الإقتار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى
التضييق في
الرزق .
الإقتار لغة:
التضييق على الإنسان في
الرزق والنفقة ، يقال: أقتر اللَّه رزقه، أي ضيّقه وقلّله.
وكذا القتر والتقتير، يقال: قتر عليه قتراً وقتوراً- من باب قعد وضرب- إذا ضيّق عليه في النفقة.
ومنه قوله تعالى: «وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذلِكَ قَوَاماً»،
وقول
أمير المؤمنين عليه السلام
لأعرابي : «فأنفقها في خير ولا تخف إقتاراً».
وقد استعمله
الفقهاء بنفس المعنى اللغوي.
التبذير - لغة-
التفريق ، وأصله
إلقاء البذر وطرحه، فاستعير لكلّ مضيّع
لماله .
قال
الخليل : «التبذير:
إفساد المال وإنفاقه في
السرف ... وقيل: التبذير إنفاق المال في
المعاصي . وقيل: هو أن يبسط يده في إنفاقه حتى لا يبقي منه ما يقتاته».
وعليه يكون التبذير
والإسراف متقاربين في الجملة، لكن يفرّق بينهما بأنّ التبذير: إنفاق المال فيما لا ينبغي، والإسراف: صرفه زيادة على ما ينبغي.
وبعبارة اخرى: الإسراف
تجاوز الحدّ في صرف المال، والتبذير إتلافه في غير موضعه، وهو أعظم من الإسراف.
ولعلّه لذا قال اللَّه تعالى: «إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ».
وأمّا الفرق بينهما وبين الإقتار فإنّ الإقتار: هو التقصير والتضييق في النفقة والمعاش، بخلاف التبذير والإسراف فإنّهما مجاوزة الحدّ في النفقة، إمّا فيما ينبغي، أو فيما لا ينبغي.
وهو- لغة-
المشقّة في
الإعطاء ، أو
منع السائل عمّا يفضل عنده، وفي
الشرع : منع الحقّ؛ لأنّه تعالى
ذمّ به وتوعّد عليه، وإنّما يمنع الحقّ-
كالزكاة والخمس - لمشقّة الإعطاء.
ويقابله
الجود والكرم والإعطاء.
قال
الشيخ الطبرسي : «
البخل أصله مشقّة الإعطاء، وقيل في معناه: إنّه منع
الواجب ؛ لأنّه اسم ذمّ... وقيل: هو منع ما لا ينفع منعه، ولا يضرّ
بذله ... وضدّه الجود».
ومنه قوله سبحانه وتعالى: «وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَفْسِهِ»
وكذا قوله سبحانه وتعالى: «الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ».
وبهذا يتّضح الفرق بين البخل والإقتار، فإنّ الإقتار هو التضييق في النفقة والمعاش ولو نتج عن توهم
الصلاح في ذلك بلا مشقة في
العطاء ، أمّا البخل فإنّه
الامتناع عن
استهلاك المال وإعطائه لمشقة في ذلك على النفس مع
استحقاق المعطى للعطاء.
تعرّض الفقهاء للإقتار في مواضع عدّة من
الفقه أهمّها:
الإقتار مذموم
عقلًا وشرعاً ،
وقد ورد في
الروايات ذمّ الإقتار على
العيال وكراهة ذلك، فعن
العيّاشي أنّه قال: استأذنت
الرضا عليه السلام في النفقة على العيال فقال: «بين المكروهين»، قال: فقلت: جعلت فداك، لا واللَّه ما أعرف المكروهين، قال: فقال: «بلى يرحمك اللَّه، أما تعرف أنّ اللَّه عزّوجلّ كره
الإسراف وكره الإقتار فقال: «وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذلِكَ قَوَاماً»
.
وعن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «ليس منّا من وسّع عليه ثمّ قتّر على عياله».
وعن
الإمام علي عليه السلام أنّه قال: «أفقر الناس من قتّر على نفسه مع
الغنى والسعة وخلّفه لغيره».
إلى غير ذلك من الروايات الدالّة على ذمّ الإقتار.
نعم، لابدّ من العدول عن
الإفراط والتفريط في جملة الأحوال والامور التي تقع بينه وبين عياله، فلا يبالغ في التضييق عليهم؛ لأنّهم ضعاف، فقد ورد: (أحسنكم أحسنكم لعياله)، ولا في
التوسعة ؛ لما تستلزمه من
المفاسد والغوائل .
