شروط ثوبي الإحرام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
المعروف
بين
الفقهاء اشتراط كون ثوبي
الإحرام ممّا تصحّ الصلاة فيه، بل
الاتفاق عليه وعدم ظهور خلاف فيه.
وهذا مبني على القول بوجوب لبس ثوبي الإحرام أو شرطيته في صحة الإحرام، وأمّا إذا قيل بعدم وجوبه تكليفاً وعدم شرطيته في الإحرام وضعاً فلا موضوع لهذا البحث.
واستدلّ للمشهور
بمفهوم خبر
حريز عن
الصادق عليه السلام قال: «كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه»،
بناءً على
إرادة المنع من البأس في مفهومه.
وفيما يلي تفصيل الشروط:
ذكر غير واحد من الفقهاء عدم جواز الإحرام مع وجود
النجاسة غير
المعفوّ عنها.
واستدلّ له
مضافاً إلى خبر حريز المتقدّم بما روى ابن عمّار عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه التي أحرم فيها وبين غيرها؟ قال: «نعم، إذا كانت طاهرة».
ورواية
الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن المحرم يحوّل ثيابه؟ قال: «نعم». وسألته: يغسلها إن أصابها شيء؟ قال: «نعم، إذا احتلم فليغسلها...»،
المؤيّدة برواية ابن عمّار الاخرى قال: سألته عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة؟ قال: «لا يلبسه حتّى يغسله، وإحرامه تام».
ومال
السيد العاملي إلى تعميم
اعتبار الطهارة
ابتداء و
استدامة .
وناقش فيه
المحقّق النجفي قائلًا: «إنّه غير قابل للإرادة حال الابتداء خاصّة منه، نعم هو دالّ عليها ولو بدعوى ظهوره في اعتبار طهارتهما حال الإحرام ابتداء واستدامة، فيقتصر على الأوّل
لاعتضاده بالفتاوى دون غيره الباقي على حكم
الأصل ».
أضف إلى ذلك عدم اشتراط استدامة أصل اللبس حتى يقال بطهارته استدامة كما تقدّم تفصيله. نعم، صرّح بعض من اشترط الاستدامة في أصل لبس ثوبي الإحرام اشتراط الطهارة في استدامته أيضاً وذكر: إنّه يعلم من الروايتين المتقدّمتين لعمّار عدم جواز لبس المحرِم الثوب النجس، سواء كان الثوب قد أحرم فيه أم في غيره بلا فرق في ذلك بين الابتداء والاستدامة، بل يستأنس منهما شرطيّة طهارة
البدن أيضاً وإن لم يتعرّض لذلك إلّا بعض المتأخّرين، كما يستأنس عدم جواز لبس المحرِم كلّ ثوب نجس، سواء كان معفوّاً عنه في الصلاة أم لا. ويقيّد هذا
الإطلاق بما تقدّم عن حريز عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه».
فالمستفاد هو أنّ ما كان معفوّاً عنه في الصلاة معفوّ عنه أيضاً في ثوبي الإحرام.
إلّا أنّه ربّما يقال بأنّ ما تدلّ عليه الأخبار من لزوم
المبادرة إلى
التطهير لعلّه حكم استحبابي أو وجوبي لغرض الصلاة،
فلا يجب طهارة ثوبي الإحرام في غير حال الصلاة، كما صرّح بذلك
الفاضل الهندي ، وقال: «أمّا سائر ما يشترط في ثوب الصلاة فلا أعرف الآن دليلًا عليه، إلّا الخبرين في الصلاة، وظاهرهما مبادرة المحرم إلى التطهير كلّما تنجّس وجوباً أو استحباباً، ومفهوم خبر حريز وهو بعد
التسليم لا ينصّ على
الحرمة ولو سلّمت لم يفهم العموم وخصوصاً للنجس الذي عرضه المانع من الصلاة».
ويؤيد ذلك جواز حمل النجاسة حال الإحرام وعدم وجوب غسل بدنه إلى وقت الصلاة، وهو يفيد جواز كونها للصلاة ونحوها، فيمكن حمل الرواية عليه وعلى
الاستحباب كما صرّح بذلك
المحقّق الأردبيلي وإن قال في ذيله بأنّ
الأحوط لا يترك.
