الإسلام بالمباشرة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
إنّ
الإسلام يتحقّق
بالاستقلال و
المباشرة ، وكذلك يتحقّق
بالتبعية ، والإسلام بالمباشرة قد يكون
بإعلانه بالقول- أي
الشهادة - واخرى بالفعل.
اتّفق
الفقهاء على تحقّق الإسلام
بإظهار الشهادتين،
وهي قول: أشهد أن لا إله إلّا
اللَّه وأنّ محمّداً
رسول اللَّه .
وقد اختار البعض
اكتفاء اليهودي و
النصراني بشهادة
الرسالة فقط.
وربما لكون
الشهادة الاولى متحقّقة منهما.
ويدلّ على تحقّق الإسلام بالشهادتين- مضافاً إلى
السيرة القطعية ، وكونه من
ضروريات الدين - قول
الصادق عليه السلام في رواية
سفيان بن السمط : «الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس، شهادة أن لا اله إلّا اللَّه وأنّ محمداً
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... فهذا الإسلام».
ذكر
الشهيد الثاني أنّ توبة
المرتدّ تحصل بالشهادتين إن كان كفره بجحدهما بأن صار وثنيّاً، ولو أقرّ
بالوحدانيّة وأنكر الرسالة كفى تشهّده بأنّ محمّداً رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، وإن كان من الذين يقولون: إنّ محمّداً مبعوث إلى العرب خاصّة، أو يقول: إنّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يبعث بعد لم يحكم بإسلامه حتى يقول: محمّد رسول اللَّه إلى كافّة
الخلق ، وإنّه هو المبعوث في وقت كذا بمكّة إلى كافّة الناس، ونحو ذلك. وإن كان كفره بجحد
فريضة أو
تحليل محرّم لم يكفِ في إسلامه الشهادتان حتى يرجع عمّا اعتقده، ويعتقد وجوب الفريضة و
تحريم المحرّم ونحوه.
والذي يبدو من تحليل كلمات الفقهاء أنّ إسلام المرتدّ يكون
بإبراز ما يدلّ على تراجعه عمّا أوجب
ارتداده ، من هنا يشترط أن يذكر ما كان أنكره، لا أن يذكر أمراً آخر لم ينكره من قبل، فلو ارتدّ
بإنكار وجوب
الصلاة لا يصبح مسلماً بإعلان الشهادتين.
ويستفاد من كلمات بعض الفقهاء أنّ قوله: أتبرّأ من كلّ دين خالف الإسلام بمنزلة
الرجوع عمّا أنكره،
بل صرّح بعضهم بكفاية الرجوع من دون التلفّظ بالشهادتين.
ليست هناك صيغة معيّنة للشهادتين، بل يمكن الاكتفاء بأيّة صيغة اخرى مرادفة للصيغة المعهودة في
الإقرار بمضمون الشهادتين، فالمعيار على تحقّق الإسلام مهما كانت صيغته، كالشهادة بأنّه لا إله سوى اللَّه أو غير اللَّه أو ما عدا اللَّه، وأنّ
أحمد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، بل يحتمل قويّاً
إمكان الاكتفاء بمحمّد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنّ فيه
إثباتاً للرسول والمرسل معاً،
بخلاف الشهادة بأنّ النبي رسول اللَّه، فإنّها غير كافية لإثبات الإسلام؛
لاحتمال إرادة غير نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم،
إلّاأن يقال باحتمال الاكتفاء بظاهر إرادته العهد.
وأمّا الشهادة بقوله: (أنا مؤمن أو مسلم) فقد استقرب بعضهم كفايتهما؛
لدلالتهما عرفاً على منافاة ما هو عليه لما كان عليه من الكفر.
واورد عليه بأنّهما غير صريحين في ذلك؛ لاحتمال إرادة
الإيمان بامور اخرى غير
التوحيد والرسالة.
واستظهر بعضهم عدم الاكتفاء بقول: (نعم) أو (بلى) في جواب من قال: أتشهد أن لا إله إلّااللَّه محمّداً رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم؟.
ولو قال: (دين الإسلام حقّ) كان أوضح دلالة على الإسلام من قوله: أنا مؤمن أو
مسلم .
