الاستيلاد(في الأمة)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاستيلاد(توضيح).
تعرضوا الفقهاء لأحكام
الاستيلاد في هذا البحث وأموريتحقق الاستيلاد بها.
يتحقّق الاستيلاد بامور ثلاثة:
لابدّ في تحقّق
الاستيلاد وجريان أحكامه من صدق عنوان
الحمل على
الأمة بعد وطئها، وقد اتّفق الفقهاء
على صدقه في
المضغة،(المضغة: قطعة لحم حمراء فيها عروق خضر مشتبكة؛ سمّيت بذلك لأنّها بقدر ما يمضع.)
في جميع مراحلها؛ لصحّة
إطلاق الحمل عليها.
ويشهد لذلك
صحيحة ابن الحجّاج عن أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته عن
الحبلى إذا طلّقها زوجها فوضعت سقطاً- تمّ أو لم يتمّ- أو وضعته مضغة، فقال: «كلّ شيء يستبين أنّه حمل- تمّ أو لم يتمّ- فقد انقضت
عدّتها وإن كان مضغة».
وأمّا
العلقة(العلقة: هي القطعة الجامدة من الدم بعد أن كانت منيّاً.)
فالمشهور صدق الحمل بها بمجرّد
انعقادها ، بل ادّعي عليه
الإجماع ؛
للصدق العرفي
وإن تردّد بعض وخالف آخرون.وهو الظاهر من الإسكافي حيث قال بانقضاء العدّة بإسقاطها مضغة فما زاد عليها.
ولعلّه
للاقتصار في الصحيحة المتقدّمة على المضغة في قوله عليه السلام: «وإن كان مضغة».واورد عليه بأنّ كلام
الإمام تقرير لكلام السائل، لا لبيان أقل مراتب الحمل.
وأمّا
النطفة(النطفة: هي نفس المني قبل تبدّله إلى علقة، وذكر بعضهم أنّ النطفة تبقى أربعين يوماً ثمّ تصير علقة.)
فالمشهور عدم صدق الحمل عليها؛ لعدم اليقين بنشوء
الصورة الإنسانية منها، فيستصحب حكم الأمة.
وخالف في ذلك جماعة مدّعين صدق الحمل مع
استقرارها في
الرحم ،
حيث نسب اعتبار وضع النطفة في العدد إلى التحرير والجامع أيضاً. وليس من باب مجاز
المشارفة ؛ لشهادة التأمّل في
الاستعمال على خلافه، كما قيل.
وتظهر ثمرة هذا البحث في
بطلان التصرّفات الناقلة للأمة
ببيع أو
هبة ونحوهما في صورة صدق الحمل، وصحّتها في صورة عدم
الصدق .
وكذا تظهر
الثمرة في
احتساب العدّة بالنسبة للحرّة والأمة من الزوج والشبهة،
فإنّها تنتهي بإسقاط الحمل في صورة صدقه،
ولا تنتهي إلّابعد انتهاء عدّة
الطلاق أو الوفاة عند حدوث أحدهما في صورة عدم صدقه.ولا فرق في ترتيب أحكام الاستيلاد بين كون العلوق والحمل ناشئاً من جماع أو
مساحقة أو
إراقة مني في رحم؛ لأنّ
المعيار هو صدق الحمل، وكونه
ولداً للمولى شرعاً.
لابدّ في جريان أحكام الاستيلاد أن يكون العلوق بولدٍ حرّ، فلا تجري أحكامه لو كانت الأمة قد علقت من عبد مملوك وهبها مولاها إليه، بناءً على صحّة تمليك
المملوك .
ويدلّ عليه- مضافاً إلى الأصل
أنّ ولدها يكون حينئذٍ مملوكاً مثل
أبيه ، لا يرث ولا يورِّث كسائر العبيد، فلا تنعتق هي من سهمه، ولا تكون مشمولة لقول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أعتقها ولدها»،
أي من سهمه الذي ورثه من أبيه، وهو هنا لا سهم له من
الإرث .
المشهور اشتراط علوق الأمة في ملك الواطئ، فلا يكفي علوقها في ملك الغير ثمّ
امتلاكها بعد الحمل.
واستدلّ
له مضافاً إلى الأصل
برواية
ابن مارد عن
الإمام الصادق عليه السلام في الرجل يتزوّج الأمة، فتلد منه أولاداً، ثمّ يشتريها، فتمكث عنده ما شاء اللَّه، لم تلد منه شيئاً بعدما ملكها، ثمّ يبدو له في بيعها، قال:«هي أمته، إن شاء باع ما لم يحدث عنده
حمل بعد ذلك، وإن شاء أعتق».