والمعيار في حدّ النفقة على العيال والزوجات ينبني على العمل بما تقتضيه
المصلحة ، فقد تكون أحياناً في الإقتار إذ لو وسّع لوقع الفساد، وقد تكون في التوسعة إذ لو ضيّق لأفسد،
فالتوسعة مطلوبة وإن كان الإقتار حسناً أحياناً بعنوان ثانوي.
ينبغي الإقتار في المعيشة عند ضيق الحال، بأن ينقص من كفافه شيئاً بالتضييق على نفسه وعياله حينئذٍ، وقد تدلّ على ذلك بعض الروايات، كمرسلة
ابن بكير ، قال: كان
أبو عبد اللَّه عليه السلام ربما أطعمنا الفراني (الفراني- جمع فرنية-: وهو نوع من الخبز يعمل باللبنوالسمن والسكر.)
والأخبصة (الأخبصة- جمع خبيص-: وهو طعام يعمل من التمر والسمن.)
ثمّ أطعمنا الخبز والزيت، فقيل له: لو دبّرت أمرك حتى يعتدل؟ فقال: «إنّما نتدبّر بأمر اللَّه، إذا وسّع علينا وسّعنا، وإذا قتّر قترنا».
وهذا الحكم من حُسن
التدبيرالإيمان في النفقة.
لكن يستفاد من الروايات أيضاً
استحباب الإنفاق عند الإقتار على قدر الإقتار، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وصيّته لعلي عليه السلام أنّه قال: «يا علي، ثلاث من حقائق
الإيمان : الإنفاق من الإقتار،
وإنصافك الناس من نفسك،
وبذل العلم للمتعلّم».
وفسّر الإنفاق من الإقتار بأن ينقص من كفافه شيئاً ويعطيه من هو أحوج منه، أو من لا شيء له، أو بأن ينفق مع ضيقه، فيكون
ترغيباً في الإيثار.
وعن
أبي حمزة عن
علي بن الحسين عليهما السلام أنّه قال: «من
أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار، والتوسّع على قدر التوسّع...».
ويدلّ عليه أيضاً قوله تعالى: «وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذلِكَ قَوَاماً»،
فإنّ المؤمن لا يمنع أهله من
الإنفاق ما يقدر عليه، ولا يرتكب منه ما لا يقدر عليه.
وبهذا يظهر أنّ سياسة التدبير في الإنفاق عند الضيق حذراً من
الفقر أو
الحاجة أو
إيقاع النفس والأهل في
الضرر أو
الحرج ، لا تمنع الإنفاق بقدر الإمكان ولو كان قليلًا.
يدفع إلى
ابن السبيل من
الزكاة ما يوصله إلى بلده على وجه يليق بحاله وشأنه، أو إلى محلّ يمكنه فيه تحصيل النفقة ولو
بالاستدانة ، لكنّه لو أقتر على نفسه وفضل ممّا اعطي شيء أعاده حتى في مثل الثياب
تقديراً للضرورة بقدرها.
لكن ذهب
الشيخ الطوسي إلى عدم
وجوب الإعادة ؛ مستدلّاً بأنّه أخذه باستحقاقه له، والحكم
باسترجاعه منه يحتاج إلى دليل.
ذكر الفقهاء أنّه يجب
الخمس في أرباح
التجارات والزراعات والصنائع وغيرها بعد
إخراج مؤونة السنة من غير
إسراف ولا تقتير.
وهذا ممّا لا خلاف فيه، بل ظاهر بعض
الإجماع عليه؛
للآيات والروايات .
هذا، ولكن لو قتّر في المؤونة وفضل عن مؤونة السنة بسبب ذلك شيء، فهل يحسب له أو يتعلّق به الخمس؟
المعروف بين المتقدّمين- بل المشهور
بينهم- أنّه يحسب له ولا خمس في الزيادة بسبب الإقتار،
بل قال
المحقق النجفي : «لا أعرف فيه خلافاً».
واستدلّ له بأنّ المستثنى هي المؤونة المتعارفة، فالخمس إنّما يتعلّق بما عداها، سواء أنفقها أم زاد عليها أم نقص منها.
وذهب بعض آخر إلى تعلّق الخمس بالزائد ولو كان بسبب الإقتار،
بل هو المشهور بين المتأخّرين إلى عصرنا الحاضر.
واستدلّ له بأنّ المؤونة المستثناة عن الخمس ما يصرف بالفعل لا ما كان بالقوّة.
وأيّده
الشيخ الأنصاري بقوله: «إنّ المؤونة المتعارفة ليست منضبطة حتى يستثنى مقدارها، بل تختلف باختلاف الإنفاقات، فقد تعرض للشخص ضروريات، وقد ترتفع عنه مؤونة بعض ضرورياته، وقد يُقدِم على بعض ما يليق به من
الصدقات والهبات ، وقد يعرض عنها.
