صفات المؤذن
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
اتفق الفقهاء على أن من الصفات المجتمعة في المؤذن هي
الإسلام والإيمان والعقل و..
لا بدّ في مؤذّن
الإعلام والجماعة أن تجتمع فيه الصفات التالية:
اتّفق الفقهاء على أنّ
الإسلام شرط في المؤذّن فلا يعتدّ بأذان
الكافر ؛
قال العلّامة في
المنتهى: «وهذا حكم متّفق عليه».
وقال المحقق النجفي في الجواهر: «بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المنقول منه مستفيض أو متواتر، بل يمكن القطع بكونه المراد من النصوص».
لأنّ النصوص والروايات
البيانيّة المتعرّضة للأذان كلّها واردة في المؤذّن المسلم بل المؤمن، ولما دلّ على
بطلان عبادة الكافر،
ولقول
الصادق عليه السلام في موثّق
عمّار : «لا يستقيم الأذان ولا يجوز أن يؤذّن به إلّا رجل مسلم عارف...».
ولأنّ الأذان عبادة توقيفية يجب
الاقتصار فيها على المتيقن ثبوته من الشريعة، وليس إلّا إذا كان المؤذّن متّصفاً بالإسلام.
واحتمال كفاية التلفّظ بالشهادتين؛ لكونه موجباً لإسلامه، ممنوع؛
لإمكان أن لا يكون إسلاماً إذا كان
استهزاءً أو حكاية أو غفلة أو تأوّلًا عدم عموم النبوّة، أو مع عدم المعرفة بمعناهما، على أنّ الفرض وقوعهما ممّن يعلم عدم
اعتقاده بهما، ومثله لا يحكم بإسلامه بمجرّد التلفّظ المزبور قطعاً، ومع
انتفاء الاحتمال والحكم بإسلامه لا يعتدّ بأذانه أيضاً؛ لوقوع أوّله في الكفر.
المتحصّل من كلمات الفقهاء والنصوص أنّ المراد من اعتبار
الإيمان في المؤذّن
الاجتزاء بأذانه في الصلاة لا حجّيته في دخول الوقت، ويدلّ على ذلك قول الصادق عليه السلام في خبر
ذريح المحاربي :«صلّ الجمعة بأذان هؤلاء فإنّهم أشدّ شيء مواظبة على الوقت».
هذا، وقد اختلف الفقهاء في
اعتبار الإيمان على أقوال:
فذهب بعضهم إلى اعتباره في المؤذّن، فلا اعتبار بأذان المخالف
وإن وافق أذاننا أو أتمّه المصلّي؛ لأنّ المانع
الخلاف لا نقص الفصول.
وابن إدريس في
السرائر: إنّه لا يؤذّن إلّا من يوثق بدينه.
ويستفاد ذلك من عبارة
المحقق الأردبيلي أيضاً، ونسب ذلك إلى ظاهر
العلّامة في
نهايته.
ولكن لم نجده بعد الفحص.واستدلّ له بالروايات الكثيرة الدالّة على أنّ عمل المخالف باطل عاطل لا يعتدّ به،
وبموثّقة عمّار السابقة، بناءً على أنّ المراد من العارف المؤمن، كما هو الظاهر منه، ولا سيّما بملاحظة موارد استعماله.
وإلى غير ذلك من الروايات.
وظاهر عدّة من الفقهاء عدم اعتبار الإيمان، حيث اقتصروا على اشتراط إسلام المؤذّن.
واستشهد له
بمعروفيّة الاجتزاء بأذانهم في الأزمنة السابقة التي لم يكن
للشيعة مؤذّن معلوم فيها، وبالعبارة التي ذكرها
الشيخ وبعض من تأخّر عنه
من استحباب قول ما يتركه المؤذّن؛ فإنّ التعبير بذلك شامل للمخالف المنقّص نحو (حيّ على خير العمل) إن لم يكن ظاهراً فيه، ومقتضاه الاجتزاء بالأذان المزبور مع
الإتمام ، كما هو ظاهر مستندها الوارد عن
ابن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه».
وقد يناقش فيه بعدم تماميته في العبادي من الأذان كأذان الجماعة؛ لعدم صحّة
العبادة منهم إجماعاً، وبمخالفته لموثّق عمّار المزبور المشترط فيه المعرفة الظاهرة في
إرادة الإيمان.