وهي وإن كانت ضعيفة لورودها من طريق [[|الشيخ]] عن ابن مارد،
إلّاأنّها منجبرة
بالشهرة العظيمة،
بل اعتبرها بعضهم صحيحة.
وخالف في ذلك الشيخ
وابن حمزة فاختارا كفاية ملك الأمة بعد الوطء إذا كان محكوماً على الولد بالحرّية كما لو كان الوطء شبهة أو بالعقد مع عدم اشتراط الرقّية؛
لصدق الاستيلاد وامّ الولد حينئذٍ،
بل ذهب الشيخ في
الخلاف إلى كفاية ذلك حتى لو كان الولد مملوكاً، كما لو استولدها بعقد شرط عليه فيه رقّ الولد- بناءً على صحّته- أو لغير ذلك ثمّ ملكها.
واورد عليهما بأنّ ذلك مخالف لرواية ابن مارد الآنفة، مع المنع من صدق عنوان امّ الولد عليها؛ لعدم
انطباقه إلّاعلى أصناف من الجواري باعتبار الحالات العارضة لها بوصف المملوكية.
ثمّ إنّه لا يشترط في تحقّق الاستيلاد وصيرورة الأمة امّ ولد أن يكون الوطء على وجه محلّل، فلو وطأها حال
الإحرام أو
الحيض أو
النفاس فعلقت منه تحقّق الاستيلاد،
بل في
القواعد : «لو زوّج أمته ثمّ وطأها فعل محرّماً، فإن علقت منه فالولد حرّ، ويثبت للأمة حكم الاستيلاد»، بل فيها أيضاً: «لو ملك امّه أو
اخته أو
بنته من
الرضاع انعتقن على الأصحّ، وقيل: لا ينعتقن، فلو وطأ إحداهنّ فعل حراماً، ويثبت لهنّ حكم الاستيلاد».
وذكر نحوه في
المبسوط ؛
ولعلّه لصدق امّ الولد.
واورد عليه بأنّ ولد الأمة المزوّجة والمحرّمة بالرضاع مع العلم بالتحريم منفيّ عنه شرعاً؛ ولثبوت
الحدّ عليه بوطئها، فلا يلحقه
النسب .
هذا، وربما يشهد للعدم ما في خبر ابن مارد؛ ضرورة عدم صدق حدوث الحمل عنده على المزوّجة.
بل قد يقال: إنّ
المستفاد من الأدلّة أنّ الواطىء لابدّ أن يكون بحيث يملك وطءها وإن حرم عليه بالعارض لحيض أو غيره، دون ما لا يملك وطءها وإن ملكها كما في المقام- أي المزوّجة والمحرّمة من الرضاع- بناءً على عدم
انعتاقها عليه، فإنّه لا يملك وطئهنّ وإن ملكهنّ.
ثمّ إنّه لو ظهرت
الجارية المشتراة مستحقّة للغير جاز لمالكها انتزاعها حتى بعد استيلادها بلا خلاف ولا
إشكال .والمشهور أنّ على
المشتري الذي استولدها عشر قيمتها إن كانت بكراً، ونصف العشر إن كانت ثيّباً،
وقيل: مهر أمثالها.
ونسب ذلك أيضاً إلى الشيخ الطوسي.
وأمّا الولد فقد ذهب جماعة إلى أنّه حرّ يرجع إلى أبيه، بل ادّعي عليه الإجماع؛ للأصل، ولتبعيّة الولد لأشرف الأبوين،
مضافاً إلى بعض
الأخبار الآتية.
وخالف في ذلك الشيخان في
المقنعة والنهاية ،
مدّعيين توقّف حرّيته على إرضاء مالك الأمة بشيء، ولعلّه
لما في موثّقة سماعة، قال: سألته عن مملوكة قوم أتت قبيلة غير قبيلتها وأخبرتهم أنّها حرّة، فتزوّجها رجل منهم فولدت له، قال:«ولده مملوكون إلّاأن يقيم البيّنة أنّه شهد لها شاهدان أنّها حرّة، فلا يملك ولده، ويكونون أحراراً».
