المصاهرة بالعقد و الوطء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
فمن وطئ
امرأة بالعقد أو
الملك حرمت عليه أم الموطوءة و إن علت و بناتها و إن سفلن، سواء كن قبل
الوطء أو بعده. و حرمت الموطوءة على أبى الواطئ و إن علا و أولاده و إن نزلوا.
من وطئ
امرأة بالعقد مطلقاً دائماً كان أم
متعة، منه أو
الملك، حرمت عليه أُمّ الموطوءة و إن علت من الطرفين و بناتها و إن سفلن مطلقاً سواء كنّ قبل
الوطء أو وجدن بعده كنّ في حجره و حضانته أم لا، و
التقييد في
الآية المراد بها قوله تعالى: «وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ»
خرج مخرج الغلبة، و صرّح بالتعميم و عدم اعتباره بعض المعتبرة
.
و حرمت الموطوءة كالمعقود عليها على أبي الواطئ و إن علا، و أولاده و إن نزلوا كلّ ذلك بالكتاب، و
السنّة، و
الإجماع من المسلمين كافّة، حكاه جماعة
و هو العمدة في إثبات أكثر الأحكام المتقدّمة؛ لقصور الأوّلَين عن إفادتها طرّاً؛ لعدم اشتمالهما المرتفعين و المرتفعات و السافلين و السافلات، مع أنّ السنّة في ملك اليمين مختلفة. ففي الخبر: رجل كانت له
جارية، فوطئها، فباعها أو ماتت، ثم وجد ابنتها، أيطؤها؟ قال: «نعم، إنّما حرّم
الله تعالى هذا من الحرائر، فأمّا الإماء فلا بأس»
.
و نحوه خبران آخران
، مشتركان له في ضعف السند، و الشذوذ، و مخالفة
القرآن الكريم. و خصوص المعتبرة المستفيضة، كالصحيح: عن رجل كانت له جارية، فأُعتقت و تزوّجت، فولدت، أيصلح لمولاها الأول أن يتزوّج ابنتها؟ قال: «لا، هي عليه حرام، و هي ابنته، و الحرّة و المملوكة في هذا سواء»
و نحوه الموثّقات
و بالجملة: الإجماع كفانا مئونة الاشتغال بالاستدلال لهذه الأحكام في المجال.
•
المصاهرة بالعقد فقط، و لو تجرّد
العقد على
البنت عن
الوطء، حرمت أُمّها عليه عيناً فلا يجدي فراقها لاستحلال الام جدّاً على الأصحّ الأشهر، بل كاد أن
يكون إجماعاً.
و لا تحرم مملوكة
الابن على
الأب بمجرّد الملك بالإجماع؛ للأصل و النصوص المستفيضة، بل
المتواترة الآتي بعضها.
و تحرم بالوطء إجماعاً؛ لعموم «وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ»
.
و النصوص، كالخبر: «إذا أتى الجارية و هي
حلال، فلا تحلّ بذلك الجارية أبداً لابنه و لا لأبيه»
الحديث .
بل مقتضى الصحاح الآتية التحريم بمجرّد المباشرة
، فثبوته بالوطء أولى.
و كذلك مملوكة الأب إجماعاً؛ لعين ما تقدّم من الأدلّة.
و لا يجوز لأحدهما أن يطأ مملوكة الآخر ما لم يكن عقدٌ أو تحليل إجماعاً؛ لقبح التصرّف في ملك الغير، و لفحوى
النصوص الآتية قريباً.
نعم، يجوز أن يقوّم الأب مملوكة ابنه الصغير و ابنته الصغيرة على نفسه بقيمة عادلة ثم يطؤها بلا خلاف في الظاهر. للنصوص، منها الصحيح: في الرجل يكون لبعض ولده جارية، و ولده صغار، هل يصلح أن يطأها؟ فقال: «يقوّمها قيمة عدل، ثم يأخذها، و يكون لولده عليه ثمنها»
.
و إطلاقه كغيره يقتضي عدم الفرق في وجود مصلحة أم لا، كما ذهب إليه جماعة
، خلافاً لآخرين، فاشترطوها
و الأوّل أقوى ؛ تمسّكاً بالإطلاق.
نعم، يشترط عدم المفسدة إجماعاً.
