الإضراب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
الإعراض عن الشيء و
الانصراف منه.
الإضراب
الكفّ والإعراض، وهو مصدر أضرب، يقال: أضرب عن
الشيء ، إذا كفّ وأعرض عنه.
وأضرب وضرب عن
الذكر ، أي انصرف،
ومنه قوله تعالى: «أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً».
بمعنى
إهمالكم وعدم
اطّلاعكم على ما يجب عليكم.
والإضراب في
اصطلاح الفقهاء لا يعدو معناه اللغوي. فيريدون به
إهمال ما ورد قبل أداة الإضراب و
الإعراض عنه بحيث يصبح كالمسكوت عنه، ليستبدل بما بعد
الأداة ، وأداة الإضراب
المعروفة هي: (بل).
وهو لغة:
الإخراج ، يقال: استثنى الشيء من الشيء، إذا أخرجه.
وعند الفقهاء
والاصوليّين
: إخراج ما لولاه لدخل في
اللفظ .
والفارق بين
الاستثناء والإضراب- كما ذكر بعضهم- أنّ الاستثناء من متمّمات
الكلام ، وذلك لأنّ
المحكوم بثبوته هو المستثنى منه المخرج منه المستثنى، فلا يعقل تعلّق
الحكم بثبوته إلّابعد
تمامه بإخراج المستثنى منه.
وأمّا الإضراب ب (بل) بعد
الإيجاب فإنّه يجعل ما قبلها كالمسكوت عنه، فهو رجوع عن الحكم السابق وإنكار
الإقرار المتقدّم.
وهو في عرف الفقهاء والاصوليّين
: رفع الحكم
الثابت بالخطاب المتقدّم
بخطاب متراخٍ عنه على وجه لولاه لكان ثابتاً. والفرق بين الإضراب و
النسخ أنّ الأوّل يكون بخطاب واحدٍ
متّصلٍ، بخلاف الثاني حيث يكون بخطاب متراخٍ عن المتقدّم،
منفصل عنه.
قسّم بعض الاصوليّين الإضراب إلى أنحاء:
أحدها: ما كان لأجل أنّ المضروب عنه إنّما أتى به
غفلة أو سبقه به لسانه، فيضرب بها- أي ب (بل) - عنه إلى ما قصد
بيانه .
ثانيها: ما كان لأجل
التأكيد ، فيكون ذكر المضروب عنه
كالتوطئة و
التمهيد لذكر المضروب.
ثالثها: ما كان في مقام
الردع و
إبطال ما أثبت أوّلًا، ولا دلالة في
القسم الأوّل والثاني على
الحصر ، بخلاف الثالث.
وتفصيله موكول إلى علم الاصول.
لمّا كان الإضراب إعراضاً عن الأوّل وإبطالًا له
ورجوعاً عنه، فربّما اختلف حكمه في
الإنشاء والإقرار، كما سوف يتّضح ذلك من خلال موارده التي نتعرّض إليها فيما يلي:
أ- ذكر
الفاضلان أنّه لو قال: زينب طالق، بل عمرة طلّقتا جميعاً على
إشكال .
وجه الإشكال ناشئ من
اشتراط النطق بالصيغة المركّبة من المطلّقة ولفظ
الطلاق ، وظهور الأخبار في
الانحصار في أنتِ طالق، فيحصل
الشكّ في أنّ
العطف يكفي في ذلك أو لابدّ من
التلفّظ صريحاً بالمعطوفة.
ومن أنّ
النطق بالصريح- وهو طالق - وجب، ولا يجب تعدّده لو تعدّدت
الزوجات وعطف بعضهنّ على بعض كما لو قال: هذه طالق وهذه، فإنّ الثانية تطلّق وإن لم يقل طالق مرّة اخرى.
أو لأنّ كلّ واحدة منهما مقصودة وقت التلفّظ باسمها فتندرج في
إطلاق الأدلّة.
