البذر
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو ما يبذر وأول ما يخرج من
الزرع من
الحبوب كلها و
النسل و
الولد .
البذر- لغة-: نثر
الحبّ في
الأرض ، يقال: بذرت
الشيء أو الحبّ بذراً، بمعنى نثرته.
وقال
ابن منظور : «البذر:
مصدر ، بذرت وهو على معنى
قولك : نثرت الحبّ، وبذرت البذر: زرعته».
وقد يطلق البذر على ما يبذر،
فالمراد منه حينئذٍ ما عزل من الحبوب للزرع و
الزراعة .
وليس
للفقهاء مصطلح خاص به، بل يستعملونه في معناه اللغوي
ذاته .
تعرّض الفقهاء
للحديث عن البذر في مواضع من الفقه
الإسلامي نذكرها
إجمالًا كما يلي:
لا
إشكال في مشروعية البذر بمعناه المصدري، بل يمكن القول
باستحبابه لا
بعنوانه ؛ لما دلّ على استحباب الزراعة،
فعن
يزيد بن هارون الواسطي، قال: سألت
جعفر بن محمّد عليه السلام عن
الفلّاحين ، فقال: «هم
الزارعون كنوز
اللَّه في أرضه، وما في
الأعمال شيء أحبّ إلى اللَّه من الزراعة، وما بعث اللَّه
نبيّاً إلّا زرّاعاً، إلّا
إدريس عليه السلام فإنّه كان
خيّاطاً ».
وعن
سيابة عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سأله رجل، فقال له: جعلت فداك، أسمع
قوماً يقولون: إنّ الزراعة
مكروهة ، فقال له: «ازرعوا واغرسوا، فلا واللَّه ما عمل
الناس عملًا أحلّ ولا أطيب منه...».
إلى غير ذلك من
الأخبار التي تدلّ على استحباب الزراعة، بل يمكن القول
بوجوبها إذا قام نظام
المجتمع عليها كما لا يخفى.
ورد
النهي في الروايات عن البذر
بالليل وقد حمل على
الكراهة .
فعن
أبي بصير - يعني:
المرادي - عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا تصرم
بالليل... ولا تبذر بالليل؛ فإنّك إن فعلت لم يأتك
القانع و
المعتر »، فقلت: ما القانع والمعترّ؟ قال: «القانع الذي يقنع بما أعطيته، والمعترّ الذي يمرّ بك فيسألك... وكذلك البذر، لا تبذر بالليل؛ لأنّك تعطي في البذر كما تعطي في
الحصاد ».
إلى غير ذلك من الأخبار
الدالّة على كراهة البذر ليلًا؛ لعدم
التمكّن من حضور
السائل .
وظاهر
الشيخ الصدوق الحرمة حيث أطلق بأنّه لا يجوز الحصاد والبذر بالليل؛ لأنّ
المسكين لا يحضره.
إلّاأنّه يمكن
مناقشة ذلك بعدم القول بوجوب
الإعطاء ، فلا
وجه للقول بالحرمة.
ذكر الفقهاء في باب
الزكاة أنّ البذر يحسب من
المؤونة المستثناة من
الحاصل ، فلا تجب فيه زكاة، وإذا بلغ
الباقي نصاب الزكاة وجبت فيه.
والتفصيل في محلّه.
إذا باع أرضاً فيها بذر ففي
دخول البذر في
البيع خلاف، حيث ذهب بعض إلى أنّ البذر لا يدخل في بيع الأرض،
إلّاأن يقول البائع: بعتك الأرض وما فيها، أو ما اغلق عليه
بابها ،
أو إذا اشترطه
المشتري، أو دلّت
القرينة فيدخل حينئذٍ كغيره من الزروع.
وفصّل فيه بعض آخر بين أن يكون البذر
لأصل يبقى لحمل بعد حمل، مثل: نواة الشجر، وبذر القتّ وما أشبهه ممّا يجزّ دفعة بعد اخرى، فإنّه يدخل في البيع؛ لأنّه من حقوقه، وبين أن يكون البذر لما يحصد مرّة واحدة، مثل: الحنطة والشعير، فإنّه- حينئذٍ- لو باع الأرض
مطلقاً لم يدخل البذر في البيع،
بخلاف ما لو باعه مع البذر.
والتفصيل في محلّه.
وقع
البحث عن البذر في
المزارعة في امور:
يصحّ في المزارعة أن يكون البذر من
المالك أو
العامل أو من كليهما، وهذا ممّا لا إشكال ولا خلاف فيه.
وأمّا في
صحّة البذر من ثالث ففيه خلاف، فذهب
جماعة إلى عدم
جواز ذلك،
واستجوده
الشهيد الثاني .
كما أنّ ظاهر
فخر المحقّقين الميل إليه؛ وذلك لعدم
وروده في
الشرع و
الأسباب متلقّاة من
الشرع .