والذي يفهم من تحليل كلماتهم أنّهم يريدون أن يكون المبرِز كافياً وافياً غير ملتبس ولا مجمل ولا محتمل الوجوه؛ وأنّ هذه الموارد التي تحدّثوا عنها ليست سوى حالات ونماذج لهذه القاعدة العامّة. ووفقاً لهذه
القاعدة ، لا توجد لغة خاصّة يفترض
إبراز الشهادتين بها؛ ولهذا حكموا بأنّه لو كان الكافر بين قومه الذين يتكلّمون بلغته فبإمكانه أن يعلن عن إسلامه بلغتهم بما يؤدّي معنى الصيغة المعهودة بالعربية أو ما يشابهها.
نعم، ذكروا أنّ غير القادر على التلفّظ بسبب عدم معرفته باللغة العربية يُلحق بالأخرس،
الأمر الذي يحيله إلى مرحلة
الإشارة ، وكأنّ نطقه بغير العربية لا فائدة منه.
إلّاأنّ الأرجح أنّهم حكموا بذلك لعدم فهم كلامه في الوسط العربي لو تكلّم في هذا الوسط، وإلّا فمن الواضح أنّ الإبراز بغير
اللغة العربية مع فهمها من قبل الآخرين أفضل في
الإعلان وأكمل من الإشارة في كثير من الحالات على الأقلّ.
لا خلاف
في كفاية الإشارة
المفهمة
للأخرس؛ لما دلّ على قيام الإشارة مقام اللفظ لغير القادر عليه،
ولما روي أنّ رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه جارية أعجميّة أو خرساء، فقال: يا رسول اللَّه عليَّ عتق رقبة فهل تجزي عنّي هذه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أين اللَّه؟» فأشارت إلى
السماء ، ثمّ قال لها: «من أنا؟» فأشارت إلى أنّه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له: «أعتقها فإنّها مؤمنة».
نعم، لو كانت الإشارة غير مفهمة فقد اشترط بعضهم
اقترانها بالصلاة لتكون قرينة على إرادة الدخول في الإسلام.
ولو أضاف
الأخرس إلى الإشارة تحريك
اللسان و
الكتابة كان أولى.
هذا كلّه في الأخرس.
وهذا أيضاً خلافٌ بينهم في موارد ترجع بأجمعها إلى وضوح الإعلان والإبراز؛ لهذا نجدهم يفضلون أفضل الأشكال التي توجب
الوثوق بتحقق الدخول في الإسلام.
أمّا الإسلام بالفعل فيكون بإتيان بعض الأعمال كالصلاة والصوم و
الاعتكاف و
الحجّ ، لكن تعدّدت الآراء في هذا الموضوع مركّزةً على نموذج الصلاة.
ويبدو أنّ جملةً وافرة من كلماتهم كانت تتمحور حول المرتدّ، في إمكانية جعل الصلاة رجوعاً له وتوبةً عن ارتداده أم لا؟
فمن جهة ذهب المشهور إلى عدم كفاية الصلاة لتحقّق الدخول في الإسلام؛
لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «امرت أن اقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلّااللَّه»؛
فجعلت كلمة التوحيد هي
المعيار في الحكم بالإسلام فيما الصلاة- مثلًا- لم توضع دليلًا عليه،
باعتبارها من فروعه وشعائره،
لا من مبرزاته ومعلناته؛ وذلك أنّه يمكن صدور الصلاة من الفاعل تقيةً وخوفاً وحذراً،
وهو أمرٌ وإن كان محتملًا في النطق بالشهادتين أيضاً إلّاأنّه لمّا جعل الشارع الشهادتين
أمارة لإحراز الإسلام، أمكن
الاستناد إليهما وعدم الوقوف عند احتمال الخوف والحذر، الأمر غير المتحقق في الصلاة كما قلنا.
وتتأكّد صعوبة
اكتشاف الإسلام عبر الصلاة وأمثالها في المرتدّ؛ إذ صلاته لا تعني أنّه عاد إلى الإسلام؛ لإمكان أن يكون قد ارتدّ بإنكار ضروريّ من ضروريات الدين غير الفعل الذي يقوم به الآن، وهو الصلاة، لا سيّما وأنّه قد لا يعتقد بأنّه صار مرتدّاً فيتعامل مع نفسه معاملة المسلم؛ ولهذا فهو يصلّي.
