الإفاقة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى
الرجوع إلى الحالة الاعتيادية من
المرض أو
الجنون أو من هذا القبيل.
الإفاقة، لغة: رجوع
المريض أو
المغمى عليه أو
المجنون أو
السكران إلى الحالة الاعتيادية، يقال: أفاق من مرضه، أي رجعت
الصحّة إليه أو رجع إلى الصحّة، وأفاق المجنون، أي رجع إليه
عقله ، وأفاق المغمى عليه والسكران، أي انكشف عنه الإغماء والسكر.
وقد استعمله
الفقهاء في نفس المعنى اللغوي.
المدار في
التكاليف على العقل وجوداً وعدماً، فمع ارتفاعه بسبب الجنون أو السكر أو الإغماء أو نحو ذلك يسقط عنه التكليف ولا تجب عليه
العبادة أو تجب ولكن لا تصحّ منه كما في بعض الموارد، وكذا ترتفع عنه
الأهلية وتسلب عباراته فإذا أفاق وعاد إليه عقله عادت، فالأحكام التي ترتبط بالإفاقة تدور في هذا المجال، وهي إجمالًا ما يلي:
استقرب
العلّامة في
نهايته استحباب الغسل لمن أفاق من الجنون، حيث قال: «الأقرب عندي استحباب الغسل عن الإفاقة من الجنون؛ لما قيل: إنّ من زال عقله أنزل، فإذا أفاق اغتسل
احتياطاً ، وليس
واجباً ؛
لأصالة الطهارة فيستصحب، والناقض غير معلوم».
إلّا أنّه نفاه في
المنتهى حيث قال: «وليس على المجنون والمغمى عليه إذا أفاقا الغسل، لا وجوباً ولا استحباباً»
واستدلّ
بالإجماع على أنّه لا يجب، ولأنّ
زوال العقل في نفسه ليس بموجب للغسل،
والإنزال مشكوك فيه فلا يزول عن
اليقين بالشكّ ، والاستحباب
حكم شرعي يفتقر إلى دليل ولم يقم.
ثمّ قال: «ولو وجد منهما الإنزال وجب الغسل بعد الإفاقة؛ لوجود
السبب ».
يستحبّ
استئناف الأذان والإقامة لمن اغمي عليه في أثنائهما ثمّ أفاق، ويجوز البناء على الفصول المأتي بها قبل الإغماء بعد الإفاقة إذا لم يطل الإغماء بحيث يخلّ
بالموالاة .
وقد ألحق بعضهم
المجنون والسكران ونحوهما بالمغمى عليه في الحكم المزبور.
لو اغمي في
وقت الصلاة فإن أفاق في الوقت بحيث يدرك
الطهارة والصلاة ولو
ركعة في الوقت وجبت عليه الصلاة بعد الإفاقة، وإلّا لم تكن الصلاة واجبة عليه وسقط
القضاء عنه.
لا تجوز
إمامة المجنون، ويكره
الاقتداء بمن
يعتوره حال الإفاقة
مع جواز ذلك؛
للعمومات،
قال
الشهيد الثاني - بعد نقل
الإجماع على عدم صحّة إمامة المجنون المطبق-: «واحترزنا في المجنون بالمطبق عمّن يعتوره الجنون أدواراً؛ فإنّ إمامته في حال الإفاقة الموثوق بها
جائزة وإن كانت
مكروهة ؛ لجواز فجأة الجنون في أثناء الصلاة».
ولكن
العلّامة الحلّي بعد أن حكم بكراهة ذلك في موضع؛
للنفرة الموجبة لعدم
الإقبال إليه
قطع بعدم جوازه في موضع آخر؛ لعدم الأمن من العروض في الأثناء، ولجواز عروض
الاحتلام حال جنونه من دون شعور، ولنقصه عن المراتب الجليلة.
وقال
الشيخ جعفر كاشف الغطاء : «لا تنعقد (
الجماعة ) بين مجنونين أو مختلفين حيث يكون الجنون مطبقاً أو أدواريّاً، صادف وقت الإمامة أو كان في الإمام محتمل العروض في أثنائها بحيث لا يحصل
اطمئنان ببقاء العقل إلى
الفراغ ، فلا تصحّ الإمامة وإن اتّفق بقاء العقل».
ونوقش فيه بأنّ إمكان عروض الاحتلام له حال جنونه يمكن دفعه- بعد تسليم اعتباره- بالغسل دفعاً لمثل هذا
الاحتمال ونقصانه عن هذه المرتبة بضرورة كون المانع النقص في الصلاة، لا مثل
المرض في نفسه،
وتجويز عروض الجنون حالة الصلاة لا يرفع تحقّق
الأهلية والتكليف يتبع العلم.