وقوّى بعض الفقهاء عدم وقوع
الطلاق بعمرة،
قال
الشهيد الثاني : «والأقوى توقّف الثانية على
الصيغة التامّة مطلقاً، وإلّا اختصّ الطلاق بالاولى. نعم، لو وقع ذلك على وجه
الإقرار حكم بطلاقهما؛ لأنّه أقرّ بطلاق المذكورة أوّلًا ثمّ رجع
مستدركاً وأقرّ بطلاق الثانية، فلا يقبل
رجوعه عن الأوّل ويؤاخذ بالثاني كما لو قال: له عليّ درهم، بل دينار».
ب- قال
الشيخ الطوسي : «لو قال: أنتِ طالق طلقة، بل طلقتين عندنا تقع واحدة»».
تعرّض الفقهاء في باب الإقرار إلى حكم الإضراب ب بل وحكموا بعدم
قبول الإضراب فيما لو عطف ب بل وكانا معيّنين أو مختلفين، ففي مثال المعيّنين لو قال: له هذا
الدرهم ، بل هذا يلزمه كلاهما. وفي مثال
المختلفين لو قال: له عليّ قفيز
حنطة ، بل
قفيز شعير لزمه القفيزان معاً بلا خلاف فيه
بين من تعرّض له.
ووجهه: أنّ الإضراب
إنكار الإقرار، فإنّ بل إذا تقدّمها إيجاب تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه، فلا يحكم عليه بشيء،
وإثبات الحكم لما بعدها إنكار بعد الإقرار فلا يسمع.
وأمّا إذا كان أحدهما أكثر أو معيّناً دون الآخر، فإنّ
المغايرة بالأكثرية و
التعيين كافية في صحّة الإضراب، ولا يجوز أن يلزم بوجوب
الأقل و
الأكثر معاً ولا المعيّن وغيره، وذلك أنّ الأقل يحتمل دخوله في الأكثر؛ لصحّة أن يقول: له عشرة، بل بعضها، وقوله: بل خمسة، بل زائد عليها ومع
احتمال كلّ من الأمرين وعدم
استدعاء لفظ بل واحداً منهما، و
التمسّك بأصالة براءة الذمّة ينفي وجوب الزائد.
ولا يقبل رجوع المقرّ عن إقراره في
الحقوق مطلقاً عدا ما استثني من حقوق
اللَّه تعالى، وهو
الرجم ،
فإنّه لو أقرّ بما يوجب الرجم ثمّ رجع عنه قُبِل رجوعه، فلا يرجم. وألحق بعضهم به حدّ
القتل احتياطاً في الدماء، ولبناء الحدود على
التخفيف .
وبعض آخر ألحق به حدّ السرقة أيضاً؛
وذلك على وجه الاحتياط.
وهو أن يرفض
السجين تناول
الطعام ؛
احتجاجاً على ظروف
السجن أو على صدور الحكم بحقّه.
وقد أفتى بعض الفقهاء بجوازه بشرط أن لا يصل إلى مرتبة يخاف فيها على
النفس أو يؤدّي فيها إلى نقص يعدّ
جناية عليها، فيحرم حينئذٍ.
وهو أن يقوم العمّال والموظفون في دائرة خاصّة أو عامة
الشعب بإعلان يومٍ ما
عطلةً عن العمل وهو الإضراب
المؤقت ، أو أيّام غير محددة
النهاية ، وهو الإضراب
المفتوح ، فيتركون
العمل احتجاجاً على أمرٍ سياسي أو
اقتصادي أو مهني، هادفين من ذلك
الضغط على
الحكومة أو
الإدارات كي تحسّن
أوضاعهم أو تغيّر من سياستها أو تستقيل من
منصبها . وهذا
الأمر بحدّ ذاته لا محذور شرعي فيه، ما لم يخلّ
باتفاق عمل موقّع بنحو يلزم
الطرف المضرب عن العمل بأن يمارس عمله في هذا
الوقت ، أو يكون في
القيام بالإضراب مضرّة عامة لا يرضى
الشارع بها.
نعم، إذا اقتضت
المصالح الإسلامية العليا التي يحدّدها وليّ الأمر القيام بذلك جاز، بل قد يجب تبعاً لصلاحيات
الوليّ الفقيه أو
لتزاحم المصالح المهمة و
الأهم .
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۴۱۱-۴۱۴.