نعم، يشترط طهارة لباس الإحرام أيضاً حين الطواف؛ لأنّ
الطواف صلاة، كما صرّح بذلك غير واحد من الفقهاء،
كما سيأتي في محلّه. وعلى أيّ حال، لا يبطل الإحرام بلبس الثوبين النجسين وإن أثم، لما تقدّم من عدم شرطيّة أصل اللبس فيه فضلًا عن صفات الملبوس.
صرّح الفقهاء
بأنّ من شروط ثوبي الإحرام إباحتهما، فلا يجوز أن يكونا مغصوبين، بل قيل: إنّه لا شكّ في ذلك.
واستدلّ له بما تقدّم من مفهوم خبر حريز، وبعدم حصول
الامتثال بما يكون حراماً- بناءً على
امتناع اجتماع الأمر والنهي -.
ذكر الفقهاء عدم الإحرام فيما لا يؤكل لحمه،
فقال المفيد أنّه: «لا يحرم في
ديباج ولا حرير ولا خزّ مغشوش بوبر الأرانب والثعالب، ولا يحرم في ثياب سود».
وقال
الشهيد الثاني : «لا يجوز أن يكون من جلد وصوف وشعر ووبر ما لا يؤكل لحمه، ولا من جلد المأكول مع عدم
التذكية ».
نعم، استثنى بعضهم الخزّ من ذلك،
ولعلّ المستند في عدم الجواز هو مفهوم خبر حريز المتقدّم.
ولكن خالف بعضهم
في ذلك مدّعياً أنّه لا يعرف له مستنداً ظاهراً؛ إذ لا دلالة لخبر حريز إلّا بمفهوم الوصف، وهو غير حجّة، فلا يوجب ذلك الخروج عن الأصل، إلّا أن يثبت
الإجماع ، وهو مشكل؛ إذ المحكي عن كثير من الفقهاء عدم التعرّض لذلك.
ولعلّ الوجه فيه هو مفهوم خبر حريز المتقدّم.
صرّح الفقهاء بعدم جواز إحرام الرجل في
الحرير الخالص ،
وأمّا الممتزج به فلا بأس ما لم يصدق عليه
اسمه ،
بل استظهر الأردبيلي نفي الخلاف فيه.
واستدلّ لذلك بالعمومات المانعة عن لبس الحرير للرجال، فإنّه مع حرمة لبسه لا يكون عبادة،
مضافاً إلى مفهوم صحيحة حريز السابقة وخبر
أبي بصير قال: سئل أبو عبد اللَّه عليه السلام عن
الخميصة سداها
إبريسم ولحمتها من غزل؟ قال: «لا بأس بأن يحرم فيها، إنّما يكره الخالص منه».
والمراد بالكراهية هنا
التحريم ووجوب اللبس لا يجتمع مع النهي والتحريم، على أنّا لو قلنا بشرطيّة لبسهما في الإحرام اشترط إباحته أيضاً، ولو لعدم شمول دليل الشرطيّة المحرّم.
وألحق بعض الفقهاء الخناثى بالرجال للاحتياط و
للإشكال في أصل جواز لبسه لها،
وإن اختار المحقّق النجفي القول بالجواز في حقّها؛ نظراً إلى الأصل وعدم معارضة
الاحتياط له ما لم يكن واجباً للمقدّمة.
وفي لبس الحرير للنساء خلاف، فقد ذهب جماعة- كالمفيد في
أحكام النساء وابن إدريس والعلّامة الحلّي وغيرهم- إلى جواز لبس النساء الحرير المحض حال الإحرام،
وهو المنسوب إلى أكثر المتأخّرين
أيضاً.
واستدلّ لذلك
- مضافاً إلى الأصل وجواز لبسهنّ له في الصلاة،
وما مرّ من مفهوم خبر حريز- بخبر
نضر بن سويد عن
أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن
المرأة المحرمة أي شيء تلبس من الثياب؟ قال: «تلبس الثياب كلّها إلّا
المصبوغة بالزعفران و
الورس ، ولا تلبس القفّازين، ولا حلياً تتزيّن به لزوجها، ولا تكتحل إلّا من علّة، ولا تمسّ طيباً، ولا تلبس حليّاً ولا فرنداً، ولا بأس بالعلم في الثوب».
