الارتداد (انفساخ النكاح به)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الارتداد (توضيح) .
الثالث من الأحكام الخاصّة المترتّبة على
الارتداد انفساخ
النكاح به، ويختلف ذلك حسب نوع الارتداد:
لو ارتدّ الزوج عن فطرة فلا خلاف
بين الفقهاء في
انفساخ النكاح وبينونة الزوجة منه في الحال وتعتدّ
عدّة الوفاة ، بل ادّعى غير واحد
الإجماع عليه.
واستدلّ
له بالنصوص المعتبرة، كموثّقة
عمّار الساباطي عن
الصادق عليه السلام:«كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن
الإسلام وجحد محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم نبوّته وكذّبه فإنّ دمه
مباح ... وامرأته بائنة منه يوم ارتدّ...وتعتدّ امرأته عدّة المتوفّى عنها زوجها...».
وغير ذلك من الأخبار.
ولا فرق في ثبوت عدّة الوفاة بين أن تكون المرأة مدخولًا بها وعدمه؛ للعموم، ولأنّ حكم الفطري حكم
الميّت وإن لم يقتل. خلافاً
لابن حمزة حيث اشترط في ثبوتها كون الزوجة مدخولًا بها،
واحتمل ذلك
ابن فهد ضعيفاً.
ثمّ إنّه على القول بعدم قبول
توبة الفطري ظاهراً فلا يجوز له
العقد على امرأته حتى بعد الخروج عن العدّة.
وأمّا بناءً على قبول توبته باطناً وظاهراً فيصحّ له
الرجوع إلى زوجته بعقد جديد بعد العدّة إذا تاب،
بل ذهب بعض
إلى جواز ذلك حتى في العدّة أيضاً.أمّا جواز العقد عليها بعد الخروج عن العدة فلأجل أنّ
البينونة التي تضمّنتها النصوص يراد بها
ارتفاع علاقة الزوجية، لا
الحرمة الأبديّة.
ودعوى أنّ
إطلاق البينونة
واعتدادها منه عدّة الوفاة يقتضي الحرمة الأبديّة
ممنوعة؛ لأنّ الذي يقتضي ذلك الإطلاق الأزماني للبينونة، وهو غير ثابت.
وأمّا جواز العقد قبل العدّة فلأنّ الأمر بالاعتداد إنّما هو بالإضافة إلى غيره من الأزواج، لا بالإضافة إليه، فلا مانع من جواز العقد عليها مطلقاً.
قال
السيد الخوئي : «إنّ دليل التوبة بإطلاقه يجعل
المعصية المتحقّقة كغير المتحقّقة، وبه ترتفع آثارها مطلقاً إلّا فيما دلّ
الدليل على بقائه كوجوب قتل
المرتد وغيره من الأحكام... وعلى هذا لا مانع من الرجوع إلى زوجته قبل خروج عدّتها وبعده؛ لأنّه بعد توبته مسلم، وله أن يتزوّج بالمسلمة».
بل قال
السيد الگلبايگاني : إنّ جواز ذلك في كلتا الصورتين مستفاد من بعض الروايات، وتقتضيه
القواعد الفقهية .
لو ارتدّ الزوج عن ملّة فإن كان ارتداده قبل الدخول فقد ذهب الفقهاء إلى أنّ العقد ينفسخ في الحال، من دون خلاف في ذلك،
بل ادّعى
المحقّق النجفي الإجماع بقسميه على ذلك؛
لأنّه لا عدّة قبل الدخول حتى ينتظر.
وأمّا لو كان الارتداد بعد الدخول فالمعروف
ونسبه السيد الخوئي في
المنهاج إلى المشهور.
بل ادّعي عدم الخلاف
فيه أنّ الانفساخ يتوقّف على
انقضاء العدّة، فإن رجع قبل انتهائها فهو أملك بها وكان العقد ثابتاً بينه وبينها، وإن انقضت العدّة ولم يرجع انكشف أنّها بانت منه من حين الارتداد ولم يكن له عليها سبيل.
بل قال
السيّد الطباطبائي : «ظاهر
الأصحاب الاتّفاق على
الحكم ».
واحتجّ لذلك بصحيحة
أبي بكر الحضرمي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام: «إن ارتدّ الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلّقة ثلاثاً، وتعتدّ منه كما تعتدّ المطلّقة، فإن رجع إلى الإسلام وتاب قبل أن تتزوّج فهو خاطب، ولا عدّة عليها منه له، وإنّما عليها العدّة لغيره...».
واستدلّ بها في
الجواهرونوقش
فيها بأنّها دالّة على أنّ المرأة تبين منه بمجرّد الارتداد كما تبين المطلّقة ثلاثاً، وأنّه لو تاب وهي في العدّة فهو خاطب من الخطّاب، وهم قد ذكروا أنّه لو عاد قبل انقضاء عدّتها فلا تحتاج إلى عقد آخر، والرواية على خلافه، وحينئذٍ فيشكل الحكم.
