الأداء( أداء التكليف المقابل للقضاء)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الأداء(توضيح).
قسّم الفقهاء
الواجب - ومرادهم مطلق الفعل المأمور به- إلى موقّت وغير موقّت،
فالإتيان بالموقّت في وقته المحدّد أداء .
قسّم الفقهاء
الواجب - ومرادهم مطلق الفعل المأمور به- إلى موقّت وغير موقّت،
فالإتيان بالموقّت في وقته المحدّد أداء، والإتيان به خارج وقته تداركاً لما بقي من مصلحة
الأمر به بعد فوات مصلحة
الوقت قضاء، وما ليس بموقّت لا يوصف بالأداءولا
بالقضاء ، وبهذا المعنى وردت كلمات فقهائنا.
قال
الشيخ الطوسي : «
الصلاة ... بعد خروج وقتها تكون قضاءً، وفي وقتها تكون أداء».
وقال
الشهيد الأوّل : «عرّف
الأداء بأنّه
إيقاع الفعل في وقته المحدود له شرعاً، والقضاء بأنّه الإيقاع خارج وقته المحدود له شرعاً».
وقال
المقداد السيوري : «الفعل يوصف بالأداء والقضاء بحسب الوقت المحدود، ولا يوصف به ما لا وقت له محدود، فعرّف الأداء بأنّه إيقاع الفعل في وقته المحدود له شرعاً، والقضاء بأنّه الإيقاع خارج وقته المحدود له شرعاً».
وربّما قيّد
الشارع القضاء بوقت محدّد أيضاً كتقييد قضاء
رمضان بما قبل رمضان الثاني، فأوهم عدم صحّة التعريف، لكنّ المراد به لزوم
المبادرة إلى قضائه في ذلك الوقت، فإنّه لا يخرج بتوقيته عن كونه تداركاً وقضاء للفعل الذي فات وقت أدائه.
اشتهر عن بعض فقهاء
أهل السنّة القول بأنّ القضاء تابع للأداء، ومرادهم من ذلك أنّ ما يفوت على
المكلّف أداؤه في الوقت المختصّ له يجب عليه قضاؤه خارج الوقت من دون حاجة إلى أمر جديد.ومرجعه- على ما ذكر- إلى أنّ الأمر بالموقّت ينحلّ إلى أمرين: أمر بالفعل، وأمر بإيقاعه ضمن الوقت الخاصّ به، فإن فات الأمر الثاني لسببٍ ما، لم يسقط الأمر ووجب على المكلّف أداؤه بالإتيان به خارج الوقت بالأمر الأوّل من دون حاجة إلى أمر جديد بالقضاء.
لكنّ فقهاءنا قالوا: إنّ الأمر بالمقيّد واحد بسيط، وهو طلب إيقاع الفعل المتّصف بالقيد، والتقييد به من قبل الشارع يقتضي دخل الوصف في مطلوبه، فلا يكون الفعل الخالي من الوصف مطلوباً ومراداً له أصلًا، وحينئذٍ فإن مضى الوقت ولم يقع الفعل فيه لم يبق لطلب الشارع محلّ؛ لأنّ فرض بقائه لا يخلو من أن يكون بإحدى حالتين:
أن يكون متعلّقاً بالفعل ضمن الوقت الذي قيّد بإيقاعه فيه، فيكون طلباً لما ليس بمقدور لمضيّ الوقت، وعدم قدرة المكلّف على
إرجاعه . والتكليف بغير المقدور قبيح على الشارع، فيسقط على ما تقدّم.
أن يكون متعلّقاً بالفعل مجرّداً عن الوقت، فهو تكليف بغير الأوّل، فيحتاج إلى أمر جديد. وهذا واضح لا خلاف فيه.