وبخبر
يعقوب بن شعيب عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قلت: المرأة تلبس
القميص تزره عليها، وتلبس الحرير والخز والديباج؟ فقال: «نعم، لا بأس به».
والظاهر منها هو اللبس حال الإحرام،
فلا وجه للمناقشة فيها بكونها مطلقة بالنسبة إلى حال الإحرام وغيره، وعدم ظهورها فيه.
وقد جمع بعضهم بين هذه الروايات وما سيأتي من الروايات المانعة بالحمل على
الكراهة ،
كما قال المحقّق النجفي: «لا ريب في أنّ
الاجتناب هو الأحوط وإن كان
التدبّر في النصوص- ولو بملاحظة (لا ينبغي) و (لا يصلح) ولفظ الكراهة ونحو ذلك- يقتضي الحمل على الكراهة جمعاً بين النصوص، بل هي فيه أشد منها في الصلاة وهو أولى من الجمع بينها بحمل نصوص الجواز على
الممتزج ونصوص المنع على الخالص من وجوه».
هذا، ولكن قال الشيخ: «يحرم على المرأة في حال الإحرام من لبس الثياب جميع ما يحرم على الرجل».
وقال الصدوق: «لا بأس أن تحرم في خميصة سداها إبريسم ولحمتها من خزّ، إنّما يكره الخالص منها».
وذهب
المحقّق الحلّي إلى أنّ المنع هو الأحوط،
وكذا ذهب الشهيد وبعض من تأخّر عنه وبعض المعاصرين إلى المنع.
واستدلّ لذلك ببعض الروايات التي قد يقال: إنّها أشهر،
كخبر
أبي عيينة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته ما يحلّ للمرأة أن تلبس وهي محرمة؟ فقال عليه السلام: «الثياب كلّها ما خلا
القفازين و
البرقع و
الحرير »، قلت: أ تلبس الخز؟ قال: «نعم»، قلت: فإنّ سداه إبريسم وهو حرير؟ قال: «ما لم يكن حريراً خالصاً فلا بأس».
ونحوه خبر أبي بصير
و
سماعة و
جميل ومرسل
ابن بكير .
وقد حاول بعض الفقهاء الجمع بين هذه الروايات والأخبار المجوّزة بحمل الطائفة الثانية على ما إذا كان الحرير ممزوجاً بغيره.
ولا يجوز أن يكون لباس الإحرام شفّافاً حاكياً للعورة، والمستند فيه مفهوم صحيح حريز السابق، فكما أنّه لا يجوز الصلاة فيه لو كان حاكياً كذلك لا يجوز الإحرام فيه.
ويظهر من إطلاق عبارات بعضهم عدم الفرق بين
الإزار و
الرداء في ذلك،
وجزم الشهيد في
الدروس بالمنع من الإزار الحاكي وجعل اعتبار ذلك في الرداء أحوط.
إلّا أنّ السيد العاملي في
المدارك احتمل الفرق بينهما فقال: «لا يبعد عدم اعتباره فيه (الرداء)؛ للأصل، وجواز الصلاة فيه على هذا الوجه».
وتبعه على ذلك بعضهم.
ومن هنا بنى بعض المحقّقين المنع عن لبس الحاكي من الرداء على الاحتياط.
قد يقال بعدم جواز الإحرام في الجلود حتى في جلد المأكول؛ لقوله عليه السلام في صحيحة حريز: «كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه»،
والثوب لا يصدق على
الجلد .
قال: «يحتمل قويّاً عدم
الاجتزاء بجلد المأكول أيضاً؛ لعدم صدق اسم الثوب عليه عرفاً».
واورد عليه بأنّ دلالتها على ذلك ليست إلّا بمفهوم
اللقب ، وهو من أضعف المفاهيم.
وربّما يلحق بالجلود ما لا يكون لبسه معتاداً كالمصنوع من
الحشيش و
الليف وباقي النباتات، إلّا أنّ الظاهر عدم البأس به لو صنع بصورة اللباس.