وذهب جمع آخر إلى جواز ذلك؛
استناداً إلى
العمومات والإطلاقات.
واورد عليه بأنّه لا إطلاق للأدلّة الواردة في
المقام ليشمل هذا
العقد ، والعمومات أيضاً
قاصرة في نفسها.
هذا، وتنظّر
العلّامة الحلّي في صحّة ذلك في بعض
كتبه ،
وظاهره
التوقّف . والتفصيل في محلّه.
يعتبر في المزارعة تعيين كون البذر على المالك أو العامل أو على كليهما،
فلو لم يعيّن ذلك ولم يكن هناك
معتاد ينصرف إليه الإطلاق ففيه خلاف، فذهب جمع إلى
بطلان العقد
حينئذٍ؛
لانتفاء موضوع المزارعة بانتفاء البذر، نظراً لعدم وجوب
بذله على كلّ منهما،
ولأنّه لا دلالة للعام على أحد
أفراده بخصوصه، فإذا اطلق العقد كان باطلًا
للجهالة .
وذهب العلّامة الحلّي في بعض كتبه
إلى أنّ الإطلاق يقتضي كون البذر على العامل وإن احتمل البطلان أيضاً. واستدلّ
على
اقتضاء الإطلاق له بدليلين:
أحدهما: أنّ
الغالب من
عادة المزارعين ذلك، والإطلاق يحمل على الغالب.
ثانيهما: قول أبي عبد اللَّه عليه السلام في صحيح
يعقوب بن شعيب، حيث سأله عن المزارعة: «
النفقة منك والأرض
لصاحبها ...».
واورد على الأوّل بأنّ العادة إنّما يجب
حمل الإطلاق عليها إذا كانت
مستقرّة مطّردة لا تنخرم، ولا يثبت كون
المتنازع فيه كذلك،
بل
الواجب على العامل هو
العمل خاصّة، وأمّا
مقدّماته فإثبات كونها عليه لا
دليل عليه.
وعلى الثاني بأنّ
الحديث لا يراد
ظاهره قطعاً؛
للإطباق على أنّ النفقة إذا كانت من صاحب الأرض كانت المزارعة
صحيحة ، فلا يراد به إلّانوع من المزارعة.
هذا، وظاهر
المحقّق النجفي التوقّف في
المسألة مع عدم وجود القرينة
الصارفة حيث قال: «وأمّا مع عدمه عدم
انصراف الإطلاق فيحتمل
التعيين - وإلّا بطل العقد
للغرر - وأن يكون على العامل»؛
لنفس
الرواية . والتفصيل في محلّه.
لو حكم ببطلان المزارعة وكان البذر للمالك كان الزرع له وعليه
اجرة المثل للعامل، وإن كان البذر للزارع كان الزرع له وعليه اجرة
المثل للمالك، وإن كان البذر منهما فالحاصل بينهما بالنسبة، ولكلّ منهما على
الآخر اجرة مثل ما يخصّه على نسبة ما للآخر فيه من
الحصّة .
ولو كان البذر من ثالث-
بناءً على القول بصحّة ذلك- فالحاصل له وعليه اجرة مثل الزرع وباقي الأعمال و
آلاتها .
لو اختلف المزارع وربّ الأرض في قدر الحصّة، فادّعى المالك قلّتها وادّعى العامل زيادتها، فالقول قول صاحب البذر
وإن كان هو
مدّعي الزيادة؛
لأصالة تبعيّة
النماء بلا خلاف فيه.
نعم، لو أقام كلّ منهما بيّنة قدّمت
بيّنة العامل.
والتفصيل في محلّه.
لو غصب حبّاً فزرعه اختلف في ملكيّته، فذهب بعض إلى أنّ الزرع
للغاصب ؛
استناداً إلى أنّ عين المغصوب قد تلفت فلا يلزم الغاصب سوى
قيمتها أو مثلها.
ولكنّ
الأكثر على أنّه للمغصوب منه؛ وهو أشبه باصول
المذهب و
قواعده التي منها:
استصحاب ملكيّته له، ولأنّ الزرع يكون من عين مال المغصوب منه، كما لو فرض
استحالته إلى ذلك من دون غصب؛
ضرورة أنّه
كتغيير صفات الشيء من
السمن ونحوه.
وأمّا لو غصب أرضاً فزرعها فالزرع ونماؤه للزارع، وهذا ممّا لا خلاف فيه؛
للروايات
الدالّة على ذلك، بل هو على وفق اصول المذهب وقواعده؛ ضرورة كون الزرع ملك الغاصب والأرض إنّما هي من
المعدّات كالماء و
الهواء ونحوهما.
والتفصيل في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۲۰، ص۱۸۵-۱۹۰.