الإحصار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإحصار (توضيح).
هو
إفعال من
الحصر ، والحصر هو
الجمع و
الحبس و
المنع عن
السفر وغيره، والإحصار هو الحبس لمرض، ويطلق الحصر بمعنى الصدّ أيضاً، فيقال للمحبوس:
المحصور . وعرّفه بعض اللغويين بأنّه المنع عن بلوغ
المناسك لمرض ونحوه.
الإحصار-
وزان إفعال - من الحصر، و
الحصر هو
الجمع و
الحبس و
المنع عن
السفر وغيره،
ويطلق الحصر بمعنى الصدّ أيضاً، فيقال للمحبوس:
المحصور . والإحصار- بناءً على تعريف أكثر اللغويين
- هو الحبس لمرض، يقال: أحصره المرض، إذا منعه عن السفر أو عن حاجة يريدها فهو محصر.
وعرّفه بعض اللغويين بأنّه المنع عن بلوغ
المناسك لمرض ونحوه،
ولعلّه مأخوذ ممّا في عرف
المتشرعة وبيان لبعض مصاديقه.
المعروف بين
الفقهاء أنّ الإحصار هو الحبس الخاص، بمعنى منع
المحرم عن
إتمام أفعال الحجّ أو العمرة بعد
التلبّس به بسبب المرض،
بل نفى عنه
الخلاف بعضهم،
وظاهر أو صريح غير واحد من الفقهاء دعوى
الإجماع عليه.
قال: بعد القول
باختصاص الحصر بالمرض-: «هو الذي استقرّ عليه رأي أصحابنا ووردت به نصوصهم»،
كما تشهد له صحيحة
معاوية بن عمّار ، حيث جاء فيها: «المحصور هو
المريض ».
وأمّا ما ورد في
الآية الشريفة: «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ
الْهَدْيِ »
فهو بالمعنى اللغوي الشامل للحصر والصدّ، وهو
مطلق المنع بعدوّ كان أو مرض بقرينة نزولها في صدّ
المشركين لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم في
الحديبية .
وكأنّ سبب
التفريق بينهما في
اصطلاح الفقهاء هو الروايات.
وهو عند الفقهاء منع المحرم عن إتمام نسكه بسبب العدوّ،
وأمّا الإحصار فهو المنع لمرض، خلافاً
للجمهور حيث جعلوهما بمعنى واحد.
قال
السيد الخوئي في بيان الفرق بين الصدّ والحصر: «إنّ الفقهاء اصطلحوا على من منعه المرض عن الحجّ أو
العمرة وإتمامهما بعد تلبّسه
بالإحرام ب (المحصور)، في قبال من منعه العدوّ عن ذلك فاصطلحوا عليه ب (المصدود) تبعاً للروايات».
ويشهد لذلك أيضاً صحيحة معاوية بن عمّار عن
أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: «المحصور غير
المصدود »، وقال: «المحصور هو المريض، والمصدود هو الذي يردّه المشركون كما ردّوا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ليس من مرض، والمصدود تحلّ له
النساء ، والمحصور لا تحلّ له النساء».
ثمّ إنّ الصدّ والإحصار يشتركان في ثبوت
أصل التحلّل عند المنع من إتمام
النسك في الجملة، وكذا في غيره من الأحكام كما ستأتي
الإشارة إليه لاحقاً، لكنّهما يفترقان- بناءً على مذهب
المشهور - في امور:
منها: أنّ المصدود يحلّ له بالمحلّل جميع ما حرّمه الإحرام حتى النساء، دون المحصور، فإنّه يحلّ له ما عدا النساء وأمّا النساء فيتوقف الحلّ منهنّ على
الطواف ولو
بالاستنابة .
ومنها: أنّه يجب على المحصر
الهدي إجماعاً، مضافاً إلى
افتقاره للتحلّل إلى
الحلق أو
التقصير ، بخلاف المصدود فإنّ فيه خلافاً في ذلك.
ومنها: كون فائدة
الاشتراط عند عقد الإحرام
تعجيل التحلّل للمحصور دون المصدود؛ لجوازه بدون الشرط؛ ولذا اختلف الفقهاء في فائدته في الصدّ، وأنّه هل يفيد سقوط الهدي، وهل أنّ التحلّل
عزيمة لا
رخصة ، أو هو مجرّد تعبّد؟ ولكن سيأتي
إنكار جماعة من الفقهاء تعجيل التحلّل للمحصور بالاشتراط وعليه لا يكون ذلك فارقاً.
ومنها: أنّ المصدود يذبح هديه في محلّ الصدّ ويحلّ من المحرّمات، ولكنّ المحصور يبعث بهديه إلى
مكّة إن كان في إحرام العمرة، وإلى منى إن كان في إحرام الحجّ، ولا يجوز له التحلّل بعد
البعث ، بل ينتظر إلى زمان
المواعدة التي يذبح فيها هديه أو ينحر.
