• خواندن
  • نمایش تاریخچه
  • ویرایش
 

وجوب نفقة الآبق على مولاه

احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF



لا خلاف في أنّ نفقة المملوك على مولاه، قال المحقّق النجفي: «لا خلاف في أنّه تجب النفقة على ما يملكه الإنسان من رقيق وبهيمة وإن كان لكلٍّ منهما أحكام تخصّه، أمّا العبد والأمة فنفقتهما على مولاهما إجماعاً بقسميه ونصوصاً» وبعد أن ذكر جملة من تلك النصوص كتاباً وسنّة قال: «إلى غير ذلك من النصوص المعمول عليها بين الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه، بل نفاه بعضهم من علماء الإسلام فضلًا عن علماء الايمان ، من غير فرق في المملوك بين الصغير والكبير والصحيح والأعمى والمدبّر وامّ الولد والمنتفع به والمرهون والمستأجر والكسوب وغيرهم، رفع السيّد عنه وخلّى بينه وبين نفسه أو لا». وقال السيد الحكيم : «وأمّا المملوك الإنسان فتجب نفقته على مولاه، وله أن يجعلها في كسبه مع الكفاية، وإلّا تمّمه المولى».
[۲] منهاج الصالحين (الحكيم)، ج۲، ص۳۰۵، م ۲.

ويمكن أن يراد بوجوب النفقة أحد معنيين:
الأوّل- أنّه ملْكه، فتكون نفقته من كيسه إذا لم يتبرّع بها متبرّع أو لم يصرف عليه من بيت المال؛ ولذا فإنّ كلّ ما يبذل عليه لحفظ حياته من النفقات اللازمة يرجع فيها على مالكه.
الثاني- أنّه من جملة عياله اللازمين له، فيجب على المولى الانفاق عليه وعلى من يعول به كزوجته وأولاده إذا كان زواجه باذن المولى من دون اشتراط أن يكون نفقتها على الغير أو من كسبه. ويندرج ضمن النفقة الواجبة دفع الزكاة عنه إذا أهلّ هلال شوال وهو في ملكه وعيلولته.وحيث إنّ الإباق لا يرفع الملك فينفتح البحث عن ثبوت نفقة الآبق على مولاه بكلا المعنيين.
أمّا المعنى الأوّل: فقد صرَّح الفقهاء بالرجوع على المالك فيما ينفق على الآبق أو أيّ حيوان ضالّ يجوز للمكلّف أو يجب عليه أخذه وحفظه ولو لصاحبه.قال المفيد في المقنعة : «وينبغي لمن وجد عبداً آبقاً أو بعيراً شارداً وغير ذلك من الحيوان أن يرفع خبره إلى سلطان الإسلام ليطلق النفقة عليه من بيت المال، فإن لم يوجد سلطان عادل أنفق عليه الواجد له من ماله، فإذا حضر صاحبه استرجع منه النفقة عليه وسلّمه إليه». وقال الشيخ في النهاية: «ومن وجد شيئاً ممّا يحتاج إلى النفقة عليه فسبيله أن يرفع خبره إلى السلطان لينفق عليه من بيت المال، فإن لم يجد وأنفق هو عليه كان له الرجوع على صاحبه بما أنفقه عليه». وقال ابن حمزة في الوسيلة: «والصغير من المملوك في حكم اللقطة ، والمراهق رفع خبره إلى الحاكم لينفق عليه، فإن لم‌ يجد وكان ذا كسب كانت نفقته في كسبه، فإن لم يكن أنفق عليه ورجع به على صاحبه إذا ظهر».
وخالف في ذلك ابن إدريس فذكر- بعد نقل عبارة النهاية-: «والذي ينبغي تحصيله في ذلك أنّه إن كان انتفع بذلك قبل التعريف والحول فيجب عليه أجرة ذلك، وإن كان انتفع بلبنه فيجب عليه ردّ مثله، والذي أنفقه عليه يذهب ضياعاً؛ لأنّه بغير إذن من صاحبه، والأصل براءة الذمّة، وإن كان بعد التعريف والحول فإنّه لا يجب عليه أجرة ولا ردّ شي‌ء من الألبان والأصواف؛ لأنّه ماله».
