الإضطرار (الفقهي)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الحالة التي يكون فيها من نزلت به ضرورة للشدة التي لا دافع لها إلا ما اضطر إليه.
الاضطرار لغة:
الاحتياج إلى الشيء،
واضطرّه إليه بمعنى ألجأه إليه، وليس له منه بُدّ.
ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللغوي. وقد اكتفى كثير منهم بذكر مصاديقه وموجباته، وركزوا في أبحاثهم عليها، فذكروا أنّ الاضطرار يتحقّق بخوف التلف لو لم يتناول المحرّم، أو خوف المرض، أو زيادته، أو طوله، أو عسر علاجه بالترك، أو خوف الضعف المؤدّي إلى التخلّف عن الرفقة مع ظهور أمارة العطب، أو ضعف الركوب أو المشي المؤدّي إلى خوف
التلف وأمثال ذلك.
والذي يبدو من كلمات الفقهاء عند تعرّضهم لذكر مصاديق الاضطرار وموجباته، أنّهم قد يختلفون في مساحة ذلك، فبعضهم يرى الاضطرار في حالة تحقّق الخوف على النفس أن تتلف،
فيما يوسعه بعض آخر لحالة خوف تلف النفس أو المرض أو غير ذلك ممّا استعرضناه في المصاديق، وهو ما يراه
الشهيد الثاني التفسير المشهور بين الأصحاب للاضطرار،
بل يفهم من عبارة المحقّق النجفي أنّ الاضطرار يشمل
التقية والضرر
والإكراه والضرورة.
وعلى أيّة حال، فالمراد من الاضطرار هنا هو الضرورة بالمعنى الذي ذكره المشهور، وإن عبّروا عن بعض موارد
العسر والمشقة والضرر والتقية بالاضطرار، ربما لاشتراكها في رفع بعض التكاليف.
وهي في اللغة: بمعنى
الافتقار إلى الشيء.
والصلة بين الحاجة والاضطرار أنّهما مشتركان في رفع الحكم.
والفرق بينهما أنّ الحاجة وإن كانت حالة جهد ومشقّة لكنّها دون الاضطرار، ومرتبتها أدنى منه، فالنسبة بين العنوانين هي
العموم والخصوص المطلق ، فكلّ اضطرار فيه حاجة، وليس العكس.
وهو بمعنى الضيق،
يقال: حرج صدره، أي ضاق.
والصلة بين الاضطرار والحرج أنّ الاضطرار يعدّ أعلى وأشدّ أنواع الحرج، فتكون النسبة هي العموم والخصوص المطلق.
وهو في اللغة الحجّة التي يُعتذر بها، يقال: لي في هذا
الأمر عذر، أي حجّة في الخروج من الذنب.
قال
الفيّومي : «عذرته فيما صنع عَذراً- من باب ضرب- رفعت عنه اللوم، فهو معذور، أي غير ملوم».
والصلة بين الاضطرار والعذر أنّ الاضطرار يحقق مصداقاً لمورد العذر أمام المولى، لكن ليس كلّ ما فيه عذر ففيه اضطرار، فقد يقع العذر بسبب الجهل، وقد يكون نتيجة الإكراه، وقد يكون ناتجاً عن الاضطرار.
وهي الشدّة والنازلة العظيمة التي تجتاح المال من سنة أو فتنة، يقال: جاحتهم الجائحة،
واجتاحتهم ، وجاح اللَّه ماله وأجاحه، بمعنىً، أي أهلكه بالجائحة.
والصلة بين الاضطرار والجائحة أنّ الجائحة قد تكون سبباً للاضطرار،
والأثر المترتّب شرعاً يكون على الاضطرار.
وهو حمل الغير على أمر لا يرضاه، يقال: أكرهت فلاناً إكراهاً، أي حملته عليه قهراً.
والصلة بين الإكراه والاضطرار أنّ الإكراه قد يؤدّي إلى الاضطرار.
والفرق بينهما: أنّ الإكراه يتحقّق بفرض
إرادة الغير على المكرَه، فلا يصدق إلّامع وجود المكرِه، مثل إكراه الجائر شخصاً على ترك واجب أو
ارتكاب محرّم، أو إجراء عقد، ونحو ذلك. وهو أعمّ من أن يكون على نحو
الإلجاء أو التوعّد والتهديد أو ما أشبه ذلك.أمّا الاضطرار فلا يتوقّف على تدخّل إنسان آخر ليفرض إرادته، بل قد يتحقق بدخول عناصر ضغط اخرى تحيج
الإنسان وتضطرّه بشدّة إلى شيء ما.وهناك بعض الفوارق الحكمية بينهما يأتي التعرّض لها إن شاء اللَّه.