وكذا يلحق به الملبّد أو المصنوع من
البلاستك ،
هذا، ولكنّ
الإمام الخميني وإن احتاط في الجلود لكنه لم يستبعد الجواز مع صدق الثوب عليه، ولم يوجب كونه منسوجاً، فيصحّ في مثل
اللبد مع صدق الثوب.
المعروف بين الفقهاء قديماً وحديثاً
حرمة لبس
المخيط للرجال، بل في
الغنية و
المنتهى و
التحرير والتنقيح أنّه لا خلاف فيه.
وفي التذكرة وموضع آخر من المنتهى إجماع العلماء عليه كافّة،
بل ظاهر المشهور عدم الفرق بين كون
الخياطة قليلة أو كثيرة.
قال الشهيد: «الخامس: المخيط، ويجب تركه على الرجال وإن قلّت الخياطة في ظاهر كلام
الأصحاب ».
ولكن اعترف في موضع آخر بأنّه لا دليل على حرمة لبس المخيط بعنوان أنّه مخيط حيث قال: «لم أقف الآن على رواية بتحريم عين المخيط، وإنّما نهى عن القميص و
القباء و
السراويل ، وفي صحيح معاوية: «لا تلبس ثوباً تزره ولا تدرعه، ولا تلبس سراويل» وتظهر الفائدة في الخياطة في الازرار وشبهه».
ومن هنا قال
النراقي : «فاللازم فيه
الاقتصار على موضع علم فيه الإجماع، فالمنع عن مسمّى الخياطة وإن قلّت- كما اشتهر بين المتأخرين- غير جيّد وإن كان أحوط».
ولكن قال المحقّق النجفي: «نعم ما سمعته من معاقد الإجماعات كاف في جعل العنوان لبس المخيط وإن لم أجده في شيء ممّا وصل إلينا من النصوص الموجودة في الكتب الاربعة وغيرها... فإنّ النصوص المتقدّمة سابقاً في ثوبي الإحرام وفي جواز لبس القباء مقلوباً ولبس السراويل مع الضرورة، وفي المقام إنّما تدلّ على النهي عن ثوب تزره أو تدرعه وعن لبس السراويل والخفّين والقميص، بل في صحيح
زرارة عن أحدهما عليهما السلام: سألته عمّا يكره للمحرم أن يلبسه؟ فقال: «يلبس كلّ ثوب إلّا ثوباً يتدرّعه».
وفي صحيح معاوية وحسنه عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «لا تلبس وأنت تريد الإحرام ثوباً تزره ولا تدرعه، ولا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار، ولا خفّين إلّا أن لا يكون لك نعلان».
وفي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: في المحرم يلبس
الطيلسان المزرور؟ فقال: «نعم، وفي كتاب
علي عليه السلام : لا يلبس طيلساناً حتى ينزع أزراره»، وقال: «إنّما كره ذلك مخافة أن يزره الجاهل، وأمّا
الفقيه فلا بأس بأن يلبسه».
ونحوه في صحيح يعقوب بن شعيب.
.. وهي كما ترى ظاهرة في كون المانع
الادرع والزر لا كونه مخيطاً، وربّما يرشد إليه ما تقدّم سابقاً من طرح القميص على
العاتق إن لم يكن له رداء ولبس القباء منكوساً من غير
إدخال اليدين في الكمّين، ولعلّه لذلك لم يذكر في المقنعة اجتناب المحرم المخيط، وإنّما ذكر أنّه لا يلبس قميصاً بل قد ينقدح الشك من صحيحي الطيلسان فيما سمعته من الدروس من دعوى ظهور كلام الأصحاب في حرمة المخيط وإن قلّت الخياطة؛ ضرورة ظهورهما في الجواز وإن كان فيه أزرار مخيطة. بل قد يدّعى
انصراف المخيط إلى غير ذلك خصوصاً بناءً على
استفادة حرمته ولو بمعونة الإجماع المزبور ممّا ورد من الثوب الذي يدرع والقميص والسراويل والخف ونحو ذلك بناء على أنّها مثال لكلّ مخيط نحوها دون الخياطة القليلة في الإزار والرداء... بل لعلّ إطلاق الإزار والرداء يشمل المخيطين وغيرهما، ولكن مع ذلك كلّه لا ينبغي ترك الاحتياط في اجتناب مطلق المخيط».
