الإذن (أركانه)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإذن (توضيح) .
أركان
الإذن نفس أركان العقود
والإيقاعات ؛ لأنّه إنشاء ترخيص، وهو تارةً يكون مجرّد
الرخصة والإباحة ، ويسمّى
ابتدائيّاً ، واخرى يكون في ضمن عقدٍ، ويسمّى بالعقد الإذني، والأوّل إيقاع، والثاني عقد. وعلى هذا فأركانه ما يلي:
وهي اللفظ وما يقوم مقامه من
الكتابة والإشارة والفعل ونحو ذلك،
واللفظ ليس محصوراً في لفظ معيّن، بل يمكن التعبير عن الإذن بكلّ لفظ يدلّ عليه
بإطلاقه ومفهومه وهيئته، كالإباحة المطلقة
والأمر بالشيء.
وسيأتي البحث فيها مفصّلًا في مبرزات الإذن.
والكلام فيه من جهتين:
وسيأتي الكلام فيه.
المستفاد من كلمات الفقهاء أنّه لا بدّ في الآذن من توفّر نفس الشروط العامّة المعتبرة في العاقد، وهي:
۱- أن يكون مالكاً للعين أو وليّاً عليها، كالوصيّ والقيّم والناظر، وعلى هذا الأساس فليس للمستعير
الإعارة ولا
الإجارة ،
ولا للوكيل أن يوكّل،
كما أنّ
العتق لا يقع من آذنٍ ليس بمالك،
وكذا لا أثر لإذن
الغاصب ،
ولذا قال
المحقّق الاصفهاني : «لا شبهة في أنّ الإذن في إتلاف مال الغير لا يوجب صدق من أتلف على الآذن في
الإتلاف ».
۲- أن تكون فيه أهلية
التصرّف ، بأن يتوفّر فيه
البلوغ والعقل والرشد
والقصد ، فلا يصحّ إذن
الصبيّ والمجنون؛ لسلب عبارتهما، ولا السفيه؛ لعدم الرشد، ولا يصحّ أيضاً إذن الساهي والغافل والنائم؛ لعدم القصد، فلا تصحّ وكالتهم ولا إيداعهم
ولا إذنهم في
الصلاة على
الميّت .
۳- أن يكون الآذن جائز التصرّف فيما يأذن فيه، فلا يجوز إذن المفلّس في التصرّف في أمواله التي يتعلّق بها حقّ الديّان، وكذا لا يجوز للراهن أن يأذن لغير المرتهن في التصرّف بما ينافي حقّ الرهانة؛ حيث انّه ممنوع من التصرّف كذلك، إلّا أن يأذن له المرتهن، وكذا العكس.
قال
المحقّق الأردبيلي : والآذن لا بدّ أن يأذن في وقت يجوز له ذلك، وإذا لم يجز له التصرّف فلا يؤثّر إذنه للغير بطريق أولى.
نعم، يجوز للمفلّس والرقيق الإذن فيما لهم فيه
الاستقلال من التصرّفات، فيصحّ من
العبد أن يوكّل فيما يملكه من دون إذن سيّده،
كالطلاق والخلع وطلب
القصاص ، وكذا المفلّس.
۴- أن يكون مختاراً، فلا يصحّ إذن المكره، فلو اكره المودع في
الإيداع لم يؤثّر؛ لعمومات رفع ما استكرهوا عليه، واشتراط
الرضا وطيب النفس في ترتّب الآثار.
يعتبر في المأذون أن يكون ممّن يجوز منه التصرّف، وأن يكون أهلًا له، وهذا يختلف باختلاف الموارد، فقد يكون التصرّف من قبيل الأكل والشرب، أي تصرّفاً تكوينياً، فيصحّ الإذن لكلّ أحد فيه ولو كان صبيّاً، كالإذن له في أكل مال الآذن، أو إيصال
الهديّة إلى شخص، أو الإذن في دخول الدار وغيرها.
قال
العلّامة الحلّي : «لو فتح الصبيّ الباب وأذن في الدخول عن إذن أهل الدار، أو أوصل هديّة إلى إنسان عن إذن المُهدي، فالأقرب
الاعتماد ».
وقد يكون التصرّف وضعياً-
كالبيع والشراء- فإنّه حينئذٍ لا بدّ أن يكون المأذون ممّن يصحّ منه ذلك التصرّف لو كان مالكاً، فلا يصحّ إذن الوليّ للصبيّ والمجنون في
العقد ،
وقيل: يصحّ في الصبيّ إذا كان مأذوناً في مجرّد
إجراء الصيغة إذا كان مميّزاً وقادراً على
الإنشاء .
وكذا لا أثر لإذن المولى في سقوط حجّة الإسلام عن
العبد بإتيانها حال الرقّية.
ولا يصحّ إذن
الكافر ، بل غير
المؤمن أو توكيله في النيابة عن المؤمن في
العبادات ؛ لاشتراط
الإسلام ، بل
والإيمان في صحّتها.
هذا كلّه في الإذن المحض والمجرّد، وأمّا
الإذن العقدي - أي العقود الإذنيّة- فيشترط في المأذون فيها
شروط المتعاقدين .
