الأثر (اللغوي والفقهي)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو
ذكر الشيء أو رسمه أو تقديمه، ومنه
الإيثار.
الأثر- كما ذكر ابن فارس- له ثلاثة
اصول:
يقال: أثِرتُ بأن أفعلَ كذا، معناه: أفعله أوّل كلّ شيء، ومنه الإيثار.
يقال: «أثرْتُ الحديث أثْراً- من باب
قتل- نقلْتُه، والأَثَر اسم منه، وحديث مأثور، أي منقول».
وفي اللسان: «حديث مأثور، أي يُخبِر الناسُ به بعضهم بعضاً، أي ينقله خلف عن سلف».
وقال الراغب: «أثرت
العلم:
رويته، وآثُره أثْراً وأثارة واثرة، وأصله: تتبّعت أثره».
قال الخليل:«والأثر بقيّة ما ترى من كلّ شيء وما لا يرى بعد ما يُبقي عُلقةً»
. «وأثر
الدار: بقيّتها. والجمع:
آثار، مثل سبَب وأسباب»
. «والأَثارة: البقيّة من الشيء، والجمع: أثارات»
«وأثّرت فيه تأثيراً جعلت فيه أثَراً وعلامة».
۱- وقد ورد عنوان (الأثَر) على لسان
الفقهاء بمعنى المنقول، لكن لا مطلقاً بل مرادهم خصوص ما نُقل عن
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم و
الأئمّة المعصومين عليهم السلام.
۲- كما أنّهم استعملوا عنوان (الأثر) بمعنى بقيّة الشيء، وفي بعض الموارد تصدّوا لبيان معناه، ففي بحث
الطهارة كالاستنجاء اصطلح جماعة من
الأصحاب تبعاً للشيخ
على ما يبقى في المحلّ بعد إزالة
عين النجاسة بالأثر.
۳- وقد يستعمل
الفقهاء (الأثر) أيضاً بمعنى
العلامة، وهو أحد المعاني اللغوية المتقدّمة فيقال: عليه آثار
الإسلام أو أثر الاستعمال.
۴- وقد ورد عنوان الأثر أيضاً في كلمات الفقهاء بمعنى النتيجة وما يترتّب على الشيء من
الأحكام الشرعية أو المسئولية والتبعة من قبيل قولهم: الأثر المترتّب على
العقد والأثر المترتّب على جريان الأصل، والأثر المترتّب على كلّ طرف من أطراف
العلم الاجمالي ونحو ذلك من إطلاقات الفقهاء والاصوليّين، وهذا معنىً اصطلاحيّ خاص.
۵- وقد يستعمل الأثر بمعنى الصفة الحاصلة للشيء كخياطة
الثوب وغزل القطن ونسج
الغزل ونحوها فتقابله
العين.
إنّه الأجزاء اللطيفة العالقة بمحلّ النجاسة والتي لا تزول إلّا بالغَسل.
ومرجع ذلك إلى ما ذكره
المحقّق الثاني من أنّه ما يتخلّل المحلّ عند
التنشيف و
المسح.
واختاره
المحقّق النجفي، قال:
«والتحقيق أنّ المراد بالأثر: الأجزاء الصغار اللطيفة كما فسّره بذلك بعضهم، بل قد يقال: إنّه المفهوم منه
عرفاً إذا قيل:
بقي أثره أو لم يذهب أثره، بل قد يرجع إليه تفسير اللون؛ إذ الظاهر أنّه لا يريد اللون الصبغي، وعن المصباح المنير أنّه قال:
استنجيت: غسلت موضع النجو أو مسحته بحجر أو مدر، والأوّل مأخوذ من استنجيت الشجر إذا قطعته من أصله؛ لأنّ الغسل بالماء يزيل الأثر، والثاني مأخوذ من استنجيت النخلة إذا التقطت رطبها؛ لأنّ
المسح لا يقطع
النجاسة، بل يبقى أثرها. وهو ظاهر فيما قلناه».
واختاره أيضاً
الشيخ الأنصاري قائلًا بأنّه أوضح التفاسير.
وعبّر بعضهم بأنّها الأجزاء الصغار التي لا تحسّ.
والظاهر أنّ المراد عدم الإحساس بالبصر للطافتها وإن أحسّ بها باللمس، وإلّا فمن أين يعلم بقاؤها وزوالها؟! فيرجع حينئذٍ إلى ما سبق.
