الاستخارة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاستخارة (توضيح) .
هي طلب الخير أو طلب تيسر في الخير أو طلب العزم في الخير أو طلب تعرف الخير من الله تعالى.
الاستخارة: هي
طلب الخيرة في الشيء، يقال: استخِرِ
اللَّه يخر لك. والخيرة- بسكون الياء-
اسم من خار اللَّه لك، أي أعطاك ما هو خير لك، وأمّا بفتح الياء فهي الاسم من قولك: اختاره اللَّه تعالى.
قد ذكر جملة من
الفقهاء والمحدّثين
أربعة معانٍ للاستخارة الواردة في الأخبار والروايات، وهي كما يلي:
طلب الخيرة من اللَّه تعالى، أي أن يسأل
العبد في
دعائه أن يجعل اللَّه له الخير، ويوفّقه في
الأمر الذي يريده.
ويحمل عليه ما رواه
عمرو بن حريث عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام : «صلّ ركعتين واستخر اللَّه، فو الله ما استخار اللَّه
مسلم إلّا خار له البتّة».
وما رواه
هارون بن خارجة عنه عليه السلام أيضاً: «من استخار اللَّه راضياً بما صنع اللَّه خار اللَّه له حتماً».
كما في رواية
مرازم ، قال: قال لي أبو عبد اللَّه عليه السلام: «إذا أراد أحدكم شيئاً فليصلّ ركعتين، ثمّ ليحمد اللَّه وليثنِ عليه، ويصلّي على
النبي وعلى
أهل بيته ، ويقول: اللهمّ إن كان هذا الأمر خيراً لي في ديني ودنياي فيسّره لي وقدّره لي، وإن كان غير ذلك فاصرفه عنّي...».
ومثلها رواية جابر عن
أبي جعفر عليه السلام .
كما في
موثّقة علي بن أسباط ، قال: قلت
لأبي الحسن الرضا عليه السلام : جعلت فداك، ما ترى آخذ
برّاً أو بحراً ، فإنّ طريقنا مخوف شديد
الخطر ؟ فقال: «اخرج برّاً، ولا عليك أن تأتي
مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتصلّي ركعتين في غير وقت فريضة، ثمّ تستخير اللَّه مائة مرّة ومرّة، ثمّ تنظر، فإن عزم اللَّه لك على
البحر فقل...».
كما في الروايات الواردة في الاستخارة
بالرقاع و
المصحف الشريف و
السبحة و
القرعة و
المساهمة ، ونحوها ممّا يأتي بيانها في البحث عن كيفيّة الاستخارة.
والمعنى
الأخير هو
المعروف بين
المتشرّعة ،
وهو وإن كان يشتمل على الدعاء والطلب من اللَّه تعالى إلّا أنّه يشتمل أيضاً على نوع من المواضعة بين
المستخير وبين اللَّه سبحانه وتعالى، فإنّ المستخير يعلّق فعله على حصول ما جعله طريقاً و
علامة على
معرفة كون هذا الفعل الخاصّ ممّا رأى اللَّه سبحانه مصلحته وخيره فيه، فإن كان عدد السبحة فرداً- مثلًا- فيأتي بالعمل الذي استخار له؛ فإنّه قد جعل ذلك العدد طريقاً وكاشفاً عن أنّ
الإتيان بذلك العمل يكون فيه خيره ومصلحته، كما أنّ العدد إن كان زوجاً- مثلًا- فلا يأتي به؛ لأنّه قد جعل ذلك العدد طريقاً وكاشفاً عن أنّ الإتيان بذلك العمل لا يكون فيه خيره ومصلحته، وهذا بخلاف الاستخارة بمعنى طلب الخير، أو بمعنى طلب
التيسّر فليست إلّا مجرّد الدعاء والطلب من اللَّه تعالى و
التوسّل إليه.