•
الإحصار (أثره)، يترتّب على تحقّق الإحصار في الحجّ والعمرة
أثر واحد هو جواز التحلّل للمحرم بهما قبل إتمامهما، وهو ما يقع
البحث عنه في جملة امور: الأوّل ـ جواز التحلّل بالإحصار،
الأمر الثاني ـ ثبوت الإحصار في الحجّ
الصحيح والفاسد، الأمر الثالث ـ التحلّل رخصة لا عزيمة، الأمر الرابع ـ
انكشاف الخلاف بعد
التحلل .
لو صابر المحصر ولم يتحلّل فارتفع
المانع والوقت باق فقد ذهب الفقهاء
كالشيخ الطوسي و
المحقّق الحلّي وغيرهما إلى وجوب إتمام النسك،
بل ادّعى
العلّامة الحلّي الإجماع عليه؛
لأنّه كان مُحرماً ولم يأت بالمناسك وإذا ارتفع المانع وجب إتمامها عليه؛ لقوله تعالى: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ».
وكذا تدلّ عليه موثّقة
الفضل بن يونس عن أبي الحسن عليه السلام الواردة في صدّ المحرم مع زواله حيث أمر
الإمام عليه السلام بإتمام نسكه حتى يحلّ.
وأمّا لو صابر ولم يتحلّل حتى فاته الحج فقد ذهب الفقهاء كالشيخ الطوسي و
ابن إدريس والعلّامة الحلّي وغيرهم
إلى عدم جواز التحلّل بالهدي؛ لعدم صدق عنوان الصدّ أو الحصر عليه من غير فرق بين كون ذلك منه، مع رجاء زوال
العذر قبل خروج الوقت أم لا، وحينئذٍ يلزمه التحلّل بعمرة مفردة كغيره ممّن يفوته الحج وعليه
القضاء في صورة وجوب الحج و
استقراره . هذا من ناحية أصل الحكم وأمّا من ناحية البحث عن
الانتقال إلى العمرة بعد فوت الحج وأنّه يحصل بأمر قهري أو منوط بالنيّة وكذا البحث عن لزوم الدم عليه فموكولان إلى مدخل (حج، صدّ). هذا كلّه مع
ارتفاع المنع، وأمّا لو استمرّ بعد فوات الحج ولم يمكنه التحلّل بالعمرة فقد صرّح الفقهاء كالشيخ الطوسي والشهيدين وغيرهم
بأنّه يتحلّل من العمرة بالهدي كما كان يتحلّل بذلك من الحج.
لو اجتمع الإحصار والصدّ على المكلّف بأن كان مريضاً وصدّه العدوّ عن
إتيان الحج، فقد وقع البحث في السبب المؤثّر في ذلك، وأنّه هل يجب عليه العمل بوظيفة المحصر أو المصدود تعييناً أو يتخيّر بين
الأخذ بأحدهما فيعمل بوظيفته، أو يجوز له الأخذ بالأخفّ من أحكامهما؟ وجوه وأقوال:
ذهب جماعة من الفقهاء إلى
تخيير المكلف بين الأخذ بأحدهما أو الأخذ بالأخفّ من أحكامهما سواء عرضا دفعة أو كانا متعاقبين منهم الشهيدان و
السبزواري و
الطباطبائي و
النراقي وغيرهم»، مستدلّين عليه بصدق الوصفين
الموجب للأخذ بحكم كلّ منهما، واقتصر آخرون
كابن فهد و
الفاضل الهندي وغيرهما على التخيير بينهما.
قال: «
الأشبه جواز الأخذ بالأخفّ من أحكامهما، ولا فرق بين عروضهما معاً أو متعاقبين».
قال: «لو اجتمعا على المكلّف بأن مرض وصدّه العدوّ، ففي
ترجيح أيّهما، أو التخيير بينهما فيأخذ حكم ما اختاره، أو الأخذ بالأخفّ من أحكامهما أوجه، أجودها الأخير؛ لصدق
اسم كلّ واحد عند الأخذ بحكمه، ولا فرق في ذلك بين عروضهما دفعة أو متعاقبين إذا كان قبل
الشروع في حكم
السابق ».
قال: «لو اجتمع الإحصار والصدّ
فالأظهر جواز الأخذ بالأخفّ من أحكامهما؛ لصدق كلّ من الوصفين على من هذا شأنه فيتعلّق به حكمه، ولا فرق بين عروضهما دفعة أو متعاقبين».
قال: «
المبتلى بهما يتخيّر في التحلّل بأيّهما شاء؛ لصدق كلّ منهما عليه».
وفي قبال ذلك ذهب
الشيخ كاشف الغطاء إلى «أنّه إذا اجتمع الصد والحصر وسبق أحدهما الآخر قدّم الحكم المتقدّم، وإن تساويا قدّم الحصر».
