لا يجب عليه الإمساك، فإنّ وجوب الإمساك لم ينشأ من خلف الوعد وإنما نشأ من
الإحرام السابق، نعم لما كان في مكمن الخفاء فبتبيّن الخلف تبيّن البقاء، فوجوب الإمساك إنما نشأ منه لا من الخلف، إذ لا وجه لتوهم إيجابه بنفسه الإمساك والضرر من جهته حتى يدفع بنفي الوجوب الذي هو ضرر من جهته. ولو سلّم عموم الضرر المنفي له، نقول : إنه مخصَّص بالأمر السابق، وهو أولى من حمله على الاستحباب. نعم يمكن أن يقال : إن ظاهر الموثق الأول الأول كون وقت الإمساك حين البعث لا حين الانكشاف، فلو بعثه بعدَ حينٍ لم يجب عليه الإمساك قبل البعث ولو بعد الانكشاف، وهذا ظاهر في تحقق
الإحلال في الواقع، وأن الأمر بالإمساك ليس للإحرام السابق، وهذا المفهوم معتبر في الأصل مع اعتضاده هنا بالأصل وظاهر الأكثر. وكيف كان : فالأظهر وجوب الإمساك، والأحوط وقوعه حين الانكشاف وإن احتمل قوياً
الاكتفاء به حين البعث.
(ولو أُحصر) أو صدّ الحاج أو المعتمر (فبعث به) أي بهديه (ثم زال العارض) من المرض أو العدو (التحق) بأصحابه في العمرة مطلقاً، وفي الحج إذا لم يفت بلا خلاف، لزوال العذر، و
انحصار جهة الإحلال في الإتيان بالمناسك، وللصحيح : «إذا أُحصر بعث بهديه، فإذا أفاق ووجد من نفسه خفة فليمض إن ظن أنه يدرك الناس، فإن قدم مكة قبل أن ينحر
الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك وينحر هديه ولا شيء عليه، وإن قدم مكة وقد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل أو العمرة» قلت : فإن مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة؟
قال : «يحج عنه إن كانت حجة
الإسلام ويعتمر إنما هو شيء عليه».
ونحوه غيره في
المصدود .
وحيث التحق (فإن) كان حاجّاً و (أدرك الموفقين) على وجه يجزئ (صحّ حجّه) إجماعاً. (وإن فاتاه) معاً أو أحدهما مع عدم إجزاء الآخر (تحلّل بعمرة). (ويقضي الحج إن كان واجباً، وإلاّ) يقضي (ندباً). بلا خلاف ولا إشكال إلاّ في إطلاق وجوب التحلل بعمرة وعمومه لما إذا تبيّن وقوع الذبح عنه وعدمه، فقد احتمل الشهيدان وغيرهما
في الأول العدم، لحصول التحلل به. ومرجع الإشكال إلى تعارض عموم أدلة وجوب التحلل بالعمرة لمن فاته الحج، وأدلّة حصول التحلل ببلوغ الهدي محلّه. ولكن ظاهر الأصحاب حتى الشهيدين ترجيح الأول، ولا ريب أنه أحوط إن لم لم نقل بأنه أظهر؛ للأصل، وعدم وضوح عموم فيما دلّ على التحلل ببلوغ الهدي محلّه بحيث يشمل محل الفرض، إذ غايته الإطلاق المنصرف بحكم التبادر الى غيره، هذا.
وربما يستدل له بالصحيح المتقدم قريباً، بناءً على أن في بعض النسخ بعد قوله : «فإن عليه الحج من قابل» بدل قوله «أو العمرة» بأو «والعمرة» بالواو، وأن الظاهر أن المراد بهذه العمرة المأمور بها مع الحج إنما هو عمرة التحلل. وفيه نظر، مضافاً إلى
اختلاف النسخ، مع عدم دليل على تعيّن الأخيرة، ولعلّه لذا لم يستدل به الأكثر مع أنه بمرأى منهم ومنظر. هذا حكم الحاجّ إذا تحلّل.
(و) أما (
المعتمر ) إذا تحلّل فـ (يقضي عمرته عند زوال المانع) من الأمرين مطلقاً ولو في الشهر الذي اعتمر فيه أوّلاً فتحلّل منها. (وقيل :) إنما يقضيها (في الشهر الداخل) والقائل الشيخ وغيره،
بل الأكثر كما في عبائر جمع.
وظاهر الأصحاب الذين وصل إلينا كلامهم أن الخلاف هنا كالخلاف في أصل المسألة في الزمان الذي يجب كونه بين العمرتين. وفيه نظر؛ لعدم تحقق العمرة، لتحلّله منها، فلا يعتبر في جواز الثانية تخلّل الزمان المعتمر بين العمرتين، إلاّ أن يقال باعتبار مضي الزمان بين الإحرامين، ولكن لا دليل عليه. ولعلّه لذا أطلق الماتن هنا وجوب قضائها عند زوال المانع، مع أنه اشترط في بحث العمرة مضي الشهر بين العمرتين. وعكس الحلّي فوافق الشيخ هنا،
والمرتضى ثمة،
ولذا تعجّب منه بعض الأصحاب،
وهو في محلّه، ومنه يظهر ما في البناء بحسب القول أيضاً. ثم إنه انما يجب قضاء العمرة مع
استقرار وجوبها قبل ذلك كالحج، وإلاّ فيستحب، كما هو واضح.
واعلم أن مقتضى إطلاق ما مرّ من الصحاح وغيرها بقضاء الحج الذي تحلّل منه بالهدي قضاؤه بما شاء، حتى لو كان قارناً وتحلّل جاز له أن يقضي تمتعاً مثلاً، كما عليه الحلّي مطلقاً كما في نقل،
أو على تفصيل المتن كما في آخر.
رياض المسائل، ج۷، ص۲۳۸- ۲۶۱.