وهذا الخلاف انعكس في كلمات الأصحاب كرأي لابن إدريس أو قول في المسألة كما يظهر من مراجعة الشرائع
[۷] الشرائع، ج۳، ص۲۹۰.
والدروس وغيرهما من كتب الأصحاب.كما أنّه اختلفت عباراتهم في تعليل ذلك، فمنهم من جعل الوجه في عدم الرجوع وجوب الحفظ على الملتقط شرعاً فتكون نفقته عليه؛ لأنّ الفرض لا يتم إلّا به، كما في الشرائع حيث قال المحقق:«إذا لم يجد الآخذ سلطاناً ينفق على الضالّة أنفق من نفسه ورجع به، وقيل:لا يرجع؛ لأنّ عليه الحفظ، وهو لا يتمّ إلّا بالإنفاق. والوجه الرجوع دفعاً لتوجّه الضرر بالالتقاط ».
[۹] الشرائع، ج۳، ص۲۹۰.
ومنهم من علَّل ذلك بل فسّر مراد السرائر بالتبرّع كما في الدروس حيث قال الشهيد : «فإن تعذّر أنفق الملتقط ورجع مع نيّته، ومنع ابن إدريس من الرجوع لتبرّعه، وهو بعيد لوجوبه».
وعبارة السرائر ظاهرة في المنع عن الرجوع؛ لكونه قبل التعريف حولًا بدون إذن المالك ورضاه أو أمره، فيكون كالغاصب، وبعده يكون ملكاً له.إلّا أنّ هذا التعليل- على تقدير تسليمه- غير جارٍ في الآبق، فإنّه‌ ليس لقطة؛ لأنّها- على ما هو مقرّر في محلّه- متقوّمة بالضياع والالتقاط، بل وأن يكون المملوك غير ممتنع وفي معرض الهلكة والتلف ، وكلّ ذلك غير موجود في الآبق.كما أنّ وجوب الحفظ والحضانة غير ثابت بالنسبة إلى الآبق، وإنّما يجوز أو يستحبّ أخذه للردّ إلى مالكه على ما سيأتي بحثه. ويكون الأخذ والردّ إحساناً إلى مالكه أو برضاه وإذنه ولو بالفحوى.
ولو فرض وجوب حفظ نفس الآبق على الآخذ- ولو في بعض الصور- فالوجوب التكليفي لا يساوق المجانية في الإنفاق ما لم يقصد التبرّع. كما أنّ وجوب الانفاق عليه تبرّعاً من بيت المال بمعونة المسلمين محل إشكال وبحث بين الأعلام .وقد علّق المحقّق النجفي على عبارة السرائر بقوله: «ولم أجد من وافقه على ذلك، بل فيه ما لا يخفى من محالّ النظر، خصوصاً الحكم بكونه ماله بعد التعريف والحول، مع أنّ المعلوم عدم دخوله في ملكه قهراً... بل وكذا قوله: يذهب ضياعاً... إلى آخره؛ ضرورة منافاته لقاعدة الضرر والضرار وقاعدة الاحسان ... والوجوب مسلّم لكنّه مجاناً ممنوع، بل لعلّ الإذن المستفادة من أمر المالك الحقيقي بالحفظ أولى منها في الوديعة ونحوها ممّا صرّحوا بوجوب الرجوع مع نيّته أو مع عدم نيّة التبرّع. كلّ ذلك مضافاً إلى النصوص المتقدّمة في اللقيط التي منها يستفاد الحكم في المقام، فلاحظ وتأمّل».
وأمّا المعنى الثاني لوجوب النفقة على الآبق: فقد دلّ على أصل كون المملوك من العيال الذين تجب نفقتهم على المولى جملة من الروايات:
منهاصحيح عبد الرحمن عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً: الأب والأم والولد والمملوك والمرأة؛ وذلك أنّهم عياله لازمون له». ومنها- خبر عبد اللَّه بن الصلت عن عدّة من أصحابنا يرفعونه إلى أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة: الولد والوالدان والمرأة والمملوك؛ لأنّه يجبر على النفقة عليهم».
ومنها- النبوي المعروف: «للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف».
[۱۴] السنن الكبرى، ج۸، ص۶.
[۱۵] كنز العمال، ج۹، ص۷۷، ح ۲۵۰۴۷.