و في تعدية الحكم إلى
الجدّ إشكال: من اختصاص النصوص بالأب، و من اتّحاد المعنى، و هو أقوى؛ لاشتراكهما في أغلب الأحكام، بل يستفاد في بعض المواضع أولويّته عليه.
و من توابع هذا الفصل: تحريم أُخت الزوجة لأب، أم لُامّ، أم لهما جمعاً لا عيناً بإجماع علماء الإسلام كافّة، و صريح الآية «وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ»
و النصوص المستفيضة، المصرّحة بعدم الفرق بين الدائم و المنقطع و الوطء بملك اليمين.
ففي
الصحيح أو
الحسن: في رجل طلّق امرأته أو اختلعت أو بانت، إله أن يتزوّج بأُختها؟ قال: فقال: «إذا برئت عصمتها و لم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أُختها» قال: و سُئل عن رجل كانت عنده اختان مملوكتان، فوطئ إحداهما ثم وطئ الأُخرى، قال: «إذا وطئ الأُخرى فقد حرمت عليه الاولى حتى تموت الأُخرى» الحديث
.
و في الصحيح: الرجل يتزوّج المرأة متعة إلى أجل مسمّى، فينقضي الأجل بينهما، هل له أن ينكح أُختها قبل أن تنقضي عدّتها؟ فكتب: «لا يحلّ له أن يتزوّجها حتى تنقضي عدّتها»
.
و كذا تحرم جمعاً لا عيناً بنت أُخت الزوجة و بنت أخيها و إن نزلتا، فإن أذنت إحداهما أي الخالة أو العمّة ـ صحّ على الأصحّ الأشهر، بل المجمع عليه، كما عن
الانتصار و
الناصريات و
الخلاف و
الغنية و في
الروضة و
التذكرة و
نهج الحق للعلاّمة؛ ـ
، و حكاه
الشهيد؛ لم نعثر عليه و لا على الحاكي عنه و غيره
أيضاً.
للنصوص المستفيضة، مضافاً إلى الآية في طرف الجواز مع الإذن.
ففي الموثّقين: «لا يتزوّج على الخالة و العمّة ابنة
الأخ و ابنة
الأخت بغير إذنهما»
و أمّا الثاني: فلم نعثر عليه بهذا
النص، و ما وجدناه هكذا: «لا تزوّج ابنة الأخ و لا ابنة الأخت على العمّة و لا على الخالة إلاّ بإذنهما» الحديث.
و في الصحيح المرويّ في
نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى: «لا تنكح الجارية على عمّتها و لا على خالتها إلاّ بإذن العمّة و الخالة، و لا بأس أن تنكح العمّة و الخالة على بنت أخيها و بنت أُختها»
.
و المرويّ في علل الصدوق؛ ـ: «إنّما نهى
رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) عن تزويج المرأة على عمّتها و خالتها؛ إجلالاً للعمّة و الخالة، فإذا أذنت في ذلك فلا بأس»
.
ونحوها خبران يأتيان قريباً.
و هي كالصحاح الآتية
حجّة على القديمَين المجوِّزين له مطلقاً
.
و حجّتهما من
الأصل، و عموم الآية «وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ»
مخصّصة بها.
و على
المقنع المحرِّم
كذلك. و حجّته من الصحاح المطلقة للتحريم إمّا مقيّدة بها، أو محمولة على
التقيّة؛ لكونه مجمعاً عليه بين علماء الإسلام كافّة عدا
الإماميّة.
و في اختصاص الحكم بتحريم الجمع بينهما بالزوجيّة، فلا يحرم الجمع بالوطء بملك اليمين؛ أو العموم له. وجهان الأشهر: الأول؛ للأصل، و العمومات، و اختصاص المانعة عن الجمع بالأول. و منه يظهر وجه عدم اعتبار استئذان العمّة والخالة الحرّتين في إدخال البنتين المملوكتين عليهما بالملك.
و دعوى الأولويّة هنا ممنوعة؛ بناءً على عدم استحقاقهما
الاستمتاع. و أولى من ذلك عدم اعتبار استئذانهما في صورة العكس، فتأمّل.
و لا كذا لو أدخل العمّة أو الخالة على بنت الأخ أو الأُخت فيحلّ الجمع هنا مطلقاً و إن كرهتهما البنتان، على الأظهر الأشهر، بل عن التذكرة
الإجماع عليه
؛ و هو الحجّة، مضافاً إلى الأصل و عموم الكتاب.