وإنّما وقع
الخلاف بين فقهائنا في مرحلة
الإثبات وأنّ دليل الأمر بالواجب الموقّت بوقت هل يمكن أن يستفاد منه تعدّد المطلوب خصوصاً إذا كان دليل التوقيت والتقييد بالوقت منفصلًا ومستقلّاً عن دليل الواجب بنحو يمكننا إثبات القضاء بالتمسّك
بإطلاق في الأمر الأوّل الأدائي أم لا؟ كما وقع البحث عندهم في
إمكان إثبات وجوب القضاء عند فوات الأداء بأصل عملي محرز
كالاستصحاب أم لا؟
والمشهور عندهم عدم إمكان ذلك، لا على مستوى
الدليل الاجتهادي وظهور خطاب الواجب الموقت ولا على مستوى
الأصل العملي ، بل يحتاج ثبوت القضاء إلى أمر جديد أو قرينة في دليل الأمر بالموقّت تدلّ على أنّ الواجب يكون بنحو تعدّد المطلوب، أي وجوب ذات الفعل ووجوب آخر
لامتثاله داخل الوقت، وهو بحاجة إلى عناية زائدة على الظهور الأوّلي لدليل الواجب الموقت.
وقد رتّب
الفقهاء على ذلك جملة من الآثار والنتائج:
منها: احتياج القضاء إلى أمر جديد، فمع عدم وجوده لا يثبت.
ومنها: أنّ
الشكّ في الأداء أو صحّته داخل الوقت يكون منجّزاً وموجباً للاحتياط
بالإعادة ، بينما الشكّ في الأداء أو صحّته خارج الوقت لا يجب فيه
الاحتياط ، بل تجري فيه
البراءة ؛ لأنّه شكّ في تكليف جديد يشكّ في أصل
اشتغال الذمّة به.وهذا التفصيل بين الشكّ في الأداء داخل الوقت وخارجه لا مجال له بناءً على أنّ القضاء تابع للأداء، أي بنفس الأمر الأوّل؛ لأنّ الاشتغال به يقيني عندئذٍ، فيجب الخروج عنه ولو خارج الوقت بالإعادة.وبهذا المضمون وردت كلمات فقهائنا.
قال
السيّد المرتضى : «إنّ القضاء لا يتبع في وجوبه وجوب المقضي، بل هو منفصل عنه، وقد يجب كلّ واحد من الأمرين وإن لم يجب الآخر».
وقال
الشيخ محمد تقي الرازي : «إنّ
الطلب المتعلّق بالفعل المقيّد بزمان مخصوص هل يدلّ على ثبوته فيما بعده على تقدير
الإخلال به أو بشيء من شرائطه- والامور المعتبرة فيه
عمداً أو
سهواً أو خطأً أو لغير ذلك من المعاذير، فيكون القضاء ثابتاً بنفس الأمر ولو بضميمة الاستصحاب- أو لا يدلّ على ذلك حتى يقوم عليه دليل آخر مع
القطع بعدم دلالته على نفيه، فحكمه حينئذٍ مسكوت عنه حتى يقوم شاهد آخر على
النفي أو الإثبات؟
فالمعروف بينهم هو الثاني، بل لا نعرف فيه مخالفاً من
أصحابنا . وعزي القول به إلى المحقّقين من
المعتزلة والأشاعرة .وعن جماعة من العامّة اختيار الأوّل، وحكاه
الآمدي عن
الحنابلة وكثير من الفقهاء.وحكي عن
أبي زيد الديوسي أنّه قال بوجوب القضاء بقياس
الشرع .ويظهر من بعض أصحابنا القول بثبوته بالغلبة، ومرجعهما إلى الثاني؛ لتوافقهما على عدم دلالة الأمر بنفسه».
وقال
المحقّق النجفي : «وأمّا تبعيّة القضاء للأداء، فالتحقيق فيها أنّ
القضاء محتاج إلى أمر جديد، ولا يكفي في وجوبه خطاب الأداء كما هو محرّر في محلّه»، وعلّله في موضع آخر بقوله:«ضرورة أنّ القول بذلك إنّما هو لتوهّم تحليل الخطاب المتعلّق بالأداء إلى
إيجاب مطلق الفعل وإيجابه أداءً».