[۱۶] كنز العمال، ج۹، ص۷۸، ح ۲۵۰۴۸.
هذا، مضافاً إلى كون الحكم المذكور مسلّماً فقهياً، وقد نفى بعضهم الخلاف فيه عن علماء الإسلام، كما في الجواهر.
وقد صرّح جملة من الفقهاء بأنّ العبد الآبق تجب نفقته ونفقة من يعول به أيضاً على مولاه كسائر مماليكه على ما سيأتي عن العلّامة وغيره، بل جاء التصريح بذلك فيمن تجب نفقتهم على المزكّي، فلا يجوز إعطاء زكاته لهم، قال السيّد اليزدي :«كالأبوين وإن علوا... والزوجة الدائمة... والمملوك سواء كان آبقاً أو مطيعاً». ومثله قال السيّد الاصفهاني.
[۱۹] وسيلة النجاة، ج۱، ص۳۲۸.
إلّا أنّه مع ذلك وقع الاختلاف بحسب ظاهر الفتاوى في موضعين:
الأوّل- في وجوب نفقة زوجة الآبق على مولاه.
الثاني- في وجوب دفع الزكاة عنه إذا أهلّ عليه هلال شوال وهو آبق.
ولكن التأمّل في كلماتهم يعطي أنّ الخلاف ليس راجعاً إلى كون العبد الآبق واجب النفقة على مولاه على حدّ سائر مماليكه، وإنّما الخلاف بالدقة في ارتفاع موضوع النفقة ومقتضيها بارتفاع الزوجية وحصول البينونة بالإباق، فلم تعد زوجته لتجب نفقتها على مولاه في الموضع الأوّل، وعدم صدق العيلولة مع الإباق في الموضع الثاني، والزكاة إنّما تجب عمّن يعول به المكلّف لا مطلق من تجب نفقته‌ عليه ولو لم يكن ممّن يعول به فعلًا لإباقه وإليك جملة من كلماتهم في الموضع الأوّل- أي فيما يتعلّق بنفقة زوجة الآبق-:قال ابن الجنيد : «إذا أذن السيد لعبده في التزويج فتزوّج حرّة أو كتابيّة أو أمة مسلمة فعليه نفقاتهنّ كلّهن كنفقة المعسر لا أكثر... ولو أبق العبد لم يكن على السيد نفقة المرأة»..
[۲۰] المختلف، ج۷، ص۳۲۳، م ۲۳۲.
وقال الشيخ: «وإذا أذن الرجل لعبده في التزويج فتزوَّج ثمّ أبق لم يكن لها على مولاه نفقة». وقال ابن البرّاج : «وإذا كان لإنسان عبد فأذن له في التزويج فتزوَّج ثمّ أبق بعد ذلك لم يكن لزوجته على سيده نفقة وكان عليها العدّة منه». وقال ابن حمزة: «إذا تزوّج عبد بأمة غير سيّده ورضي سيدهما ثمّ أبق العبد بعد الدخول، بانت منه ولزمتها العدّة، فإن رجع قبل انقضائها كان أملك بها، وإن رجع بعد انقضاء العدّة لم يكن له عليها سبيل، ولا يلزم سيّده النفقة». والظاهر أنّ مستند هذه الفتوى رواية عمار المتقدمة. وقال ابن إدريس : «والذي يقتضيه الأدلّة أنّ النفقة ثابتة على السيد وأنّها لا تبين من الزوج، والزوجيّة بينهما باقية لأنّها الأصل، والبينونة تحتاج إلى دليل قاطع من طلاق الزوج أو موته أو بيع سيده له وفسخ المشتري أو لعان أو ارتداد ، وليس الإباق واحداً من ذلك».
