الإتلاف المحرم (تكليفا لا وضعا)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإتلاف (توضيح).
يكون الإتلاف
حراماً ولا يكون مضموناً على المتلف في عدّة موارد:
كعدم
تقديم الماء و
الطعام للنفس المحترمة التي يتهدّدها خطر
الموت جوعاً و
عطشاً أو عدم
إنقاذ الغريق
المشرف على الموت أو عدم إنقاذ مال
المسلم من يد
الغاصب أو من
النار مع
التمكّن من كلّ ذلك، فإنّ تعريض كلّ ذلك للتلف بسبب
التقصير في
أداء الواجب وإن كان حراماً لكن لا ضمان معه.
نعم، ذهب بعض الفقهاء إلى ضمان
المطلوب منه فيما إذا كان قد طلب منه
المضطر مع غنائه عنه في تلك الحال فهلك.
قال: «لو اضطر إلى
طعام غيره أو شرابه فطلبه منه فمنعه إيّاه مع
غنائه عنه في تلك الحال فمات ضمن المطلوب منه؛ لأنّه
باضطراره إليه صار أحق من
المالك وله أخذه قهراً فمنعه إيّاه عند طلبه سبب
هلاكه ، ولو لم يطلبه منه لم يضمنه. وكذا كلّ من رأى
إنساناً في مهلكة فلم ينجه منها مع قدرته على ذلك لم يلزمه ضمانه».
قال في
إلقاء المتاع لإنقاذ
السفينة : «وعلى كلّ حال فإذا قصّر من لزمه الالقاء فلم يُلقِ حتى غرقت السفينة فعليه
الإثم لا الضمان كما لو لم يطعم صاحب الطعام المضطر حتى هلك وإن طلبه منه. وكذا كلّ من تمكّن من
خلاص إنسان من مهلكة فلم يفعل أثم ولا ضمان؛
للأصل وغيره، كما نصّ عليه في
المسالك وغيرها.
لكن عن
التحرير ... (ونقل عبارته المتقدمة) وهو مشكل؛ ضرورة عدم مقتضٍ للضمان من
مباشرة أو
تسبيب أو غيرهما من
الأفعال التي رتّب
الشارع عليها الضمان. وليس ترك حفظه من
الآفات منها، وإن وجب عليه ذلك، لكنه وجوب شرعي يترتب عليه الإثم دون
الضمان ».
كما إذا أذن صاحب
الدابة أو
المتاع أو
العبد في إتلافها
إسرافاً وعبثاً فإنّ إذنه غير نافذ، لكن لو فعل لم يكن عليه الضمان؛ لكونه برضا المالك و
إذنه المستوجب لسقوط حقّه في الضمان.
قال: «لو قال
المالك : لا تعلفها (
الدابة المودعة ) أو لا تسقها لم يجز
القبول ، بل يجب عليه سقيها وعلفها. نعم، لو أخلّ بذلك والحال هذه أثم ولم يضمن؛ لأنّ المالك أسقط الضمان بنهيه كما لو أمره
بالقاء ماله في
البحر ».
وقال: «لو قال: اقتلني وإلّا قتلتك لم يسُغ
القتل ، ولكن لو أثم وباشر لم يجب
القصاص ؛ لأنّه كان مميّزاً أسقط حقه بالإذن».
وعلّق عليه
المحقّق النجفي : «ومنه ينقدح عدم
الدية حينئذٍ التي تنتقل من
الميِّت ولو في آخر جزء من حياته إلى الوارث لا
ابتداء ...».
ثمّ ناقش قدس سره في
أصل سقوط
القصاص بكون الإذن غير مبيح فلا يرتفع به العدوان فيدخل في
عموم أدلّة القصاص، إلّا أن يندرج في
الدفاع فيتجه حينئذٍ سقوط القصاص والدّية و
الإثم .
قال: «لو قال: اقتل دابتي فقتلها أو أمره برمي قماشه في
البحر فرماه أو أمر بقتل عبده فقتله فإنّه يأثم ولا ضمان عليه».