وقد التزم
المحدّث البحراني بعدّ المعاني الأربعة المذكورة أعلاه معاني للاستخارة وإن ذكر أيضاً أنّ المعنى الثاني من المعاني المتقدّمة قريب من المعنى الأوّل، بل قال: «إنّ مآلهما غالباً إلى واحد بحيث تحمل الأخبار الدالّة على المعنى الأوّل على المعنى الثاني».
بينما ذهب
المحقّق النجفي إلى قوّة القول بأنّ للاستخارة معنيين لا غير: الأوّل: أن يسأل من اللَّه سبحانه أن يجعل الخير فيما أراد
إيقاعه من الأفعال.
الثاني: أن يوفّقه لما يختاره له وييسّره له، وقال في ذيل كلامه: «نعم، لتعرّف الثاني طرق، ولعلّها تتبع
إرادة المستخير بالمعرفة، فتارة يشاء ويطلب من اللَّه معرفة ذلك بالعزم منه على ما هو مختار، وتارة بما يقع على لسان المستشار، وتارة بالرقاع...».
وهو
التيمّن بسماع كلمة طيّبة، يقال: تفاءل فلان، إذا سمع كلاماً حسناً فتيمّن به، والاسم منه:
الفأل ، وهو ضدّ
الطيرة .
وأفاد
الفيض الكاشاني : «أنّ
التفاؤل إنّما يكون فيما سيقع ويتبيّن الأمر فيه، كشفاء مريض أو موته ووجدان الضالّة أو عدمه، ومآله إلى
تعجيل تعرّف علم الغيب، وقد ورد النهي عنه وعن الحكم فيه بتّة لغير
أهله ، وكره التطيّر في مثله، بخلاف الاستخارة، فإنّه طلب لمعرفة
الرشد في الأمر الذي اريد فعله أو تركه، وتفويض للأمر إلى اللَّه سبحانه في التعيين و
استشارة إيّاه عزّ وجلّ».
وعلى هذا فالنهي الوارد في الخبر عن التفاؤل
بالقرآن لا يشمل الاستخارة به، ولكن ذهب المحقّق النجفي إلى أنّه لا فرق بين التفاؤل والاستخارة التي هي بمعنى
استعلام الخير من هذه الجهة، فإنّ مرجعها إلى تعرّف ما فيه الغيب أيضاً، فإنّه قال في مقام الإشكال على الكلام المتقدّم: «إنّ التفاؤل إن لم يكن هو أقرب إلى موضوع الاستخارة من تعرّف علم الغيب، فهو بالنسبة إليهما على حدّ سواء؛ لصدقه على كلّ منهما».
وهو
التشاؤم ، يقال: تطيّر بالشيء ومن الشيء، إذا تشاءم به، والاسم: الطيرة.
والفرق بينه وبين التفاؤل هو أنّ الأوّل فيما يسوء، وربّما استعمل فيما يسرّ، والثاني فيما يسرّ ويسوء.
ويتّضح الفرق بين التطيّر والاستخارة ممّا تقدّم في الفرق بين التفاؤل والاستخارة.
وهي
السهمة و
النصيب ،
وهي مأخوذة من
قارعة القلوب ، أي ما يخوّفها؛ لأنّ قلب كلّ من المتقارعين في الشدّة و
المخافة حتى يخرج سهمه، أو من القرع بمعنى الضرب حيث إنّه يضرب بالعلامة على الحصّة، وفي عرف المتشرّعة عبارة عن العمل المعهود.
والاستخارة بالرقاع والسبحة ونحوهما نوع في الحقيقة من
الاقتراع ومن أفراده.
لا إشكال في مشروعيّة الاستخارة التي هي محض الدعاء والطلب من اللَّه تعالى، بل هي- كما يأتي- مطلوبة وراجحة عقلًا وشرعاً؛ لشمول عمومات مطلوبيّة ورجحان الدعاء والمسألة والتوسّل إلى اللَّه سبحانه وتعالى.