وقال ابن سعيد - في بحث نفقة الزوجة-: «فإن كان الزوج عبداً فأبق لم يكن على مولاه نفقة». وقال العلّامة : «إذا تزوّج العبد بإذن مولاه فالنفقة على المولى، فإن أبق المملوك قال الشيخ: سقطت النفقة وبانت من الزوج وعليها العدّة منه، فإن عاد قبل خروج العدّة فهو أملك بها، وإن خرجت العدّة قبل عوده انقطعت العصمة. وليس بجيّد، بل النفقة ثابتة، وكذا الزوجيّة». وقال في المختلف - بعد أن نقل كلام الشيخ-: «وبه قال ابن حمزة، إلّا أنّه قال: إذا تزوّج عبد بأمة غيره بإذن السيد ثمّ أبق العبد... وساق الكلام»، ثمّ نقل كلام ابن إدريس المتقدّم، ثمّ قال: «احتجّ الشيخ رحمه الله بما رواه عمار الساباطي عن الصادق عليه السلام... ولأنّه لمّا كان الارتداد- وهو الخروج عن طاعة اللَّه تعالى الواجبة على المكلّف- موجباً لفسخ النكاح ، فكذا الإباق الذي هو خروج عن طاعة المولى الواجبة على العبد يجب أن يكون موجباً لفسخ النكاح. والجواب: الطعن في السند؛ فإنّ عماراً فطحي لا يعوّل على ما ينفرد به، ونمنع المساواة في الحكم بين الارتداد والإباق ، وظاهر عدمه؛ فإنّ الأوّل موجب للقتل بخلاف الثاني».
[۲۷] المختلف، ج۷، ص۲۹۱- ۲۹۲، م ۲۰۵.

وقال الشهيد الثاني- بعد أن نقل قول الشيخ وابن حمزة والاحتجاج المتقدّم والاشكال عليه- قال: «والحقّ بقاء الزوجيّة ووجوب النفقة على مولاه؛ لعدم دليل صالح يخرجهما عن الأصل». وقال السيد العاملي: «والمعتمد بقاء الزوجيّة إلى أن تقع البينونة بطلاق أو غيره؛ لأنّ هذه الرواية لا تبلغ حجّة في إثبات هذا الحكم». وقال السبزواري - بعد ذكر قول الشيخ وابن حمزة ومدركه-: «والعمل بمضمون الرواية متّجه حيث يعمل بالأخبار الموثّقة، والمشهور بقاء الزوجيّة ووجوب النفقة على المولى». وقال الفاضل الاصفهاني- بعد ذكر قول الشيخ وابن حمزة والاستدلال عليه ومناقشته-: «فالأقوى وفاقاً لابن إدريس والمصنّف والمحقق العدم، ويدلّ عليه الأصل والاحتياط ».
وقال المحدّث البحراني بعد نقل القولين : «أقول: والحكم في هذا المقام لا يخلو من شوب الإشكال؛ لخروج هذه الرواية على خلاف القواعد المقرّرة والضوابط المعتبرة المستفادة من الأخبار المتكاثرة وإمكان تخصيص تلك القواعد بهذا الخبر والعمل بمضمونه في هذا الفرد، كما تقدّم نظائر ذلك في مواضع عديدة، واللَّه العالم». وقال السيد علي الطباطبائي بعد ذكر الرواية-: «وليس في هذه الرواية ضعف بالمعنى المصطلح؛ لوثاقة عمار وإن كان فطحيّاً، مضافاً إلى أنّ قبله من أجمع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، ولعلّه لذا عمل به جماعة كالصدوق والشيخ في النهاية وابن حمزة إلّا أنّه خصّ الحكم بتزويج العبد أمة غير سيده، والرواية مطلقة، خلافاً للأكثر، بل كاد أن يكون إجماعاً ، وهو الأظهر؛ للأصل، وظاهر عموم ما دلّ على اعتبار الطلاق في تحقّق الفراق. ولاعتضادهما بالشهرة لا تقاومهما الموثّقة المزبورة وإن كانت بحسب السند معتبرة، مع إمكان تطرّق القدح إليه من جهته من حيث ابتناء اعتباره بالأمرين على حصول المظنّة منهما بصدق الرواية ومع اشتهار الخلاف ترتفع المظنّة. أمّا عن الأوّل؛ فلأنّ الظنّ الحاصل من توثيقه أضعف هنا من الظنّ الحاصل من شهرة خلافه. وأمّا عن الثاني؛ فلابتناء حصول المظنّة منه على الاجماع، وهو منفيّ مع شهرة الخلاف. فإذاً الأجود بقاء الزوجيّة إلى وقوع البينونة بطلاق ونحوه من الأمور المسلّمة».