وأمّا ما ذكره السيد الطباطبائي من إمكان
الاستدلال عليه بفحوى المعتبرة، فالظاهر عدم تسليم
السيد الشهيد الصدر في الحكم في تلك المسألة أيضاً حيث قال في تعليقته على عبارة
السيد الحكيم : «لو أسلم زوج الكتابية ثبت عقده، ولو أسلمت دونه قبل الدخول انفسخ العقد وبعده يقف على انقضاء العدة» بالقول: «وقوفه وإن كان هو القول المشهور المدعم بروايات عديدة، ولكنّ التمحيص يدلّ على أنّ المسألة ليست نقيّة، فالأحوط تجديد العقد، وكذا فيما بعده».
وهذا وإن كان في الكتابية إلّا أنّ الظاهر أنّه في الوثنية يكون أولى.
إلّا أنّ السيد الطباطبائي ذهب إلى أنّ الحجّة في الحكم هو الاتّفاق دون النصوص لنفس الإشكال، ثمّ قال:«ويمكن الاستدلال عليه بفحوى المعتبرة الدالّة على اعتبار انقضاء العدّة في البينونة المحضة في إسلام أحد الوثنيّين؛
لأضعفيّة الكفر الارتدادي عن الأصلي؛ لبقاء حرمة الإسلام فيه دونه، فثبوت الحكم في الأقوى ملازم لثبوته في الأضعف بطريق أولى».
ولعدم وضوح المدرك احتاط السيّد الشهيد الصدر في المسألة حيث قال في تعليقته على المنهاج: «وقوفه كذلك ( على انقضاء العدّ) محلّ
إشكال ؛ لعدم وضوح المدرك فلا بدّ من مراعاة
الاحتياط ».
لو وقع الارتداد من الزوجة- عن فطرة كانت أو عن ملّة- فإن كان قبل الدخول فلا خلاف بين الفقهاء في انفساخ العقد في الحال،
بل ادّعي عليه الإجماع
أيضاً؛ لعدم جواز نكاح المسلم كافرة،
ابتداءً واستدامةً ، ولقوله تعالى: «وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ».
والظاهر من كلماتهم عدم ثبوت العدّة على الزوجة حينئذٍ، كما هو صريح
ابن سعيد ؛
وذلك لعدم حصول التقاء الختانين.
وأمّا إن كان ارتدادها بعد الدخول فالمشهور
أنّ الانفساخ موقوف على انقضاء عدّة الطلاق، فلو لم تسلم الزوجة حتى انقضت العدّة انكشف الانفساخ والبينونة من أوّل الارتداد، ولا يجوز للزوج في ضمن العدّة التزويج
بأُختها ، ولا بخامسة؛ لأنّها كالعدّة الرجعيّة حيث انّه يرجى رجوعها وعودها في كلّ وقت. لكن في
الحدائق : «لا يحضرني الآن نصّ في أنّها هل تبين بمجرّد الارتداد أو يقف على انقضاء العدّة»
؟
هذا كلّه لو ارتدّ أحد الزوجين، وأمّا لو ارتدّا معاً دفعة فصرّح بعض الفقهاء
بأنّ الحكم هو ما تقدّم بلا فرقٍ فيه؛ ولعلّه لإطلاق ما دلّ على الحكم من نصّ أو معقد إجماع وغير ذلك.
لا يصحّ تزويج المرتد ولا المرتدّة؛ لاشتراط التكافؤ في
الدين .
أمّا عدم صحّة تزويج المرتدّ سواء كان تزوّج بمسلمة أو بكافرة فقد نصّ عليه
الشيخ الطوسي والمحقّق والعلّامة الحلّيان وغيرهم؛
وذلك لأنّ المرتدّ دون المسلمة وفوق الكافرة؛ لتحرّمه بالإسلام المانع من
التزويج بها.ولا فرق في الكافرة بين أنواع
الكفر حتى الارتداد، فلو تزوّج المرتدّ بمرتدّة لم يقرّا عليه وإن تابا؛
لأنّ المرتد لم يقرّ على دينه والمرتدّة فوقه؛ لأنّها لا تقتل.
وخالف في ذلك السيد الخوئي وذهب إلى صحّة تزويجه بالكافرة،
لا سيّما في الكتابيّة، ولا سيّما في
المتعة ؛ مستدلّاً عليه بأنّ تزويج المسلم بالكتابيّة إذا كان جائزاً مطلقاً أو في خصوص المتعة- كما هو المشهور- فتزويج من هو دون المسلم بطريق أولى، وأمّا تزويجه- أي المرتدّ- من غير الكتابيّة، فإن تمّ إجماع على عدم الجواز فهو، ولكنّه غير تامّ، وعليه فلا مانع منه، لعدم الدليل على المنع.