و للخبرين مضافاً إلى ما تقدّم في أحدهما: «لا تزوّج ابنة الأُخت على خالتها إلاّ بإذنها، و تزوّج الخالة على ابنة الأُخت بغير إذنها»
و في الثاني: عن امرأة تزوّج على عمّتها و خالتها، قال: «لا بأس» و قال: «تزوّج العمّة و الخالة على ابنة الأخ و ابنة الأُخت، و لا تزوّج بنت الأخ و الأُخت على العمّة و الخالة إلاّ برضاء منهما، فمن فعل فنكاحه باطل»
.
و قصور
السند منجبر بالأصل و موافقة
الكتاب و
الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً. خلافاً للمحكيّ عن المقنع، فأطلق المنع هنا أيضاً
. و هو ضعيف جدّاً، و يدفعه صريحاً مضافاً إلى ما تقدّم الصحيح: «لأتزوّج المرأة على خالتها، و تزوّج الخالة على ابنة أُختها»
و لا قائل بالفرق.
و نحوه الصحيح المرويّ عن نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى: «لا تنكح ابنة الأُخت على خالتها، و تنكح الخالة على ابنة أُختها، و لا تنكح ابنة الأخ على عمّتها، و تنكح العمّة على ابنة أخيها»
.
و لا فرق في الجواز بين علم الداخلة بكون المدخول عليها بنت أخ أو أُخت، أم لا، وفاقاً للأكثر؛ للأصل، و
إطلاق النصوص.
و عن العلاّمة: اشتراط
العلم و مستنده غير واضح، و النصوص باعتبار إذنهما مختصّة بالصورة الأُولى. و لو كان عنده العمّة أو الخالة، فبادر بالعقد على بنت الأخ أو الأُخت بدون إذنهما كان
العقد باطلاً إذا لم يأذنا إجماعاً، و كذا مع
الإذن عند المصنّف و غيره
.
إمّا للنهي عنه، المقتضي للفساد. و فيه منع. أو للحكم بالبطلان في الخبر المتقدّم. و هو مع الضعف يحتمل البطلان بدوام عدم الإذن كما هو الغالب، فيحمل إطلاق الخبر عليه، و لا ينافي الصحّة بطروّه، و قد ورد الحكم بالبطلان في تزويج
العبد بدون إذن السيّد، مع التصريح بالصحّة مع الإذن. أو لاحتياج الحكم بصحّة مثل هذا العقد المنهيّ عنه إلى دليل، من خصوص أو عموم، و ليس؛ إذ لا نصّ و لا إجماع. و فيه منع؛ لوجود العموم من الأمر بالوفاء بالعقود
، التي هذا منها.
و توهّم التناقض بين الأمر بالوفاء به و النهي عنه، مدفوعٌ بتغاير المحلّ فيهما، فهو في الأول استمرار العقد، و في الثاني إيقاعه، و لا تلازم بينهما، مضافاً إلى كثرة نظائره في
الشريعة، كالنهي عن
العقد الذي يترتّب عليه المفاسد، مع الإجماع على الصحّة و لزوم
الوفاء به بعد الوقوع.
نعم، ربما يستدلّ عليه بأنّه في عقده عاصٍ لله سبحانه فيفسد عقده؛ لما ورد في بعض المعتبرة كالصحيح أو الحسن
و نحوه
في تزويج العبد بدون إذن سيّده، حيث حكم بصحّته بعد رضاء السيّد؛ معلّلاً بعدم معصيته لله سبحانه، و فيه دلالة على
الفساد حيث يقع في معصية الله سبحانه.
و المراد بالمعصية: عدم امتثال ما تعلّق به النهي عنه بخصوصه أو عمومه، لا ما يلازمها، كتزويج العبد بدون إذن السيّد، فإنّه لم يقع عنه
النهي بخصوصه، إلاّ أنّه يلازم عصيان الأمر بامتثاله له عقلاً، فليس في نكاحه معصية الله سبحانه بالمعنى المتقدّم، نعم، يلازم
المعصية، التي هي الخروج عن
الأمر بالإطاعة، و لم يجعل (عليهالسلام) مثل هذه المعصية مناطاً لفساد
التزويج، بل الأوّل، و ما نحن فيه منه؛ لحصول المعصية بنفس العقد؛ للنهي عنه بخصوصه، فيفسد لحصول مناطه.