وقال المحقق النجفي : «ولكن مع ذلك في العمل بها تردّد ليس مستنده ضعف السند؛ إذ هو من الصحيح أو الموثّق وكلّ منهما عندنا حجّة، بل لقصوره عن معارضة ما دلّ على بقاء النكاح من الأصل ، وعموم حصر ناسخه في غيره وشذوذ الخبر المزبور، ضرورة قصر الحكم في عبارة ابن حمزة على أمة غير السيد، مع أنّ مورد الرواية الحرّة، واعتبار عدم التزويج في رواية الفقيه في البقاء على النكاح، وفي التهذيب ذلك مع عدم انقضاء العدّة واعتبار التزويج في البينونة عنه في كلّ منهما، ولم يعتبر بشي‌ء من ذلك الشيخ وابن حمزة، على أنّه ظاهر في سقوط النفقة في الارتداد ، وهو مخالف لما سمعته سابقاً ومختصّ بالحرّة، ولم يستقص فيه تمام أحكام ذلك من رجوع العبد بنفسه وإرجاعه وإباق الأمة التي تزوّجها الحرّ، وإباق العبد والأمة وغير ذلك من الأحكام الكثيرة، واتّحاد الخبر المزبور في الحكم المذكور. وبذلك كلّه يضعف الظنّ به، بل يختصّ الظنّ بغيره. ومنه يعلم أنّ الأقوى العدم، واللَّه العالم».
ويتّضح من كلماتهم في الموضع الأوّل- أي فيما يتعلّق بنفقة زوجة الآبق- أنّ الاختلاف في ثبوتها على المولى وعدمه ليس من ناحية كون الإباق رافعاً لوجوب النفقة على العبد الآبق، بل من جهة ما دلّ على انقطاع الزوجية وحصول البينونة بالإباق، فلا موضوع لوجوب الإنفاق عليها.فالقائل بوجوب الإنفاق على زوجة الآبق يرى بقاء الزوجية ولم يعمل برواية عمّار، والقائل بعدم وجوبها عمل بها وحكم بحصول البينونة كما في زوجة المرتد.فليس الاختلاف المذكور في صميم هذه الجهة، بل راجع بحسب الحقيقة إلى جهة قادمة من أحكام الإباق. هذا كلّه بالنسبة إلى الموضع الأوّل.
وأمّا الموضع الثاني- وهو وجوب دفع زكاة الفطرة عن العبد الآبق- فكلمات الفقهاء فيه مختلفة من جهة الاختلاف في مبنى زكاة الفطرة وأنّه هل تجب عن المملوك مطلقاً أو أنّه يدور مدار وجوب النفقة أو أنّه يدور مدار فعلية الإعالة والإنفاق عليه؟
فتكون الأقوال حينئذٍ ثلاثة، وكلّها ترجع إلى تحديد موضوع من تجب فطرته، لا وجوب النفقة على الآبق وإليك جملة من كلماتهم في الموضع الثاني- وهو وجوب دفع زكاة الفطرة عن العبد الآبق-: قال الشيخ الطوسي : «إن أبق عبده فأهلّ شوّال لم تسقط فطرته عنه؛ لأنّ ملكه ثابت فيه، ويجب عليه أن يخرج الزكاة عن عبيده، وهذا منهم».. وقال محمّد بن إدريس: «ويلزمه أن يخرجها (زكاة الفطرة) عنه وعن جميع من يعول ممّن تجب عليه نفقته أو من يتطوّع بها عليه من صغير وكبير، حرّ وعبد، ذكر وانثى، ملّي أو كتابي، ويجب عليه إخراج الفطرة عن عبده سواء كان آبقاً أو غير آبق، مغصوباً أو غير مغصوب». وقال المحقق الحلي : «الرابع: تجب الفطرة عن العبد الغائب الذي يعلم حياته والآبق والمرهون والمغصوب. وبه قال الشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم.
