شروط الإسلام بالمباشرة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
إنّ
الإسلام يتحقّق
بالاستقلال و
المباشرة ، وكذلك يتحقّق
بالتبعية ، وقدذكروا للإسلام بالمباشرة شروطاً منها:
البلوغ ،
العقل ،
الاختيار .
فلا يصحّ من
الصبي غير المميّز بلا خلاف نجده في كلماتهم،
وأمّا المميّز (المميّز هو الذي له
القدرة على تمييز الحق من
الباطل و
النافع من الضارّ.)
والصبي الذي قارب الحلم- المعبّر عنه
بالمراهق - فقد اختلف
الفقهاء في الحكم بإسلامه وعدم تبعيّته
لأبويه على قولين:
وهو مختار جملة من
الأعلام ؛
مستدلّين له بعدّة أدلّة:
إطلاق الأدلّة المبيّنة لمفهوم الإسلام وتحقّقه
بالإقرار بالشهادتين، كقول
الإمام الصادق عليه السلام في حديث
سماعة : «... الإسلام
شهادة أن لا إله إلّا اللَّه، و
التصديق برسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، به حقنت الدماء، وعليه جرت المناكح و
المواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس».
فإنّ إطلاق هذا النوع من الأدلّة يشمل الصبي المراهق والمميّز أيضاً، بل قد يكون بعض
الأطفال أقوى إيماناً من أكثر البالغين، ومتمكّناً من
الاستدلال على وجود الصانع، و
إرسال الرسل على نحو لا يتمكّن منه إلّا الخواصّ.
أنّ الكفر والإسلام أمران واقعيان يصدران من كلّ
مسلم وإن لم يكن بالغاً.
ومنها: ما ورد في بعض الروايات من أنّ الصبيّ إذا بلغ عشر سنين اقيمت عليه الحدود التامّة، واقتصّ منه، ونفذت وصيّته وعتقه.
وهذا النوع من الأحاديث يدلّ على
إمضاء أفعال الصبي وأقواله التي منها:
الإتيان بالشهادتين.
واورد عليه بأنّه من القياس الذي ليس من مذهبنا،
مضافاً إلى شذوذه ومعارضته بما هو أقوى منه من وجوه.
وكذا ما روي عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «كلّ مولود يولد على
الفطرة فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه حتى يعرب عنه لسانه إمّا شاكراً أو كفوراً»،
وهذا عامّ إلّا ما خرج منه بدليل.
واورد على الاستدلال بهاتين الروايتين بأنّهما مرسلتان لم يعمل بهما الفقهاء، وبعدم وضوح دلالتهما على
المطلوب .
وهو مختار غير واحد من الفقهاء،
بل قيل: إنّه أشهر القولين.
واستدلّ له بعدّة أدلّة:
عموم أدلّة
التبعيّة من
الإجماع وغيره
كالسيرة والروايات
الدالّة على أنّ أولاد الكفّار وآباءهم في النار، وأولاد المسلمين مع آبائهم في الجنّة.
واجيب عنه بأنّ
القدر المتيقّن من الإجماع والسيرة الطفل غير المميّز، أمّا المميّز المظهر للإسلام فلا إجماع ولا سيرة على معاملته
معاملة الكفر.
وأمّا الروايات فهي لا تنسجم مع مذهب
الإماميّة ؛ لأنّ كلّ
إنسان إنّما يؤاخذ بعمل نفسه حين بلوغه، إن خيراً فخيراً، وإن شرّاً فشرّاً، ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيى من حيّ عن
بيّنة .
عموم ما دلّ على عدم العبرة بعبارات الصبي وتصرّفاته،
كحديث
رفع القلم الدالّ على
ارتفاع القلم عن الصبيّ قبل بلوغه، بل هو
كالضروري من الدين .
ونوقش بأنّ ظاهر الحديث رفع السيّئات والذنوب عنه برفع
الإلزام امتناناً، وليس في
إلغاء إسلامه وعدم
اعتبار لفظه
امتنان أصلًا.
ما دلّ على اعتبار البلوغ في التكاليف نصّاً و
فتوى المؤيّدة بالروايات الدالّة على اعتبار البلوغ في تحقّق
الإيمان .
