ما يصح الإمهار به
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
كل ما يملكه
المسلم يكون مهرا، عينا كان أو دينا أو منفعه كتعليم الصنعة
والسورة، ويستوى فيه الزوج والاجنبى؛ أما لو جعلت
المهر استئجاره مدة فقولان، أشبههما: الجواز؛ ولا تقدير للمهر في القلة ولا في الكثرة على الاشبه بل يتقدر
بالتراضى؛ ولابد من تعيينه بالوصف أو الاشارة ويكفى المشاهدة عن كيله ووزنه؛ ولو تزوجها على خادم فلم يتعين، فلها وسطه؛ وكذا لو قال: دار أو بيت؛ ولو قال على
السنة كان خمسمائة درهم؛ ولو سمى لها مهرا ولابيها شيئا سقط ما سمى له؛ ولو عقد الذميان على
خمر أو
خنزير صح؛ ولو أسلما أو أحدهما قبل القبض فلها القيمة عينا، أو مضمونا؛ ولا يجوز
عقد المسلم على الخمر ولو عقد صح؛ ولها مع الدخول
مهر المثل وقيل: يبطل العقد.
كلّ ما صحّ أن يملكه
المسلم وإن قلّ بعد أن يكون متموّلاً جاز أن يكون مهراً، عيناً مشخّصاً كان، أو ديناً في الذمّة أو منفعة منفعة العقار، أو
الحيوان، أو العبيد، أو الأجير، أجنبيّا كان أو زوجاً، بلا خلاف، إلاّ فيما يأتي كتعليم الصنعة
والسورة أو علم غير واجب، أو شيء من الحكم والآداب، أو شعر، أو غيرها من الأعمال المحلّلة المقصودة.
ويستوي فيه أي التعليم الزوج والأجنبي بلا خلاف في الأخير مطلقاً، وفي الأول إذا لم يكن مراداً منه بنفسه مقدّراً بمدّة معيّنة، بل علّق بذمّته، أعمّ من أن يأتيه بنفسه أو بغيره، فيصحّ هنا قطعاً ووفاقاً، وقد حكاه جماعة
.
أمّا لو جعلت الزوجة
المهر استئجار الزوج لأن يعلّم أو يعمل هو بنفسه لها أو لوليّها مدّة معيّنة، كشهر أو شهرين أو سنة ففي الصحّة قولان، أشبههما وأشهرهما: الصحّة و الجواز للأصل، وعموم
الآية: «لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ»
، والمعتبرة المستفيضة ب: أنّ المهر ما تراضيا عليه، منها الصحاح: «الصداق ما تراضيا عليه من قليل أو كثير»
.
خلافاً للنهاية، فأبطله
؛ للصحيح: عن الرجل يتزوّج
المرأة وشرط لأبيها
إجارة شهرين، فقال: «إنّ
موسى (علیهالسّلام) علم أنّه سيتمّ له شرطه، فكيف لهذا بأن يعلم بأنّه سيبقى حتى يفي؟! وقد كان الرجل على عهد
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) يتزوّج المرأة على السورة، وعلى الدرهم، وعلى القبضة من الحنطة»
.
وليس نصّاً في البطلان، فيحتمل
الكراهة، مع عدم مكافأته لما مرّ، وأداء العمل به إلى فساد الإصداق بنحو تعليم سورة أو إجارة غيره؛ للاشتراك في العلّة المنصوصة فيه، مع أنّه تضمّن جواز جعل الأول مهراً، مع
الإجماع عليه، ودلالة المعتبرة عليه كالصحيح المتضمّن لتزويج النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) امرأة من رجل على أن يعلّمها ما يحسن من
القرآن.
ونحوه المعتبر بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سنده: عن رجل تزوّج امرأة على أن يعلّمها سورة من كتاب الله عزّ وجلّ، فقال: «لا أُحبّ أن يدخل بها حتى يعلّمها السورة»
.
وبالجملة: فمثل هذه
الرواية كيف يعارض ما مرّ من الأدلّة؟! مع اعتضادها بالأصل، وعموم الآية الكريمة، والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، بل إجماع في الحقيقة، فقد رجع عنه
الشيخ في
المبسوط والخلاف مدّعياً فيه على جواز جعل الإجارة مهراً على الإطلاق
الوفاق.