يجب
الصوم في شهر
رمضان على الأدواري لو أفاق نهاراً كاملًا، وأمّا لو أفاق بعض النهار فلا يجب عليه الصوم،
نظراً إلى اشتراط العقل في
وجوب الصوم.
نعم، يستحب له
الإمساك بقيّة النهار.
لا إشكال في سقوط
الزكاة عن المجنون لو أطبق عليه تمام الحول، بناءً على اشتراط العقل في وجوب الزكاة،
وأمّا لو أفاق أثناء الحول فقد اختلف في سقوط الزكاة عنه ووجوبها عليه، فقال بعضهم بسقوطه واستئناف الحول من حين الإفاقة،
واستقرب آخر تعلّق الوجوب به حال الإفاقة.
لو أحرم بالمغمى عليه ثمّ أفاق فهل يجزيه هذا الإحرام أو لا؟
ظاهر بعض التعابير أنّه يصير بذلك
محرماً ، حيث صرّح بعض بتماميّة إحرامه،
وآخر بانعقاد إحرامه،
وثالث بصحّته منه
وإجزائه عن
حجة الإسلام .
وإن لم يفق حتى فاته الموقفان انكشف أنّه لم يكن وجب عليه
الحج .
وفصّل آخر، حيث قال: «والأولى عندي أن يحرم به ويجتنب من
المحرّمات ، فإن أفاق في الحجّ قبل
الوقوف فأمكنه الرجوع إلى
الميقات رجع فأحرم منه، وإلّا فمن أدنى
الحلّ إن أمكنه، وإلّا فمن موضعه، وإن كان ميقات حجّه
مكّة رجع إليها إن أمكنه، وإلّا فمن موضعه. كلّ ذلك إن كان وجب عليه، وإلّا فوجوبه بالمرور على الميقات وخصوصاً مع الإغماء غير معلوم، وكذا بهذا الإحرام.
وإن أحرم به في
العمرة فإن كانت مفردة انتظر به حتى يفيق، فإذا أفاق وقد ادخل
الحرم رجع إلى أدنى الحلّ أو الميقات إن أمكنه فأحرم إن كانت وجبت عليه وأمكنه الرجوع، ومن موضعه إن لم يمكنه وضاق وقته، بأن اضطرّ إلى الخروج، وإن كانت عمرة
التمتّع فأفاق حيث يمكنه إدراكها مع الحجّ فعلها بإحرام نفسه، وإلّا حجّ مفرداً بإحرام نفسه كما قلنا، إن كان وجب عليه حجّ الإسلام أو لغيره، ثمّ اعتمر إن وجبت عليه، وإن لم يكن وجب عليه شيء منهما تخيّر بينه وبين إفراد العمرة كذلك».
وكذلك حكم المجنون إذا أحرم به ثمّ أفاق، فإنّه إن كان إفاقته قبل الوقوف كان إحرامه مجزياً،
وقد نسب ذلك إلى المشهور بين الأصحاب،
ولكن مع ذلك تردّد فيه بعض
الفقهاء ،
بل منعه بعض آخر.
يشترط في صحّة
العقد القصد إليه، فالسكران الذي بلغ به
السكر حدّاً أزال عقله وارتفع قصده كان عقده حال سكره باطلًا؛ لفقدان
القصد والإرادة الجدّية فيه، ومتى كان كذلك وعقد في هذه الحالة يقع عقده
باطلًا ، ولا تنفعه إجازته بعد الإفاقة؛
لأنّ الإجازة تصحّح
الانتساب ولا تصحّح العبارة الواقعة بلا قصد وإرادة كاملة.
هذا هو الموافق للقاعدة إلّا أنّه ورد في
رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع في الصحيح: إذا زوّجت السكرى نفسها رجلًا في سكرها ثمّ أفاقت فرضيت كان العقد ماضياً.
وقد عمل بها
الشيخ الطوسي وبعض من تبعه،
وكذا قبله
الشيخ الصدوق ،
واختاره أيضاً جماعة من متأخّريهم.
ولكنّ بعض الفقهاء حمل هذه الرواية على سكر لا يبلغ حدّ عدم التحصيل،
وحينئذٍ لا تكون الرواية على خلاف القاعدة.
وفسّر بعض هذا الحمل بأنّ المراد به عدم بلوغ السكر إلى حدّ يصدر منه الكلام على وجه
الهذيان كالنوم ونحوه، بل هو باقٍ على قابلية قصد العقد كما يومئ إليه قوله: (فزوّجت نفسها)، إلّا أنّه لمّا غطّى السكر عقلها لم تفرّق بين ذي
المصلحة والمفسدة ، فهي حينئذٍ قاصدة للعقد، إلّا أنّه لم يؤثّر قصدها لعارض السكر الذي ذهب معه صفة
الرشد ، فإذا تعقّبته
الإجازة صحّ واندرج في آية «أَوفُوا بِالعُقُودِ»
وغيرها.