واجيب عنه بأنّ عدم كونه مكلّفاً شرعاً لا يعني عدم إسلامه بعد
اعتقاده به.
عموم ما دلّ على أنّ عمد الصبيّ خطأ،
ممّا يعني عدم قبول إسلامه؛ لأنّه في حكم الخطأ. واورد عليه بعدم العموم في هذا النوع من الأدلّة، خصوصاً على القول بصحّة أعمال الصبي العباديّة كالصلاة والصوم؛ إذ لا يلتزم أحد بصحّة صيامه إذا أتى ببعض المفطرات، ولا بصحّة صلاته إذا أتى ببعض المبطلات عمداً.
فالحديث مجمل من هذه الناحية؛ للقطع بعدم
إرادة الإطلاق منه، فلا مناص من حمله على ما ورد في رواية اخرى من أنّ: «عمد الصبيّ خطأ تحمله العاقلة»،
وذلك في مورد الديات. أو يقال بأنّه ناظر إلى العمد الذي يترتّب عليه شيء على الصبي لا أنّه يترتّب له شيء منه؛ وذلك بدعوى أنّ في الحديث امتناناً، وهو لا يتحقّق في هذه الموارد.
الإجماع على
نجاسة ولد الكافر،
فلو حكم بقبول إسلام المراهق يلزم منه القول بطهارته، وهو خلاف الإجماع. واورد عليه بأنّ معقد الإجماع الطفل المولود من شخصين كافرين من دون أن يكون معتقداً بالإسلام،
لا المراهق الذي هو محلّ بحثنا. ولا أقلّ من عدم
إحراز انعقاد إجماعهم على مثله، والإجماع دليل لبّي يؤخذ فيه بالقدر المتيقن. وكيف كان، فممّا تقدّم من أدلّة الطرفين يظهر وجه تردّد المحقّق
والعلّامة
الحلّيين في القول بقبول إسلام المراهق.
هذا، وقد ذكر بعضهم أنّه لابدّ من
التفريق بين الصبيّ المراهق وأبويه أو غيرهما من أهله؛ لئلّا يستزلّ ويفتتن في دينه،
وإن صرّح
المحقّق النجفي بعدم وجوب ذلك؛ لعدم الدليل عليه.
ولابدّ من
الإشارة هنا إلى ما يظهر من كلمات بعضهم من
تعميم الحكم بإسلام مطلق الصبي المميّز وإن لم يكن مراهقاً؛
ولعلّه لوحدة المناط وجريان أدلّة الطرفين في كلا الموردين، بل احتمل
السيّد الحكيم أن يكون ذلك هو مراد
الشيخ الطوسي في الخلاف حيث خصّ المراهق بالذكر، فقال: «المراهق إذا أسلم حكم بإسلامه».
لا عبرة بإسلام
المجنون ،
وكذا من لا يتأتّى منه القصد كالمدهوش و
المغمى عليه و
الغافل و
النائم والساهي، إجماعاً في الثلاثة الأواخر.
وأمّا
السكران الذي زال تميّزه بحيث لم يعد يميّز الامور، فالمعروف عدم الحكم بإسلامه لو أسلم حال سكره؛
لأصالة بقائه على الكفر، و
استحالة تكليفه بعد زوال عقله.
====قول الشيخ الطوسي====
وخالف في ذلك الشيخ الطوسي، حيث قال في
المبسوط : «السكران متى ارتدّ أو أسلم حكم بإسلامه و
ارتداده ، وهو الذي يقتضيه مذهبنا»؛
لإلحاقه بالصاحي في كلّ ما هو عليه، كما في الجنايات و
القذف والزنا وغيرها.
ولم نجد له موافقاً- حتى نفسه حيث عدل عن كلامه في كتاب الخلاف
- إلّا ما يظهر من
الشهيد الأوّل في
الدروس من الميل إليه، حيث قال: «ويمكن حصول ردّته؛ لإلحاقه بالصاحي فيما عليه كقضاء العبادات»، ثمّ نقل كلام الشيخ الطوسي وعلّق عليه بأنّ مقتضى
الاحتياط تجديد الإسلام بعد
الإفاقة .