فتحصّل ممّا ذكر أنّ الذي يمكن أن يستدلّ به لحرمة المخيط بعنوانه أحد أمرين: أحدهما: دعوى الإجماع.
وثانيهما: أنّ الثياب الخمسة المذكورة في الروايات إنّما ذكرت من باب المثال؛ لأنّ
المتعارف خصوصاً في تلك الأزمنة لبس هذه الامور، فالممنوع في الحقيقة هو مطلق المخيط، ولا خصوصيّة للمذكورات في النصوص.
أمّا الدليل على
اختصاص المنع بالمذكورات- خلافاً للمشهور- فهو أنّ الظاهر من الروايات
انحصار التحريم بما كان ساتراً وثوباً
كهذه الثياب، وهي القميص والقباء والسروال والثوب المزرور والدرع، بل صرّح في صحيح زرارة: أنّ المحرم يلبس كلّ ثوب إلّا ثوب يتدرّعه.
ويحمل على ذلك ما دلّ على حرمة لبس مطلق الثياب كالروايات الواردة في كيفية الإحرام الدالة على الإحرام من النساء والثياب والطيب،
وكذا الروايات الدالّة على تجرّد
الصبيان من فخ والآمرة بالتجرّد في إزار ورداء.
فالممنوع لبس هذه العناوين خاصة، مخيطة كانت أم لا، فإذا لم يصدق أحد هذه العناوين على الثوب لا بأس بلبسه وإن كان مخيطاً- خصوصاً إذا كانت الخياطة قليلة- فالحكم بحرمة لبس المخيط على إطلاقه مبني على الاحتياط.
ثمّ هل يعتبر في حرمة المخيط كونه محيطاً بالبدن أم لا؟
المنسوب إلى الفقهاء
عدم ذلك؛ نظراً إلى إطلاق الأدلّة.
خلافاً للمحكي في الدروس عن ظاهر
ابن الجنيد من اشتراطه، حيث قيّد المخيط بالضامّ للبدن.
قال في الدروس: «فعلى الأوّل (عدم اشتراط
الإحاطة ) يحرم التوشّح بالمخيط والتدثّر، وعلى القولين يجوز لبس الطيلسان ويحرم الزرّ والخلال، ويجوز
افتراشه و
المنطقة و
الهميان ...».
وأورد عليه المحقّق النجفي بأنّه يمكن عدم الحرمة على الأوّل أيضاً، باعتبار عدم صدق اللبس، فإنّه العنوان في معقد الإجماع لا حرمة المخيط مطلقاً، ولذا صرّح هو ( الشهيد) بجواز افتراشه وظهور قوله عليه السلام: «يدرعه» في كون المحرّم
الإدراع به لا التوشّح ونحوه، ولعلّه لذا نفى الكفّارة فيه الفاضل في
القواعد على إشكال ثمّ احتمل أخيراً كون مثله لبساً.
وقد تأمّل الأردبيلي في فهم قيد الاحاطة من كلام ابن الجنيد؛ نظراً إلى أنّ الظاهر من القيد تحريم ما يمس البدن لا ما يحيط به.
ثمّ إنّ المنسوب إلى الفقهاء أنّه يلحق بالمخيط ما شابهه من
الدرع المنسوج وجبّة اللبد ونحوهما.
قال في
المدارك : «ألحق الأصحاب بالمخيط ما أشبهه، كالدرع المنسوج وجبّة اللبد والملصق بعضه ببعض. واحتجّ عليه في
التذكرة بالحمل على المخيط لمشابهته إيّاه في المعنى من الترفّه والتنعّم، وهو
استدلال ضعيف، و
الأجود الاستدلال عليه بالنصوص المتضمّنة لتحريم الثياب على المحرم، فإنّها متناولة باطلاقها لهذا النوع، وليس فيها تقييد بالمخيط حتى يكون
إلحاق غيره به خروجاً عن المنصوص».