لكنّ
الآخوند الخراساني فصّل بين ورود التوقيت بدليل متّصل فلا يدلّ على وجوب القضاء بعد
انقضائه ، وبين وروده بدليل منفصل فيدلّ عليه إذا لم يكن له
إطلاق .قال: «ثمّ إنّه لا دلالة للأمر بالموقّت بوجه على الأمر به في خارج الوقت بعد فوته في الوقت لو لم نقل بدلالته على عدم الأمر به.نعم، لو كان التوقيت بدليل منفصل لم يكن له إطلاق على التقييد بالوقت، وكان لدليل الواجب إطلاق لكان قضيّة إطلاقه ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت، وكون
التقييد به بحسب تمام المطلوب لا أصله.وبالجملة: التقييد بالوقت كما يكون بنحو وحدة المطلوب، كذلك ربّما يكون بنحو تعدّد المطلوب، بحيث كان أصل الفعل ولو في خارج الوقت مطلوباً في الجملة وإن لم يكن بتمام المطلوب، إلّا أنّه لا بدّ في إثبات أنّه بهذا النحو من
الدلالة ، ولا يكفي الدليل على الوقت إلّا فيما عرفت، ومع عدم الدلالة فقضيّة أصالة البراءة عدم وجوبها في خارج الوقت، ولا مجال لاستصحاب وجوب الموقّت بعد انقضاء الوقت، فتدبّر جيّداً».
وناقشه
الميرزا النائيني قدس سره قائلًا:«والوجوه المحتملة في ذلك ثلاثة:
الأوّل: دلالة الأمر على ذلك مطلقاً، سواء كان التوقيت بالمتّصل أو المنفصل.
الثاني: عدم دلالته على ذلك مطلقاً.
الثالث: التفصيل بين المتّصل فلا دلالة فيه، والمنفصل فيدلّ على بقاء الوجوب فيما بعد الوقت، ولكن إذا لم يكن لدليل القيد إطلاق، وهذا هو الذي اختاره في
الكفاية .
والأقوى هو الوجه الثاني، ووجهه ظاهر؛ لأنّ التقييد بالوقت يكون كالتقييد بغيره من الأوصاف
والملابسات ، وقد بيّنا في محلّه وجه حمل المطلق على المقيّد مطلقاً- متّصلًا كان أو منفصلًا- وعدم صحّة حمل دليل القيد على كونه واجباً في واجب، أو كونه أفضل الأفراد، ولا خصوصيّة لقيديّة الوقت، فكما أنّ التقييد
بالإيمان يوجب
انحصار الواجب في
المؤمنة وعدم وجوب عتق
الكافرة ، من غير فرق بين المتّصل والمنفصل، فكذا التقييد بالوقت.وما ذكره في الكفاية من التفصيل ممّا لا يمكن
المساعدة عليه فإنّ دليل التوقيت إمّا أن يدلّ على التقييد، وإمّا أن لا يدلّ، فإن دلّ على التقييد فلا يمكن دلالته على بقاء الوجوب بعد ذلك
واستفادة كونه من قبيل تعدّد المطلوب، وإن لم يدلّ على التقييد فيخرج عن كونه واجباً موقّتاً.
والحاصل: أنّه مع كون الواجب موقّتاً لا يمكن دعوى أنّ التقييد بالوقت يكون على نحو تعدّد المطلوب، وأنّه من قبيل الواجب في واجب، من غير فرق بين المتّصل والمنفصل، فوجوب الفعل في خارج الوقت يحتاج إلى دليل، ولا يكفي الدليل الأوّل».
