أرض الفتح
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الأرض معروفة وقد تقدّم تعريفها في مصطلح أرض.
والفتح: النصر، و
الاستفتاح :
الاستنصار ،
ومنه قوله تعالى: «إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ»،
أي النصر،
والفتح:
افتتاح دار الحرب.
ويراد منها في
الفقه : الأرض التي دخلت دار
الإسلام نتيجة للجهاد المسلّح في سبيل الدعوة،
وأخذت من أهلها الكفّار عنوة، أي قسراً وقهراً.إذ
العنوة في اللغة من معانيها
الخضوع و
الإذلال ، ومنه قوله تعالى: «وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ»
أي خضعت، وقيل: استأسرت، وقيل: نصبت له وعملت له، وغير ذلك وأيضاً: القهر والغلبة، فيقال: أخذته عنوة، أي قسراً وقهراً، وفتحت هذه البلدة عنوة، أي فتحت بالقتال، وفي حديث الفتح: دخلها
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنوة، أي قهراً وغلبة.
وقال
ابن الأثير : «هو من عنا يعنو، إذا ذلّ وخضع، والعنوة: المرّة الواحدة منه، كأنّ المأخوذ بها يخضع ويذلّ».
وتسمّى بأرض الفتح أو
الأرض المفتوحة عنوة في قبال الأرض التي تصير إسلامية بإسلام أهلها عليها ودخولهم في الإسلام؛
استجابة للدعوة من دون أن يخوضوا معركة مسلّحة ضدّها، وفي قبال الأرض التي تمّ الصلح مع أهلها، فإنّها تسمّى
أرض الصلح في العرف الفقهي، سواء تمّ الصلح على أن تكون للمسلمين أو على أن تكون لأهلها.
الخرج و
الخراج لغة:
الإتاوة تؤخذ من أموال الناس،
وقيل: الخرج المصدر، والخراج
اسم لما يخرج.
وفي
الاصطلاح : ضريبة يفرضها الحاكم على الأرض المفتوحة عنوة العامرة حال الفتح بجهد بشري، أو المأخوذة بالصلح على أن تكون للمسلمين؛ إذ عداهما من الأرضين لا خراج عليها.
فأرض الخراج: هي الأرض المفتوحة عنوة العامرة حين الفتح، والأرض التي صولح عليها على أن تكون للمسلمين، تسمّى بذلك للزوم دفع تلك
الضريبة و
الأجرة للمسلمين. وقد يطلق أرض الخراج على الأرض التي فتحت صلحاً على أن تكون لملّاكها وعليهم الخراج في أرضهم، والأرض التي أسلم أهلها عليها إذا تركوا عمارتها؛ إذ يجوز للإمام حينئذٍ أن يقبّلها ممّن يعمرها وعلى المتقبّل خراجها، فيدفع اجرتها لأربابها ويصرف ما زاد عن حقّ القبالة في مصالح المسلمين.
الجزية: ما يؤخذ من
أهل الذمّة في عقد الذمّة مقابل
إقامتهم في دار الإسلام، وهذه جزية الانفس، وأيضاً ما يؤخذ على الأرض في صورة مصالحتهم على أن تكون للمسلمين ولهم
الانتفاع بها في مقابل اجرة معيّنة تدفع للمسلمين وتصرف في مصالحهم. وقد يطلق عليها أرض الخراج، لكن لا يطلق على الأرض الخراجية المفتوحة عنوة أرض
الجزية .