واورد عليها- مضافاً إلى عدم دلالتها على تمام المدّعى،
وإمكان حملها على صورة الزنا- أنّها معارضة بما هو أقوى منها سنداً وأكثر عدداً من النصوص المعمول بها لدى الفقهاء.
نعم، على الأب غرامة قيمة الولد يوم الولادة؛
لقول الصادق عليه السلام في مرسلة جميل: «... ويأخذ الرجل ولده بقيمته»؛
ولأنّه نماء ملك المالك وقد أتلفه عليه.
ويرجع المشتري على البائع بقيمة الولد،
وفيه: «لا خلاف في رجوعه بالثمن وقيمة الولد». وهل يرجع عليه بما اغترمه من مهر
وأجرة؟ قيل: نعم؛
لأنّ المغرور يرجع على من غرّه.
وقيل: لا؛ لحصول الانتفاع
بالبضع في مقابل
الغرامة .
ولو كان ثمن الجارية ديناً فتزوّجها وجعل
عتقها مهرها ، فأولدها ومات بعد ذلك ولم يتمكّن من أداء ثمنها، فقد ذهب
ابن إدريس والمحقّق وأكثر المتأخّرين نسبه إليهم في كفاية الأحكام،
إلى وقوع عتقها صحيحاً؛ لصدوره من أهله ووقوعه في محلّه، وانعقاد الولد حراً، وخروجها عن امّ الولد، والحرّ لا يعود رقّاً.
وخالف في ذلك الشيخ
وابنا الجنيد حكاه عنه في المختلف،
والبرّاج،
حيث حكموا برقّية الولد وامّه؛ لرواية
أبي بصير ، قال:سئل أبو عبد اللَّه عليه السلام- وأنا حاضر- عن رجل باع من رجل جارية بكراً إلى سنة، فلمّا قبضها المشتري أعتقها من الغد، وتزوّجها وجعل مهرها عتقها، ثمّ مات بعد ذلك بشهر، فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «إن كان للّذي اشتراها إلى سنة مال أو عقدة يوم اشتراها وأعتقها تحيط بقضاء ما عليه من
الدين في رقبتها فإنّ عتقه وتزويجها جائز، وإن لم يكن للّذي اشتراها وتزوّجها مال ولا عقدة يوم مات تحيط
بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها فإنّ عتقه
ونكاحه باطل؛ لأنّه أعتق ما لا يملك، وأرى أنّها رقّ لمولاها الأوّل»، قيل له: فإن كانت قد علقت من الذي أعتقها وتزوّجها ما حال ما في بطنها؟ فقال: «الذي في بطنها مع امّه كهيئتها».
واجيب عنه بأنّ الخبر مطرح أو محمول إمّا على العتق في المرض الذي يموت فيه، فلا يكون ناجزاً مع فرض عدم ثلث في تركته يفي بعتقه، أو أنّه محمول على أنّ العتق
للإضرار بالبائع لكي لا يحصل عليها ولا على ثمنها، فلا يقع العتق لذلك صحيحاً؛
لافتقاره إلى نيّة القربة المفقودة هنا، أو على غير ذلك.
وقد يقال: إنّ الخبر ضعيف
باشتراك أبي بصير بين
الثقة وغيره،
وبالاضطراب ؛ لأنّ الشيخ تارة رواه عن
هشام بن سالم من غير واسطة، واخرى عن أبي بصير.
لكن في
الجواهر : «قد يناقش بمنع اشتراك أبي بصير بين الثقة وغيره، بل كلّ منهما ثقة... ولو سلّم
فالخبر صحيح أو
موثّق ، وكلّ منهما حجّة، فالأولى تأويلها...».
لا إشكال في
صيرورة الأمة امّ ولد إذا أقرّ المولى ببنوّة ولدها له وعلوقها في ملكه إذا كان
الإنجاب منه ممكناً ولم يكن لها زوج أو
محلّل بحيث يلحق به ولدها.
إنّما الإشكال في صورة
إقراره بالبنوّة وعدم تصريحه بما يدلّ على علوقها في ملكه، حيث ذهب بعضهم في هذه الحالة إلى عدم جريان أحكام الاستيلاد؛ لإمكان أن يكون تملّكه لها بعد النكاح، أو كان وطؤه لها شبهة.ورغم أنّ ظاهر الحال هو علوقها في ملكه إلّاأنّ
الشهيد الثاني قدّم أصالة عدم العلوق في الملك عليه،
اعتقاداً منه بغلبة الأصل على الظاهر؛
لأنّ الظاهر إنّما يقدّم على الأصل إذا قام دليل على حجّيته، وإلّا كان الأصل هو
الحجّة ؛ لقيام الدليل عليه.