وقد حاول السيّد الشهيد الصدر تصوير
إمكان استفادة تعدّد المطلوب من دليل التقييد بنحو يجمع فيه بين التقييد للواجب الأوّل وتعدّد المطلوب- خلافاً لما ذكره الميرزا النائيني من عدم إمكانه- حيث جعل الأمر بالتقييد تقييداً لبعض حصص
الفعل المطلوب الواقعة في طول زمان مطلوبيّته المستمرّة، وهذا التقييد- وفقاً لما تدلّ عليه الأدلّة من كونه بنحو
الإلزام ، ومن
استحقاق العقوبة على مخالفته- يكشف عن تعدّد في مراتب المطلوبيّة، وتنوّعها إلى مطلوبيّة شديدة ومؤكّدة هي مطلوبيّة الفعل في الوقت، ومطلوبيّة خفيفة هي مطلوبيّة الفعل خارجه، ويكون المطلوب من
المكلّف أوّلًا أداء الفعل في الوقت المختصّ، فإن لم يؤدّه كذلك عن عمد أو عذر تعيّن أداء أصل الفعل خارج الوقت.وقد قرّب
الاستدلال على ذلك باقتضاء القدر المتيقّن من الدليل المقيّد تقييد خصوص تلك المرتبة بالوقت لا أصل الفعل، فيبقى ما دلّ على أصل الفعل على إطلاقه الشامل لحال ما بعد الوقت من المراتب.
ثمّ ناقشه بأنّ الدليل لا دلالة فيه على أكثر من جعل وجوب واحد بنحو صرف
الوجود لا مطلق الوجود، ولا يتكفّل إطلاقه إثبات جميع مراتب الوجوب على الواجب ليبقى شاملًا للباقي منها بعد
انتفاء البعض، والمفروض تقييد دليل التقييد لهذا المدلول الواحد، فلا إطلاق كي يتمسّك به في خارج الوقت.
ثمّ إنّ بعض الفقهاء حاول تصوير إمكان دلالة الأمر المطلق بالفعل على التكليف المطلق الشامل للواقع في الوقت وخارجه بما إذا كان دليل التقييد بالوقت مقيّداً بالقدرة على
الإتيان بالمقيّد في وقته، فمع انتفائها يسقط التكليف بالتقيّد بالوقت، ويبقى التكليف بأصل الفعل ثابتاً على إطلاقه ليشمل إيقاعه خارج الوقت، وحمل كلام
الآخوند الخراساني المتقدّم عليه، ثمّ استبعده.
قال
الشيخ المظفّر : «نعم، يمكن أن يفرض- وإن كان هذا فرضاً بعيد
الوقوع في الشريعة- أن يكون دليل التوقيت المنفصل مقيّداً بالتمكّن، كأن يقول في المثال (صم): (اجعل صومك يوم الجمعة إن تمكّنت)، أو كان دليل التوقيت ليس فيه إطلاق يعمّ صورتي التمكّن وعدمه، وصورة التمكّن هي القدر المتيقّن منه، فإنّه في هذا الفرض يمكن
التمسّك بإطلاق دليل الواجب لإثبات وجوب الفعل خارج الوقت؛ لأنّ دليل التوقيت غير صالح لتقييد إطلاق دليل الواجب إلّا في صورة التمكّن، ومع
الاضطرار إلى ترك الفعل في الوقت يبقى دليل الواجب على إطلاقه.وهذا الفرض هو الذي يظهر من الكفاية لشيخ أساتذتنا الآخوند، ولكنّه فرض بعيد جدّاً، على أنّه مع هذا الفرض لا يصدق الفوت ولا القضاء، بل يكون وجوبه خارج الوقت نوع من الأداء».
لكنّ
السيّد الخوئي ارتضاه وصحّحه، حيث قال موضحاً كلام الآخوند الخراساني ومعلّقاً عليه: «إنّ التقييد بالوقت لا يخلو من أن يكون بدليل متّصل أو منفصل ولا ثالث لهما.
أمّا على الأوّل- وهو ما إذا كان التقييد بدليل متّصل- فلا يدلّ الأمر بالموقّت على وجوب الإتيان به في خارج الوقت؛ إذ على هذا يكون الواجب هو حصّة خاصّة من طبيعيّ الفعل، وهي الحصّة الواقعة في هذا الوقت الخاصّ، وعليه فإذا لم يأت به المكلّف في ذلك الوقت فلا دليل على وجوب الإتيان به في خارجه، وهذا واضح.
وأمّا على الثاني- وهو ما إذا كان التقييد بدليل منفصل- فلا يخلو من أن يكون له إطلاق
بالإضافة إلى حالتي
الاختيار وعدمه، أو لا إطلاق له.