وأمّا الاستخارة بمعنى طلب تعرّف ما فيه
المصلحة واستعلام ما فيه الخيرة بأحد الطرق المذكورة فليس هنا ما يدلّ على عدم مشروعيّتها.
إلّا ما يتوهّم من شمول قوله تعالى: «وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ»
لهذا المعنى من الاستخارة، بتقريب: أنّ المقصود من
الاستقسام بالأزلام هو ما يفعله
العرب في
الجاهليّة ، فإنّهم كانوا يطلبون الخير وقسمة
الأرزاق بالأزلام، وهي السهام التي لا ريش لها، فكانوا يتفأّلون بها في امورهم، ويطلبون ما هو الخير لهم من فعل أو ترك بتلك السهام في جميع امورهم التي يريدون أن يأتوا بها، من أسفارهم ومساكنهم ومراكبهم ومتاجرهم ومناكحهم وغير ذلك من مهمّاتهم، وذلك بمراجعتهم تلك السهام المعيّنة التي كانت عند شخص بمنزلة السادن لتلك السهام المحترمة عندهم، وكانت تلك السهام مكتوب على بعضها: (أمرني ربّي)، وعلى بعضها الآخر: (نهاني ربّي)، وبعضها لم يكتب عليه شيء.
فإذا أرادوا سفراً أو أمراً آخر يهتمّون به ضربوا على تلك السهام، فإن خرج السهم الذي كتب عليه: (أمرني ربّي) يمضي في حاجته، ويقدم على ذلك الأمر، وإن خرج السهم الذي كتب عليه: (نهاني ربّي) لم يقدم على ذلك الأمر، وإن خرج السهم الذي لم يكتب عليه شيء أعادوا العمل حتى يخرج أحد السهمين اللذين كتب على أحدهما الأمر وعلى الآخر النهي، فيعمل على طبقه.
ومن الواضح أنّه لا فرق بين هذا العمل وبين الاستخارة التي هي بمعنى
استكشاف الخير والشرّ بأحد طرقه المذكورة، وعليه فالعمل على طبق الاستخارة محرّم وفسق؛ لقوله تعالى: «ذلِكُمْ فِسْقٌ»، فإنّه إمّا راجع إلى قوله تعالى: «وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا
بِالْأَزْلامِ » فقط أو يشمله في ضمن المذكورات في الآية.
ولكن هذا
الاحتمال مردود؛ لكونه مخالفاً لظهور
الآية الشريفة في أنّ المراد هو حرمة قسمة اللحم بالمقامرة، فإنّ ذلك هو مقتضى سياق الآية وأنّها بصدد بيان كيفيّة أكل اللحوم في عصر الجاهليّة، وتمييز ما هو
حلال منها وما هو حرام، أي المذكّى وغير المذكّى، ويتّضح ذلك بذكر تمام الآية الشريفة، وهي قوله تعالى:
«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ
الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَ
الْمُنْخَنِقَةُ وَ
الْمَوْقُوذَةُ وَ
الْمُتَرَدِّيَةُ وَ
النَّطِيحَةُ وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَ ما ذُبِحَ عَلَى
النُّصُبِ وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ»،
وعليه فليس المراد بالاستقسام بعد هذه القرينة الواضحة إلّا استقسام
اللحم قماراً.
وقد ورد
التفسير بذلك فيما روي عن
أبان بن تغلب عن
أبي جعفر عليه السلام أنّه قال في قول اللَّه تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ» الآية: «الميتة والدم ولحم الخنزير معروف»، إلى قوله: «وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ» قال: «كانوا يعمدون إلى
الجزور فيجزّونه عشرة أجزاء، ثمّ يجتمعون فيخرجون السهام ويدفعونها إلى رجل، والسهام عشرة: سبعة لها أنصباء، وثلاثة لا أنصباء لها، فالتي لها أنصباء: الفذّ و
التوأم والمُسبِل والنافس والحليس و
الرقيب والمعلّى، فالفذّ له سهم، والتوأم له سهمان، والمُسبِل له ثلاثة أسهم، و
النافس له أربعة أسهم، و
الحليس له خمسة أسهم، والرقيب له ستّة أسهم، و
المعلّى له سبعة أسهم، وأمّا التي لا أنصباء لها:
المسيح و
المنيح و
الوغد وثمن الجزور على من يخرج له من الأنصباء شيء، وهو
القمار ، فحرّمه اللَّه عزّ وجلّ».