ولا فرق في عدم دلالة الصلاة عند هذا الفريق على الإسلام بين إتيانها في
دار الحرب أو في
دار الإسلام ،
وإن تردّد
العلّامة الحلّي في عدم دلالتها عليه إذا كانت في دار الحرب وصدرت من المرتدّ؛
لعدم ما يبرّر
الإتيان بها هناك غير
الاعتقاد بالإسلام.
ومن جهة ثانية، صرّح بعض الفقهاء بدلالة الصلاة على الإسلام والرجوع عن الكفر إذا كانت هناك قرينة على إتيانها لأجل الإسلام،
أو لم تكن هناك قرينة قطعية على عدم الاعتقاد؛
وذلك لشمول
إطلاق أو عموم ما دلّ على الحكم بإسلام من نطق بالشهادتين لذلك،
على أساس أنّ الصلاة تحتوي على الشهادتين في
التشهّد .
لكن ناقشهم الفريق الآخر بأنّ التشهّد في الصلاة لم يوضع للدخول في الإسلام؛ لأنّه جزء من الصلاة التي هي من فروعه، ولا يثبت
الأصل بالفرع،
مع أنّ المنساق من الأدلّة كون الشهادتين بمنزلة صيغة الإسلام، فلابدّ من الإتيان بهما بصورة مستقلّة، والفرق بينها وبين الإتيان بها في الصلاة أنّ المعتبر في الصلاة تلفّظهما وإن لم يقصد معناهما، بينما لابدّ من قصد معناهما للدخول في الإسلام.
إلّاأنّ كلّ هذا لا يمنع من
التمسّك بالإطلاق المتقدّم ذكره إذا كان تلفّظه بالشهادة ولو في الصلاة ظاهراً في إبراز اعتقاده بمضمونه وقصده له، كما هو الحال في أغلب الموارد التي لا موجب فيها لتقيّة أو رياء أو غير ذلك.
ومثل الصلاة أيضاً
الأذان والإقامة من حيث وجود الشهادتين فيهما، ما لم يظهر من المتكلّم
الاستهزاء .
•
شروط الإسلام بالمباشرة ، إنّ
الإسلام يتحقّق
بالاستقلال و
المباشرة ، وكذلك يتحقّق
بالتبعية ، وقدذكروا للإسلام بالمباشرة شروطاً منها:
البلوغ ،
العقل ،
الاختيار .
لا يعتبر بعد إظهار الشهادتين
اليقين بمضمونهما، فلو علمنا أنّه عقد قلبه على مضمون الشهادتين
إجمالًا كفى؛ لخروج اليقين عن
حقيقة الإسلام ، فلا يكون
انتفاؤه موجباً لكفره.
لكن هناك روايات قد يستفاد منها خلاف ذلك، كصحيحة ابن سنان عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «من شكّ في اللَّه وفي رسوله فهو كافر».
واجيب عنها
بأنّها محمولة على غير ظاهرها، بقرينة
حسنة محمّد بن مسلم قال: كنت عند أبي عبد اللَّه عليه السلام جالساً عن يساره و
زرارة عن يمينه فدخل عليه
أبو بصير ، فقال: يا أبا عبد اللَّه ما تقول فيمن شكّ في اللَّه تعالى؟ فقال: «كافر يا أبا محمّد»، قال: فشكّ في رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: «كافر»، ثمّ التفت إلى زرارة فقال: «إنّما يكفر إذا جحد».
ورواية زرارة عن الصادق عليه السلام أيضاً قال: «لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا».
نعم، لابدّ أن يكون إظهارها لا عن استهزاء و
سخريّة .
وكما لا يشترط في الإسلام اليقين كذلك لا يشترط أن يكون عن دليل و
برهان .
وكذا لا يشترط
التبرّي من كلّ دين غير الإسلام، كما صرّح به غير واحد من الأعلام؛
للأصل، وعدم نقله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم۱»، فإن تبرّأ كان
تأكيداً ؛
لأنّ الإقرار بما يقتضي الإسلام يوجب ذلك.