إنّه
الرطوبة المتخلّفة بعد قلع الجرم.
وردّ بأنّها تعتبر من
العين، وليست أثراً لها.
وإنّ المراد بالأثر اللون
، «وكأنّه أخذه من قول
الكاظم عليه السلام لُامّ ولد لأبيه لمّا
غسلت ثوبها من دم
الحيض فلم يذهب أثره: «اصبغيه بمشق
»
؛ فإنّ الظاهر أنّ المراد بالأثر فيه اللون»».
واستظهر
الأردبيلي كون الأثر بمعنى الرائحة
، إلّا أنّ أكثر عبارات
الفقهاء صريح أو ظاهر كالصريح في خلاف ذلك، وأنّ المراد بالأثر غير الرائحة
.
إنّه النجاسة الحكميّة الباقية بعد إزالة العين
، فيحتاج إلى غسل آخر. ولعلّ صاحب هذا القول استفاده من ذيل رواية الحسين بن أبي العلاء: عن
الثوب يصيبه
البول؟ قال: «اغسله مرّتين: الاولى للإزالة، والثانية للإنقاء»
بحمل الإزالة على إزالة
العين، والإنقاء على إزالة النجاسة الحكمية.
لكنّ المستفاد من مجموع كلماتهم أنّ الأثر عبارة عمّا يتخلّف من الشيء ممّا ليس له جرم، ولذلك جعلوه في مقابل العين.
علامة:
العَلَم: الأثر الذي يُعلم به الشيء كعَلَم الطريق وعَلَم
الجيش، وجمعه أعلام
، وعليه: فهو والأثر مترادفان، ويؤيّد هذا المعنى ما تقدّم عن بعض أهل اللغة من قوله: أثّرت فيه تأثيراً جعلتُ فيه أثراً وعلامة، إلّا أنّ بعض أهل اللغة فرّق بين الأثر والعلامة بأنّ أثر الشيء يكون بعده وعلامته تكون قبله، يقال: الغيوم والرياح علامات المطر، ومدافع
السيول آثار
المطر.
لمّا لم يكن للأثر معنىً واحد في استعمالات الفقهاء لذلك فسوف نذكر
أحكام كلّ معنى تحته:
لا يوجد لدى الفقهاء فرع فقهي يرتبط بهذا المعنى للأثر، وإنّما الكلام فيه مذكور في
علم الدراية .
۱- ذهب المشهور إلى اعتبار إزالة العين والأثر عند
الاستنجاء بالماء، بخلاف
المسح بالأحجار حيث يكفي إزالة العين حسب.
۲- إنّ المعتبر في
غسل النجاسات و
المتنجّسات بالماء زوال أعيانها بحيث لا يبقى منها أجزاء على المحلّ ولو كانت دقاقاً، ولا عبرة بعد ذلك بالألوان والروائح ونحوهما من الآثار
.
۳- هل يعتبر في التطهير
بالأرض زوال الأثر كما يعتبر زوال العين أم لا؟ فيه قولان.
۴- اختلف
الفقهاء في جواز استعمال
الحنّاء لقاصد الإحرام قبله إذا بقي أثرها إلى ما بعد
الإحرام، وكذا في جواز
التدهين بالطيب أيضاً بعد اتّفاقهم على الحرمة لو استعمل كلًاّ منهما في حال الإحرام
.
۵- إذا انمحت آثار
التحجير، فإن كان من جهة إهمال
المحجر بطل حقّه وجاز لغيره إحياؤه، وإن لم يكن من جهة إهماله وتسامحه وكان زوالها بدون اختياره- كما إذا كان مستنداً إلى فعل الغير أو بسبب غير عادي
كالسيل ونحوه- ففي بطلان حقّه وعدمه بحث.
۶- لو زالت آثار
المسجديّة لم يحلّ لأحد
تملّكه أو فعل ما ينافي المسجدية فيه؛ لعدم بطلان وقفه بذلك. نعم لو وقف مالًا على مصلحة كمسجد أو قنطرة أو نحوهما فبطل رسمها وأثرها بالمرّة
صرف في وجوه البرّ.
۷- صرّح بعض الفقهاء بجواز تخريب آثار
القبور التي علم
اندراس ميّتها عدا قبور
العلماء والصلحاء و
أولاد الأئمّة عليهم السلام.