ومثله ما روي عن
عبد العظيم بن عبد الله الحسني رحمه الله عن
أبي جعفر محمّد بن علي الرضا عليهما السلام .
وهكذا يظهر أنّ الآية الشريفة لا
مساس لها بالاستخارة، ولا تدلّ على حرمتها بوجه. وعلى تقدير كون معنى الجملة استعلام الخير والشرّ في الامور لا استقسام اللحم مقامرةً، إلّا أنّ المراد بها- قطعاً أو احتمالًا- فرد خاصّ من الاستعلام بحيث لا ينطبق على الاستخارة ونحوها.
وهو ما ورد فيما حكاه الطبري عن ابن إسحاق، قال: «كانت هبل أعظم أصنام
قريش بمكّة، وكانت على
بئر في جوف
الكعبة ، وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة، وكانت عند هبل سبعة أقداح، كلّ قدح منها فيه كتاب، قدح فيه: (الغفل)، إذا اختلفوا في
الغفل مَن يحمله منهم ضربوا بالقداح السبعة، فإن خرج الغفل فعل من خرج حمله، وقدح فيه: (نعم) للأمر إذا أرادوا يضرب به، فإن خرج قدح (نعم) عملوا به، وقدح فيه: (لا)، فإذا أرادوا أمراً ضربوا به في الأقداح، فإذا خرج ذلك القدح لم يفعلوا ذلك
الأمر ، وقدح فيه: (منكم)، وقدح فيه: (ملصق)، وقدح فيه: (من غيركم)، وقدح فيه: (المياه)، إذا أرادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح وفيها ذلك
القدح ، فحيثما خرج عملوا به، وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلاماً، أو أن ينكحوا منكحاً، أو أن يدفنوا ميّتاً، أو يشكّوا في نسب واحد منهم، ذهبوا إلى هبل بمائة درهم وبجزور، فأعطوها صاحب القداح الذي يضربها، ثمّ قرّبوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون، ثمّ قالوا: يا إلهنا، هذا فلان بن فلان أردنا به كذا وكذا، فاخرج الحقّ فيه، ثمّ يقولون لصاحب القداح: اضرب فيضرب، فإن خرج عليه (منكم) كان وسيطاً، وإن خرج عليه (من غيركم) كان حليفاً، وإن خرج (ملصق) كان على منزلته منهم، لا نسب له ولا حلف، وإن خرج شيء سوى هذا ممّا يعملون به: (نعم) عملوا به، وإن خرج: (لا) أخّروه عامهم ذلك حتى يأتوا به مرّة اخرى ينتهون في امورهم إلى ذلك ممّا خرجت به القداح».
وعلى هذا فيكون المراد النهي عن
إيكال الأمر إلى
هبل وطلب الخير منه الذي هو
شرك محض، وبينه وبين الاستخارة والقرعة اللتين هما إيكال الأمر وتفويضه إلى اللَّه سبحانه وتعالى بونٌ بعيد، وقياسهما بذلك ليس إلّا قياس
التوحيد وعبادة اللَّه تعالى و
تفويض الامور إليه و
التوكّل عليه بعبادة
الأوثان وإيكال الامور إليها.
الاستخارة بمعنى طلب الخيرة ونحوه- كما اشير إلى ذلك- عمل راجح ومطلوب عقلًا وكذا شرعاً؛ لشمول أدلّة مطلوبيّة ورجحان الدعاء والتوسّل إلى اللَّه سبحانه وتعالى.