واستجوده المحقّق النجفي وقال: «وهو جيد في خصوص المتخذ منها على وجه يصدق عليه الثوب والقباء والسراويل بناء على عدم انصراف المخيط منها، أمّا إذا لم تكن كذلك وأراد الإحرام بها فينبغي الجواز؛ ضرورة عدم صدق الدرع والقميص والسراويل حينئذٍ عليها، فإن أراد الملحق المنع في خصوص الأشياء المزبورة اتجه ذلك وإلّا فلا مناص عن دعوى كون هذا التلبّد و
إلصاق البعض بالبعض ملحقاً بالخياطة، وحينئذٍ إن تمّ إجماعاً فذاك، وإلّا كان للمنع فيه مجال.
نعم، قد يقال بحرمة لبس غير المنسوج منها في الإحرام بناء على انصراف الأمر بلبس ثوبي الإحرام إلى المنسوخ دون غيره، فيمنع حينئذٍ لذلك، ولكن فيه أنّ المتجه حينئذٍ جواز لبسه معهما؛ لعدم المانع وإن لم يكتف بهما في ثوبي الإحرام، ولعلّه لا يخلو من قوّة؛ ضرورة عدم صدق المخيط على شيء منها، وعدم معلوميّة الإجماع على إلحاق مطلق
التلبيد والإلصاق وإن لم تكن على هيئة المخيط، وإنّما المسلّم منه ما كان على هيئة المخيط، ولكن بالنسج والتلبيد والإلصاق ونحو ذلك، على وجه يكون قميصاً وقباء وسراويل وجبّة وشبهها... ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط، فإنّ عباراتهم لا تخلو من
تشويش بالنسبة إلى ذلك».
هذا كلّه في الرجال.
ويجوز للنساء الإحرام في المخيط على المشهور شهرة عظيمة،
بل عليه الإجماع؛
لأنّها
عورة ، وليست كالرجال. ويدلّ على الحكم المذكور الأخبار، كصحيح يعقوب بن شعيب، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: المرأة تلبس القميص تزرّه عليها وتلبس الحرير والخزّ والديباج؟ قال: «نعم، لا بأس، وتلبس الخلخالين و
المسك ».
وحكم الشهيد الثاني بكراهة ذلك في حقّهن.
بل قال
العلّامة الحلّي : «لا نعلم فيه خلافاً، إلّا قولًا شاذاً للشيخ لا
اعتداد به».
ولكن
الشيخ الطوسي - كما نقل العلّامة- خالف في ذلك فقال: «يحرم على المرأة في حال الإحرام من لبس الثياب جميع ما يحرم على الرجل، ويحلّ لها ما يحلّ له... وقد وردت رواية بجواز لبس القميص للنساء، والأصل ما قدّمناه، فأمّا السراويل فلا بأس بلبسه لهنّ على كلّ حال... ويجوز للحائض أن تلبس تحت ثيابها غلالة تقي ثيابها من النجاسات».
وعلى أيّة حال، فالمستند في التحريم هو عموم (المحرِم) في خبر النهي لهنّ، والخطاب لكلّ من يصلح،
وإن استظهر المحقّق النجفي
من النهاية- بناءً على بعض النسخ الموجودة عنده- الصراحة في الجواز، حيث جاء فيها: «الأصل ما قدمناه».
لو أحرم في القميص جاهلًا أو ناسياً نزعه وصحّ إحرامه، أمّا لو لبسه بعد الإحرام فاللازم شقّه و إخراجه من تحت القدمين.
والفرق عند بعضهم
بين الصورتين من حيث النزع والشقّ هو
التعبّد ، ودلالة النصوص عليه:
منها: رواية
معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا لبست قميصاً وأنت محرم فشقّه وأخرجه من تحت قدميك».
ومنها: روايته وغيره عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: في رجل أحرم وعليه قميصه، فقال: «ينزعه ولا يشقّه، وإن كان لبسه بعد ما أحرم شقّه وأخرجه ممّا يلي رجليه».
وربّما يحتمل كون ذلك لأجل
بطلان الإحرام في الصورة الاولى؛ إذ
الإخراج من قبل الرجل في الثانية للتحرّز عن ستر الرأس، فإذا لم يجب بالإحرام مع القميص علم أنّه لم ينعقد إحرامه.
أمّا لو أحرم في قميص عامداً فإنّه ربّما يقال هنا بوجوب الإعادة.