مضافاً إلى أنّ صحيح ابن سنان تعرّض لجهة النقصان لا غير، فلا إطلاق له من هذه الجهة، ودعوى ظهوره في أذان المخالف غير ظاهر؛ إذ لا قرينة عليه، ومجرّد كونه الغالب غير كافٍ في الحمل، فلا معدل عن العمل بالموثّق المعتضد بما دلّ على كون الأذان عبادة وهي لا تصحّ من المخالف إجماعاً.
وكذا يناقش فيه بما ذكره الشيخ وأكثر من تأخّر عنه أيضاً من أنّ المصلّي خلف من لا يقتدى به يؤذّن لنفسه ويقيم،
فإنّها ظاهرة في عدم
الاعتداد بأذان المخالف، بل يجب تنزيلها على ذلك؛ لأنّ أذان
الفاسق يعتدّ به عندنا.
وربّما يجمع بين القولين باشتراط الإيمان في المؤذّن للصلاة دون الإعلام بناءً على عدم اعتبار العباديّة فيه؛ لحصول حكمة المشروعيّة ولو صدر من المخالف، ولمعروفيّة الاجتزاء به في أزمنة
التقيّة - كما عرفت- ويشهد له أيضاً خبر ذريح المحاربي المتقدّم، بل لعلّ ذكر
الإقامة في ذيل موثّق عمّار قرينة على
اختصاص الأذان فيه بأذان الصلاة. وبذلك يكون مرجع القولين إلى واحد كما ذكره بعض الفقهاء،
ومال إليه
المحقّق النجفي حيث قال- بعد بيان القولين والمناقشة فيهما-: «ويمكن أن يقال بعدم اشتراط الإيمان في أذان الإعلام، بخلاف أذان الصلاة؛ لعدم كون الأوّل عبادة، وحصول حكمة المشروعيّة ومعروفيّة الاجتزاء».
نعم، يستثنى من ذلك سماع أذان المخالف، فإنّه يجزي؛ لأنّ العبرة بالسماع، والمفروض أنّ السامع مؤمن، غايته أن يتمّ ما نقصه بمقتضى مذهبه، أخذاً بإطلاق ما دلّ على تتميم النقص،
كما يأتي في محلّه.
ثمّ يبقى الكلام في أنّه هل يكون اشتراط الإيمان لنقصان أذان المخالف أم لكونه مخالفاً؟ظاهر بعض الفقهاء
أنّ اعتبار ذلك إنّما يكون لأنّه مخالف، وتشعر به الرواية المتضمّنة الأمر بالأذان خلفه، والمتضمّنة الاقتصار على آخر الإقامة عند خوف الفوات.واستظهر بعض آخر أن يكون اشتراطه لنقصان أذان المخالف، فإذا صار تامّاً بالإتمام كان معتدّاً به،
كما في صحيح ابن سنان المتقدّم.
الأذان والإقامة لمن صلّى خلف من لا يقتدى به:
لو صلّى خلف
إمام لا يقتدى به وكان مؤذّن جماعته مخالفاً أو مؤمناً ولم يسمع أذانه
فإن كان في سعة أن يؤذّن ويلحق بالإمام أذّن لنفسه وأقام
بغير خلاف في ذلك؛ لخبر
محمّد بن عذافر عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «أذّن خلف من قرأت خلفه»،
وخبر عمّار عنه عليه السلام أيضاً قال:«وإن علم الأذان وأذّن به ولم يكن عارفاً لم يجز أذانه ولا إقامته، ولا يقتدى به»،
ومنه يعلم أنّه لا يعتدّ بأذانه؛ إمّا لنقصه من فصوله وإمّا لغير ذلك.
وأمّا لو لم يكن المصلّي في سعة أن يؤذن كملًا بأن خشي بفعل الأذان والإقامة فوات الصلاة التي لو لم يظهر
الائتمام بها خالف التقيّة، فيقتصر حينئذٍ على (التكبيرتين) و (قد قامت الصلاة) عند بعض
كالشيخ الطوسي والمحقق الحلّي
وغيرهما.
وذهب آخرون إلى أنّه يقول- مضافاً إلى ذلك-:
التهليل أيضاً؛ استناداً إلى رواية معاذ بن كثير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام.
واعتذر
السيّد العاملي عن ترك التهليل في كلام الشيخ ومن تبعه بأنّ المراد بالتكبيرتين،
التكبير والتهليل كالقمرين والشمسين، أو أنّ الخبر مساق لبيان المهمّ من الفصول، فالمراد أنّه إن تمكّن منها وإلّا أتى منها بما يتمكّن منه.