وتدلّ على ذلك أيضاً جملة من الأخبار الواردة في مقام
الترغيب والحثّ عليها، كخبر
هارون بن خارجة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «من استخار اللَّه راضياً بما صنع اللَّه له خار اللَّه له حتماً».
ولهذا النوع من الاستخارة كيفيّات مأثورة عن
الأئمّة عليهم السلام يستحبّ
الإتيان بها بتلك الكيفيّات، وسنتعرّض لها في كيفيّة الاستخارة. وأمّا الاستخارة بمعنى استعلام الخير وعدمه فبما أنّ لها عدّة أقسام ولكلّ قسم كيفيّة خاصّة، فيقع البحث في
استحبابها في العنوان الآتي.
ثمّ إنّه يستفاد من بعض الأخبار كراهة
الإقدام على العمل من دون استخارة، ففي خبر
ابن مسكان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «من دخل في أمر من غير استخارة ثمّ ابتلي لم يؤجر».
وفي مرسل
ابن مضارب عنه عليه السلام أيضاً: «قال اللَّه عزّ وجلّ: من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال فلا يستخيرني».
•
كيفية الاستخارة ، نتعرّض أوّلًا لكيفيّة الاستخارة التي هي مجرّد الدعاء، ثمّ نتعرّض لكيفيّة الاستخارة التي هي بمعنى استعلام الخير.
تدلّ الأخبار المتقدّمة على استحباب الاستخارة على المباحات فهي موردها قطعاً، وأمّا الاستخارة على المندوبات فاستدلّ على استحبابها بقول أبي جعفر عليه السلام: «كان
علي بن الحسين عليهما السلام إذا همّ بأمر حجّ أو عمرة، أو بيع أو شراء، أو عتق تطهّر، ثمّ صلّى ركعتي الاستخارة فقرأ ...» .
فإنّه يدلّ على مطلوبيّة
التطهّر والإتيان بركعتي الاستخارة والدعاء بالكيفيّة المذكورة فيه عند
إرادة الحجّ المندوب، بل الواجب أيضاً؛
لإطلاق اللفظ.
والظاهر أنّ الأخبار المتقدّمة الدالّة على استحباب الاستخارة التي هي بمعنى استعلام الخيرة و
استكشاف ما فيه المصلحة لا تدلّ على استحباب الاستخارة على ترك المندوب أو فعل المكروه، كما لا تدلّ على استحباب الاستخارة على فعل المحرّم أو على ترك الواجب.
نعم، لو كان هناك مستحبّان ولم يستطع المكلّف أن يجمع بينهما كالسفر لزيارة مشهدين من المشاهد المشرّفة فله أن يستخير على ترك أحدهما والإتيان بالآخر؛
وذلك لشمول الأخبار المتقدّمة.
لا بأس بالاستخارة التي هي مجرّد الدعاء والتوسّل إلى اللَّه تعالى بعد الاستخارة التي هي بهذا المعنى، بل هي راجحة ومطلوبة شرعاً؛ لشمول الأدلّة الدالّة على مطلوبيّة ورجحان الدعاء والتوسّل إلى اللَّه سبحانه.
وأمّا الاستخارة التي هي بمعنى استعلام الخير بإحدى الكيفيّات المتقدّمة فإن حصل في مورد الاستخارة تغيير فلا بأس بتجديدها، بل هو مندوب، كما إذا كانت الاولى مقيّدة بوقت مضى وخرجت نهياً، فله
إعادتها في وقت آخر، فإذا استخار- مثلًا- أن يسافر يوم السبت، فخرجت نهياً ولم يسافر، فله إعادتها للسفر في يوم الاثنين- مثلًا-،
وكذا إذا استخار على أرجحيّة فعل أو ترك فخرجت نهياً، فله الاستخارة على راجحيّة ذلك الفعل أو الترك،
أو إذا استخار على مجموع امور فخرجت نهياً، فله إعادتها على كلّ واحد من تلك الامور.