ويظهر من بعض الفقهاء شمول الحكم للإنسان أيضاً.
إتلاف
الإنسان مال نفسه إسرافاً و
تبذيراً فانّه لا يتصور الضمان في حقّه وإن كان نفس الإتلاف محرّماً.
قال: «يكره فرش
القبر بالساج إلّا مع الحاجة إليه؛ لأنّه إتلاف المال فيقف الجواز على الضرورة».
وعلّق الشهيد الثاني عليه: «وكذا بغيره من أنواع الفرش التي لا تعدّ أموالًا عرفاً وإلّا حرم؛ لأنّه إتلاف غير مأذون فيه».
وقال أيضاً: «أمّا فرشه بما له قيمة من
الثياب ونحوها فلا يجوز؛ لأنّه إتلاف لم يؤذن فيه».
لكن
الميرزا القمي ناقش في كونه إتلافاً محرّماً حيث قال: «قال
الأصحاب يكره فرش القبر بالساج إلّا عند
الضرورة ... وبعضهم علّله بأنّه إتلاف مال غير مأذون فيه شرعاً، وفيه إشكال... أنّ الإتلاف الذي تثبت حرمته هو ما يُعدُّ إسرافاً، وذلك ليس مما ينكره
العقلاء في تصرّفاتهم».
الإتلاف إسرافاً للأموال المباحة التي لا مالك لها كقتل الدوابّ والصيود وقطع الأشجار الحية و
إفساد الماء ونحو ذلك.
الإتلاف من دون حاجة لأموال من لا حرمة لماله كالكافر الحربي.
قال العلّامة الحلّي: «يجوز إتلاف ما يحتاج إلى إتلافه من أموال الكفّار للظفر بهم كقطع الأشجار وقتل
الحيوان لا مع عدم الحاجة».
لكن بعض الفقهاء منع حرمة ذلك واستظهر الكراهية، قال
المحقق الكركي بعد قول العلّامة: «ظاهره
التحريم والكراهية أظهر».
كالخمر و
الخنزير أو ما لا مالية له عرفاً لكنّه متعلّق لحق الغير كالحبة من
الحنطة فانّه محرّم تكليفاً، ولكن لا ضمان فيه وضعاً.
قال في مقام
الاستدلال على خروج
الملك عن كونه طلقاً بالرهن وعدم جواز
التصرف بالعين المرهونة وبيعها: «لعلَّ عدم جواز التصرف في متعلق حق الغير عقلائي بل لعله مفهوم من مثل قوله عليه السلام: «لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه»
بالغاء خصوصية المال، ولهذا لا يجوز التصرف في ملكه وإن لم يكن مالًا... وكذا متعلق حق الغير كالتصرف في الخمر التي اخذت
للتخليل المتعلق بها حق
الاختصاص ».
إلّا أنّ بعض الفقهاء نفى
الحرمة عن التصرّف في ما للغير فيه حق بدعوى أنّ أدلّة
تحريم التصرّف فيما هو
عائد للغير مختصّ بصورة كونه مالًا.
قال: «إنّ دليل
الضمان لا يدلّ على أزيد من ضمان الأموال
كقاعدة الضمان بالإتلاف ونحوها، وإذا أتلف أحدٌ مملوك أحدٍ الذي غير متموّل في نظر
العرف لا يكون ذلك موجباً للضمان، بل لم يفعل محرّماً أيضاً؛ لأنّ
الدليل دلّ على حرمة
التصرف في مال امرئ
مسلم لا في ملكه. وهكذا لو أتلف ما ليس بمملوك لأحد، بل هو متعلّق لحق الغير كالميتة المختصة لأحد ونحوها فانّه لا يوجب الضمان، بل لا دليل على تحريمه أيضاً من حيث التصرف في متعلق حق الغير ما لم يوجب ذلك
إزالة حقّه»».
