أحكام العمرة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهي واجبة في العمر على كلّ مكلّف، بالشرائط المعتبرة في الحج وقد تجب كالحج بنذر وشبهه من العهد واليمين و
الاستئجار ، و
الإفساد والفوات وبدخول مكة بل الحرم لمن قصدهما كائناً من كان عدا من يتكرر منه الدخول فيها والمريض وأفعالها ثمانية : النية و
الإحرام والطواف وركعتاه و
السعي و
طواف النساء وركعتاه و
التقصير أو الحلق وتصح
العمرة المفردة في جميع أيام السنة وأفضلها رجب.
وهي لغةً :
الزيارة ، وشرعاً : المناسك المخصوصة الواقعة في الميقات ومكة. (وهي واجبة في العمر) بأصل الشرع مرة كالحج (على كلّ مكلّف، بالشرائط المعتبرة في الحج) بالكتاب والسّنة و
الإجماع .
ففي الصحيح : «
العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج، لأن الله تعالى يقول (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ)
وإنما نزلت العمرة بالمدينة».
ونحوه آخر بزيادة قوله : قلت (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) أيجزئ عنه؟ قال : «نعم».
وفيه : عن قول الله عزّ وجلّ : (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)
يعني به الحج دون العمرة؟ قال : «لا، ولكنه يعني الحج والعمرة جميعاً، لأنهما مفروضان».
وربما ظهر من إطلاقها كالعبارة ونحوها أنه لا يشترط في وجوبها
الاستطاعة للحج معها، بل لو استطاع لها خاصة وجبت، كما أنه لو استطاع للحج خاصة وجب دون العمرة. وهو أصح الأقوال في المسألة وأشهرها؛ إذ لم نجد من الأدلة ما يدلّ على
ارتباط أحدهما بالآخر في الوجوب وإن حكي قولاً،
ولا على ارتباط العمرة بالحج خاصة فلا تجب إلاّ بوجوبه، دون الحج، وإن اختاره في
الدروس .
هذا في العمرة المفردة كما هو المفروض من المقصد في العبارة. أما
عمرة التمتع فلا ريب في توقف وجوبها على الاستطاعة لها وللحج؛ لدخولها فيه، وارتباطها به، وكونها بمنزلة الجزء منه، وهو موضع وفاق. وتجب فوراً كالحج بلا خلاف كما عن
السرائر ،
بل عن
التذكرة الإجماع عليه.
(وقد تجب) كالحج (بنذر وشبهه) من العهد واليمين (و
الاستئجار ، و
الإفساد ) لها على ما قطع به الأصحاب. (والفوات) أي فوات الحج، فإنه يجب التحلل منه بعمرة مفردة، كما سبق إليه
الإشارة في بحث من فاته الحج في أواخر القول في الوقوف بالمشعر. (وبدخول مكة) بل الحرم لمن قصدهما كائناً من كان (عدا من يتكرر) منه الدخول فيها (والمريض) ومن أحلّ ولمّا يمضي شهر، فإنه لا تجب على هؤلاء كما سبق في
الإحرام مفصّلاً.
والمراد بالوجوب هنا الوجوب الشرطي لا الشرعي فيترتب
الإثم والمؤاخذة على الدخول بغير إحرام لا على تركها كالطهارة لصلاة النافلة. ولا فرق في ذلك بين ما إذا وجب الدخول شرعاً أم لا، إلاّ على القول بوجوب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به، فتجب العمرة شرعاً في الأول وشرطاً في الثاني. وإنما يجب الإحرام بها للدخول، تخييراً بينه وبين
إحرام الحج ، لا عيناً؛ لما مضى.
(وأفعالها ثمانية : النية والإحرام والطواف وركعتاه والسعي) بعده (و
طواف النساء وركعتاه و
التقصير أو الحلق) بلا خلاف في شيء من ذلك فتوًى ونصّاً، إلاّ في وجوب طواف النساء، فقد اختلف في وجوبه فيها، والأظهر الأشهر الوجوب كما مرّ في آخر بحث
الطواف مستوفى. وممّا يدل على التخيير بين
الحلق والتقصير وإن اقتصر في الشرائع على الأخير
الصحيح : في الرجل يجيء معتمراً عمرة مبتولة، قال : «يجزئه إذا طاف بالبيت وسعى بين
الصفا والمروة وحلق أن يطوف طوافاً واحداً بالبيت، ومن شاء أن يقصّر قصّر».
(وتصح) العمرة المفردة (في جميع أيام السنة) للإطلاقات، مضافاً إلى ما سيأتي من الروايات في صحة
الإتباع ، وصريح الصحيح : «المعتمر يعتمر في أيّ شهور السنة شاء، وأفضل العمرة عمرة رجب».
وعن
المنتهى : أنه لا يعرف فيه خلافاً.
(وأفضلها) أي أيام السنة (رجب) بلا خلاف؛ لما عرفته من الصحيحة، مضافاً إلى الصحاح الأُخر المستفيضة وغيرها من المعتبرة :
ففي الصحيح : أيّ العمرة أفضل، عمرة رجب أو عمرة في
شهر رمضان ؟ فقال : «لا، بل عمرة في رجب أفضل».
ويرشد إليه ما مرّ في
أحكام المواقيت من جواز الإحرام قبل الميقات للعمرة في رجب. ويتحقق العمرة فيه بالإهلال فيه وإن أكملها في غيره؛ للصحيح : إذا أحرمت وعليك من رجب يوم وليلة فعمرتك رجبية».
