الإجلاس
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
الإقعاد وياتي لهااحكام مختلفة في مواطن كثيرة.
الإجلاس في اللغة بمعنى الإقعاد.
وقد يفرّق بينهما بأنّه
القعود هو
الانتقال من عُلو إلى
سفل، والجلوس هو الانتقال من سُفل إلى عُلو، فيقال لمن هو قائم:اقعد، ولمن هو
نائم أو ساجد أو مضطجع:اجلس.
ولكن المعلوم من استعمالات
الفقهاء أنّهم لا يلتزمون بهذا الفرق فيشيرون بكلّ منهما إلى الحالة الخاصّة المعروفة.
يختلف حكم الإجلاس باختلاف الموارد ونتعرّض اليها ضمن الأبحاث التالية:
قد يفرض كون المراد من
النهي عن
استقبال القبلة واستدبارها حال
التخلّي أنّ ذلك العمل مبغوض للمولى مطلقاً، وأنّه لا يرضى بحصوله على كلّ تقدير ولو من غير المخاطب كما في
الخمر والزنا واللواط وقتل النفس المحترمة وأمثالها مما عُلم من
الشرع أنّه لا يرضى بصدورها ولو على نحو التسبيب، ففي هذا الفرض يحرم إصدار هذا الفعل من
الصبي؛ لأنّه إيجاد للمبغوض على نحو التسبيب، ولذلك احتاط غير واحد من الفقهاء في المقام لزوماً.
قال
السيد اليزدي: «الأحوط ترك إقعاد
الطفل للتخلّي على وجه يكون مستقبلًا أو مستدبراً».
وكذلك غيره.
ولكن انّ هذا إنّما يصار إليه مع
القرينة العلمية وهي غير ثابتة في المقام، ومجرد
الاحتمال يدفعه أصل
البراءة، فلا وجه لإيجاب
الاحتياط المزبور.
هذا حكم إقعاد الطفل، ولكن لو جلس بنفسه للتخلّي مستقبل القبلة أو مستدبرها فلا إشكال عندهم في عدم لزوم زجره أو تغيير جهته، وقد يدعى قيام
سيرة المتشرعة على عدم
تجنيبهم أطفالهم
المميّزين وغير المميزين عن ذلك.
يكره إقعاد
الميت حال
غسله، وقد صرّح به كثير من الفقهاء،
بل قد ادعى عليه
إجماع العلماء،
بل الفرقة،
بل ظاهر
السيد ابن زهرة الحرمة،
بل هي صريح
ابن سعيد.
واستدلّ على
الحكم مضافاً إلى ما ورد في الأمر برعاية الرفق بالميّت
والنهي عن
العنف به- على نحو العموم- خصوص النهي عن إقعاده حال الغسل،
ويشتمل على الجميع رواية
الكليني باسناده عن
الكاهلي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام: قال: «استقبل ببطن قدميه القبلة... ثمّ تلين مفاصله، فإن امتنعت عليك فَدَعها... وابدأ بشقّه
الأيمن من
لحيته... فاغسله برفق وإياك والعنف... ثمّ امسح يدك على بطنه
مسحاً رفيقاً... وإياك أن تقعده أو تغمز بطنه...».
وتمام الكلام في وجه استفادة
الكراهة من هذه
الرواية والجواب عن الرواية المعارضة- وهي رواية
الفضل الآمرة باقعاد الميت
- بطرحه أو حمله على
التقية أو غير ذلك يطلب من محلّه.
يستحب أن يكون إشعار
الإبل حال بروكه، وهي حالة جلوسه على
صدره يقال: انَختُ الجمَلَ فبَرَك أو استناخ أي القى بركه بالأرض وهو صدره.
وقد صرح بالحكم كثير من الفقهاء
كالشيخ في
النهاية في قوله: «ينبغي إذا أراد الاشعار أن يشعرها وهي باركة، وإذا أراد نحرها وهي قائمة».
وكذا صريح
ابن إدريس وابن سعيد والقاضي والعلّامة
وغيرهم.
والدليل على ذلك رواية
أبي الصباح الكناني عن
الصادق عليه السلام قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن البُدن كيف تُشعر؟ قال: «تشعر وهي باركة ويشق سنامها الأيمن، وتُنحر وهي قائمة من قبل
الأيمن».
ورواية
عبد اللَّه بن سنان عنه عليه السلام قال:سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن
البدنة كيف يشعرها؟ قال: «يشعرها وهي باركة، وينحرها وهي قائمة».
يجب
جلد المرأة حال كونها جالسة، ولا يجوز جلدها وهي قائمة، هذا ظاهر الفقهاء.
قال
المفيد: «تضرب المرأة في
ثيابها وهي جالسة».
وقال الشيخ: «أمّا جلد المرأة فإنّها تجلد جالسة؛ لأنّها
عورة، ويشدّ عليها ثيابها جيداً لئلّا تنكشف».
وقال
المحقّق: «المرأة تضرب جالسة».