فعلى الأوّل لا يدلّ على وجوب الإتيان به في خارج الوقت؛ لفرض أنّ ما دلّ على تقييده بزمان ووقت مخصوص مطلق، وبإطلاقه يشمل حال تمكّن المكلّف من الإتيان به في الوقت وعدم تمكّنه منه، ولازم هذا- لا محالة- سقوط الواجب عنه عند مضيّ الوقت، وعدم ما يدلّ على وجوبه في خارج الوقت...
وعلى الثاني- وهو ما إذا لم يكن له إطلاق بالإضافة إلى كلتا الحالتين- فالمقدار المتيقّن من دلالته هو تقييد الأمر الأوّل بخصوص حال الاختيار والتمكّن لا مطلقاً، بداهة أنّه لا يدلّ على أزيد من ذلك؛ لفرض عدم الإطلاق له.وعليه فلا بدّ من النظر إلى الدليل الأوّل هل يكون له إطلاق أم لا؟ فإن كان له إطلاق فلا مانع من الأخذ به لإثبات وجوب الإتيان به في خارج الوقت.وبكلمة اخرى: أنّ مقتضى إطلاق الدليل الأوّل هو وجوب الإتيان بهذا الفعل
كالصلاة - مثلًا- أو نحوها مطلقاً، أي في الوقت وخارجه. ولكنّ الدليل قد دلّ على تقييده بالوقت في خصوص حال الاختيار. ومن الطبيعي أنّه لا بدّ من الأخذ بمقدار دلالة الدليل، وبما أنّ مقدار دلالته هو تقييده بخصوص حال الاختيار والتمكّن من الإتيان به في الوقت فلا مانع من التمسّك بإطلاقه عند عدم التمكّن من ذلك لإثبات وجوبه في خارج الوقت؛ ضرورة أنّه لا وجه لرفع اليد عن إطلاقه من هذه الناحية، أصلًا كما هو واضح...
والإنصاف أنّه في غاية الصحّة
والمتانة ، ولا مناص من
الالتزام به...».
وردّه السيّد الشهيد الصدر بأنّ الأمر بفعل لا يستفاد منه إلّا تشريع حكم واحد على ذلك الفعل، ولا يخلو أن يؤخذ الفعل مقيّداً من جهة الوقت أو مطلقاً، وتضمّنه لهما معاً مستحيل.قال: «إن اريد استفادة جعلين من دليل الوجوب، أحدهما وجوب المقيّد بالوقت، والآخر وجوب المطلق، فهذا خلاف (ما تقدّم من أنّ إطلاق الأمر يكون بنحو صرف الوجود لا مطلق الوجود، أي) أنّه جعل واحد لا جعلين، وخلاف المفروض أيضاً من تقييد نفس الجعل المستفاد من دليل الوجوب، لا استفادة وجوب آخر مستقلّ عن المقيّد.وإن اريد استفادة جعل واحد ولكنّه متعلّق في الوقت بالموقّت، وفي خارجه بذات الفعل، فهذا مستحيل؛ لأنّ
الجعل الواحد إمّا أن يؤخذ في متعلّقه التقيّد بالوقت أو لا يؤخذ، فإذا اخذ كان الواجب هو المقيّد فقط، وإلّا كان هو المطلق، فتضمّنه للمطلق والمقيّد معاً مستحيل».
هذا كلّه في عدم تبعيّة القضاء للأداء على مستوى الدليل الاجتهادي وهو الأمر الأدائي، وأمّا عدم التبعيّة على مستوى الأصل العملي، أي عدم إمكان إثبات القضاء بفوت الأداء باستصحاب الوجوب الذي كان ثابتاً داخل الوقت
وابقائه إلى خارج الوقت، فهو أيضاً غير تامّ؛ لأنّه لو اريد استصحاب شخص الوجوب الثابت في الوقت فهو مقطوع
الانتقاض بخروج الوقت؛ لأنّه كان مقيّداً به.