و قال (عليهالسلام) في بعضها بعد التعليل المتقدّم: «إنّ ذلك» أي تزويج العبد بلا إذن «ليس كإتيان ما حرّم الله عليه من
نكاح في
عدّة و أشباهه» و لا ريب أنّ ما نحن فيه منها في تعلّق النهي بنفسها، و حصول المعصية بعدم امتثاله فيها، التي هي مناط الفساد.
و من هنا يظهر فساد ما قيل: تتخيّر العمّة و الخالة بين الفسخ لعقد نفسهما و
الإمضاء له و لعقد البنتين أو إمضاء عقد أنفسهما خاصّة و فسخ عقدها أي
البنت خاصّة
مضافاً إلى ضعف دليله؛ لمنافاة تخيّرهما في فسخ عقد نفسهما للأصل اللازم الاتّباع. و رفع الجمع المنهي عنه بلا رضا يحصل بفساد الطارئ في نفسه أو فسخهما له.
و أضعف منه القول بفساد الطارئ و تزلزل الأول
؛ لاستلزام فساده عدم الوجه في تزلزله؛ إذ المقتضي له و ثبوت
الفسخ لهما هو الجمع المرتفع بفساد الثاني. و ربما قيل بتزلزله و لزوم الأوّل
؛ للأصل فيه، و إلحاق الأول بالفضولي.
و بما قرّرنا يظهر الجواب عنه.
و مراعاة
الاحتياط في أمثال المقام أولى؛ لإمكان تطرّق القدح إلى ما قدّمناه في وجه الاستدلال بالمعتبرة من توجيه المعصية بعدم امتثال النهي؛ لوجود مثلها في العبد، لورود النهي عن تزويجه بخصوصه في الصحيح، فكيف يقال: إنّه ما عصى الله تعالى؟!
فظهر أنّ المراد من المعصية غير ما ذكر، و الظاهر أنّ المراد بها هنا: مخالفة الإذن في نفس العقد من حيث هو هو، فيصحّ إطلاق عدم معصية العبد لله سبحانه في تزويجه بدون إذن سيّده؛ لكونه بنفسه مأذوناً فيه له منه تعالى و لغيره، غاية الأمر توقّفه على إذن السيّد، و حيث لم يتحقّق يصدق عليه أنّه عصاه، أي خالف إذنه.
و حينئذٍ تكون تلك المعتبرة بالدلالة على الصحّة هنا أقرب، من حيث مشابهته لتزويج العبد في عدم مخالفته لإذنه سبحانه؛ إذ تزويج ابنة الأخ مثلاً مأذون فيه من حيث إنّه تزويج، كما أنّ تزويج العبد من حيث إنّه تزويج مأذون فيه منه سبحانه، ولكن المانع و هو اعتبار إذن السيّد و المرأة طارٍ، و ذلك لا ينافي حصول الإذن في نفس التزويج من حيث هو منه سبحانه.
و لا كذلك تزويج المرأة في العدّة؛ لعدم الإذن منه فيه بنفسه بالمرّة، فالمراد بـ: «أشباهه» ما لم يأذن الله في أصله.
و حينئذ، فالزوج هنا ليس بعاصٍ له تعالى، و إنّما خالف إذن الزوجة، فهو عاصٍ لها من حيث عدم وقوع التزويج بإذنها، و الرجل مأمور بإطاعتها في ذلك، و قد جعل (عليهالسلام) عدم معصية الله تعالى بالمعنى المزبور مع انتفاء المانع وجهاً للحكم بالصحّة، و قد حصلا هنا، فيصحّ. هذا، مضافاً إلى عموم
الأمر بالوفاء بالعقود.
فالقول الأخير في غاية القوّة، ولكن مراعاة الاحتياط أولى بالنكاح مرّة أُخرى بعد الرضاء من الطرفين، و
الطلاق إن لم ترض به البنتان؛ احتياطاً في الفروج، و إن لم يمكن فالعمل على الأخير؛ لقوّة أدلّته.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۱، ص۱۷۱-۱۸۸.