(ومن أحرم بها) أي بالعمرة المبتولة (في
أشهر الحج ودخل مكة جاز أن ينوي بها) عمرة (التمتع ويلزمه الدم) أي الهدي؛ للصحيح : «من دخل مكة معتمراً مفرداً للعمرة فقضى عمرته ثم خرج كان ذلك له، وإن أقام إلى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة» وقال : «ليس يكون متعة إلاّ في أشهر الحج».
ومقتضاه جواز التمتع بالعمرة المفردة في أشهر الحج (بمعنى
إيقاع ) حج التمتع بعدها وإن لم ينو بها التمتع، وعلى هذا فلا وجه لتقييد العمرة المفردة بما إذا لم تكن متعيّنة بنذر وما شابهه كما ذكره في
المسالك وغيره،
ونبّه على ما ذكرنا سبطه.
ثم إن مقتضى إطلاق صدره جواز الخروج بعد فعل العمرة إلى حيث شاء، سواء بقي إلى
يوم التروية أم لا. ونحوه في ذلك آخَر صحيحةٌ وغيرها، ففي الصحيح : «لا بأس بالعمرة المفردة في أشهر الحج ثم يرجع إلى أهله».
وفيه : عن رجل خرج في أشهر الحج معتمراً ثم رجع إلى بلده، قال : «لا بأس، وإن حج في عامة ذلك وأفرد الحج فليس عليه دم».
خلافاً للمحكي عن القاضي، فأوجب الحج على من أدرك التروية؛
للصحيح : «من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله متى شاء إلاّ أن يدركه خروج الناس يوم التروية».
وقريب منه ذيل الصحيحة المتقدمة.
وحملهما الأصحاب على
الاستحباب ، جمعاً بينهما وبين ما مرّ من الأخبار المرخّصة للرجوع إلى أهله متى شاء، وفي بعضها أن
الحسين بن علي عليهما السلام خرج يوم التروية إلى
العراق وكان معتمراً،
لكنه يحتمل الضرورة. والجمع بتقييد الأخبار المطلقة في الرخصة بما إذا لم يدرك يوم التروية أولى من الجمع بالحمل على الاستحباب كما مرّ غير مرّة.
فقوله في غاية القوّة، لولا الشذوذ والندرة؛ وبُعدُ حمل فعل الحسين عليه السلام على الضرورة، نظراً إلى سياق الرواية المتضمنة له، فتدبّر؛ و
اعتضاد الاستحباب باختلاف أخبار الباب في الرخصةِ على
الإطلاق ، أو التقييد بما عرفته في الصحيحة، أو بما إذا لم يدرك هلال ذي الحجة وإلاّ فعمرته متعة، كما في الصحيح : «إن كان اعتمر في ذي القعدة فحسن، وإن كان في ذي الحجة فلا يصلح إلاّ الحج».
وأظهر منه الخبر : «من دخل مكة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجة فليس له أن يخرج حتى يحج من الناس».
والحكم -عطف على الرخصة- بأنها في أشهر الحج متعة على الإطلاق، كما في الصحيح : عن المعتمر في أشهر الحج، قال : «هي
متعة ».
وأظهر منه المرسل : سأل بعض أصحابنا
أبا جعفر عليه السلام في عشر من شوال فقال : إني أُريد أُفرد عمرة هذا الشهر، فقال له : «أنت مرتهن بالحج».
والجمع بين هذه الأخبار بعد ذلك يتحقق بحمل
الاختلاف على تفاوت مراتب الاستحباب، كما صرّح به بعض الأصحاب.
فقال : ولو اعتمر مفردة في أشهر الحج استحب له
الإقامة ليحج، ويجعلها متعةً، خصوصاً إذا أقام إلى هلال ذي الحجة، ولا سيّما إذا أقام إلى التروية؛ للأخبار وإن خلت عما قبل هلال ذي الحجة. ولا يجب؛ للأصل، والأخبار. لكن الأخبار الأولة تعطي
الانتقال إلى المتعة وإن لم ينوه.
انتهى.
وهو حسن، إلاّ أن قوله : وإن خلت عمّا قبل هلال ذي الحجة، المناقشة فيه واضحة؛ لما عرفت من ورود الروايات به أيضاً، وهي الصحيح الأخير مع ما بعده. ويستفاد من مفهوم العبارة أنه لو أحرم في غير أشهر الحج لم يجز له أن ينوي بها المتعة، وهو كذلك. ووجه واضح. وفي الخبر : من أين افترق المتمتع والمعتمر؟ فقال : «إنّ المتمتّع مرتبط بالحج، والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء، وقد اعتمر
الحسين عليه السلام في ذي الحجة ثم راح يوم التروية إلى العراق والناس يروحون إلى منى، ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج».
•
إتباع العمرة، يستحب أن يعتمر في كل شهر مع
الإمكان فقد روي أنه يجوز أن يعتمر كل عشرة أيام .
•
عمرة التمتع، عمرة التمتع هي التي يقدم أمام حجه وتجزي عن العمرة المفروضة، وتسمى
العمرة المتمتع بها إلى الحج ، وما سواها تسمّى بالعمرة المفردة ؛ لأفرادها عنه.
رياض المسائل، ج۷، ص۲۰۱- ۲۲۳.