وإن اريد استصحاب جامع الوجوب الثابت سابقاً، فهو من استصحاب الكلّي من القسم الثالث بحسب مصطلح الاصوليّين، وهو ما إذا علم بوجود الجامع ضمن فرد وعلم بارتفاعه، ولكن احتمل وجود فرد آخر ينحفظ به الكلّي، وهو من أردإ أنحاء استصحاب الكلّي الذي اتّفقت كلمة الاصوليّين على عدم جريانه، وتفصيله في
علم الاصول .
إذا اجتمعت على المكلّف فرائض متعدّدة أدائية وقضائية متشابهة لزمه التعيين بنيّة كون ما يفعله الفريضة الأدائية أو القضائية، فإن أتى بها لا بقصد إحداهما لم يصحّ اتّفاقاً.
والوجه في ذلك أنّ مثل هذه
الفرائض المتشابهة بحسب الأفعال لا يتحقّق حقيقة كل واحد منها في الخارج إلّا بالقصد فلا بدّ من قصد عنوان الأداء أو القضاء لمن عليه صلاة ظهر أدائية واخرى قضائية مثلًا ليتحقّق خارجاً ويتمايز عن الآخر. وهكذا الحال فيما إذا كان عليه واجبان أدائيان أو قضائيان متشابهان في الأفعال كصلاتي الظهر والعصر كلاهما أداءان أو كلاهما قضاءان.
وأمّا إذا لم يجتمع عليه أكثر من فريضة واحدة أو اجتمعت ولم تكن متشابهة وقصد نوعاً معيّناً منها كفى ذلك عند المشهور.
وهناك تفصيلان وبحوث اخرى ترتبط بنيّة الأداء والقضاء، وكذلك
نيّة الواجبات القصرية.
يترتّب على أداء المكلّف الفعل في وقته سقوط قضائه عنه؛ إذ بعد
الإتيان بالمأمور به على الوجه الذي امر به يتحقّق غرض
المولى ، فلا يفوت عليه كي يثبت القضاء؛ إذ موضوع القضاء هو ما فات فقط، فلا يجتمع قضاء مع أداء.
نعم، إذا كان
التكليف الثابت بحقّ المكلّف
اضطراريّاً قد يقال بلزوم الجمع بين أداء التكليف الثابت حال الاضطرار مع القضاء بعد
ارتفاع العذر، بناءً على أنّ الأداء الاضطراري لا يفي بتمام مصلحة الأداء الاختياري، وأنّ الباقي منها لازم، ويمكن تداركه. ولا يستفاد من إثبات
الشارع التكليف الاضطراري على المكلّف أو أيّ دليل آخر
إسقاطه .ومع ذلك فلا يعدّ هذا جمعاً بين الأداء والقضاء لتكليف واحد، بل هو جمع بين أداء
التكليف الاضطراري وقضاء
التكليف الاختياري تداركاً لبعض المصالح الفائتة على المكلّف بسبب الاضطرار.
هذا كلّه إذا علم بالأداء نفياً أو
إثباتاً ، وأمّا إذا شكّ في الأداء فقد أشرنا إلى أنّه إذا كان
الشكّ داخل الوقت وجب
الاحتياط بمقتضى قاعدة
الاشتغال وغيرها من الاصول العملية وإن كان الشكّ في الأداء بعد خروج الوقت، فإن قيل بأنّ موضوع
الأمر القضائي ترك الأداء وعدم الإتيان بالواجب داخل الوقت أمكن
إحراز ذلك باستصحاب عدم الإتيان به في الوقت المنقّح لموضوع
القضاء عندئذٍ، وإن كان موضوع القضاء فوت الأداء الذي هو عنوان وجودي فلا يمكن إحرازه بالاستصحاب؛ لأنّ استصحاب عدم الأداء لا يثبت لوازمه العقلية، وكعنوان الفوت، وليس لنفس الفوت حالة سابقة لكي تستصحب، بل على العكس يكون مشكوك
الحدوث ، فينفى بالاستصحاب فلا يجب القضاء، وقد تسمّى هذه
النتيجة عند الفقهاء بقاعدة
الحيلولة ، أي حيلولة الوقت.وقد يستدلّ عليه ببعض
الروايات الخاصّة أيضاً، وتفصيله في محلّه.