واورد عليه بأنّ الحكم بإسلامه شيء له لا عليه،
فلا وجه لإلحاقه بالصاحي فيما على
الصاحي من قضاء العبادات.
يفصّل الفقهاء في ضرورة
الاختيار في تحقّق الإسلام بين حالتين:
أن يكون ممّن سمح له بالبقاء على دينه،
كاليهودي و
النصراني مع عدم كونهما من
أهل الحرب ، وهنا صرّح غير واحد من الفقهاء
باشتراط الاختيار في
اعتناق الإسلام،
فلو اكرهوا على الإسلام لم يقبل منهم حتى مع
احتمال تقارن تصديقهم القلبي للإكراه؛ وذلك تقديماً للظاهر على المحتمل، ولأنّه لم يكن مكرهاً بحقّ.
أن يكون ممّن لم يسمح له بالبقاء على دينه كالحربي والمرتدّ، فإنّه يحكم بإسلامه إذا اكره عليه؛ تأسّياً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعملًا بسيرة المسلمين، بل يجب إكراهه على الإسلام.
وبهذا يظهر أنّ المعيار هو الإقرار على الدين وعدمه، وكون
الإكراه بحقّ ودونه.
لكن هنا تظهر مشكلة من ناحية اخرى التفت إليها
الشهيد الثاني ؛ إذ رغم اعترافه بمشروعيّة الإسلام الإكراهي إلّاأنّه تردّد في كيفيّة
التوفيق بين قيام الإسلام على
الاعتقاد وبين الإكراه عليه، حيث قال: «لا يخلو الحكم بإسلام الكافر مع إكراهه عليه من غموض من جهة المعنى- وإن كان الحكم به ثابتاً من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فما بعده- لأنّ كلمتي الشهادة نازلتان في
الإعراب عمّا في الضمير منزلة الإقرار، والظاهر من حال المحمول عليه بالسيف أنّه كاذب».
وقد بذلت محاولة لرفع هذا
الإبهام عبر القول بأنّ قبول إسلام المكرَه قائم على ما إذا لم يعلم كذبه وصدور الإسلام منه من دون قصد معناه، وإلّا لم يحكم بإسلامه.
أي هناك احتمال في تقارن القصد مع الإكراه؛ ولعلّه لذلك قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لُاسامة : «هلّا شققت عن قلبه؟!»
عندما قتل أعرابيّاً أظهر الإسلام خوفاً على نفسه من القتل.
وعلى أساس هذه المحاولة يحكم بإسلام من لم يعلم كذبه واحتمل تقارن قصده للإسلام مع الإكراه؛
اقتصاراً على المتيقّن فيما خالف عمومات الأدلّة.
وبصرف النظر عن هذه المحاولة، ذكر بعضهم أنّ الإقرار بالشهادتين لم يؤخذ هنا من باب كشفه عمّا في القلب، بل موضوعاً مستقلّاً لترتيب آثار الإسلام عليه، كما أشرنا مطلع البحث، ولعلّه يدعوه ذلك إلى تقبّل الإسلام واقعاً، أو يحثّ غيره على ذلك بدخوله في الإسلام ظاهراً.
إذاً، فالحكم بإسلامه ظاهراً ولو مع العلم بكذبه أو مع عدم العلم بصدقه له فوائد:
منها: جرّ الكفّار إلى ربقة المؤمنين و
التدرّج بهم إلى الإيمان؛
لإدخاله في قلوبهم بصحبة المسلمين و
الاطّلاع على دينهم.
ومنها: صيرورة المكرَه بحكم المسلم في الأحكام الظاهرية الدنيوية ليحقن به دمه وماله، والحكم عليه بالطهارة، وجواز
المناكحة ونحو ذلك. وإن كان ذلك لا ينفع في الآخرة؛ لأنّ الإسلام من دون اعتقاد لا ينفع للنجاة من النار.
ومن خلال هذا كلّه يستنتج أنّ الإسلام الذي يقوم على الاعتقاد هو الإسلام الواقعي، فيما الإسلام الذي يتحقّق بالإكراه هو الإسلام الحكمي الظاهري.وقد سبق أن أوضحنا
التمييز بين هذين النوعين من الإسلام.
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۲۸-۳۵.