اتحاد المجلس
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الاتحاد هو
الانفراد ، و
المجلس صيغة مَفعِل من
الجلوس اسم مكان وزمان و
مصدر ميميّ، غير أنّه يستعمل في
الغالب اسماً للمكان.
الاتّحاد تقدّم أنّه
الانفراد .
و
المجلس صيغة مَفعِل من
الجلوس اسم مكان وزمان و
مصدر ميميّ، غير أنّه يستعمل في
الغالب اسماً للمكان.
وأمّا اتّحاد المجلس في
اصطلاح الفقهاء فهو
تعبير عن
وحدة الهيئة و
الحالة التي يكون
المكلّف عليها، و
اتّصالها وعدم تغيّرها و
انقلابها عمّا كانت عليه. فالاتّحاد
حقيقي هنا وباقٍ على معناه اللغويّ عندهم، وليس لديهم فيه اصطلاح
جديد ؛ فهو هنا بمعنى يقابل
التعدّد أو
الاختلاف .
وإنّما حصل
التصرّف منهم في المجلس حيث استعير للتعبير عن هيئة المكلّف وحالته، بلا فرق بين كونها حالة جلوس أو
قيام أو
مرافقة و
مماشاة أو غير ذلك.
نعم، اختلاف الهيئة أو تعدّدها يجب أن يكون بالنسبة إلى كلّ هيئة بحسبها، فهيئة
التعاقد هي هيئة
اجتماع بالنسبة إلى المتعاقدين، ولذلك فالملحوظ في تغيّرها أو تعدّدها تبدّل تلك الحالة؛ بأن يحصل
الافتراق و
التباعد بينهما. وهيئة المقِرّ حالته التي أقرّ عليها، فلذلك يكون
الملحوظ في تعدّدها واختلافها تغيّر حالته تلك. وهكذا بالنسبة إلى اتّحاد مجلس
الدعوى و
الشهادة وتلاوة آية السجدة وغير ذلك.
كما أنّ
المدار في الاتّحاد الوحدة
العرفية ، فطول
زمان الهيئة وقِصَره قد يكون مضرّاً، فلو دامت هيئة المتبايعين مدّة
طويلة كسنة مثلًا لم يفترقا فيها لم يتصوّر
إثبات حكم المجلس الواحد لهما.
هي
التتابع وعدم
الفصل بين
أجزاء الفعل المركّب الواحد-
كالوضوء و
الصلاة - بما يخرجهما عن حالة الوحدة هذه،
فهي
صفة للعلاقة بين أجزاء الفعل
المركّب يحصل بها الاتّحاد. وأمّا الاتحاد فيكون وصفاً للكلّ من دون
نظر إلى الأجزاء. والاتّحاد يعمّ الواحد
البسيط كما يعمّ المركّب، لكنّ إضافته إلى المجلس تجعله مختصّاً بحالة المكلّف والهيئة التي هو عليها.
المكان
موضع كون
الشيء الحاوي له،
واتّحاده وحدته ذاتاً أو صفة.
و
الفرق بين اتّحاد المكان واتّحاد المجلس بمعناه الاصطلاحي: أنّ اتّحاد المكان يفارق اتّحاد المجلس عند تغيّر حالة المكلّف عمّا كانت عليه مع بقائه في
ذات المكان كالمصلّي إذا فرغ من الصلاة واشتغل بتلاوة
القرآن في ذات المكان. واتّحاد المجلس يفارق اتّحاد المكان في
مثل المتبايعين اللذين غادرا مكان
العقد متصاحبين إلى مكان آخر حيث يصدق اتّحاد المجلس عليهما رغم عدم اتّحاد المكان. وقد يجتمعان، فبينهما نسبة
العموم والخصوص من وجه.
يذكر الفقهاء اتحاد المجلس في أبواب مختلفة من
الفقه في
الصرف و
السلم و
الخيار و
الكفارات و
النكاح و
الشهادات و
الاقرار و
سجود التلاوة وغيرها، نشير فيما يلي إلى
جملة منها مع
احالة التفصيل إلى محالها:
إذا قلّم
المحرِم أظفار يديه و
رجليه في مجلس واحد فعليه
دم واحد، وإن قلّمهما في مجلسين فعليه دمان.
