الاطراد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
تتابع الأمر و
استقامته و
شيوعه .
الاطّراد- على وزان افتعال- بمعنى
التتابع بتنسيق و
انتظام ،
يقال: اطّرد الشيء إذا تابع بعضه بعضاً وجرى،
واطّرد الأمر أي استقام،
والأنهار تطّرد:
أي تجري،
واطّرد
الكلام أي تتابع وجرى مجرىً واحداً متّسقاً.
استعمل
الفقهاء والاصوليون الاطّراد بمعانٍ مختلفة، وهي:
۱- شمول
الحكم لأفراد يشتركون في صفة خاصّة بمعنى كلّما وجد
الوصف وجد الحكم،
ويسمّى ب (اطّراد
العلّة ) أو (الوصف) أو (الحكم).
۲- كثرة
استعمال لفظ في معنى بدون قرينة حاليّة أو مقاليّة بحيث لا يختصّ استعماله بحال دون حال،
الأمر الذي يكشف عن كون اللفظ حقيقة فيه، وهو الذي يعدّ من علائم
الحقيقة وعدمه من علائم
المجاز .
۳-
استقرار العادة أو
العرف بالنسبة إلى شيء بحيث يصير منشأ لحكم شرعي، وهو الذي يسمّى ب اطّراد العادة، وورد في كلماتهم كثيراً.
۴- كون
الشيء بحيث يمنع من
دخول الغير فيه، وهو الذي يعتبرونه في
التعريف بمعنى
التلازم في
الثبوت ، أي كلّما يصدق عليه الحدّ يصدق عليه
المحدود .
وهو في
اللغة بمعنى ردّ آخر
الشيء على أوّله،
وقيل بالعكس.
وفي الاصطلاح بمعنى التلازم في
الانتفاء ، أي كلّما لم يصدق عليه الحدّ لم يصدق عليه المحدود، أو كلّما وجد المحدود وجد الحدّ، وهذا معنى كون التعريف جامعاً للأفراد،
وقيل:
العكس هو عدم الحكم لعدم العلّة.
وعلى كلا المعنيين فيكون
الانعكاس (عكس)ضدّ الاطّراد (طرد)، ومرجعهما إلى المعنى الأوّل والرابع من المعاني
الاصطلاحية المتقدّمة كما لا يخفى.
العموم في اللغة بمعنى
الشمول و
إحاطة الأفراد،
ويقابله الخصوص،
وفي اصطلاح
الاصول بمعنى
استغراق اللفظ لجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد دفعة واحدة.
والفرق بينه وبين الاطّراد من حيث اللغة و
الاصطلاح يظهر
بالتأمّل فيما سبق في تعريف الاطّراد لغة واصطلاحاً.
الشياع
الانتشار و
التقوية ، يقال: شاع
الخبر أي كثر وقوى، وشاع القوم أي انتشروا وكثروا»، ومن معاني
الغلبة الكثرة.
ويمكن الفرق بين المطّرد و
الغالب في اللغة بأنّ المطّرد لا يتخلّف، بخلاف الغالب فإنّه متخلّف في الأقلّ كما لا يخفى.
لا
إشكال ولا خلاف في اطّراد الحكم باطّراد علّته في
الجملة ، إلّاأنّ علّة الحكم الشرعي تارة تكون شرعية واخرى تكون عقلية.
أمّا لو كانت عقلية فيطّرد الحكم معها بلا
استثناء؛ لعدم
التخصيص فيها، إلّاإذا كان
الشارع قصر اعتبارها على مورد فيتّبع تحديد
الشرع .
وأمّا لو كانت شرعية فتارة نصّ الشارع في
الدليل على علّة الحكم، واخرى تستفاد العلّية من الدليل مع عدم تصريح الشارع بها، وثالثة يكون للّفظ ظهور بتعدّي الحكم إلى ما هو أولى منه في علّة الحكم، ويسمّى الأوّل ب
قياس منصوص العلة، والثاني ب قياس
مستنبط العلّة، أو تنقيح
المناط ، والثالث ب قياس
الأولويّة أو مفهوم
الموافقة أو
فحوى الخطاب .
أمّا الأوّل فقد نصّ الفقهاء والاصوليون على
حجّيته وجواز اطّراد الحكم باطّراد علّته في كلّ مورد من
الأحكام الشرعية بشرطين:
الأوّل: أن نعلم بأنّ العلّة المنصوصة
تامّة يدور معها الحكم أينما دارت.
الثاني: أن نعلم
بوجودها في المقيس.
وعليه فإن فهم من
النص أنّ العلّة عامّة على وجه لا
اختصاص لها بالمعلّل وعلمنا
بالوجدان وجودها في
المورد المشكوك فلا شكّ في أنّ الحكم يكون عامّاً شاملًا له أيضاً مثل ما لو قال: حرم
الخمر ؛ لأنّه مسكر، فيفهم منه حرمة
النبيذ ؛ لأنّه مسكر أيضاً،
بخلاف ما لو لم تكن العلّة تامّة بحيث يكون الحكم دائراً مدارها، كما إذا كانت حكمةً للحكم، فإنّ الحكمة لايجب اطّرادها، بل لا يجوز ولا يدور الحكم
مدارها على ما صرّح به غير واحد.