ولا تقدير للمهر في القلّة ما لم يقصر عن التقويم كحبّة حنطة بإجماع الطائفة، وعموم الآية، والمعتبرة المستفيضة المتقدّمة، وخصوص الرواية السابقة المنبئة عن تزويج المرأة في زمنه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) بالقبضة من الحنطة. ولا في الكثرة على الأشبه، بل يتقدّر بالتراضي بينهما، وهو الأشهر بين
الطائفة، بل كاد أن يكون إجماعاً، بل إجماع في الحقيقة، وربما أشعر بحكايته عبارة
العلاّمة، وحكي صريحاً عن بعض الأجلّة
.
للأصل، وما مضى من الأدلّة، وخصوص الآية الشريفة: «وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً»
، وهو المال العظيم، وفي
القاموس: القِنطار بالكسر: وزن أربعين أُوقيّة من
ذهب أو
فضة، أو ألف (ومائتا)
دينار، أو ألف ومائتا أُوقيّة، أو سبعون ألف دينار، أو ثمانون ألف
درهم، أو مائة رطل من ذهب أو فضّة، أو ملء مسْك ثور ذهباً أو فضّة
.
والصحيح: «لو أنّ رجلاً تزوّج امرأة وجعل مهرها عشرين ألفاً ولأبيها عشرة آلاف، كان المهر جائزاً، والذي جعله لأبيها فاسداً»
.
وحكى الشيخ في المبسوط: أنّ
الحسن بن عليّ (علیهالسّلام) أصدق امرأة مائة جارية مع كلّ جارية ألف درهم، وأن عمر أصدق بنت أمير المؤمنين (علیهالسّلام) أربعين ألف درهم، وذكر أنّ جماعة من
الصحابة والتابعين أصدقوا نحو ذلك
.
ومنع
المرتضى الزيادة على مهر السنّة
، وهو خمسمائة درهم كما في النصوص المستفيضة
؛ محتجّاً بإجماع الفرقة، وبه رواية ضعيفة لا تصلح للحجّية
، سيّما في مقابلة ما مضى من الأدلّة. والإجماع بمصير الأكثر بل الجميع إلى الخلاف موهون، ومع ذلك معارض بمثله، بل وأقوى كما لا يخفى، وجميع التفاسير للقنطار ترد عليه، والخبر الصحيح
حجّة بيّنة، مضافاً إلى عموم الآيات والمعتبرة المستفيضة. ودفعه على أصله من عدم صيغة تخصّه كما في
المسالك غريب؛ لاختصاصه كما صرّح به بما عدا
الشرع، وإلاّ فقد صرّح بخلافه ووجود صيغة تخصّه فيه
.
وبالجملة: فهو ضعيف جدّاً. نعم، يستحبّ الاقتصار عليه؛ لذلك، ولإصداق النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) به لأزواجه جُمع
.
ولو احتيط مع إرادة الزيادة بجعل
الصداق السنّة وما زاد نحلة كان حسناً؛ تأسّياً بمولانا
الجواد (علیهالسّلام)، حيث فعل ذلك بابنة المأمون، قال: «وبذلت لها من الصداق ما بذله
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) لأزواجه، وهو اثنتا عشرة أُوقيّة ونَشّ، على تمام الخمسمائة، وقد نحلتها من مالي مائة ألف»
.
ولا بُدّ من تعيينه إذا ذُكِر من متن
العقد؛ ليخرج عن الجهالة الموجبة للغرر والضرر المنهيّ عنهما في الشريعة.
ويتحقّق بالوصف المعيِّن له ولو في الجملة، ولا يعتبر فيه استقصاء الأوصاف المعتبرة في السَّلم.
أو بالإشارة ك: هذا الثوب، وهذه الدابّة، مثلاً.