واورد عليه:أوّلًا: بمنع ثبوت أهمّيته هنا.وثانياً: بأنّها لا تقتضي تقديمه على (قد قامت الصلاة) مع الجمع بينهما.وثالثاً: بأنّ ثبوت مثل هذه الأحكام بمثل ما ذكر غير صحيح من مثل الشيخ الطوسي؛ ضرورة كون مقتضى خبر معاذ المذكور استحباب هذه الصورة من الإقامة
والسقوط مع التعذّر، لا الاقتصار على ما يتمكّن منها.نعم، يمكن
الاعتذار عن ذلك بإرادة التهليل أيضاً من التكبيرتين تغليباً، أو للتنبيه بذلك على إرادة إلى آخر الإقامة، لكنّ
الإنصاف أنّ عبارة الشيخ بعيدة عن ذلك، بل مقطوع بعدم إرادة ذلك منها.
ثمّ إنّ عباراتهم توهم تقديم التكبير على (قد قامت الصلاة)، خلافاً لظاهر الروايات؛ ولذلك ذكر بعض أنّ الشيخ إنّما قدّم التكبير لأنّ الواو تقتضي الجمع لا
الترتيب ، وينبغي أن يكون العمل على صورة الرواية فيحصل الترتيب المشترط.
لكن قال
الشهيد الثاني : الاعتذار بذلك يزيل الفساد، ولكن لا يوجب تحصيل المطلوب،
يعني بذلك أنّ التوجيه المذكور لا يرفع قصور العبادة عن بيان الكيفيّة المطلوبة
للشارع ، وإن رفع وجه الخطأ فيها.
يشترط في المؤذّن أن يكون عاقلًا
بغير خلاف فيه،
بل قال السيد العاملي:«هذا
مذهب العلماء كافّة».
فلا اعتبار بأذان
المجنون حيث قال: «نعم، لو كان الجنون ممّا يعتوره أدواراً فلا مانع من الاعتداد بأذانه وقت إفاقته».
والسكران المخبط؛حيث قال: «وهل يصحّ أذان السكران؟ الأقرب نعم إن كان محصّلًا.أمّا لو كان مخبطاً فالوجه عدم صحّته كالمجنون».
لمقتضى الروايات
البيانيّة التي دلّت على أنّ المؤذّن من الامناء والأخيار، ولا يتصوّر في المجنون الأمانة،
ولأنّه مطابق لمقتضى
القاعدة حيث لم يتوجّه أمر إلى المجنون بمقتضى حديث رفع القلم، ومعه يحتاج السقوط عنه بعد ما أفاق أو عمّن سمع أذانه إلى الدليل، ولا دليل.
ولتوقيفيّة الأذان الذي يجب الاقتصار فيه على المتيقّن ثبوته في الشريعة، وليس إلّا إذا كان المؤذّن متّصفاً بالعقل.وقد يستدلّ لاشتراط
العقل في المؤذّن والمقيم بعدم تمكّنهما من قصد نفس الأذان أو قصد الأمر به، لكنّه غير مجدٍ في عموم الحكم؛ لجواز تحقّق ذلك منه في بعض الأحيان، على أنّ أذان الإعلام ليس عباديّاً ليشترط قصد
الأمر فيه.
اتّفق الفقهاء على عدم اعتبار
البلوغ في المؤذّن، حيث قال: «ولا يعتبر البلوغ، وهو اتّفاق علمائنا».
قال المحقق النجفي:«لا يشترط البلوغ في الأذان إجماعاً محصّلًا ومنقولًا مستفيضاً»،
فيكفي كون المؤذّن مميّزاً، كما صرّح به ثاني الشهيدين
والفاضل النراقي ،
وهو المستفاد من كلمات الفقهاء، حيث أجمع الفقهاء على عدم اعتبار البلوغ في المؤذّن، كما أقاموا الإجماع على عدم الاعتناء بأذان غير المميّز، فالمستفاد من عباراتهم اشتراط التمييز في المؤذّن.
بل عليه يحمل أيضاً إطلاق القول بجواز تأذين
الصبي ،
كما قال
المحقق الأردبيلي :«لعلّ المراد به ( الصبي) المميّز».
والدليل على ذلك الأخبار الدالّة على نفي البأس عن أذان
الغلام قبل
الاحتلام ، كخبري ابن سنان،
وإسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عن أبيه «أنّ
عليّاً عليه السلام كان يقول: «لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم».