وهو الفعل والتصرف الذي أذن فيه أي محل الإذن وهو نوعان: ما يكون تصرّفاً وفعلًا تكوينياً كالأكل والشرب، وما يكون تصرّفاً إنشائياً وضعياً كالبيع والشراء، ولكلّ من هذين النوعين شروط، أهمّها ما يلي:
۱- أن يكون المأذون فيه تحت
سلطان الآذن وأمره بيده، فلا أثر للإذن في التصرّف في مال الغير أو
المباحات .
۲- ألّا يكون المأذون فيه متعلّقاً لحقّ الغير، فلا يصحّ بيع
الرهن إلّا بإذن المرتهن،
ولا يصحّ للأجير الخاصّ إيجار نفسه في نفس المدّة لشخص آخر أو إذنه له في
الانتفاع بعمله.
۳- أن يكون التصرّف المأذون فيه سائغاً تكليفاً- أي لا يكون محرّماً- ونافذاً وضعاً، فلا أثر للإذن في
قتل نفسه،
أو وطء أمته المزوّجة،
ولا للإذن في بيع الخمر الراجع إليه أو البيع الربوي، كما هو مقرّر في محلّه.
الأصل الأوّلي المستفاد من
الآيات والروايات - كقوله تعالى: «وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ»،
وقوله عليه السلام: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفسه»،
وفيه: «لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلّا بطيبة نفسه. وقوله: «الناس مسلّطون على أموالهم»،
وغيرها- أنّه لا يجوز التصرّف في ملك الغير بدون إذنه، أو إذن من يقوم مقامه.وكذا لا يجوز التصرّف فيما هو متعلّق لحقّ الغير بدون إذنه، كالأراضي المحجّرة
للإحياء - مثلًا- بل يشترط الإذن في كلّ تصرّف يمسّ حقّ الغير.
وقد استثني من هذا العموم- أي اعتبار الإذن في جواز التصرّف في ملك الغير أو حقوقه- ما إذا قضت العادة بالسماح بذلك، أو الرضا به، وطيب النفس عنه، إلّا أن يصرّح المالك بالمنع والكراهة، أو ما أذن
الشارع فيه، وموارده كثيرة في أبواب الفقه، نذكر بعضها فيما يلي:
الأكل من بيوت الأقارب المشار إليهم في قوله تعالى: «لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً».
فقد ذكر الفقهاء جواز تناول الطعام من بيوت مَن تضمّنته الآية من دون إذن إذا لم يعلم منه الكراهية.
ولا يتوقّف ذلك على إحراز الرضا والإذن من صاحبها.ولا فرق في ذلك بين ما يخشى عليه الفساد أو لا يخشى، وإن خصّه
الصدوق بما يفسد.
ذكر الفقهاء أنّه إذا مرّ الإنسان في طريقه بشيء من بساتين النخل وشجر الفواكه ونحوها اتّفاقاً، جاز له أن يأكل منها من غير
إفساد وإفراط ، مع عدم
العلم والظنّ بكراهة المالك.
وقال
المحقّق النجفي : «ومرجعه إلى
الإذن الشرعية التي هي أقوى من المالكية، وبها... يخرج ما نحن فيه عن موضوع
الظلم والخيانة والسرقة والجور والأكل بالباطل ونحو ذلك».
وخالفهم العلّامة في أحد قوليه، حيث نسبه إلى القيل، وقال: «والمنع أحوط».
صرّح بذلك بعض الفقهاء؛ للرواية،
ولأنّ العادة قاضية بالسماح بذلك والرضا به، وثبوت إذن الفحوى فيه، كما لو قدّمت الطعام للأكل؛ فإنّه يقوم مقام الإذن في تناوله.
قال
السيّد اليزدي :«يجوز
الوضوء والشرب من الأنهار الكبار، سواء كانت قنوات أو منشقّة من شطّ وإن لم يعلم رضا المالكين».
وعلّق عليه
السيّد الخوئي بقوله: «هذا هو المشهور بين
الأصحاب قدس اللَّه أسرارهم، بل قد ذهب بعضهم إلى جواز التصرّف فيها حتى مع منع المالك عن تصرّف الغير في مياهه، وكذلك التصرّف في الأراضي الوسيعة بالتوضّؤ فيها أو
الجلوس والنوم عليها، وتبعهم الماتن في بعض أقسام الأراضي، كالأراضي المتّسعة جدّاً، والكلام في مدرك ذلك، والعمدة فيه هي
السيرة القطعية المستمرّة».
قال
الفاضل النراقي - بعد التعرّض لجملة اصول، منها: عدم جواز التصرّف في مال الغير-: «يستثنى من هذه الاصول الأربعة ومن سائر ما حرّم ما يدعو
الاضطرار إليه؛ لتوقّف سدّ الرمق وحفظ النفس عليه، فيختصّ التحريم بالمختار، وأمّا المضطرّ فيجوز له، بل يجب الأكل والشرب من كلّ محرّم بلا خلاف، إلّا في الخمر والطين...للإجماع».
التصرّف في
اللقطة بعد التعريف بها وكذلك الضالّ والضالّة، وجامعها المال المفقود من صاحبه، وغير ذلك من الأمثلة المذكورة في الأبواب المختلفة، وتراجع تفاصيلها في مواضعها.
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۲۷۹-۲۸۴.