•
ملكية أرض الفتح، يختلف حكم ملكية أرض الفتح
باختلاف حالاتها حين الفتح؛ إذ هي قد تكون عامرة حينه بجهد بشري بذل في سبيل
إعمارها و
استثمارها ، وقد تكون عامرة طبيعياً دون تدخّل مباشرة من
الإنسان كالغابات الغنية بالأشجار، كما قد تكون ميتة ومهملة، فهذه ثلاثة حالات يمكن أن تكون عليها أرض الفتح حينه، وقد حكم الإسلام على بعض هذه الأنواع بالملكية العامة لجميع المسلمين- وهو العامر بشرياً- بينما حكم على البعض الآخر بملكية الدولة- وهو العامر طبيعيّاً والموات- على ما يأتي تفصيله، ولم يعتبرها غنيمة تقسّم على المقاتلين
وقع الكلام في شمول فريضة الخمس لأرض الفتح باعتبارها من الغنائم، فلا تصير ملكاً للمسلمين إلّا بعد
إخراج الخمس، أو عدمه، بمعنى أنّه يحكم بملكيتها للمسلمين دون
استثناء الخمس. ذهب بعض الفقهاء إلى ثبوت الخمس،
بل عزاه بعضهم إلى مقتضى المذهب،
وآخر إلى ظاهر جميع الأصحاب، كأنّه من المسلّمات عندهم،
وفي حاشية المكاسب للشيخ الاصفهاني: أنّه «المشهور شهرة عظيمة بحيث لم يذهب إلى خلافه أحد إلى زمان صاحب
الحدائق رحمه الله».
ودليلهم على ذلك عموم الآية والأخبار، وربما قيّده بعضهم بحال الظهور.
بينما أنكر عليهم
المحدّث البحراني ذلك مدّعياً أنّه لا دليل عليه سوى ظاهر الآية؛ إذ ظاهر روايات خمس الغنيمة الاختصاص بالأموال المنقولة، فيمكن تخصيص الآية بها، هذا مضافاً إلى عدم تعرّض ما تكفّل بيان أحكام الأرض المفتوحة عنوة لذكر الخمس مع تعرّض بعضها للزكاة.
لكن تصدّى لجوابه بعض من تأخّر عنه،
وقد وقعت المسألة محلّ بحث وتحقيق لدى المحقّقين من المتأخّرين، وتفصيل ذلك في مصطلح (خمس) لدى التعرّض لخمس الغنيمة ودائرته.
صرّح الفقهاء
بأنّه على المتقبّل لهذه الأرض دفع زكاة ما بقي في يده بعد إخراج مال القبالة إذا بلغ
النصاب العشر أو نصف العشر حسب السقي، ولا تسقط
الزكاة بالخراج، ولا زكاة في حقّ الرقبة، وربّما علّل بأنّ أربابه- وهم المسلمون- لا يبلغ نصيب كلّ واحد منهم النصاب،
وتفصيل ذلك في محالّه.
•
الولاية على أرض الفتح ، لا إشكال ولا خلاف بل النص و
الفتوى على أنّ النظر في هذه
الأرض إلى
الإمام عليه السلام في حال الحضور و
بسط اليد، وهو المسئول عن
استثمارها وتقبيلها ممّن يشاء بما يشاء ويراه صالحاً من النصف أو الثلث أو الربع أو أكثر من ذلك أو أقل، ثمّ صرف ذلك في مصالح المسلمين العامة كبناء القناطر و
عمارة المساجد و
إعانة الغزاة وأرزاق القضاة ونحو ذلك، وبتعبير اليوم: بناء الجسور وتعبيد الطرق و
تسليح الجيش الإسلامي ودفع رواتب موظفي
الدولة الإسلامية والقضاة وغير ذلك.
•
شروط أرض الفتح ، يشترط في صيرورة هذه الأرض ملكاً للمسلمين أمور منها: أ-العمران بشرياً حال الفتح، ب-أن يكون الفتح بإذن الإمام.
اختلف الفقهاء في حكم التصرّف في رقبة أرض الفتح- التي هي ملك للمسلمين ببيع أو رهن أو هبة أو غير ذلك من التصرّفات الموقوفة على الملك- على أقوال:
الأوّل: المنع مطلقاً، وهذا ما يستفاد من
إطلاق المنع في عبارات بعض الفقهاء.
قال
الشيخ الطوسي في
النهاية : «وهذا الضرب من الأرضين (أي ما اخذ عنوة بالسيف) لا يصحّ التصرّف فيه بالبيع والشراء والتملّك والوقف والصدقات».