وتكفي فيه المشاهدة عن اعتبار كيله أو وزنه أو عدّه، كقطعة من ذهب مشاهدة لا يعلم وزنها، وقبّة من طعام لا يعلم كيلها؛ لارتفاع معظم الغرر بذلك، واغتفار الباقي في
النكاح؛ لأنّه ليس معاوضة محضة بحيث ينافيه ما زاد منه، كما قطع به الأصحاب. وعضده الأصل، وعموم
الكتاب والسنّة المتقدّمة، سيّما الصحيح المتقدّم، المتضمّن لتزويجه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) المرأة من الرجل بما يحسن من القرآن مع جهالته قطعاً، والمتضمّن لإمهار النسوة في زمانه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) بقبضة من حنطة مع جهالتها؛ مضافاً إلى فحوى النصوص الدالّة بالاكتفاء بمثلها في
عقد المتعة مع اشتراطه في صحّته إجماعاً، فالاكتفاء بها هنا أولى؛ لعدم الاشتراط فيه قطعاً، فتأمّل جدّاً.
ويشكل الحكم لو تلف قبل التسليم أو بعده وقد طلّقها قبل الدخول ليرجع بنصفه. وفي الرجوع إلى الصلح مطلقاً، أو تضمينه
مهر المثل في الأول، قولان. الأشهر الأظهر: الأول. وضُعِّف الثاني بأنّ ضمان المهر عندنا ضمان يد، لا ضمان معاوضة، ومن ثم كان التلف قبل القبض يوجب الرجوع إلى القيمة. نعم، هو مذهب بعض
العامّة. ويدفعه أيضاً
أصالة البراءة لو علم زيادته عن المسمّى، والاستصحاب لو علم نقصه عنه، فتأمّل.
وحيث قد عرفت اشتراط صحّة المهر بالتعيين ولو في الجملة، تعيّن فساده مع عدمه بالمرّة والرجوع إلى مهر المثل، بلا خلاف فيه كما حكي
، ومقتضاه اطّراد الحكم فيما لو تزوّجها على خادم و الحال أنّه لم يعيّن أصلاً، وعليه
فتوى جماعة من المتأخّرين
؛ عملاً بالأصل. ولا دليل على كلّيته سوى الإجماع وليس في محلّ النزاع والنهي عن
الغرر المخصَّص في المقام بالإجماع، وبالدليل الذي مرّ، ومقتضاه الاكتفاء بما تراضيا عليه كائناً ما كان، خرج عنه ما لم يعيَّن أصلاً بالاتّفاق، وبقي الباقي. واستضعافاً لأدلّة الخلاف. وسيأتي الجواب عنه.
والأصحّ وفاقاً لأكثر القدماء، كالمبسوط والخلاف
والغنية والمهذّب والجامع، وبعض من تأخّر، كالعلاّمة في
الإرشاد ما اختاره الماتن هنا بقوله: فلها الوسط، وكذا لو قال: دار، أو: بيت للأصل، وضعف دليل الخلاف، وخصوص المعتبرة:
منها
الخبر المعتبر بوجود ابن أبي عمير في سنده، فلا يضرّه ضعف راويه: رجل تزوّج امرأة على خادم، قال: فقال لي: «وسط من الخدم»، قال: قلت: على بيت؟ قال: «وسط من البيوت»
، ونحوه خبر آخر
.
والمرسل كالصحيح على الأشهر الصحيح في الدار خاصّة
.
وهي مع اعتبار سند أكثرها معتضدة بالشهرة القديمة المدّعى عليها الإجماع كما عن الخلاف
، المؤيّدة بما مرّ من الأدلّة، فلا وجه للقدح فيها من حيث
السند.
كما لا وجه له فيها من حيث المتن باعتبار جهالة الوسط من حيث تعدّد أفراده؛ بناءً على ما عرفت من المنع عن إطلاق ضررها، مع استفاضة النصوص المعاضدة بعموم الكتاب بعدمه؛ مع أنّ هذه الجهالة قريبة من الجهالة بمقدار الصبرة المشاهدة، بل نحوها، مع اتّفاقهم على عدم ضررها.
والأحوط المصير إلى ما ذكروه إن لم يُعقَد بمثل ذلك بأن يعيّن القيمة، والرجوع إلى الصلح معه إن لم يحصل
التراضي إلاّ به.
ولو قال: أتزوّجك على السنّة مكتفياً به كان المهر خمسمائة درهم قطعاً لو قصداها عالمين بها، ومطلقاً على الأشهر الأظهر.