وقال
ابن البراج: «... إلّا أنّها تكون جالسة، ولا تكون نائمة في هذا الحال».
وقال
السيد الخوئي: «والرجل يجلد قائماً، والمرأة قاعدة، ويتقى الوجه والمذاكير».
وكذا سائر الفقهاء.
واستدلّ على ذلك
بصحيحة زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: «يضرب
الرجل الحدّ قائماً، والمرأة قاعدة، ويضرب على كلّ عضو ويترك
الرأس والمذاكير».
ظاهر بعض الفقهاء المتقدمين استحباب وقوع
القطع من السارق حال كونه جالساً،
بل لعلّ ظاهر
الشيخ في
المبسوط لزومه، قال: «فإذا قُدّم
السارق للقطع اجلس، ولا يقطع قائماً» ولعلّه ذكر ذلك جمعاً بين نصوص القطع وما دلّ من
النصوص على
حرمة تعذيب
المؤمن والجناية عليه بأكثر مما يجوز؛ إذ في القطع حال
القيام مظنّة ذلك قال: «لأنّه أمكن له وأضبط حتى لا يتحرّك فيجنى على نفسه، وتُشدّ يدُه بحبل وتمدّ حتى يتبيّن المفصل وتوضع على شيء- لوح أو غيره- فإنّه أسهل وأعجل لقطعه، ثمّ يوضع على المفصل سكين حادّة ويدق من فوقه دقة واحدة حتى تنقطع اليد بأعجل ما يمكن... أو يوضع على الموضع حادّ ويمدّ عليه مدّة واحدة، ولا يكرّر القطع فيعذّبه؛ لأنّ
الغرض إقامة الحدّ من غير تعذيب» ثمّ قال: «فإن عُلم قطعٌ أعجل من هذا قُطع به».
وقال
المحقّق النجفي بعد هذا الكلام: «لا بأس بذلك وإن لم أجده فيما حضرني من النصوص».
صرّح غير واحد من الفقهاء باستحباب إجلاس
القاضي الخصمين بين
يديه.
قال الشيخ: «أمّا موضع الجلوس فإنّه يُجلسهما بين يديه، ولا يكون أحدهما أقرب إليه».
وقال
العلّامة في
القواعد: «يستحب إجلاس الخصمين بين يدي الحاكم، ولو قاما جاز».
وقال
النراقي: «قالوا: يستحب إجلاس الخصمين بين يدي الحاكم، وهو كذلك».
وعُلّل بأنّ ذلك أقرب إلى التسوية في النظر وغيره وأسهل للمخاطبة.
ولعلّه لا خصوصية لإجلاس الحاكم، فلو فعل الخصمان ذلك بأنفسهما كان مستحباً أيضاً، ولذا عبّر غير واحد باستحباب الجلوس، كالمحقّق الحلي في قوله: «يستحب للخصمين أن يجلسا بين يدي الحاكم، ولو قاما بين يديه جاز».
وكذا العلّامة في
التحرير،
وابن سعيد،
والشهيد،
وهو المستفاد أيضاً من الرواية الواردة من طرق العامة من قول
علي عليه السلام
لشريح حين ترافعه مع يهودي: «لو لا أنّه ذمّي لجلست معه بين يديك، غير أنّي سمعت
النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول:لا تساووهم في المجالس».
وبذلك اتضح أنّ هذا
الاستحباب إنّما هو مع تساويهما في
الإسلام، وإلّا فقد يقال باستحباب تفضيل
المسلم بجلوسه وقيام
الكافر مع رعاية عدم العدول عن الحق.
وتفصيل ذلك في محله.
قال
الشهيد في
المسالك: «والأولى أن يُجلس الحاكم
الكاتب بين يديه ليملي عليه ويشاهد ما يكتب».
وقال في
الرياض: «ينبغي أن يجلس (الكاتب) بين يديه ليملي عليه ويشاهد ما يكتب».
وزاد عليه النراقي قوله: «ليأمن من الغلط».
ولا دليل عليه بالخصوص، ولذا أهمله
الأصحاب. ولعلّ الوجه فيه هو مراعاة جانب
الدقّة في الحكم ومقدماته كما يرشد إليه قولهم: ويشاهد ما يكتب ويأمن من الغلط. فلا خصوصية فيه، وإنّما المهمّ نظارة القاضي على مراعاة
الاتقان في ما يكتبه كاتبه بأي وجه حصل، ولذلك قال الشيخ الطوسي: «الحاكم
بالخيار بين أن يجلسه بين يديه ليكتب ما يكتب وهو ينظر إليه، وبين أن يجلسه ناحية منه، فإن أجلسه بين يديه فكتب وهو ينظر إليه فلا يكاد يقع فيه سهو ولا غلط، وإن أجلسه ناحية منه عرّفه ما يجري بخطابه ليكتب ذلك».
الموسوعة الفقهية ج۵، ص۳۳۱-۳۳۶.