وقال في
المبسوط : «لا يصحّ بيع شيء من هذه الأرضين، ولا هبته، ولا معاوضته، ولا تمليكه، ولا وقفه، ولا رهنه، ولا
إجارته ، ولا
إرثه ، ولا يصحّ أن يبني دوراً ومنازل ومساجد وسقايات، ولا غير ذلك من أنواع التصرّف الذي يتبع الملك، ومتى فعل شيئاً من ذلك كان التصرّف باطلًا، وهو باقٍ على
الأصل ».
وقال المحقّق في
الشرائع : «ولا يملكها المتصرّف على الخصوص، ولا يصحّ بيعها، ولا هبتها، ولا وقفها».
ونحوه عبارة العلّامة في
القواعد .
وغير ذلك من العبارات
التي ظاهر إطلاقها إطلاق المنع.
الثاني: التفصيل بين حال الحضور وحال
الغيبة ، فينفذ ذلك كلّه في الثاني دون الأوّل، ذهب إليه
الشهيد الأوّل و
المحقق الثاني .
قال الشهيد في
الدروس : «لا يجوز التصرّف في (الأرض) المفتوحة عنوة إلّا بإذن الإمام عليه السلام سواء كان بالوقف أو بالبيع أو غيرهما. نعم، في حال الغيبة ينفذ ذلك، وأطلق في المبسوط أنّ التصرّف فيها لا ينفذ، وقال
ابن إدريس : إنّما يباع ويوقف تحجيرنا وبناؤنا وتصرّفنا لا نفس الأرض».
وقال المحقق الثاني في
جامع المقاصد في التعليق على قول القواعد: (لا يصحّ بيعها ولا...) : «هذا في حال ظهور
الإمام عليه السلام، أمّا في حال الغيبة فينفذ ذلك كلّه، كما صرّح به في الدروس، وصرّح به غيره».
واجيب عنه بأنّه لا دليل على هذا التفصيل، بل ظاهر النصوص الواردة في زمن قصور اليد- الذي هو بحكم الغيبة- خلافه.
ومن هنا قال الشهيد الأوّل في مقام آخر: «لا يجوز بيع الأرض المفتوحة عنوة، ولا بيع ما بها من بناء وشجر وقت الفتح. نعم، لو جدّد فيها شيئاً من ذلك جاز بيعه، وربما قيل: يبيعها تبعاً لآثاره».
وذهب
المحقق الكركي في حاشيته على الشرائع إلى جواز بيعها تبعاً للآثار.
القول الثالث: الجواز تبعاً للآثار، ذهب إليه المحقق الثاني في
حاشية الشرائع ونسبه إلى صريح جمع من محقّقي الأصحاب،
و
الشهيد الثاني ونسبه إلى جماعة من المتأخّرين،
بل نسبه
السيد الخوئي إلى المشهور.
قال الشهيد الثاني في شرح قول الشرائع: (لا يصحّ بيعها ولا هبتها ولا وقفها) : «أي لا يصحّ شيء من ذلك في رقبتها مستقلّة، أمّا لو فعل ذلك بها تبعاً لآثار المتصرّف من بناء وغرس وزرع فجائز على الأقوى، فإذا باعها بائع مع شيء من هذه الآثار دخلت في البيع على سبيل التبع، وكذا الوقف وغيره، ويستمرّ كذلك ما دام شيء من الآثار باقياً، فإذا ذهبت أجمع انقطع حقّ المشتري والموقوف عليه وغيرهما عنها، هكذا ذكره جمع من المتأخّرين، وعليه العمل».
ونحوه ذكر
المحقق الكركي في حاشيته على الشرائع،
كما صرّح به العلّامة في موضع من
التذكرة .