وأمّا مع عدم
الاختلاف و
التغيير في المنويّ، فهل يجوز حينئذٍ تجديد الاستخارة أم لا؟
ذكر بعض الفقهاء وجهين للمسألة، والوجه الذي ذكره لجواز
التجديد هو عموم قول
الصادق عليه السلام : «ما استخار اللَّه مسلم إلّا خار له».
ووجه عدم الجواز هو
انتفاء موضوع الحيرة بعد
التعرّف بالخيرة، إلّا أن يفرض
الإجمال في مؤدّى الخيرة الاولى في أوّل ما رأى من
المصحف أو تطرّق الإجمال
باشتباه المقصود، وإلّا فلا وجه ولا محلّ للتكرار فيها.
ثمّ قال: وإنّما تظهر ثمرة الخلاف بين الوجهين فيما إذا اختلف مؤدّى الخيرة بالتكرار، فعلى الوجه الأوّل يقع التعارض في مؤدّى الخيرتين وترجع الحيرة التي هي موضوع الخيرة، سواء قلنا بتساقط الاوليين المتعارضتين كما في تعارض
الأصلين ، أو قلنا بالتوقّف كما في تعارض الأمارتين.
وعلى الوجه الثاني لا يقع
التعارض بينهما، بل المرجع إلى الاولى، وتلغى الثانية؛ لعدم المحل لها، وأمّا في صورة
اتّفاق الاتّحاد في مؤدّى التكرار فهو يكون مؤكّداً لما قبله لا محالة على كلا الوجهين.
لا يجب العمل بمؤدّى الاستخارة ولا يحرم مخالفتها. واستدلّ على ذلك بأنّ لازم القول بحرمة المخالفة هو
انقلاب حكم
الأكل والشرب أو السفر المباح بالأصل- مثلًا- إلى
الحرمة وسفر
المعصية بمجرّد
تأدية الاستخارة إلى المنع عنها، وهو أمر لا يلتزم به أحد.
فالأمر بالعمل بمؤدّى الاستخارة والنهي عن مخالفته ليسا من الأوامر والنواهي المفيدة للوجوب والحرمة، كما أنّهما ليسا لمجرّد
الإرشاد كأوامر
الطبيب ونواهيه؛ لأنّ لازم ذلك
انسلاخ المطلوبيّة والرجحان النفسي عن جلّ الأوامر الشرعيّة بل كلّها؛ لتضمّنها الإرشاد إلى شيء لا محالة، وهو أمر لا يلتزم به أحد.
وعليه فيتعيّن القول بأنّ الأمر المذكور إنّما هو دالّ على استحباب الموافقة لمؤدّى الاستخارة، كما أنّ النهي المذكور دالّ على كراهة المخالفة له.
واستثنى
الشيخ جعفر كاشف الغطاء من ذلك ما إذا احتمل وقوع مفاسد عظيمة وحصلت
التجربة المؤدّية إلى حصول المظنّة، ففي هذه الصورة يجب العمل بمؤدّى الاستخارة.
وفصّل
المحقّق الكلباسي بين الضرر المالي والضرر النفسي، فأوجب العمل بالاستخارة إذا كان في مخالفتها مظنّة الضرر بالنفس؛ لوجوب دفع الضرر المظنون عن النفس، وأمّا إذا كانت في المخالفة مظنّة الضرر بالمال فهو مبنيّ على وجوب دفع الضرر عن المال وعدم جواز
إضرار الشخص بماله.
هذا، ولكن ذهب بعض الفقهاء إلى عدم وجوب دفع الضرر الدنيوي، سواء كان متيقّناً أو مظنوناً أو محتملًا، لا سيّما إذا كان في الضرر غرض عقلائي؛ لعدم الدليل عليه. نعم، يحرم الإضرار بالنفس في موارد خاصّة مثل قتل
الإنسان نفسه أو قطع بعض أعضائه؛ وذلك لقيام الدليل عليه.