قال
السيد اليزدي : «لو أحرم في قميص عالماً عامداً أعاده لا لشرطيّة لبس الثوبين؛ لمنعها كما عرفت، بل لأنّه مناف للنيّة، حيث إنّه يعتبر فيها العزم على ترك المحرّمات التي منها لبس المخيط، وعلى هذا فلو لبسهما فوق القميص أو تحته كان الأمر كذلك أيضاً؛ لأنّه مثله في المنافاة للنيّة، إلّا أن يمنع كون الإحرام هو العزم على ترك المحرّمات، بل هو البناء على تحريمها على نفسه، فلا تجب
الإعادة حينئذٍ».
واورد عليه أوّلًا: بأنّ
حقيقة الإحرام هي الدخول في حرمة اللَّه، وموجبه هو
التلبية ، وأمّا التروك فهي أحكام مترتّبة على الإحرام، لا أنّها دخيلة فيه، فالعزم على تركها أو العزم على جعلها محرّمة عليه غير دخيل في الإحرام، ولذا لو أحرم ولم يعلم بالمحرّمات صحّ إحرامه، بل لو كان عالماً بها ومع ذلك أحرم فيها لا يضرّ ذلك بإحرامه فضلًا عن الجهل. ومع الغض والتنزّل عن ذلك فإطلاق صحيح معاوية بن عمّار المتقدّم يكفي في الحكم بالصحّة في مورد
الناسي ، بل في العالم العامد وإن كان عاصياً.
وقد يقال: بأنّ منافاة اللبس حال الإحرام للنيّة وإن كان يقتضي البطلان، ولكن لمّا كان مقتضى صحيحة معاوية السابق الصحّة فلا بد من الخروج عن القاعدة المذكورة، و
الالتزام بأنّ المحرّم هو اللبس بعد الإحرام لا حاله، فلا يكون لبس القميص حال الإحرام منافياً للنيّة الإحرام، ولذا يصحّ الإحرام ويجب نزع الثوب. نعم، مقتضى إطلاق الصحيح كإطلاق
الفتوى عدم الفرق بين العلم والجهل، لكن ظاهر ما في خبر
عبد الصمد بن بشير - من
التعليل بقوله عليه السلام: «أي رجل... أمراً بجهالة فلا شيء عليه»
- الاختصاص بحال الجهل دون حال العلم بالموضوع والحكم، وحينئذٍ يتعيّن
تخصيص صحيحة معاوية بأن يحمل على حال الجهل لا غير، ويرجع إلى القاعدة في حال العلم من البناء على البطلان، لكن الخبر ضعيف السند ومخالف لإطلاق الفتوى، فالتعويل عليه في تقييد الصحيح غير واضح.
لا يجوز الإحرام في الثوب إن كان مطيّباً أو مصبوغاً بصبغ فيه طيب مع بقاء الطيب فيه، بخلاف ما لو غسل أو ذهبت رائحته فإنّه لا بأس به.
والمنع هنا ليس من جهة شرطية عدم الطيب، بل لعدم
الابتلاء بالتطيّب الذي هو من التروك. وسيجيء الكلام فيه لاحقاً في
محظورات الإحرام .
ذكر بعض الفقهاء أنّه لا يجوز الإحرام في الثياب
السود .
قال
الشيخ المفيد : «لا يحرم في ثياب سود».
واستدلّ له الشيخ الطوسي بإجماع الفرقة وطريقة الاحتياط.
وكذا استدلّ له برواية
الحسين بن المختار قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: يحرم الرجل في الثوب الأسود؟ قال: «لا يحرم في الثوب
الأسود ولا يكفّن به الميّت».
وقد خالف أكثر الفقهاء في ذلك، فذهبوا إلى الجواز على الكراهة.
أمّا الجواز فلأصالة
الإباحة ، ولأنّه ثوب يصلّي فيه فيجوز فيه الإحرام، كما يدلّ عليه خبر حريز. وأمّا الكراهة فلخبر الحسين بن المختار؛ فإنّ تخصيص العام بهذا الخبر ليس بأولى من حمل هذا على الكراهة.
بل ذكر الكفن الذي لا إشكال في كراهة السواد فيه قرينة على إرادتها في الإحرام أيضاً.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۳۶۸-۳۸۳