ولا بدّ أن يكون مرادهم من الآثار، الآثار المحدثة بعد الفتح، بمعنى أنّ المتقبّل لها والمتصرّف فيها بإذن الإمام أو نائبه أو الحاكم يحدث فيها بناءً أو غرساً أو غير ذلك، وإلّا لورد عليهم أنّ الآثار الموجودة وقت الفتح- والتي بها تخرج الأرض عن الموات، وتصير فيئاً للمسلمين كافّة- حكمها حكم نفس الأرض في كونها للمسلمين بلا خلاف، فلا يجوز التصرّف فيها ببيع ونحوه، كما ذكر ذلك بعض.
واجيب عن هذا القول بمنافاته للأدلّة القاضية بملكيّتها للمسلمين على كل حالّ، ومنافاته لمعلوميّة بناء الملك على الدوام والتأبيد دون الدوران مدار الآثار، بل قيل:
إنّ الملك منافٍ لترتّب الخراج عليها كلّ ذلك مع عدم الدليل الصالح؛ إذ هو إن كان إجماعاً فمن الواضح فساده، بل لعلّ خلافه أقرب مظنّة منه، خصوصاً بعد ظهور كلام بعض من ذكر ذلك كابن إدريس وغيره في إرادة بيع الآثار خاصّة دون الأرض، بل يمكن دعوى صراحته فيه.
وإن كان هو السيرة على معاملتها معاملة الأملاك بالوقف والبيع والهبة ونحوها، ففيه منع تحقق السيرة على وجه تفيد ملكية رقبة الأرض مطلقاً بالآثار المزبورة، سيّما بعد ملاحظة
فتوى العلماء الذين هم حفّاظ الشريعة.
وإن كان هو قول
الإمام الصادق عليه السلام في أبي بردة بن رجا: «... لا بأس، اشترى حقّه منها...»
ففيه:
أوّلًا: أنّ الظاهر إرادة حقّ
الأولويّة منه، بتجوّز
إرادة مطلق النقل ولو بالصلح ونحوه من الشراء فيه.
وثانياً: أنّه- بعد
التسليم - دالّ على شراء نفس الآثار دون الأرض، وإن كان هو بعض النصوص الدالّة على شراء أرض الخراج في الجملة ففيه منع إرادة المفتوحة عنوة؛ لعدم
انحصار الخراج بها، ضرورة كون أرض الجزية منه، فإنّها تسمّى أيضاً بأرض الخراج وإن كانت ملكاً لأربابها.
القول الرابع: الجواز في رقبة الأرض، وهذا ما يستفاد، بل لعلّه صريح
المحقّق السبزواري في الكفاية
و
السيّد العاملي في
مفتاح الكرامة ؛
للسيرة المستمرّة في جميع الأعصار على التصرّف في الأرض المشهورة بأنّها مفتوحة عنوة من غير نكير، و
إجراء أحكام المساجد على ما جعل مسجداً، وأحكام الملكية فيما كان كذلك، مضافاً إلى الأخبار:
منها: صحيحة
محمّد بن مسلم ، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الشراء من أرض اليهود والنصارى، فقال: «ليس به بأس، قد ظهر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم على
أهل خيبر فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها ويعمرونها فلا أرى بها بأساً ولو أنّك اشتريت منها شيئاً، وأيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عملوها فهم أحقّ بها وهي لهم».
وبإسناد آخر عنه أيضاً قريباً منه.
ومنها: ما رواه محمّد بن مسلم، قال: سألته عن شراء أرضهم، فقال: «لا بأس أن تشتريها، فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم تؤدّي فيها كما يؤدّون فيها».
ومنها: ما عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن شراء الأرضين من أهل الذمّة، فقال: «لا بأس بأن يشتريها منهم، إذا عملوها وأحيوها فهي لهم، وقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم حين ظهر على
خيبر وفيها اليهود خارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم، يعملونها ويعمرونها».
ومنها: ما رواه
محمّد بن شريح ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن شراء الأرض من أرض الخراج، فكرهه، وقال: «إنّما أرض الخراج للمسلمين»، فقالوا له: فإنّه يشتريها الرجل وعليه خراجها، فقال: «لا بأس، إلّا أن يستحيي من عيب ذلك».