لكن يظهر من ذيل كلامه أنّ الإتلاف يكون حراماً أيضاً، غير أنّه ليس بجهة التصرف في مال الغير، بل بجهة إزالة حقه، مع ذلك يمكن أن يقال: إنّ من حقّه منع الآخرين عن التصرف فيه بلا إذنه فيكون تصرفهم فيه كذلك سلباً لهذا الحق فيكون محرّماً تكليفاً بدون
إذنه .
إتلاف ما لا يرجع لمالك محترم أو ما يرجع لنفسه مع طروّ عنوان ثانوي من قبيل كونه محرماً أو ناذراً أو حالفاً على الترك فانّه يحرم تكليفاً من دون ضمان، إلّا أنّ هذه الحرمة التكليفية تثبت للاتلاف بعنوانه الثانوي كحنث
النذر و
اليمين لا لكونه إتلافاً.
قتل من حكم عليه بالقتل وهدر
الدم حدّاً بدون إذن الولي
العام فانّه محرّم عليه تكليفاً، ولكن لا
قصاص ولا دية فيه.
قال في
المرتد : «أمّا لو قتله مسلم فلا قود، وفي الدية تردد، و
الأقرب انّه لا دية».
قال: «لو قتل المسلم مرتدّاً فلا قصاص، والأقرب أنّه لا دية عليه أيضاً، وإن أساء بقتله فإنّ أمره إلى
الإمام .. ولو وجب قتله بزنا أو لواط فقتله غير الإمام فلا قود ولا دية.. والأقرب
انتفاء القود مطلقاً؛ لأنّه مباح الدم، واجب فصار كالحربي، ولا يجب في ذلك كله
كفارة ولا دية».
لكن استشكل في
الحكم في المرتد بعض الفقهاء، قال
المحقق النجفي في قتل المسلم المرتد: «لو قتله مسلم فلا قود قطعاً لعدم
المكافأة ، وفي الدية تردّد، والأقرب عند
المصنف و
الفاضل وغيرهما أنّه لا دية
للأصل وعدم
احترام نفسه وإن أثم غير الإمام بقتله لكن... مجرد
وجوب القتل حدّاً لا يقتضي ذلك خصوصاً مع توبة
المحدود وندمه وأسفه إذا كان بحيث لا يسقط عنه الحدّ، كما لو فرض توبته بعد
إقامة البيّنة عليه وحكم الحاكم عليه فإنّ
دعوى عدم احترام نفسه مع هذه الحال بحيث يكون كبعض الحيوانات التي هي غير محترمة من جهة وجوب القتل عليه حدّاً لا يخفى عليك ما فيها.
نعم، قد يستظهر من بعض الأدلّة في بعض الأفراد، وخصوصاً في بعض أفراد
الارتداد ونحوه مما يوجب القتل ذلك، وإن لم يجز تولّي قتلهم أيضاً إلّا للإمام عليه السلام باعتبار كون إقامة الحدّ له لا لاحترامهم، وهذا وإن اقتضى
سقوط الدية في المسلم أيضاً لكنه يقتضي سقوطها والقود أيضاً في غيره... نعم، لو وجب قتله بزنا أو
لواط فقتله غير الإمام عليه السلام لم يكن قود ولا دية».
وتردّد آخرون في المحكوم بالقتل بزنا أو لواط دون المرتد.
قال في المرتد: «ولو قتله مسلم فلا قود، والظاهر عدم الدية عليه، وللإمام عليه السلام تعزيره... ولو وجب قتله بالزنا أو
اللواط فقتله غير الإمام عليه السلام قيل: لا قود عليه ولا دية، وفيه تردد».
قال فيه أيضاً: «وأمّا لو قتله مسلم فلا قود عليه لعدم
الكفاءة في الدين، وأمّا الدية ففي ثبوتها قولان:
الأظهر عدم ثبوتها في قتل المسلم غير
الذمي من أقسام الكفار... (و) لو وجب قتل شخص بزنا أو لواط أو نحو ذلك غير سبّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقتله غير الإمام عليه السلام، قيل: إنّه لا قود ولا دية عليه. ولكن الأظهر ثبوت القود أو الدية مع
التراضي ».
الموسوعة الفقهية، ج۳، ص۲۱۲-۲۱۸.