لا إشكال في
بطلان العمل الواقع بتمامه خارج وقته، وعدم إجزائه عن المأمور به؛ لعدم صدق كونه مأتيّاً على وجهه المطلوب للَّه سبحانه وتعالى؛ لتخلّف خصوصيّة الوقت عنه.
كما لا
إشكال في إجزاء العمل الواقع بتمامه في وقته، وسقوط التكليف به؛ لصدق الإتيان المذكور عليه كما تقدّم.وإنّما الإشكال فيما وقع بعضه في الوقت وبعضه خارجه، فهل يكون صحيحاً ومجزياً عن التكليف المطلوب أم لا؟
مقتضى القاعدة في
الإجزاء لزوم تحقّق جميع الأجزاء والشرائط المعتبرة في العمل للحكم بصحّته، فيحكم بالبطلان وعدم الصحّة بتخلّف أيّ شيء منها، ومنها شرط
إيقاع الفعل بتمامه في وقته المخصّص له، فإنّه يؤدّي إلى بطلان العمل مع تخلّفه.
لكن ورود بعض
الروايات المصرّحة- في بعض
العبادات كالصلاة- بأنّ «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كلّه»، أدّى إلى
اتّفاق الفقهاء على
الإفتاء بوجوب
الصلاة على من أوقع ركعة منها في الوقت، وإن وقع سائرها خارجه، ومن ثمّ حكموا بصحّتها منه، وإن اختلفوا في وقوعها أداءً أو قضاءً، أو وقوع ما وقع في الوقت أداءً، وفي خارجه قضاءً.والمشهور على أنّها تقع أداء، وينوى به حيث يعتبر الأداء في النيّة.
وليس معنى هذا أنّ الوقت الذي يجب إيقاع الصلاة فيه هو مقدار
ركعة فقط، وأنّه وقت الواجب؛ إذ وقته مقدار ما تؤدّى فيه صلاة صحيحة كاملة؛ ولذلك لم يجز تأخير الصلاة إلى الحدّ الذي يقع بعضها خارج الوقت ولو بمقدار
التسليم بناءً على عدّه جزءاً منه، كما لم يجب القضاء على من طرأ عليه العذر بعد دخول وقت الصلاة بمقدار ما يؤدّي معه ركعة أو أكثر، وإنّما يجب عليه حيث يطرأ عليه بعد مضيّ وقت يكفي لإتيان صلاة تامّة واجدة لجميع الأجزاء والشرائط، وإنّما المقصود أنّ من تمكّن من
إدراك ركعة في داخل الوقت بعد أن حصلت في حقّه شروط التكليف بالصلاة في الوقت وجب عليه الإتيان بها في داخل الوقت وكانت أداءً، وبهذا صرّح جملة من الفقهاء في كتبهم.
قال
السيّد جواد العاملي في بحث
الحيض : «إذا حاضت بعد دخول وقت الصلاة بقدر الطهارة وأدائها قضتها وجوباً
إجماعاً على الظاهر كما في
كشف اللثام ، وقد نسبه إلى
الأصحاب في
المدارك غير مرّة.
ومضيّ مقدار
الطهارة ممّا نصّ عليه في
الشرائع ... وغيرها، وهو أحد قولي
الشافعي . والقول الآخر: لا؛ لعدم اختصاص الطهارة بوقت ...واعتبر في
الذكرى ... وغيرها مضيّ مقدار باقي الشرائط ...
ولو طهرت قبل
الانقضاء بمقدار الطهارة وأداء ركعة وجب إجماعاً كما في موضع من
التذكرة والمدارك، وبلا خلاف بين أهل العلم في العصر والعشاء والصبح كما في
الخلاف ، وبلا خلاف بين أهل العلم من دون تقييد بالعصر والعشاء والصبح كما في
المنتهى ، وبلا خلافٍ كما في موضع آخر من التذكرة، ونقلت حكاية الإجماع من دون تقييد في عدّة مواضع. وفي كشف اللثام حكاه عن الخلاف مع التقييد المذكور. وهو المشهور كما في
الذكرى والكفاية .