نعم، قال
الشيخ الطوسي - بعد الحكم بعدم
الاشتراط -: «وإذا كان هذا الكافر ممّن يعتقد أنّ محمّداً نبيّ لكنّه يقول: بعث إلى
الامّيّين ، وهم
عبدة الأوثان من العرب دون
أهل الكتاب ، أو يقول: إنّ محمّداً نبيّ حقّ ولكنّه ما بعث بعد وسيبعث فيما بعد، فإذا اقتصر هذا على
الشهادتين لم يكن مسلماً؛ لأنّه معترف أنّ محمّداً نبيّ، فلا يزول هذا
التأويل حتى يبرأ من كلّ دين خالف دين الإسلام».
لكن هناك من استظهر أنّه لابدّ في إسلام من أنكر عموم رسالة النبي الإقرار بعموميّة رسالته، لا التبرّي من كلّ دين خالف الإسلام.
إذا تحقّقت الشهادتان حكم بالإسلام، لكن مع ذلك تظلّ هناك مجموعة من الاعتقادات الأساسية في
الدين الإسلامي ، وقع البحث في أنّ وجودها هل يشكّل أساساً في تحقق عنوان الإسلام أم لا؟
الذي يبدو من عامّة الفقهاء الذين اقتصروا على ذكر الشهادتين، أنّ غيرهما ليس بشرطٍ في تحقّق الإسلام، لكنّ الذي يظهر من بعض الفقهاء أنّ الإقرار بالعدل و
المعاد وأركان
الشريعة يعدّ شرطاً عندهم في تحقّق الإسلام.
قال الشيخ الطوسي: «إنّ الذي به تثبت
الموارثة إظهار الشهادتين، والإقرار بأركان الشريعة من الصلاة والزكاة والصوم والحجّ».
وقال
ابن حمزة : «وإذا قوتلوا لم يبدأوا بالقتال إلّابعد أن يدعوا إلى الإسلام من إظهار الشهادتين والإقرار بتوحيد اللَّه سبحانه وعدله و
التزام الشريعة بأمرها، فإن أبوا الجميع أو بعضه حلّ قتالهم ووجب».
وقال
السيّد الخوئي : «إنّ
الميزان في الكفر والإسلام امور ثلاثة: الشهادة بالوحدانيّة، والشهادة بالرسالة، والاعتقاد بالمعاد، فمن اعترف بهذه الامور الثلاثة يحكم عليه بالإسلام، ويترتّب عليه آثاره من المواريث وحرمة دمه وماله...».
إلّاأنّ هؤلاء الأعلام أنفسهم صرّحوا في مواضع اخرى بكفاية الشهادتين في تحقّق الإسلام.
فالشيخ الطوسي ذكر أنّ الإيمان أن يصف الشهادتين فيقول: لا إله إلّااللَّه محمّد رسول اللَّه.
كما أكّد ابن حمزة أيضاً على كفاية الشهادتين قائلًا: بأنّ
الواقف إذا عيّن
الموقوف عليه بالإسلام كان لمن أقرّ بالشهادتين ولمن هو في حكمه من أطفالهم ومجانينهم.
وكذلك السيّد الخوئي نفسه قال في موضع آخر: «إنّ الإسلام يدور مدار الإقرار بالشهادتين، وبذلك يحرم ماله ودمه، والروايات
الدالّة على هذا متظافرة من الفريقين».
ولم نعثر على مستدلّ لاشتراط الإسلام بالامور الثلاثة المتقدّمة إلّاالسيّد الخوئي الذي استدلّ على
اعتبار الاعتقاد بالمعاد بآيات متعدّدة، اقترن فيها المعاد بالإيمان باللَّه، كقوله تعالى: «إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ»،
وقوله تعالى أيضاً: «مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ».
وغير ذلك من الآيات التي ذكر فيها الإيمان باليوم الآخر إلى جانب الإيمان به تعالى.
واورد عليه بأنّ مجرّد ذلك لا يعني أنّ الاعتقاد بالمعاد كالإيمان باللَّه تعالى لابدّ منه في تحقّق الإسلام؛ لأنّه إنّما ذكر في الآية لكونه من أوضح ما اشتملت عليه الرسالة، وليس قيداً
مستقلّاً في الإسلام.
هذا، وقد ذكر بعض الفقهاء أنّه لا يشترط في الإسلام أن يكون مقروناً بالاعتقاد بصفات اللَّه
الثبوتية أو
السلبية ، ولا الصفات المعتبرة في النبي صلى الله عليه وآله وسلم
كالعصمة .
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۲۳-۳۸.