للخبر المعتبر بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سنده، فلا يضرّ جهالة راويه، مع اعتضاده بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، بل إجماع في الحقيقة كما في
الروضة وعن غيره من الأجلّة
، وفيه: قلت له: رجل يتزوّج امرأة ولم يسمّ لها مهراً، وكان في الكلام: أتزوّجك على كتاب الله وسنّة نبيّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)، فمات عنها أو أراد أن يدخل بها، فمالها من المهر؟ قال: «
مهر السنّة» قال: قلت: يقولون أهلها: مهور نسائها؟ قال: فقال: «هو مهر السنّة» وكلّما قلت له شيئاً، قال: «مهر السنّة»
.
وبهما يندفع الإشكال مع جهل الزوجين أو أحدهما بما جرت به السنّة منه، أو مع علمهما وعدم قصدهما إيّاه، وبقبوله الغرر في الجملة كما تقرّر ومرّ، فلا وجه لتوقّف بعض من تأخّر
.
ثم مقتضى الحكم والمستند: ثبوت المهر بالعقد، كالمعيّن بالذكر فيه لا بالدخول كمهر السنّة الثابت به للمفوّضة على بعض الوجوه؛ ويدلّ عليه إثباته بالموت قبل الدخول، كما يظهر من الرواية.
ولو تزوّجها و سمّى لها مهراً معيّناً ولأبيها أو غيره واسطة أو أجنبيّ شيئاً خارجاً عنه، بحيث يكون المجموع في مقابلة
البضع، لا عطيّة في البعض أو
جعالة فيه؛ للّزوم في الثاني دون الأول قطعاً فيهما، ويعتبر فيه أيضاً الذكر بالتسمية خاصّة لا الاشتراط، وحينئذٍ لزم مهرها و سقط ما سمّى له إجماعاً كما عن الخلاف في الأول
، والغنية في الثاني
.
وللصحيح: «لو أنّ رجلاً تزوّج امرأة وجعل مهرها عشرين ألفاً، وجعل لأبيها عشرة آلاف، كان المهر جائزاً، والذي جعله لأبيها فاسداً»
.
ويعضد السقوط: أنّ الساقط ليس من أركان النكاح ولا من
العوض المعتبر فيه، فكان لغواً لا دليل على لزومه، سوى ذكره في العقد، وهو غير صالح له.
ونسبة الخلاف إلى
الإسكافي هنا
بناءً على حكمه بالاحتياط بالوفاء بالمجعول للمجعول له ليس في محلّه؛ لظهور
الاحتياط في
الاستحباب، مع احتمال إرادته الجعالة بالمعنى المعروف، وليس من محلّ الفرض في شيء؛ لتصويره في لزوم المجعول للمجعول له بمجرّد العقد لا بغيره، والاحتمال ينافيه.
ثم إنّ
إطلاق النصّ والفتاوي يقتضي عدم الفرق بين أن يتسبّب تسمية الشيء للأب لتقليل المهر بزعمها لزومه بذكره في العقد، أم لا. وربما يستشكل في الأول، وهو حسن، لولا النصّ الصحيح المعتضد بما مرّ.
ولو جُعِل المسمّى للأب جزءاً من المهر كأن أمهرها شيئاً، وشرط أن يعطي أباها منه شيئاً لزم
الشرط لو كان على اختيار من دون شائبة إكراه وإجبار، وفاقاً للإسكافي والإرشاد
والشهيد في
النكت وشارح الكتاب
، فإنّه شرط سائغ في عقد لازم، فيلزم؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقد
وبالشرط
مع خروجه عن النصّ.
ويعضده النبويّ
والمرتضويّ
: «أحقّ الشروط ما نكحت به الفروج». خلافاً للأكثر، فيصحّ المهر ويفسد الشرط خاصّة أيضاً كالسابق، ولا دليل عليه، وعلى تقديره معارَضٌ بما مرّ.
وعلى المختار: ارتجع بنصف المجموع بالطلاق، حتى نصف مأخوذ
الأب.
ولو عقد الذمّيان أو غيرهما من الكفّار وإنّما خصّ بهما تبعاً للنصّ على ما لا يملك في شرعنا، كخمر أو
خنزير، صحّ العقد والمهر بلا خلاف؛ لأنّهما يملكانه في شرعهما.