وغير ذلك من
الروايات.منها: موثّقة
سماعة بن مهران عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «تجوز صدقة الغلام وعتقه، ويؤمّ الناس إذا كان له عشر سنين»؛ فإنّها تدلّ بإطلاقها على جواز إمامته حتى للبالغين فيجوز أذانه أيضاً بطبيعة الحال.
وقال المحقق النجفي : ولا يحتمل إرادة خصوص المراهق من النصوص، خصوصاً بعد ملاحظة الفتاوى، فما ذكره الشيخ وبعض من تأخر عنه من أنّه لا يؤذّن إلّا من يوثق بدينه، يريد به إخراج المخالف لا المميّز غير البالغ أو المراهق، خصوصاً بعد ملاحظة تصريحه قبل ذلك بالصبي، بل لعلّ موثّق عمّار-: «لا يجوز أن يؤذّن به إلّا رجل مسلم عارف».
كذلك، فلا يقدح حصر الأذان فيه في الرجل، وإلّا وجب تخصيص مفهومه بذلك. مضافاً إلى أنّه في خصوص أذان
الإعلام يتّحد الصبي مع البالغ في تحصيل الفائدة وهو الإعلام بعد عدم كونه عباديّاً.
وقد يناقش في
الاكتفاء بأذان المميّز أوّلًا: بأنّه لا يقبل خبره ولا روايته، فلا يعتدّ بأذانه.وثانياً: بقول الإمام علي عليه السلام: «قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:... ويؤذّن لكم خياركم».
واجيب عن الأوّل بمنع صحّة
القياس ؛ لعدم الجامع فيه، والفرق ظاهر؛ لأنّ إخباره يحتمل الكذب، بخلاف
إيقاعه للأذان.وعن الثاني بأنّ قوله صلى الله عليه وآله وسلم يدلّ على الأمر باتّخاذ الخيار، ولا يدلّ على
المنع من أذان الصبي،
قال الشهيد: «قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم... حثّ على صفة الكمال؛ إذ
الإجماع واقع على جواز أذان غير الخيار».
وأمّا غير المميّز فلا يعتدّ بأذانه؛ لمسلوبيّة عبارته، ولذا ساوى المجنون في أكثر الأحكام، ولظهور النصوص في غيره، بل لعلّه غير مراد من إطلاق الصبي في بعض العبارات.
هذا كلّه بالنسبة إلى
الاجتزاء بأذان الصبي. وأمّا في الاكتفاء بسماع أذان الصبي فمحلّ إشكال، من عدم
الإطلاق في أدلّة السماع، فإنّ عمدتها روايتان:
وردت إحداهما في سماع
الباقر عليه السلام أذان الصادق عليه السلام،
والاخرى في سماع أذان الجار،
وليس لشيء منهما إطلاق يشمل الصبي؛ إذ الاولى فعل للإمام عليه السلام في واقعة خاصة، والفعل لا إطلاق فيه، والثانية وإن كان ظاهرها الإطلاق لكنّه ينصرف إلى الفرد المتعارف المنطبق على أذان الرجل فلا يشمل أذان الصبي والمرأة؛ لعدم تعارف تأذينهما بصوت عالٍ بحيث يسمعه الجار. والبحث عنه يأتي في سقوط الأذان عن السامع.نعم، لا ينبغي الإشكال في الاجتزاء بحكاية أذان الصبي؛ لوضوح أنّ الحاكي مؤذّن حقيقة في تلك الحالة، فلا وجه لعدم الاجتزاء.
كما لا إشكال في إجزاء أذان الصبي لصلاة نفسه؛
لكونه حينئذٍ كسائر أجزاء صلاته وشرائطها، شرعيّة كانت أم تمرينيّة.
صرّح أكثر فقهائنا
باعتبار الذكوريّة في أذان الإعلام والأذان لجماعة الرجال، فلو أذّنت المرأة لم يكن مجزئاً حتى لجماعة المحارم عند بعضهم،
كما هو الأظهر عند
الميرزا القمّي ،
والأقوى عند المحقق النجفي إن لم يكن إجماع على خلافه.
والأشبه عند
المحقق الهمداني .
خلافاً للشيخ الطوسي فذهب إلى عدم اشتراط الذكورة في المؤذّن حتى
للأجنبي من الرجال، حيث قال: «وإن أذّنت المرأة للرجال جاز لهم أن يعتدّوا به ويقيموا؛ لأنّه لا مانع منه».