نعم، لو فرض السكر على وجه يصدر اللفظ كالهذيان اتّجه حينئذٍ عدم الصحّة ولو تعقّبت الإجازة؛ لعدم القصد حال
النطق ».
وحيث تثبت
ولاية الأب والجدّ على
المجنون بأن اتّصل جنونه بالصغر أو بناءً على ولايتهما عليه مطلقاً لو زوّجاه في حال الجنون، ثمّ بعد ذلك أفاق، لم يكن له
خيار فسخ النكاح بعد الإفاقة.
وقد ادّعي عليه
الإجماع ونفي الخلاف.
يعتبر في
الوصي العقل، وهذا ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف في الجملة.
إنّما الخلاف في زمان اعتبار هذا الشرط، فعن الأكثر اعتبار وجوده حالة الوصية، فلو أوصى إلى مجنون كانت هذه الوصاية
فاسدة ولو أفاق بعده؛ لعدم تحقّق الشرط حين الوصية.
وقيل باعتباره عند
الوفاة ، فلو أفاق بعد الوصية وقبل الوفاة بحيث كان حين الوفاة عاقلًا صحّت الوصية.
وقيل باعتباره من حين الوصية إلى حين الوفاة، فلو أوصى إلى مجنون كانت الوصية باطلة مطلقاً.
المجنون يحجر عليه ما دام مجنوناً بلا خلاف فيه بين العلماء،
فلا ينفذ شيء من
تصرّفاته ؛ لسلب أهليّته عن ذلك، وإذا أفاق وزال عنه الجنون زال
الحجر عنه،
وقد ادّعى بعضهم
دلالة العقل
والنقل على ذلك.
يشترط في قبول
شهادة الشاهد العقل، فلا تقبل شهادة المجنون،
وقد ادّعي عليه الإجماع.
وأمّا الأدواري فلا بأس بقبول شهادته حال إفاقته بعد علم
الحاكم بحضور رشده وكمال فطنته.
قال
المحقّق الحلّي : «أمّا من يناله الجنون أدواراً فلا بأس بشهادته حال إفاقته لكن بعد
استظهار الحاكم بما يتيقّن معه حضور ذهنه واستكمال فطنته».
وصرّح بعضهم باعتبار الإفاقة حال تحمّل الشهادة
وأدائها معاً.
ونوقش فيه بأنّ المعتبر الإفاقة حال الأداء؛ إذ
العدالة والضبط والتيقّظ - من الصفات المعتبرة في الشاهد- ترفع
القدح فيه وإن كان قد تحمّلها في حال جنونه، مضافاً إلى تناول إطلاق الأدلّة قبولها فيه.
لو جني على شخص فذهب عقله بحيث أطبق عليه، ففيه
الدية كاملة.
وأمّا لو ذهب بعضه ففي حكمه قولان:
أنّ فيه
الأرش بنظر الحاكم؛ لأنّه لا طريق إلى تقدير
النقصان كي توزّع عليه الدية، فيرجع إلى
الحكومة كما في غيره، نسب هذا القول إلى الأصحاب.
أنّه يقدّر بالزمان، فلو جنّ يوماً وأفاق يوماً كان الذاهب نصفه، وإن جنّ يوماً وأفاق يومين كان الذاهب ثلثه، وهكذا، فتحسب الدية بهذه النسبة.
وقال
المحقق الأردبيلي : «لا كلام إن علم نسبة الذاهب إلى الباقي، ولكن العلم مشكل ولا سبيل إليه إلّا نظر الحاكم ومن عاشره من الحذّاق، فيمكن
امتحانه باليوم، فإن كان نصف يوم عاقلًا ونصفه مجنوناً فنصف الدية، أو بالأيّام، أو بمعقوليّة كلامه وضبط أحواله، فإن علم النسبة فيعمل بها وإلّا فالحكومة، وينبغي
المصالحة على ذلك».
ولعلّه قولٌ بالتفصيل في المسألة كما لا يخفى.
لا خلاف بين
المسلمين في أنّ
الجزية تؤخذ ممّن يقرّ على
دينه ، وهم
اليهود والنصارى والمجوس .
وكذا لا خلاف في أنّ المجنون المطبق لا جزية عليه.
وأمّا إن كان يجنّ وقتاً ويفيق آخر فإن أفاق حولًا كاملًا وجبت عليه الجزية ولو جنّ بعد ذلك.
وأمّا لو كان يجنّ بعض الأيّام ويفيق بعضاً آخر ففي حكمه خلاف بين
الفقهاء .
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۲۴۹-۲۵۶.