ولو أسلما أو أحدهما قبل القبض، فلها على الأشهر الأظهر القيمة عند مستحلّيه؛ لخروجه عن ملك المسلم عيناً كان أو مضموناً لأنّ المسمّى لم يفسد. ولهذا، لو كان قد أقبضها إيّاه قبل
الإسلام برئ، وإنّما تعذّر الحكم به لمانع الإسلام، فوجب المصير إلى قيمته؛ لأنّها أقرب شيء إليه، كما لو جرى العقد على عين وتعذّر تسليمها، ومثله: ما لو جعلا ثمناً لمبيع، أو عوضاً لصلح، أو غيرهما.
هذا، مضافاً إلى النصّ: النصراني يتزوّج النصرانيّة على ثلاثين دَنّاً من
خمر وثلاثين خنزيراً، ثم أسلما بعد ذلك ولم يكن دخل بها، قال: «ينظر كم قيمة الخمر وكم قيمة الخنزير، فيرسل بها إليها، ثم يدخل عليها وهما على نكاحهما الأول»
(والدَّنّ : كهيئة الحُبّ إلاّ أنّه أطول منه وأوسع رأساً ، والجمع دِنان
).
وقيل
: يجب مهر المثل؛ تنزيلاً لتعذّر تسليم العين منزلة الفساد. وفيه: منع كما مرّ.
ولأنّ وجوب القيمة فرع وجوب دفع
العين مع الإمكان، وهو هنا ممكن، وإنّما عرض عدم صلاحيّته للتملّك لهما.
ويضعّف بأنّ التعذّر الشرعي منزَّل منزلة الحسّي أو أقوى، هذا ومهر المثل قد يكون أزيد من المسمّى، فهي تعترف بعدم استحقاق الزائد، أو أنقص، فيعترف هو باستحقاق الزائد، وحيث لم يقع المسمّى فاسداً فكيف يرجع إلى غيره بعد استقراره؟! وربما يستدلّ له بالخبر: «إذا أسلما حرم عليه أن يدفع إليها شيئاً من ذلك» أي الخمر والخنزير الممهورة بهما «ولكن يعطيها صداقاً»
.
وليس نصّاً في المطلوب، فيحتمل القيمة، وعلى تقديره فلا يعارض ما مرّ، مع ضعف سنده وعدم مجبوريّته.
ولو كان الإسلام بعد قبض بعضه، سقط بقدر المقبوض، ووجب قيمة الباقي. وعلى الثاني: يجب بنسبته من
مهر المثل.
وفي ذكر المضمون في العبارة ردّ على بعض العامّة، حيث فرّق بينهما، وحكم في العين أنّها لا تستحقّ غيره، دون المضمون، فإنّها تستحقّ معه مهر المثل
. وهو مقطوع بفساده.
ولا يجوز عقد المسلم على الخمر ونحوها ممّا لا يملك إجماعاً، ولو عقد عليها فسد المهر إجماعاً و صحّ العقد على الأصحّ الأشهر، كما عن الإسكافي
والطوسي والحلّي وابن زهرة العلوي وابن حمزة والعلاّمة
وابن المفلح الصيمري والشهيد
وأكثر المتأخّرين
، بل نفى عنه الخلاف في الغنية إلاّ عن مالك وبعض الأصحاب
.
لدخوله في عموم ما دلّ على وجوب الوفاء به
. ولا مخرج عنه سوى اشتراطه بالتراضي المفقود هنا؛ بناءً على وقوعه على الباطل المستلزم لعدمه بدونه.
وفيه: أنّ الشرط حصوله، وقد وُجِد، فثبت الصحّة المشروطة به، وبطلان المتعلّق غير ملازم لبطلانه أوّلاً، فقد يكون الرضاء بالتزويج باقياً بعد المعرفة ببطلان المرضيّ به، وعلى تقديره فاللاّزم منه ارتفاع الرضاء من حين المعرفة بالبطلان وعدمُ البقاء، وليس شرطاً في الصحّة، بل الوجود، وقد حصل. ودعوى استلزام بطلان المرضيّ به بطلان أصل الرضاء وعدم حصوله
، فاسدةٌ بالضرورة.