وقال أبو حنيفة: لا تلزمه زكاته؛ لسقوط نفقته كما تسقط عن الناشز.لنا: أنّ الفطرة تجب على من يجب أن يعوله، وبالرّق تلزم العيلولة، فتجب الفطرة».وقال في الشرائع: «الثانية: الزوجة والمملوك تجب الزكاة عنهما ولو لم يكونا في عياله إذا لم يُعلهما غيره، وقيل: لا تجب إلّا مع‌ العيلولة ، وفيه تردّد». وقال ابن سعيد: «وإذا نشزت زوجته وخرجت عن عياله أو أبق عبده قبل هلال الشهر فلا فطرة عليه لهما». وقال العلّامة : «يجب على المولى الإخراج عن عبده وإن كان غائباً أو آبقاً أو مرهوناً أو مغصوباً سواء رجا عوده أو لا وسواء كان مطلقاً أو محبوساً كالأسير مع علم حياته.ولو لم يعلم حياته قال الشيخ: لا يلزمه الفطرة عنه، وأوجبها ابن إدريس.وعندي في ذلك نظر».
وقال في القواعد: «لا يسقط وجوب النفقة بالإباق، فتجب الفطرة، وكذا المرهون والمغصوب والضالّ وإن انقطع خبره ما لم يغلب ظنّ الموت». وقال في المنتهى : «مسألة: ويجب عليه أن يخرج عن عبده، وقد أجمع أهل العلم كافّة على وجوب إخراج الفطرة عن العبيد الحاضرين غير المكاتبين والمغصوبين والآبقين وعبيد التجارة صغاراً كانوا أو كباراً؛ لأنّ نفقته واجبة على المولى، فيندرج تحت العموم بإيجاب الفطرة عن كلّ من يعوله. وقد روى الشيخ في الصحيح عن عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه» ثمّ قال: «فروع: الأوّل: العبد الغائب يجب على المولى فطرته إن علم حياته، وكذا الآبق والمرهون والمغصوب، ذهب إليه علماؤنا.وبه قال الشافعي وأحمد وأكثر العلماء.
وقال الزهري : يجب عليه فطرته إذا علم مكانه.وقال الأوزاعي : إن كان في بلاد الإسلام .وقال مالك: إن كانت غيبته قريبة. ولم يوجب أبو حنيفة والثوري وعطاء زكاة الفطرة عن الآبق لنا: إنّ النفقة واجبة عليه بالرقّية، فيجب الزكاة؛ لثبوت المقتضي، والمعارض لا يصلح للمانعيّة؛ لعدم خروج الرقيّة.وكذا من ردّ الآبق وجبت على المولى نفقته، فالنفقة لازمة.احتجّ المخالف بسقوط النفقة كما يسقط عن الناشزة.والجواب: المنع من سقوط النفقة، والاكتفاء بغير المالك لا يسقط النفقة كما لو اكتفى بكسبه، ولهذا أوجبنا على المالك ردّ نفقة صاحب الجعالة مع الجعالة».
[۴۴] المغني لابن قدامة، ج۲، ص۶۷۴.
ولكن ذكر في تلخيص المرام: «والمغصوب والآبق والصغيرة والناشز والغائب المجهول حياته يخرج عنهم على رأي».
[۴۵] تلخيص المرام ۴۸.

وقال الشهيد الأوّل: «ولو أبق العبد فالوجوب باقٍ ما لم يعلم موته أو يعله مكلّف بالفطرة». وقال المحقق الأردبيلي : «والظاهر أنّ الضابط هو العيلولة إلّا أنّه نقل الإجماع في المنتهى على وجوب الفطرة عن العبد الآبق والمرهون والمغصوب وجميع الغيّاب مع علم الحياة، فاكتفى بأصل وجوب النفقة والعيلولة من دون اشتراط الفعليّة فتأمّل، فإنّه يشكل الخروج عنه؛ إذ هو محل التأمّل، والتعدّي إلى الزوجة التي تجب نفقتها وكذا خادمها والآباء والأولاد مع عدم العيلولة بالفعل مشكل، والأصل وعدم شمول الأدلّة يقتضي العدم، فتأمّل واحتط». وقال السيد العاملي - بعد أن نقل كلام المنتهى والمعتبر المتقدمين- قال: «ويستفاد منه وجوب الفطرة عن المملوك وإن لم يكن في عيلولة المولى؛ للزوم النفقة.وهو غير جيّد؛ لأنّ مقتضى الروايات أنّ الفطرة تابعة للعيلولة نفسها لا لوجوبها، ومقتضى العبارة تحقّق الخلاف في ذلك».