وعلى هذا المبنى لا يجب العمل بمؤدّى الاستخارة ولو مع خوف الضرر، إلّا إذا كان الضرر المحتمل مثل القتل كما في سائر الموارد.
صرّح جملة من الفقهاء بجواز
الاستنابة في الاستخارة،
بل قال : «إنّ من عاصرناهم من العلماء كلّهم على العمل بالنيابة...».
وقال : «إنّ المعروف في زماننا هذا بل وما تقدّمه بين العلماء فضلًا عن العوام الاستنابة فيها».
ونقل عن
الشيخ سليمان البحراني أنّه قال: «إنّ علماء زماننا مطبقون على
استعمال ذلك، ولم نجد أحداً من مشايخنا الذين عاصرناهم يتوقّف فيه، ونقلوا عن مشايخهم نحو ذلك».
وأمّا الأخبار والروايات فليس فيها ما هو صريح أو ظاهر في حكم الاستنابة فيها، وما هو المفهوم من الأخبار الواردة في الاستخارة هو أنّ صاحب الحاجة هو
المباشر للاستخارة لا من ينوب عنه.
وكيف كان، فقد استدلّ على جواز الاستنابة فيها بوجوه:
۱-نقل عن الشيخ سليمان البحراني من أنّ من القواعد أنّ كلّ ما يصحّ مباشرته يصحّ
التوكيل فيه، إلّا في مواضع مخصوصة ذكرها العلماء واختلفوا في أشياء منها، وليس هذا الموضع من تلك المواضع.
۲- ما نقله عنه أيضاً من أنّ العلماء في زماننا مطبقون على استعمال ذلك، ولم نجد أحداً من مشايخنا الذين عاصرناهم يتوقّف فيه، ونقلوا عن مشايخهم نحو ذلك، ولعلّه كافٍ في مثل ذلك.
۳- ما نقله عنه أيضاً من أنّ الاستخارة
مشاورة للَّه تعالى، كما ورد به النصّ عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام، ولا ريب أنّ المشاورة تصحّ
النيابة فيها؛ فإنّ من استشار أحداً فقد يستشير بنفسه، وقد يكلّف من يستشير له، كما في
استشارة علي بن مهزيار للجواد عليه السلام .
۴- ما نقله عنه أيضاً من أنّ مشاورة
المؤمن نوع من أنواع الاستخارة، وقد ورد في رواية علي بن مهزيار ما هو صريح في النيابة فيها، ولا فرق بين هذا النوع وغيره.
۵- ما ذكره المحدّث البحراني من أنّ الاستخارة بمعانيها ترجع إلى الطلب منه سبحانه، ولا ريب أنه من المتفق عليه بين ذوي العقول وساعدت عليه النقول عن
آل الرسول صلى الله عليه و
آله وسلم هو أنّ من طلب حاجة من
سلطان عظيم الشأن فإنّ الانجح في قضائها والأرجح في حصولها و
إمضائها هو أن يوسّط بعض مقرّبي حضرة ذلك السلطان في
التماسها منه بحيث يكون نائباً عن صاحب الحاجة في سؤالها من ذلك السلطان، والنيابة في الاستخارة منه سبحانه من هذا القبيل.
ونقل أيضاً عن
الشريف ملّا أبي الحسن العاملي أنّه قال: «ولعلّ ما اشتهر من استنابة الغير على جهة
الاستشفاع ».
هذا، ولكن ذهب المحقّق النجفي إلى أنّ الأولى ترك الاستنابة، و
الاقتصار على استخارة الإنسان نفسه لما يريده من اموره؛ مستدلّاً على ذلك بخلوّ النصوص الواردة في هذا المقام عن التعرّض و
الإشارة إلى الاستنابة، ثمّ أضاف قائلًا: «بل قد يومئ التأمّل فيها إلى عدمها، خصوصاً والإمام عليه السلام بين أظهرهم حتى أنّه يستشيرونه في الأمر، فيأمرهم بالاستخارة... بل لعلّ مقتضى
الأصل عدم مشروعيّة النيابة فيها؛ لأنّها من المستحبّات المشتملة على التضرّع والتوسّل والدعاء ونحوها ممّا لا تجري الاستنابة فيها».