هذا لو عرض
اللاحق قبل الشروع في حكم السابق، وأمّا لو عرض الصدّ بعد بعث المحصر أو الإحصار بعد ذبح المصدود ولم يقصّر بعدُ، فقد ذهب جماعة من الفقهاء إلى ترجيح السابق منهما.
قال: «... نعم، لو عرض الصدّ بعد بعث المحصر، أو الإحصار بعد ذبح المصدود ولمّا يقصّر فترجيح جانب السابق قويّ».
وما ذكره
الشهيد الأوّل احتمله
الشهيد الثاني أيضاً،
ومال إليه
السيد في
الرياض ،
وقوّاه
المحقّق النجفي كذلك.
إلّا أنّ ظاهر
إطلاق عدّة من الفقهاء التخيير مطلقاً
كما صرّح به
السيد العاملي .
وذهب
السيد الگلبايگاني إلى أنّه لو تعاقب عليه الصدّ والحصر وكان طروّ الآخر بعد الأخذ بالسابق فلا يبقى مورد للبحث عن تقديم ما أخذ به؛ لأنّ المصدود بعد الصدّ يحلّ من كلّ شيء حتى النساء وإن احصر بعده، وأمّا إذا كان طروّ الآخر قبل الأخذ بحكم السابق، فإن بنينا على عدم لزوم
القصد للمصدود في الإحلال فهو حلّ من كلّ شيء؛ لأنّ المصدود لا يصدق عليه المحصور؛ لشهرة أنّ
الممنوع لا يمنع. وأمّا بناءً على لزوم القصد فيكون كالسلام
المخرج عن الصلاة، فللبحث عن
تقديم أحدهما على الآخر مجال.
قد تقدّم أنّ
المدار في الحصر على منع المحرم عن
إدراك الحج والعمرة وإتمامهما، وذلك يختلف في الحج والعمرة، وكذا يختلف في الحج بالنسبة إلى المنع عن الموقفين أو أحدهما، وملخّص القول في ذلك كالتالي:
أمّا في الحجّ فإنّ الحصر عنه يتحقّق بالمنع عن
الموقفين - أي
عرفات و
المشعر معاً
- بلا خلاف،
بل ادّعي عليه الإجماع.
وكذا الحكم في المنع عن أحد الموقفين بحيث يفوت معه الحج،
وقد ادّعي فيه عدم الخلاف
أيضاً.
وأمّا المنع من نزول
منى خاصّة بعد درك الموقفين فصريح جماعة من الفقهاء أنّه يستنيب في
الرمي و
الذبح ، ثمّ يأتي بالحلق أو التقصير ويتحلّل ويتمّ باقي الأفعال،
ولو لم تمكنه
الاستنابة ففيه خلاف بين الفقهاء، من تحقّق الصدّ والإحصار الموجب لجواز التحلّل
أو
البقاء على إحرامه.
وكذا وقع البحث بينهم في تحقّق الصدّ والإحصار في المنع عن منى ومكّة معاً أو المنع عن مكّة خاصة، وقد تعرّض الفقهاء لذلك ضمن مبحث الصدّ، مع تصريح جماعة منهم
باشتراك الصدّ والإحصار في ذلك.
وتفصيله موكول إلى مصطلح (صدّ).
تارة يشترط
المحصر عند إحرامه على ربّه أن يحلّه حيث حبسه المانع، واخرى يحرم ولا يشترط ذلك، والبحث عن تحلّل المحصر تارة في
الإحرام المطلق واخرى في الإحرام المشروط:
•
الإحصار (مايتحلل المحصر منه)، يتحلّل
المحصر بالهدي و
التقصير من كلّ شيء إلّا من
النساء ، وأمّا التحلّل من النساء فيختلف حكمه في الحجّ والعمرة المفردة وعمرة التمتّع.
•
الإحصار (مايجب بعده)، إذا تحلّل المحصور لا يسقط عنه الحج والعمرة، بل يجب عليه الإتيان بهما في القابل إن كانا واجبين مستقرّين في ذمّته، أو تبقى الاستطاعة ثابتة إلى السنة القادمة، وأمّا لو كان مندوباً فإنّ حكمه يبقى على الندب ولم يجب تداركه.
•
الإحصار (زواله)، لو بعث المحصر
بهديه ثمّ خفّ عنه المرض بحيث ظنّ أو احتمل إدراك النسك فهل يجب عليه إتمام النسك؟ ولو سار ولم يدرك الموقفين فما هي وظيفته بالنسبة إلى ما في ذمّته، وكيف يتحلّل من ذلك؟ وفيما يلي نبحث عن حكم فروض
زوال الإحصار.
الموسوعة الفقهية، ج۷، ص۴۸-۱۱۰.