وقال المحقق السبزواري-بعد ذكر كلام المنتهى-: «وقيل: لا يجب الفطرة إلّا مع العيلولة، وهو متّجه؛ لما ذكرنا مراراً».
[۴۹] الذخيرة، ج۱، ص۴۷۳، س ۳۷.
وقال المحدّث البحراني - بعد ذكر كلام المعتبر -: «وأنت خبير بأنّ الظاهر من النصوص المتقدّمة- كما أشرنا إليه آنفاً- هو حصول العيلولة بالفعل لا مجرّد وجوب العيلولة، وإلى ذلك مال السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة، وهو الحقّ الحقيق بالاتّباع . وينبغي أن يعلم أنّه لو عال الزوجة أو المملوك غير الزوج والسيد تعلّقت الزكاة به وسقطت عنهما بغير إشكال ولا خلاف». وفي مستند الشيعة : «لو كان الغائب غير منفق عليه منه كالعبد الآبق أو المغصوب لم تجب فطرته على المختار». وقال المحقق النجفي: «وتفصيل الحال أنّه لا خلاف ولا إشكال في وجوب إخراج الفطرة عنهما مع العيلولة وجبت النفقة أو لم تجب... كما أنّه لا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الفطرة مع عدم لزوم الإنفاق لنشوز ونحوه وعدم العيلولة... أمّا لو وجبت النفقة ولكن لم يعلها عصياناً فظاهر بعض وصريح آخر الوجوب، بل قد عرفت نسبته إلى الأكثر، بل ربّما نسب إلى المشهور؛ لكونها عيالًا شرعاً حينئذٍ.
لكن للمناقشة فيه مجال إن لم يثبت الإجماع عليه؛ ضرورة انصراف غيره من نحو قولهم: «يعول» و «يمون» و «العيال» ونحو ذلك... ودعوى شمولها للشرعية واضحة المنع بعد أن لم تكن لها حقيقة شرعية». وقال السيد اليزدي: «تجب الفطرة... وكذا المملوك وإن لم تجب نفقته عليه، وأمّا مع عدم العيلولة فالأقوى عدم الوجوب عليه وإن كانوا من واجبي النفقة عليه، وإن كان الأحوط الإخراج خصوصاً مع وجوب نفقتهم عليه».
وقال السيّد محسن الحكيم : «إذا ولد له قبل الغروب أو ملك مملوكاً أو تزوّج امرأة فإن كانوا عيالًا وجبت عليه فطرتهم، وإلّا فعلى من عال بهم.
وإذا لم يعل بهم أحد وجبت فطرة الزوجة على نفسها إذا جمعت الشرائط ولم تجب على المولود والمملوك».
[۵۲] منهاج الصالحين، الحكيم، ج۱، ص۴۴۵، م ۶.
وقال السيد الإمام الخميني : «الظاهر أنّ المدار في العيال هو فعليّة العيلولة لا على وجوب النفقة، وإن كان الأحوط مراعاة أحد الأمرين...».
[۵۳] تحرير الوسيلة، ج۱، ص۳۱۷، م ۶.
وهكذا يتضح أنّ الاختلاف بين الفقهاء في وجوب دفع زكاة الفطرة عن الآبق لا يرجع بحسب الحقيقة إلى النزاع في الآبق وكونه واجب النفقة على مولاه أو لا؛ فإنّه متسالم عليه، وإنّما البحث والنزاع بينهم فيما هو ملاك وجوب دفع الفطرة عن المملوك كما عرفت، ويأتي تفصيله في:زكاة الفطرة.
كما أنّه حصل بين المتأخرين خلاف آخر في جواز دفع الزكاة للآبق وعدمه لكونه مملوكاً أو واجب النفقة وإن لم يتمكن المولى بالفعل من الإنفاق عليه لعصيانه وإباقه؛ فإنّه قادر على الرجوع والطاعة، وكذلك وقع البحث عن جواز دفع الزكاة له للتوسعة زائداً على قوته ونفقته الواجبة على مولاه أو دفعها له من غير سهم الفقراء، وكل ذلك راجع إلى مباحث الزكاة وملاكاتها، فليراجع هناك.



 
۱. جواهر الكلام، ج۳۱، ص۳۸۹- ۳۹۰.    