اشترط بعض الفقهاء اتّحاد المجلس في عقد النكاح، فلو قالت المرأة:-زوّجت نفسي من فلان- في مجلس وقبل هو النكاح في مجلس آخر لم ينعقد.
وعلّله بعض باحتمال
إعراض الموجب قبل
القبول .
وناقش فيه آخرون بعدم
الدليل على اشتراطه إلّا بتخلّل فصل طويل لا يتحقّق معه عنوان العقد؛ لعدم
صدق التخاطب فيرجع إلى
شرط الموالاة ،
بل ربّما قيل بكفاية بقاء
التزام الموجب إلى زمان التزام
القابل وإن تخلّل الفصل الطويل بين لفظي
الإيجاب والقبول؛ إذ لا
عبرة بالفصل بين اللفظين، وإنّما العبرة
بالارتباط بين الالتزامين.
والفقهاء وإن تعرّضوا للمسألة في النكاح لكن ما ذكر من
التوجيه لا يختصّ به بل يعمّ كل عقد فيرجع بحثه إلى محلّه.
المشهور بين الفقهاء اتّحاد مجلس بيع الصرف وقبضه، فلو حصل
البيع من المتبايعين في مجلس ولم يحصل
القبض فيه بطل العقد.
وخالف المشهور
الصدوق حيث لم يعتبر المجلس، استناداً إلى بعض
الروايات .
كما اشترط مشهور الفقهاء اتّحاد مجلس بيع السلم وقبض
الثمن ، فلو حصل البيع في المجلس ولم يحصل القبض فيه بطل العقد أيضاً. وخالف
ابن الجنيد في ذلك، فجوّز
الإمهال إلى ثلاثة أيّام.
اختلف القائلون بوجوب الصلاة على
النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكر اسمه، فذهب بعضهم إلى وجوب تكرارها عند تكراره، وذهب آخرون إلى
التفصيل بين تعدّد المجلس فيجب
التكرار وبين اتّحاده فلا يجب.
يشترط في
ثبوت خيار المجلس للمتبايعين اتّحاد المجلس، فلو تغيّر مجلسهما عمّا كان عليه حال البيع بأن زالت هيئة
التعاقد ولو بانشغال أحدهما بتلاوة القرآن والآخر بمحادثة
الأصدقاء و
الاخوان لزم البيع، ولم يكن لأي منهما فسخه بخيار المجلس.
ويظهر من بعض الفقهاء
تعميمه لغير البيع، خلافاً للمشهور.
اشترط بعض الفقهاء في وجوب
الحدّ تعدّد المجلس بعدد
الإقرارات ،
فالزاني لا يجب عليه الحدّ عنده حتى يقرّ أربع مرّات في أربعة مجالس، فلو كان مجلس الإقرارات واحداً لم يثبت حدّ
الزنا عنده.
وخالف أكثر الفقهاء خصوصاً
المتأخّرين في ذلك، فذهبوا إلى عدم
اشتراط تعدّد المجلس و
كفاية صدور الأقارير منه في مجلس واحد.
صرّح بعض قدامى فقهائنا بأنّ المخيّرة في طلاق نفسها يجوز لها اختيار
الطلاق ما دامت في المجلس.
ولعلّه لخبر
زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له:
رجل خيّر امرأته، فقال: «إنّما
الخيار لهما ما داما في مجلسهما، فاذا تفرّقا فلا خيار لهما».
وذهب سائر الفقهاء إلى أنّ حقّها في
اختيار الطلاق يثبت لها بمقدار لا يتخلّل تخييرها واختيارها فصل طويل يقدح في اتصال الكلامين عرفاً،
وهو يرجع إلى
الموالاة لا إلى اتحاد المجلس.
يشترط لثبوت الحدّ على المشهود عليه
إيقاع شهادة ما يحصل به النصاب في مجلس واحد، فلو أقام الشهادة بعض الشهود بما لا يحصل معه اتصال الشهادة عرفاً حُدّوا
للقذف ولم يرتقب
إتمام البيّنة ؛ لأنّه لا
تأخير في حدّ، وعليه
إجماع فقهائنا.
احتمل بعض فقهائنا كفاية
السجود مرّة واحدة لو تكرّرت
قراءة آية السجدة في مجلس واحد ولم يحصل منه السجود.
ولازم كلامه وجوب تكرار السجود لو قرئت في مجلسين.
الموسوعة الفقهية، ج۳، ص۱۵۹-۱۶۳.