ومنها: ما عن محمّد بن مسلم و
عمر بن حنظلة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: سألته عن ذلك، فقال: «لا بأس بشرائها، فإنّها إذا كانت بمنزلتها في أيديهم تؤدّي عنها كما يؤدّي عنها».
ومنها: ما عن
إبراهيم بن أبي زياد ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الشراء من أرض الجزية، قال: فقال: «اشترها، فإنّ لك من الحقّ ما هو أكثر من ذلك».
ومنها: ما عن
حريز عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «رفع إلى
أمير المؤمنين عليه السلام رجل مسلم اشترى أرضاً من أراضي الخراج، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: له ما لنا وعليه ما علينا مسلماً كان أو كافراً، له ما لأهل اللَّه وعليه ما عليهم».
ومنها: ما رواه
أبو بردة بن رجا ، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال: «ومن يبيع ذلك؟! هي أرض المسلمين»، قال: قلت:
يبيعها الذي هي في يده، قال: «ويصنع بخراج المسلمين ما ذا؟» ثمّ قال: «لا بأس، اشترى حقّه منها ويحوّل حقّ المسلمين عليه، ولعلّه يكون أقوى عليها وأملأ بخراجهم منه».
ومنها: خبر
إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام...عن رجل اشترى أرضاً من أرض الخراج فبنى بها أو لم يبن غير أنّ اناساً من أهل الذمّة نزلوها، له أن يأخذ منهم اجرة البيوت إذا أدّوا جزية رءوسهم؟ قال: «يشارطهم فما أخذ بعد الشرط فهو حلال».
واجيب عنه بأنّ العمل المستمرّ على الوقف مساجد ومدارس ونحوهما محمول على الأرض التي لا يعلم حالها بيد من يجري عليها حكم الأملاك، وله وجوه من الصحة يحمل عليها حتى في المعلوم كونها معمورة حال الفتح؛ إذ يمكن كونها من الخمس وقد باعها الإمام عليه السلام وغير ذلك، وما ذكره من النصوص بين ما هو غير صريح في أرض الخراج، وبين ما يراد منه آثار التصرّف أو الشراء
استنقاذاً للمسلمين، وبين ما هو معارض بأقوى منه من وجوه.
وسوف تسمع في القول الآتي عدم دلالة ما استدلّ به على الجواز، بل دلالة الروايات على العدم.
القول الخامس: عدم جواز نقل الأراضي الخراجية لا مستقلّاً ولا بتبع الآثار، وأنّها لا تملك بوجه. نعم، يحصل ذلك في الآثار أو في حقّ الأولويّة الذي يكتسبه المتصرّف فيها
بالإذن ، ذهب إليه جملة من الفقهاء.
قال
الفاضل النراقي : «والحقّ أنّه لا يجوز بيع نفس رقبتها، ولا نقلها بعقد آخر، ويجوز بيع الآثار المملوكة الكائنة فيها من شجر أو بناء أو نحوهما، وبتبعيّتها يملك المشتري حقّ التصرّف فيها إذا بيعت الآثار كائنة فيها، وكان مقصودهما بقاء الآثار فيها، بمعنى أنّه إذا بيعت تلك الآثار يحقّ للمشتري التصرّف في نفس الأرض أيضاً تبعاً لها، وكذا يصح صلح حقّ التصرّف- أي أولويّته- وإن لم تكن فيها آثار».
وقال
الشيخ الأنصاري : «ظاهرها (الأخبار)- كما ترى- عدم جواز بيعها حتى تبعاً للآثار المملوكة فيها، على أن تكون جزءاً من المبيع، فيدخل في ملك المشتري. نعم، يكون للمشتري على وجه كان للبائع، أعني مجرّد الأولويّة وعدم جواز مزاحمته إذا كان التصرّف وإحداث تلك الآثار بإذن الإمام عليه السلام أو
بإجازته ولو لعموم
الشيعة ، كما إذا كان التصرّف بتقبيل السلطان الجائر، أو بإذن الحاكم الشرعي، بناءً على عموم ولايته لُامور المسلمين ونيابته عن الإمام عليه السلام».