ولو أراد الشخص إخراج المؤونة في أوّل السنة لم يخرج إلّا ما ظنّ أنّه سينفق على ضرورياته، أو بنى عليه ممّا لا ضرورة في إنفاقه، لكن إذا اتّفق عدم الإنفاق يدخل في الفاضل عن المؤونة».
المعروف بين الفقهاء أنّ نفقة عامل
القراض في
السفر على
رأس المال لا على نفسه.
والمراد بالنفقة ما يحتاج إليه فيه من
المأكول والملبوس والمشروب والمركوب ونحو ذلك، ويراعي فيها ما يليق بحاله عادة على وجه
الاقتصاد ، فإن أسرف حسب عليه.
ولكن لو قتّر ولم ينفق على نفسه لم يحتسب له ولم يكن له أخذ الفاضل؛
لأنّه لم ينفق ذلك،
ولأنّ هذه النفقة
مواساة .
قال
الشهيد الثاني : «وينفق في السفر كمال نفقته من أصل المال، والمراد بالنفقة ما يحتاج فيه... ويراعي فيها ما يليق به عادة مقتصداً، فإن أسرف حسب عليه، وإن قتّر لم يحسب له».
وذكر بعض المعاصرين أنّ الحساب له وعدمه مبنيّ على أنّ المأخوذ في لسان الدليل هل هو النفقة أو مقدارها، فعلى الأوّل لا يحسب؛ لعدم تحققها خارجاً حسب الفرض، وعلى الثاني يحسب له، وحيث إنّ ظاهر
الأخبار هنا
هو الأوّل فلا يحسب له.
ذكر بعض الفقهاء أنّه يجب
ردّ المظالم إلى
المظلوم إن كان حيّاً وإلى
ورثته إن كان
ميّتاً ، ويلزمه حينئذٍ التقتير على نفسه وعياله
وعزل ما يفضل عن حفظ الحياة للمظلوم.
وظاهره إرادة المظالم المتعلّقة بحقوق الناس
كالغصوب وإنكار الودائع والجنايات بغير حق.
نعم، لا يجب على
المديون الإقتار على نفسه وعياله في
أداء ديونه،
وإنّما يستحبّ ذلك،
بل قيّد الشهيد الأوّل
الاستحباب بما إذا رضي عياله؛
وذلك للجمع
بين ما دلّ من الأخبار على وجوب ذلك
وبين ما دلّ على العدم.
يجب على
الولي الإنفاق على من يليه بالمعروف كالصغير، ولا يجوز له التقتير عليه، بل يقتصد في ذلك، بأن يلاحظ شأنه وشأن أمثاله في المجتمع
والشرف والمنزلة ، وإذا زاد في الإنفاق على ما يقتضيه الحال كان
ضامناً للزيادة التي أتلفها في إنفاقه عليه، وإذا قتّر في الصرف وجب عليه أن يحفظ له ما تركه للتقتير.
كما أنّ
القيّم على المولّى عليه يحقّ له الأكل من
مال اليتيم من غير إسراف فيه ولا يجب عليه التقتير بل يحقّ له الحدّ الوسط.
ورد
الدعاء عن
الإمام السجاد عليه السلام عند تقتير
الرزق ، وهو قوله عليه السلام: «اللهمّ إنّك ابتليتنا في أرزاقنا
بسوء الظنّ ، وفي
آجالنا بطول
الأمل حتى التمسنا أرزاقك من عند المرزوقين، وطمعنا بآمالنا في أعمار المعمّرين، فصلّ على
محمّد وآله، وهب لنا يقيناً صادقاً تكفينا به من مؤونة الطلب، وألهمنا ثقة خالصة تعفينا بها من شدّة النصب، واجعل ما صرّحت به من عدتك في وحيك، وأتبعته من قَسَمك في كتابك قاطعاً
لاهتمامنا بالرزق الذي تكفّلت به، وحسمالزرعاً
للاشتغال بما ضمنت
الكفاية له، فقلت وقولك الحقّ الأصدق، وأقسمت وقسمك الأبرّ الأوفى: «وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ»،
ثمّ قلت: «فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ»
.
كما أنّ حصول التقتير في الرزق على المستوى العام وردت بعض الأحكام التي تخصّ بعض مصاديقه، مثل
صلاة الاستسقاء والدعاء معها وبعدها عند
انحباس المطر وقلّة
الزرع والحصاد .
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۳۹۶-۴۰۳.