هذا كلّه في المرتدّ، وأمّا المرأة المرتدّة فلا يجوز لها أن تنكح المسلم والكافر، فلا ينعقد عليها نكاح أحدٍ، وقد صرّح به الشيخ
والقاضي وابن إدريس وغيرهم.
واستدلّ لعدم صحّة نكاحها للمسلم بأنّها مشركة، وعدم جواز نكاحها للكافر بتحرّمها بالإسلام.
وكذا لا يجوز لها أن تنكح المرتدّ؛ لمنعه بوجوب قتله
كما تقدّم.ولا فرق في عدم صحّة النكاح عليها بين الدائم والمتعة كما هو صريح
ابن سعيد،
وظاهر إطلاق غيره.كما أنّه لا فرق في الحكم بين أن تكون المرتدّة، فطريّة أو ملّية.وكذا لا يجوز نكاح الأمة المرتدّة بملك اليمين، كما ذكره ابن سعيد في قوله: ولا يجوز وطء
الأمة المرتدّة بملك اليمين.
وكذا قال المحقّق النجفي
والسيد اليزدي إنّ المملوكة في حكم الزوجة إذا لم تكن مرتدّة.
وإذا طلّقت الزوجة طلاقاً رجعيّاً ثمّ ارتدّت فهل يصحّ مراجعتها في حال الردّة؟المشهور بين الفقهاء المنع عن ذلك، كما لا يصحّ
ابتداء الزوجيّة فكذا استدامتها.
ويؤيّد ذلك أنّ الرجوع- حينئذٍ- تمسّك بعصم الكوافر المنهيّ عنه في
الآية نهي فساد؛
لقوله تعالى: «وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ».
وعلّل أيضاً بأنّ المقصود من الرجعة
الاستباحة ، وهذه الرجعة لا تفيد
الإباحة ؛ فإنّه لا يجوز
الاستمتاع بها ولا الخلوة بها ما دامت مرتدّة.
والمحقّق النجفي بعد التصريح بأنّه:لا تصحّ الرجعة للمرتدّة قال: «لمصادفتها محلّاً غير قابل للرجوع؛ ضرورة اقتضاء الارتداد انفساخ النكاح الكامل فضلًا عن علقته في المطلّقة رجعيّاً، ومن هنا تبين منه لو لم تكن مطلّقة، وما دلّ على اقتضاء الرجعة الرجوع إنّما هو مع
انحصار سبب الفسخ في الطلاق، لا مع فرض حصول سبب آخر له، ودعوى صحّة الرجعة بمعنى تأثيرها فسخ الطلاق فله أن يطلّقها حينئذٍ واضحة الفساد؛ ضرورة عدم صحّة الطلاق في البائنة منه بالارتداد.نعم قد يقال: بناءً على ما ذكرناه سابقاً من المراعاة في الفسخ بالارتداد بالإسلام وعدمه إلى انقضاء العدّة يتّجه حينئذٍ صحّة الرجعة
والطلاق أيضاً مراعى بإسلامها في العدّة؛ لانكشاف حصولهما حينئذٍ في المحلّ القابل لهما».
وأمّا حكم
المهر فإنّه لو كان الارتداد من الزوجة وكان قبل الدخول فليس لها من المهر شيء، بلا خلاف في ذلك؛
لأنّ الفسخ جاء من قبلها، ولأنّ المعاوضة انفسخت قبل
التقابض .
وأمّا لو وقع الارتداد من الزوج وكان قبل الدخول ففيه قولان:
الأوّل: ثبوت نصف المهر للزوجة، تنزيلًا للفسخ بارتداده منزلة طلاقه المنصّف للمهر قبل الدخول، وهو قول الشيخ الطوسي والمحقّق والعلّامة الحلّيين.
الثاني: ثبوت جميع المهر؛ لأنّه هو الثابت بالعقد، وتنصيفه يحتاج إلى دليل، وخروج الطلاق بدليل خاصّ لا يقتضي التعدية بعد حرمة القياس، وهو قول
الفخر المحقّقين والشهيد الثاني وسبطه وغيرهم.
ولا فرق في الحكم بين أن يكون الارتداد عن فطرة أو عن ملّة.
إلّا أنّ العلّامة احتمل في
القواعد ثبوت جميع المهر فيما إذا كان ارتداد الزوج عن فطرة.
ووجهه أنّ الارتداد عن فطرة بمنزلة الموت وهو يوجب تقرّر جميع المهر.
وأمّا إذا تحقّق الارتداد بعد الدخول فلا يسقط من المهر شيء؛
لاستقراره بالدخول.
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۴۱۸-۴۲۵.