بل أكّد في الجواهر على عدم جريان أحكام الاستيلاد حتى ولو كان الأصل تأخّر العلوق عن الملك، وذلك فيما لو علم بتاريخ تملّك الأمة؛ فإنّ مقتضى الأصل حينئذٍ وإن كان هو تأخّر العلوق عن الملك إلّاأنّ ذلك لا ينفع في
إثبات كونها امّ ولد إلّاعلى القول بالأصل المثبت؛ لأنّ اعتبارها امّ ولد لازم تأخّر العلوق عن الملك لا نفسه.
المشهور
إجزاء عتق امّ الولد عن كفّارة مولاها؛
لبقائها على
الرقّية ،
وعدم تأثير
المنع من بيعها في صدق مملوكيّتها لمولاها، مضافاً إلى إطلاق الأدلّة المؤيّدة برواية
السكوني عن جعفر عن أبيه عن
علي عليهم السلام قال: «امّ الولد تجزي في
الظهار ».
وخالف ذلك ابنا الجنيد
والبرّاج ؛ لعدم بقاء صفة الرقّية في امّ الولد على تمامها وكمالها؛ لصيرورتها في معرض
الانعتاق بسبب الاستيلاد.نسبه إلى ابن الجنيد.
واورد عليه بأنّها إنّما تستحقّ
العتق بعد موت مولاها لا مطلقاً.
وعدم جواز بيعها لا ينافي بقاءها على الملكية.
نعم، في صحّة وقوعها كفّارة عن الغير إشكال؛ لأنّها من جهة تتضمّن نقلها عن ملك مولاها؛ إذ لا يتمّ عتق الغير لها كفّارة عنه إلّابعد انتقالها إليه، وهو ممنوع.
ومن جهة اخرى: أنّ وقوعها
كفّارة عن الغير يستلزم تعجيلًا في تحريرها من الرقّية، وهو ينفعها ولا يضرّها.
لا إشكال في صحّة
الوصيّة لُامّ الولد، إنّما الإشكال في أنّ انعتاقها بعد موت مولاها يكون من مال الوصيّة أم من مال الولد وسهمه من الإرث؟ اختلفوا فيه على عدّة أقوال:
أنّها تنعتق من مال الوصيّة، فإن ضاقت استكملت من نصيب ولدها، وهو مختار
جماعة ،
بل قيل: إنّه المشهور؛
لتأخّر الإرث عن الوصيّة؛ لقوله تعالى: «مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ»،
فلا يثبت
سهم للولد من الإرث قبل الوصيّة كي تنعتق منه، فلابدّ من انعتاقها من مال الوصيّة.واورد عليه بأنّ
الآية لا تنفي ثبوت الملك للورثة قبل الوصيّة، وإنّما تنفي
استقراره لهم قبل عزل مال الوصيّة.
أنّها تنعتق من سهم ولدها، ويبقى مال الوصيّة لها؛
لأنّ
التركة تنتقل إلى الورثة من حين الموت، فلابدّ من انعتاقها من سهم ولدها.
أنّها تنعتق من ثلث التركة؛
لرواية
أبي عبيدة قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل كانت له امّ ولد له منها
غلام ، فلمّا حضرته
الوفاة أوصى لها بألفي درهم أو أكثر، للورثة أن يسترقّوها؟ قال: فقال: «لا، بل تعتق من ثلث الميّت، وتعطى ما أوصى لها به».
التخيير في عتقها بين مال الوصيّة وسهم ولدها؛ عملًا بمقتضى دليلي القولين الأوّلين، وأخذاً بالإجماع على عدم توزيع انعتاقها بين مال الوصيّة وسهم الولد.
لا خلاف في أنّ الأمة لا ترث من مال أقاربها؛
للأخبار الدالّة على عدم توارث
الحرّ والمملوك، كقول الإمام الصادق عليه السلام في رواية
محمّد بن حمران : «لا يتوارث الحرّ والمملوك».
ومن الواضح أنّ امّ الولد مملوكة كسائر الإماء رغم تشبّثها بالحرّية، فهي محرومة من الإرث، ومشمولة للأخبار والأدلّة المذكورة في هذا المجال.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۴۰۵-۴۲۸.