ثمّ قال بعد ذلك: «ما ذكروه من حصول الملك تبعاً للآثار ممّا لا دليل عليه إن أرادوا
الانتقال . نعم، المتيقّن هو ثبوت حقّ
الاختصاص للمتصرّف ما دام شيء من الآثار موجوداً».
واستدلّ له بالروايات، فإنّ المستفاد منها أنّها ملك عام للمسلمين، فلا تملك لأحد بوجه، ومن تلك الروايات:
۱-
صحيحة الحلبي ، قال: سئل أبو عبد اللَّه عليه السلام عن السواد ما منزلته؟ فقال: «هو لجميع المسلمين: لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، ولمن لم يخلق بعد»، فقلت: الشراء من الدهاقين، قال: «لا يصلح إلّا أن يشتري منهم على أن يصيّرها للمسلمين، فإذا شاء وليّ
الأمر أن يأخذها أخذها»، قلت: فإن أخذها منه، قال: «يردّ عليه رأس ماله، وله ما أكل من غلّتها بما عمل».
وهي تدلّ على المطلوب من عدّة جهات، ولعدّة قرائن وشواهد، منها: ظهور اللام في الملكية، وأنّها لجميع المسلمين من الموجودين وغيرهم، وظهور عدم الصلوح في عدم الصلوح وضعاً في باب المعاملات ومن حيث الأثر، وجعلها للمسلمين مع الحكم بأنّه إذا شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها قرينتان على عدم إرادة الشراء الحقيقي في المستثنى، فالمراد منه إمّا صورة الشراء لإخراجها من أيدي الدهاقين،
أو شراء حقّ التصرّف مجازاً؛ إذ لا يتعيّن معناه المجازي، فيكون مجملًا غير مفيد.
۲- رواية أبي بردة، التي تقدّم نقلها للاستدلال بها على الجواز؛ إذ هي لا تدلّ على جواز بيع الرقبة، بل على عدمه؛ لأنّ الظاهر من قوله عليه السلام: «ومن يبيع ذلك؟! هي أرض المسلمين»
الإنكار ، و
الاستفهام التوبيخي، وقوله عليه السلام: «هي أرض المسلمين» بمنزلة العلّة للمنع، ونفي البأس عن شراء حقّه منها غير مفيد لتجويز
اشتراء نفس الرقبة؛ لتوقّفه على ثبوت الحقّ فيها، وهو غير ثابت، بل المراد جواز شراء الآثار أو بيع حقّ التصرّف وأولويّته مجازاً.
إلى غير ذلك من الروايات التي ذكرها الشيخ الأنصاري و
المحقق الأصفهاني المحقق الأصفهاني، وحقّق الأخير حالها بشكل مفصّل، مثبتاً دلالتها على المنع في رقبة الأرض، منبّهاً على أنّ سائر الأخبار المستدلّ بها لجواز البيع الأغلب منها واردة في أرض الجزية وأرض أهل الذمّة، وهي ملك لأربابها، ومع فرض
استظهار كون المورد هي الأرض المفتوحة عنوة ففيها تصريح ببقائها على حالها من كونها خراجيّة، فيعلم منه أنّ الاشتراء
بالإضافة إلى رقبة الأرض ليس بحقيقته، فإنّ الظاهر أنّ الخراج من حيث ملاحظة اجرة الأرض وعوضاً عن منافعها لا حقّاً تعبدياً لا ينافي كون الرقبة بمنافعها للمشتري، و
احتمال انتقال رقبة الأرض بذاتها مسلوبة المنافع إلى المشتري بعيد جدّاً.
الموسوعة الفقهية، ج۱۰، ص۲۱۵-۲۶۰.