وأمّا الوجوه المتقدّمة لجواز الاستنابة فغير سالمة عنده عن الخدشة والإشكال، حيث قال: «لكنّ
الإنصاف أنّ الجميع كما ترى».
ثمّ قال: «ومن المعلوم أنّ المراد بالاستنابة غير استخارة الإنسان نفسه على أن يشور على الغير بالفعل أو عدمه بعد أن يشترط على اللَّه
المصلحة لمن يريد الاستخارة له؛ إذ هي ليست من النيابة قطعاً، بل قد يقال: إنّه ليس من النيابة ما لو دعا المستخير لنفسه، وسأل من ربّه صلاحه واستناب غيره في قبض السبحة أو فتح المصحف أو نحوهما وإن دعا هو معه، ولعلّ الاستنابة المتعارفة في أيدينا من هذا القبيل».
ذكر الفقهاء للاستخارة عدّة
آداب :
منها: أن يلاحظ المستخير شرف المكان، فيأتي بها في مكان شريف كالمسجد وحرم أبي عبد اللَّه الحسين عليه السلام، ففي خبر
الحسن بن الجهم : «وائت المسجد...».
وفي خبر
ابن الأسباط : «... تأتي مسجد
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وتصلّي ركعتين...».
وفي خبر
صفوان الجمّال عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «ما استخار اللَّه عبد قطّ في أمره مائة مرّة عند
رأس الحسين عليه السلام فيحمد اللَّه ويثني عليه، إلّا رماه اللَّه بخير الأمرين».
ومنها: أن يلاحظ شرف الزمان فيأتي بها في زمان له شرف كيوم
الجمعة ، ففيما رواه زرارة: «... ثمّ صلّ
يوم الجمعة في مكان نظيف ركعتين...»،
وكذا فيما رواه
زرارة أيضاً: «... فإذا كان الليل اغتسل في ثلث الليل الباقي...».
وفي خبر
اليسع القمّي : «... انظر إذا قمت إلى الصلاة...».
ومنها: أن يلاحظ شرف الحال مثل حال
السجود والطهارة.
وقد ذكر المحقّق النجفي أنّه يستفاد من النصوص أن كلّ ما له مدخليّة في
استجابة الدعاء وبعد
الشيطان عنه من مكان أو زمان أو غيرهما ينبغي ملاحظته؛ لأنّ المقام نوع منه».
ومنها: القطع في الدعاء على الوتر،
كما في
مكارم الأخلاق : «... ومن استخار فليوتر»،
بناءً على أن يكون المعنى أنّه يقطع في دعائه بالخيرة على وتر، كأن يقول ثلاثاً أو خمساً: أستخير اللَّه برحمته خيرة في عافية أو نحو ذلك، كما احتمل ذلك
السيّد العاملي .
ومنها: عدم التكلّم في أثناء الاستخارة،
كما في خبر ابن مهزيار: «... لا تتكلّم بين أضعاف الاستخارة...»،
ومنها: طلب
العافية عند الاستخارة، كما في خبر
إسحاق بن عمّار : «ولتكن استخارتك في عافية؛ فإنّه ربّما خير للرجل في قطع يده وموت ولده وذهاب ماله».
واستثنى المحقّق النجفي من ذلك ما إذا طابت نفسه ولم يتّهم اللَّه في شيء ممّا يفرض وقوعه من موت ولد و
ذهاب مال وغيرهما؛ لأنّه هو الذي اختاره اللَّه لما في بعض النصوص من أنّه متى استخار اللَّه فلا بدّ أن يختار له.
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۲۶۰-۲۸۹.