هذا، ويمكن البحث في حكم الآثار التاريخية القديمة للُامم السابقة، وهل يجوز ابقاؤها وعمارتها أم لا، سيّما مع اشتمال بعضها على
الأصنام و
الأوثان؟
۱- لا خلاف في إجراء
أحكام الشهيد على كلّ من وجد فيه أثر
القتل من
المسلمين، وأمّا إذا لم يوجد فيه أثره ففيه خلاف بين
الفقهاء.
۲- يكره إمامة
المجذوم و
الأبرص ونحوهما، وتشتدّ
الكراهة لو كان أثر المرض ظهر في وجهه.
۳- اختلف
الفقهاء في
حكم الكنز لو وجده شخص وعليه أثر
الإسلام فهل يحكم لواجده أو يكون بحكم
اللقطة؟
وهل عليه
الخمس أو لا؟.
۴- إنّ الأشياء
المباحة في الأصل
كالصيود والأشجار ونحوهما في
دار الحرب لا يختصّ بها أحد ويجوز تملّكها لكلّ مسلم، نعم لو كان عليها أثر
الملك كان
غنيمة بناءً على الظاهر من كونها ملكاً لأهل الحرب، نحو ما كان مثله في دار الإسلام كالطير المقصوص والأشجار المقطوعة ونحوهما
۵- يحلّ الطير وغيره بالاصطياد إذا لم يُعلم كونه ملكاً للغير ولو من جهة آثار
اليد التي هي أمارة على الملك فيه، كما إذا كان طوق في عنقه أو قرط في اذنه أو حبل في أحد قوائمه، فلو علم ذلك لم يملكه
الصائد بل يردّ إلى صاحبه إن عرفه وإلّا يكون بحكم اللقطة
.
۶-
اللحم والشحم والجلد المطروح في أرض المسلمين محكوم
بالطهارة و
التذكية إذا كان عليه أثر الاستعمال.
۷- لا يشترط في اللوث وجود أثر
القتل على
المشهور بينهم.
۱- ذهب بعض
الفقهاء إلى جواز
بيع أرض الخراج كالمفتوحة عنوة تبعاً لآثارها، وكذا
رهنها ووقفها وغيرهما من التصرّفات، خلافاً للبعض الآخر فذهبوا إلى المنع.
۲- للفقهاء في تحديد
الرضاع المحرّم تقديرات ثلاثة: الأثر و
الزمان والعدد، والمراد بالأثر هو ما أنبت اللحم وشدّ العظم، ويدلّ عليه ما روي عن
الإمام الصادق عليه السلام من قوله: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما أنبت اللحم وشدّ العظم».
۳- لا إشكال في وقوع
التذكية على كلّ
حيوان حلّ أكله ذاتاً وإن حرم بالعارض، وأثر التذكية فيه
طهارة لحمه وجلده وحلّية لحمه لو لم يحرم بالعارض، وأمّا غير المأكول فما ليس له
نفس سائلة لا أثر للتذكية فيه لا من حيث الطهارة ولا من حيث الحلّية.
۴- من شروط سماع
الدعوى أن يكون لها أثر لو حكم على طبقها، فلو ادّعى مثلًا أنّ
الأرض متحرّكة وأنكرها الآخر لم تسمع.
۵- يجب ذكر السبب في
الشهادة بالجرح، ولا تجوز الشهادة بالأثر لاحتمال كونه غير مسبب عند
الحاكم.
۱- لو زادت بفعل
الغاصب زيادة في
العين المغصوبة فهي على أقسام ثلاثة:
أحدها: أن تكون أثراً محضاً كخياطة الثوب بخيوط
المالك وغزل القطن ونسج
الغزل وطحن الحنطة وصياغة الفضة ونحو ذلك.
ثانيها: أن تكون عيناً محضة كغرس الأشجار والبناء في الأرض البسيطة ونحو ذلك.
ثالثها: أن تكون أثراً مشوباً بالعينيّة كصبغ الثوب ونحوه
، ويطلب أحكام هذه الأقسام في محلّه.
۲- من
آداب الدفن أن يضع الحاضرون بعد رشّ الماء أصابعهم مفرّجات على
القبر بحيث يبقى أثرها.
الموسوعة الفقهية، ج۳، ص۴۵۰-۴۵۶