هذا، ويدلّ عليه فحوى ما دلّ على صحّة العقد المشتمل على الشروط الفاسدة
؛ لدلالتها على توقّف حصول الرضاء عليها، وانتفائه حين العقد عند انتفائها، فالصحّة فيه مستلزم لثبوتها هنا بطريق أولى كما لا يخفى؛ لعدم التصريح فيه بعدم الرضاء مع انتفاء المرضيّ به جدّاً.
وممّا ذكر ظهر ضعف القول بالبطلان ودليله كما يأتي، ولكن
الاحتياط لا يترك.
وعلى المختار، فهل لها مع الدخول بها مهر المثل مطلقاً كان للمسمّى قيمة أم لا؟ كما في
الشرائع والإرشاد
والتحرير والتلخيص والتبصرة وعن
السرائر والجامع
والوسيلة وموضع من الخلاف
.
أو القيمة كذلك، ولكن يقدّر ما لا قيمة له ذا قيمة، كالحرّ عبداً؟ كما عن المبسوط
. أو فيما له قيمة كالخمر، وأمّا ما لا قيمة له فالأول؟ كما عن بعض الأصحاب
. أقوال، أشهرها وأظهرها: الأول؛ لبطلان المسمّى بعدم الصلاحيّة للصداق بالضرورة، فيخلو العقد عنه، فتلحق بمفوّضة البضع، ولها مع الدخول مهر المثل؛ لأنّه عوض
البضع حيث لا تسمية.
ولها المتعة لو طُلِّقت قبله، على قول حكاه في الروضة
. وأطلق العلاّمة في جملة من كتبه ثبوت المثل ولو قبل الدخول
؛ ووُجِّه بوقوع العقد بالعوض فلا تفويض، وحيث تعذّر انتقل إلى البدل، وهو المثل
.
ويضعّف بأنّ هذا
العوض كالعدم، مع أنّ المثل إنّما يثبت بدليّته عن
الوطء لا عن المهر الفاسد. وأمّا احتجاج الثاني بأنّ قيمة المسمّى أقرب إليه عند التعذّر، وأنّهما عقدا على شخص باعتبار ماليّته، فمع تعذّره يجب المصير إلى الماليّة.
فضعيف؛ لأنّ الانتقال إلى القيمة فرع صحّة العقد على ذي القيمة؛ لأنّ القيمة لم يقع التراضي عليها، وتقدير الماليّة هنا ممتنع شرعاً، فيجب أن تُلغى كما الغي التعيين.
ولا ثمرة بعد الدخول مع توافق المثل والقيمة، ومع التخالف يرجع إلى الاحتياط. ولو قيل بالرجوع إلى الأقلّ كان وجهاً إن لم يكن إحداث قول؛ تمسّكاً بالأصل، مع عدم الدليل على الزائد؛ لفقد
النصّ، وانتفاء
الإجماع في محلّ النزاع. لكن اشتغال الذمّة بالمهر قطعاً يقتضي المصير إلى مراعاة الأكثر؛ تحصيلاً للبراءة القطعيّة، وكيف كان فهو أحوط.
ويأتي على القول بالقيمة مطلقاً أو في الجملة لزوم النصف مع
الطلاق قبل الدخول، ويدفعه
الأصل، لكن اللازم منه ثبوت
المتعة، فليس مثله بحجّة. ولو قيل بأقلّ الأمرين كان وجهاً، فتأمّل جدّاً.
وقيل كما عن
الشيخين والقاضي والتقي: يبطل العقد من أصله؛ استناداً إلى ما أجبنا عنه، والتفاتاً إلى أنّه عقد معاوضة، فيفسد بفساد العوض، وهو إعادة للمدّعى يدفعه الإجماع على عدم كونه كعقود المعاوضات المحضة المقصود بها مجرّد المعاوضة؛ ولذا صحّ مع عدم ذكر المهر في متنه، بل مع اشتراط عدمه فيه.
ثم إنّ هذا إذا علماه خمراً مثلاً. وأمّا إذا عقدا عليه ظانّين حلّيته، صحّ العقد قولاً واحداً، كما يظهر منهم، وفيه تأييد لما قلناه؛ لاتّحاد طريق المسألتين.
وفي ثبوت المثل مطلقاً، أو مع الدخول، أو عدمه ولزوم مثل
الخمر من الخلّ، أو القيمة مطلقاً، أقوال، والأشهر: الأول، كما مضى.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۵-۲۰.