وقد تمسّك الفقهاء القائلون بالاشتراط:
أوّلًا: باختصاص النصوص بالرجال كظاهر موثق عمار الساباطي وهو قوله عليه السلام: لا يجوز أن يؤذّن به إلّا رجل.
فإنّه بعموم نفيه جواز الأذان عمّا عدا الرجل يشمل المرأة أيضاً، وعدم بقائه على عمومه- لجواز أذان الصبي وأذان النساء لهنّ وللمحارم إذا لم يسمعها الأجانب- غير ضائر؛ لأنّ العامّ المخصّص حجّة في الباقي.
وشكّك فيه
المحقق الهمداني بأنّ الحديث لا يدلّ على اختصاص الحكم بالرجل وإنّما ورد فيه جرياً على الغالب.
هذا فيما دلّ على جواز الأذان وصفات المؤذّن، وأمّا ما دلّ على الاعتداد بسماع الأذان كخبر عمرو بن خالد.
فنوقش فيه أيضاً بأنّه وإن كان ظاهره كون المؤذّن رجلًا، إلّا أنّه لا خصوصيّة للرجل في ذلك، فيتعدّى الحكم بطريق المناط القطعي إلى كلّ مؤذّن من رجل وامرأة كما في سائر جزئيّات الأحكام؛ لأنّه لو خصّت بموارد الأخبار وإن لم تعلم الخصوصيّة لضاقت الشريعة ولزم القول بجملة من الأحكام من غير دليل، وهو ظاهر البطلان.
وضعاً وانصرافاً، خصوصاً مع تعارف ذلك فيهم وتعارف
الستر والحياء في النساء،
فمناسبة الحكم والموضوع- أي مطلوبيّة رفع الصوت في الأذان وخفضه في المرأة- تقتضي ذلك.
وثانياً: بأنّ عمدة المستند في الاجتزاء هي
السيرة المؤيّدة ببعض النصوص، وشمولها للمرأة حتى المحارم غير معلوم لو لم يكن معلوم العدم.
وربّما استدلّ بعض الفقهاء- مضافاً إلى ما تقدّم من الأدلّة- بأنّ صوت المرأة عورة فلا تؤذّن للرجال ولا يجتزأ به؛ لأنّها إن جهرت به فهو منهيّ عنه، والنهي في العبادات يقتضي الفساد، وإن أسرّت به فيقتضي عدم
الإجزاء للغير وإن أجزأ عن النفس لعدم السماع.
وردّه المحقق النجفي في موضع ب:«عدم ثبوت جريان حكم العورة على أصواتهنّ، بل مقتضى السيرة المستمرّة في سائر الأعصار والأمصار وما وصل إلينا من النصوص المتضمّنة كلامهم عليهم السلام معهنّ زائداً على
الواجب خلاف ذلك، فيتّجه حينئذٍ اجتزاؤهنّ به وإن سمعهن الأجانب».
وفي موضع آخر بأنّه يمكن المناقشة فيه: «أوّلًا: بعدم ثبوت عوريّة صوت المرأة للسيرة كصوت الرجل بالنسبة إليها.وثانياً: بعدم كون أذان الإعلام عبادة.وثالثاً: بعدم اشتراط السماع في
الاعتداد ، وإلّا لم يكره للجماعة الثانية ما لم تتفرّق الاولى، ولا اللاحق للُاولى إذا سبقه الأذان. ورابعاً: بأنّ النهي عن كيفيّة الأذان، وهو لا يقتضي فساده، ولو سلّم فلا يتمّ فيما إذا جهرت وهي لا تعلم سماع الأجانب، فاتّفق أن سمعوه، على أنّه لا يتمّ فيما إذا كان الأذان لجماعة المحارم الذي صرّح جماعة باعتدادهم به، كجماعة النساء المجمع على مشروعيّة أذان المرأة لها. وخامساً: باحتمال
استثناء ما كان من قبيل الأذكار وتلاوة
القرآن كالاستفتاء ونحوه من الرجال».
نعم، لو أذّنت المرأة لجماعة النساء أجزأ
بلا إشكال فيه، بل عليه الإجماع في جملة من كلمات الفقهاء،
ويقتضيه عدم تعرّض الشارع الأقدس لكيفيّة جماعة النساء وما لها من الأحكام؛ فإنّ ذلك ظاهر في اكتفائه في ذلك ببيانه لأحكام جماعة الرجال، وعليه فكلّ حكم لجماعة الرجال يتعدّى به إلى جماعة النساء، فإذا كان يجزي في جماعة الرجال أذان
الإمام أو بعض المأمومين فلا بدّ من الاجتزاء في جماعة النساء بأذان إمامهنّ أو إحداهنّ.