ونفى الخلاف في الخلاف عن لزوم الظهرين والعشاءين على من أدرك خمساً قبل
الغروب أو
الفجر ، وفي التذكرة أنّه الأشهر. وعليه المحقّق ... والمتأخّرون إلّا بعضاً نادراً ...وقد عبّر المصنّف بأنّها أداء حيث قال:وجب أداؤها كما صرّح بذلك في كتاب الصلاة، وفي الخلاف تارة أنّه إجماع كما في
المفاتيح ، واخرى أنّه لا خلاف فيه، وهو المشهور بين الأصحاب كما في
جامع المقاصد ، ونقل فيه حكاية الإجماع عليه من
الشيخ . وهو خيرة
المبسوط ...وغيرهم، وتردّد المصنّف في التذكرة.
والقول الثاني: أنّه يكون قاضياً للجميع.وهذا نقله الشيخ والمصنّف وولده وجماعة عن السيّد، ونقله في المبسوط عن بعض الأصحاب.
الثالث: أنّه يكون مركّباً من الأداء والقضاء، وهذا نقله أيضاً في المبسوط عن بعض الأصحاب، ونصّ جماعة على أنّه أضعفها.
وفي كشف اللثام في الصلاة: الأولى أن لا ينوي أداءً ولا قضاءً، بل ينوي صلاة ذلك اليوم أو الليل.وتظهر
الفائدة في النيّة، وفي الترتيب على الفائتة السابقة، وفي سقوط فرع تنزيل الأربع للظهر أو العصر، فإنّه إنّما يأتي على القول الأوّل خاصّة كما في الذكرى وجامع المقاصد».
تقدّم أنّ الفعل المأمور به من قبل
الشارع إمّا أن يعيّن لأدائه وقت فهو الموقّت، أو لا يعيّن فهو غير الموقّت، والموقّت إمّا أن يستوعب فعله تمام الوقت المفروض له فهو المضيّق، أو لا يستوعبه فهو الموسّع. ومثال الأوّل
صوم رمضان ، والثاني الصلاة اليوميّة، فإنّ وقتها موسّع عادة.وأنكر بعض الفقهاء وقوع الموسّع بحجّة أنّه يؤدّي إلى ترك الواجب في الزمان الباقي من الوقت، وترك الواجب
حرام .
وفي الدليل
مصادرة على المطلوب ؛ إذ
الكلام في كون الباقي واجباً أو سعة من الوقت.
وكيف كان فقد اختلف المنكرون للواجب الموسّع في تصوير ما يصحّ فعله خارج وقته بين قائل
باختصاصه بأوّل الوقت وتأخيره عنه معفوّ عنه، أو باختصاصه بآخره وتقديمه عنه نفل يسقط به
الفرض ، أو باختصاصه بآخره كذلك، غير أنّ تقديمه مراعى ببقاء المكلّف على صفات التكليف إلى وقته، فيقع واجباً، وإلّا صحّ نفلًا.
والقول الأوّل من هذه الثلاثة ذهب إليه
الشيخ المفيد في الصلاة.
وأمّا الثاني والثالث فلم يقل بهما أحد من فقهائنا على الظاهر.وهذه الأقوال بمجموعها شاذّة نادرة، والمشهور بين الفقهاء هو وقوع الموسّع في
الشريعة .
وينتج عن القول بالواجب الموسّع تخيّر المكلّف عقلًا في إتيان الفعل المكلّف به في أيّ وقت يشاء من الزمان الملحوظ قيداً للتكليف، وتطبيق الطبيعة المطلوبة للشارع على أيّ فرد من أفرادها ومصداق من مصاديقها المفترض إيقاعها في عمود الزمان المذكور، ويكون على كلّ حال ممتثلًا لأمر الشارع.
ويتفرّع على تضيّق وقت الواجب عدم جواز مزاحمته بواجب آخر موسّع، وأمّا المضيّق فتطبّق فيه قواعد
التزاحم . والسبب في ذلك واضح؛ إذ أنّه يؤدّي إلى وقوع الواجب خارج وقته، وهو حرام.
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۲۴-۳۷.