۲. منهاج الصالحين (الحكيم)، ج۲، ص۳۰۵، م ۲.
۳. المقنعة، ج۱، ص۶۴۹.    
۴. النهاية، ج۱، ص۳۲۴.    
۵. الوسيلة، ج۱، ص۲۷۷.    
۶. السرائر، ج۲، ص۱۱۰.    
۷. الشرائع، ج۳، ص۲۹۰.
۸. الدروس، ج۳، ص۷۴.    
۹. الشرائع، ج۳، ص۲۹۰.
۱۰. الدروس، ج۳، ص۷۴.    
۱۱. جواهر الكلام، ج۳۸، ص۲۶۴.    
۱۲. الوسائل، ج۹، ص۲۴۰- ۲۴۱، ب ۱۳ من المستحقّين للزكاة، ح ۱.    
۱۳. الوسائل، ج۹، ص۲۴۱، ب ۱۳ من المستحقين للزكاة، ح ۴.    
۱۴. السنن الكبرى، ج۸، ص۶.
۱۵. كنز العمال، ج۹، ص۷۷، ح ۲۵۰۴۷.
۱۶. كنز العمال، ج۹، ص۷۸، ح ۲۵۰۴۸.
۱۷. جواهر الكلام، ج۳۱، ص۳۸۹.    
۱۸. العروة الوثقى، ج۴، ص۱۳۰، م ۹.    
۱۹. وسيلة النجاة، ج۱، ص۳۲۸.
۲۰. المختلف، ج۷، ص۳۲۳، م ۲۳۲.
۲۱. النهاية، ج۱، ص۴۹۸.    
۲۲. المهذّب، ج۲، ص۲۴۹.    
۲۳. الوسيلة، ج۱، ص۳۰۷.    
۲۴. السرائر، ج۲، ص۶۴۱.    
۲۵. الجامع للشرائع، ج۱، ص۴۸۹.    
۲۶. التحرير، ج۳، ص۵۱۸.    
۲۷. المختلف، ج۷، ص۲۹۱- ۲۹۲، م ۲۰۵.
۲۸. المسالك، ج۷، ص۴۰۰.    
۲۹. نهاية المرام، ج۱، ص۱۹۹.    
۳۰. الكفاية، ج۱، ص۱۶۸، س ۳۳.    
۳۱. كشف اللثام، ج۷، ص۲۶۰.    
۳۲. الحدائق، ج۲۴، ص۴۲.    
۳۳. الرياض، ج۶، ص۲۴۷-۲۴۸.    
۳۴. جواهر الكلام، ج۳۰، ص۹۲.    
۳۵. المبسوط، ج۱، ص۲۴۳.    
۳۶. السرائر، ج۱، ص۴۶۵.    
۳۷. المعتبر، ج۲، ص۵۹۸.    
۳۸. الشرائع، ج۱، ص۱۷۲.    
۳۹. الجامع للشرائع، ج۱، ص۱۴۰.    
۴۰. التحرير، ج۱، ص۴۲۲- ۴۲۳.    
۴۱. القواعد، ج۱، ص۳۵۹.    
۴۲. المنتهى، ج۱، ص۵۳۴، س ۱۲.    
۴۳. الوسائل، ج۹، ص۳۲۹، ب ۵ من زكاة الفطرة، ح ۸.    
۴۴. المغني لابن قدامة، ج۲، ص۶۷۴.
۴۵. تلخيص المرام ۴۸.
۴۶. الدروس، ج۱، ص۲۴۹.    
۴۷. مجمع الفائدة والبرهان، ج۴، ص۲۴۳.    
۴۸. المدارك، ج۵، ص۳۲۳.    
۴۹. الذخيرة، ج۱، ص۴۷۳، س ۳۷.
۵۰. الحدائق، ج۱۲، ص۲۶۹.    
۵۱. مستند الشيعة، ج۹، ص۴۰۱.    
۵۲. منهاج الصالحين، الحكيم، ج۱، ص۴۴۵، م ۶.
۵۳. تحرير الوسيلة، ج۱، ص۳۱۷، م ۶.




الموسوعة الفقهية، ج۲، ص۱۹۶-۲۰۶.    



جعبه ابزار