وأمّا في اكتفاء النساء أو المحارم بأذان
البنت المميّزة- كما في الصبي- خلافٌ، فذهب
المحقق الكركي إلى جواز اكتفائهم بأذانها كما نسب إلى جماعة من الفقهاء،
ولكن تنظّر فيه صاحب
الجواهر بأنّه غير واضح المأخذ؛ ضرورة اختصاص النصوص ومعاقد الإجماعات وأكثر الفتاوى بالصبي والغلام ونحوهما ممّا لا يشملها ذلك.
صرّح بعض الفقهاء بأنّه لا يؤذّن
الخنثى للأجنبي من الرجال؛ لاحتمال أن يكون امرأة،
ولا تؤذّن المرأة أيضاً للخنثى؛ لاحتمال أن يكون رجلًا.
وكذلك حكم الممسوح على ما صرّح به
الشيخ كاشف الغطاء .
وفي الجواهر- بعد أن بنى ذلك على مراعاة
الاحتياط في الخنثى الذي قد ادّعى وجوبه في مثل العبادة- قال: «وإلّا فقد يتّجه التمسّك
بأصالة البراءة عن حرمة سماع صوتها، فيشملها حينئذٍ إطلاق الاعتداد بأذان الغير الذي لم يقيّد بالرجال، بل أقصاه خروج النساء عنه فيقتصر على المعلوم منهنّ، أمّا عدم اعتدادها بأذان المرأة فقد يتّجه... إذ الثابت اعتداد النساء به، والمفروض عدم ثبوت كون الخنثى منهنّ. واحتمال كونها منها معارض باحتمال كونها من الرجال فلا يجدي هذا».
وهل يجوز أن يؤذّن الخنثى لأجانب النساء أم لا؟ قد صرّح الشهيد بجواز ذلك حيث قال: «وفي حكم المرأة الخنثى، فتؤذّن للمحارم من الرجال والنساء، ولأجانب النساء لا لأجانب الرجال»، ثمّ قال: «ولعلّ الشيخ يجعل سماع الرجل صوت المرأة في الأذان كسماعها صوته فيه؛ فإنّ صوت كلٍّ منهما بالنسبة إلى الآخر عورة».
وبين الكلامين تدافع ظاهر؛ فإنّ مقتضى هذا أنّ الخنثى لا تؤذّن لأجانب النساء؛
لاحتمال الرجوليّة مع أنّه جوّزه.
وأمّا الحرّية فلا تعتبر في المؤذّن بلا خلاف فيه؛ لعموم الأمر بالأذان المتناول
للحرّ والعبد على حدّ سواء،
وعموم موثّق عمّار،
ولفحوى الأخبار التي دلّت على جواز إمامة العبد حيث تصحّ إمامته، فالأذان أولى.
نعم، يشترط إذن مولاه في ذلك؛ لأنّ له منعه من العبادات المندوبة، إلّا إذا لم يتعارض مع شيء من حقوقه، فاستقرب العلّامة حينئذٍ عدم الاشتراط.
•
الصفات المستحبة للمؤذن،هناك عدّة صفات يستحبّ أن يتّصف بها المؤذّن .
قد صرّح بعض الفقهاء بأنّه يكره أن يكون المؤذّن
أعمى، إلّا أن يسدّده غيره أو تقدّمه أذان بصير.
وكذا يكره أن يكون المؤذّن
ألثغ، إلّا إذا لم يتغيّر به المعنى فجاز كما صرّح به
العلّامة ولكن قيّد الشهيد كراهة ذلك بوجود الأفصح،
وقد تقدّم.
اختلفت كلمات الفقهاء في بيان حكم اللاحن:
فقد أطلق بعضهم كراهة كون المؤذّن لحّاناً؛ لأنّه قد يخلّ بالمعنى ويغيّره.
ويظهر من بعض آخر عدم الاعتداد بأذان اللاحن المغيّر للمعنى
وإن كره غير مخلّ منه.
ولكنّ الظاهر من بعض المتأخّرين عدم
الاعتداد به مطلقاً،
بل قوّاه بعض آخر أيضاً؛
لأنّ المقصود هو الإعلام بالأذان العربي على ما هو ظاهر الأدلّة، وإلّا كان اللازم
الاكتفاء بالترجمة وسائر ما يقتضي
الإعلام،
وبطلانه ظاهر.
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۱۵۲-۱۶۹.