وأمّا الثاني- وهو قياس مستنبط العلّة- فإن كان
مفيداً لليقين و
القطع فلا ريب في حجّيته وجواز اطّراد الحكم في كلّ مورد حصل العلم بالمناط فيه؛ لأنّ حجّية العلم ذاتية بلا فرق فيه بين
أسبابه، وهو الذي يسمّى ب
تنقيح المناط القطعي .
وأمّا لو لم يحصل
اليقين منه فلا يكون حجّة ولا يجوز الاطّراد فيه؛ لأنّ غاية ما يحصل منه هو
الظن ، وهو لا يغني من الحقّ شيئاً، وهو الذي يسمى ب (
تنقيح المناط الظني ).
وأمّا الثالث- أي قياس الأولوية- فهو حجّة فيما إذا كان للحكم ظهور بالفحوى في ثبوت الحكم فيما هو أولى منه في علّة الحكم فيجوز الاطّراد حينئذٍ.
ومثاله
المعروف قوله سبحانه وتعالى:
«فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنهَرْهُمَا»
الدالّ بالأولوية على النهي عن الشتم والضرب ونحوهما.
وتفصيل ذلك كلّه في علم الاصول.
اشتهر أنّ الاطّراد علامة
الحقيقة وعدمه علامة
المجاز .
والذي يستنتج من كلماتهم في معنى الاطّراد أنّه كثرة استعمال
اللفظ في معنى بدون قرينة حاليّة أو مقاليّة بحيث يكشف عن كون اللفظ حقيقة فيه.
واختلفوا في حقيقته وكيفيّة كونه علامة للحقيقة، وكانت لهم كلمات كثيرة في هذا
المجال .
وقد ناقش بعض
المحققين من علماء الاصول في كون الاطّراد علامة للحقيقة بأنّ
الاستعمال في معنى إذا صحّ ولو مجازاً في حال أو فرد صحّ دائماً، وبلحاظ سائر
الأفراد مع الحفاظ على كلّ الخصوصيّات و
الشؤون التي بها صحّ الاستعمال في تلك الحالة أو في ذلك الفرد فالاطّراد ثابت إذن في المعاني المجازية أيضاً ولا يختصّ بالمعاني الحقيقيّة حتى يكون
علامة لها.
وتفصيل ذلك كلّه في علم الاصول.
قد يكون العرف والعادة
مستنداً لإثبات حكم شرعي ولو بضميمة
إمضاء الشارع له، ويعبّر عنه ب بناء العقلاء أو
السيرة العقلائية.
وقد يكون معيّناً لمعاني الألفاظ الواردة في
الأدلّة الشرعية، وثالثة يكون
لتشخيص موضوعات الأحكام وتطبيق الأحكام على
مصاديقها ،
وقد جرى بينهم مثل:
أنّ ألفاظ
العقود و
الإيقاعات محمولة على المعاني العرفية
: ۵۶۷.
وعرّفت العادة ب ما استمرّ الناس على حكم
العقول وعادوا إليه مرّة بعد اخرى، و
العرف ب ما استقرّت النفوس
بشهادة العقول وتلقّته
الطبائع بالقبول.
ولم يفرّق بينهما الفقهاء في كلماتهم فاستعملوا كلّاً منهما بدل
الآخر وإن كان بينهما فرق من حيث
المفهوم كما ذكرنا.
بل قيل: إنّ
العرف يستعمل في الألفاظ، والعادة تستعمل في
الأفعال .
ومبنى
اعتبار العرف والعادة في المواطن الثلاثة يختلف باختلافها.
وتفصيله يأتي في مصطلح (عادة)، (عرف).
اشتهر بين الفقهاء والاصوليّين تبعاً للمناطقة أنّ الحدّ و
التعريف لابدّ أن يكون مطّرداً
منعكساً .
ومرادهم بالاطّراد أن يكون التعريف مانعاً من
الأغيار ؛ لأنّ الاطّراد من الطرد، وهو في
الأصل بمعنى المنع.
ومرادهم بالانعكاس أن يكون
التعريف جامعاً للأفراد؛ لأنّ
العكس في اللغة بمعنى
الجمع .
ومن ثمّ وقع
الإشكال في كثير من التعريفات التي ذكرها الفقهاء في أبواب العقود والإيقاعات بعدم الطّرد أو العكس.
ويوجد بين علماء
الفقه والاصول
اتجاهان عادةً في
التعامل مع التعاريف:
اتجاه يراها تعاريف حقيقية يفترض
محاكمتها وفقاً لقواعد
علم المنطق؛ لهذا نجده يطيل البحث في تعريفات
المفاهيم في مختلف أبواب الفقه و
الأصول ؛ فيحاكم هذا التعريف أو ذاك في طرده أو عكسه.
واتجاه يرى المفاهيم الواردة في علوم الفقه والاصول من سنخ
الاعتباريات أو ما شابه ذلك مما لا ينبغي محاكمته وفقاً للحقيقيات التي يُعمَل فيها منهج التعريف المنطقي، لهذا يرى أنّ هذه التعريفات ليست تعريفاً حقيقياً للشيء على حسب ما يوجد في
التكوينيات ، بل هي من قبيل شرح
الاسم الذي لايضرّه عدم الاطّراد أو الانعكاس.
وتفصيله في مصطلح تعريف.
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۳۰-۳۵.