•
قاعدة الاضطرار،ترتفع التكاليف الشرعية بالاضطرار
إجمالًا ؛ إذ به يباح فعل المحرّم وترك الواجب .
بعد توضيح قاعدة الاضطرار وبيان الأدلّة المقامة عليها، لا بأس بذكر بعض النماذج الفقهية التي طبقت فيها هذه القاعدة الهامّة في
التشريع الإسلام ي، ونظراً لعدم
إمكان وجدوى حصر الموارد المشار إليها، نتعرّض لبعض الأمثلة فقط، على الشكل التالي:
•
قاعدة الاضطرار في العبادات،تعرّض الفقهاء إلى موارد عروض
الاضطرار في أجزاء أو شروط العبادات وحكم المكلّف فيها، وهي موارد عديدة تفصيلية وجزئية تخضع بأجمعها للقاعدة المتقدّمة.
قد ينشأ الاضطرار في المعاملات بسبب الإكراه، كما لو أجبره
السلطان على بيع شيء أو شرائه، وقد يكون بسبب
احتياجه إلى مال ليصرفه في رفع خطر، أو مرض ألمّ به، ويصطلح الفقهاء على الأوّل بالإكراه، فيما يطلقون على الثاني عنوان الاضطرار في المعاملة.وقد ذهب الفقهاء إلى صحّة معاملات المضطرّ دون المكره؛ لأنّ في
إبطال معاملات المكرَه منّةً عليه، ولأنّه ليس فيها الرضا الباطني وطيب النفس المأخوذ شرطاً في صحّة المعاملات، بخلاف المضطرّ الذي اضطرّ لبيع داره لغرض العلاج وغيره من الامور؛ فإنّ في إبطال بيعه ضرراً عليه، وهو خلاف
الامتنان ، كما أنّه يُقْدِم عليه بطيب نفسه طلباً للأهمّ له.
قال
السيّد الخوئي : «لا شبهة في عدم ثبوت أحكام المكرَه على المضطرّ في باب المعاملات، ووجه ذلك: أنّ حديث الرفع إنّما ورد في مقام الامتنان على الامّة، وعلى هذا فلو اضطرّ أحد إلى بيع أمواله
لأداء دينه أو لمعالجة مريضه أو لغيرهما من حاجاته، فإنّ الحكم بفساد البيع حينئذٍ منافٍ للامتنان، وأمّا الإكراه فليس كذلك».
نعم، لو اضطرّ إلى معاملة فاسدة بطبعها شرعاً- كالبيع الربوي- فهل يكون الاضطرار موجباً لصحّتها؟ فمثلًا إذا توقّف تحصيله للمال الذي يحتاجه في سبيل حفظ نفسه أو مريضه على قرض ربوي، حيث لا يرضى الدائن
بإقراضه من غير ذلك، فهل يصحّ القرض الربوي في مثل هذه الحالة؟الصحيح أنّ الاضطرار لا يوجب صحّة المعاملة الفاسدة؛ لأنّ المرفوع بحديث رفع الاضطرار إنّما هو العقوبة والمسؤولية لا أكثر- على ما هو محقّق في محلّه- كما أنّ سائر أدلّة الاضطرار لا يستفاد منها أكثر من معذورية المضطرّ، ورفع المسؤولية والحظر عن الفعل الصادر منه اضطراراً، وهو لا يقتضي صحّة المعاملة الفاسدة.
لكن أجاز بعض الفقهاء بعض هذه المعاملات في حال الاضطرار، كنكاح الكتابية عند الاضطرار- كما نسب إلى أبي علي
- إلّاأنّ هذا ليس من جهة أنّ أدلّة الاضطرار صحّحت ذلك، بل لاستفادة ذلك من الأدلّة الأوّلية الدالّة على
بطلان نكاح الكتابية، وأنّها مخصوصة بحال
الاختيار ، فتبقى حالات الاضطرار تحت عمومات صحّة النكاح، أو من جهة استفادة التفصيل بين الحالتين
ابتداءً من تلك الأدلّة.وتفصيل ذلك في مصطلح (نكاح).
•
قاعدة الاضطرار في المحرمات،كما جرت قاعدة
الاضطرار في العبادات والمعاملات، كذلك تجري في دائرة المحرّمات الشرعية، وقد تعرّض الفقهاء لغير مورد من هذه الموارد.
•
قاعدة الاضطرار في الأطعمة والأشربة،لعلّ أظهر مصاديق
الاضطرار هو الاضطرار إلى الطعام والشراب المحرّمين، سواء كان سبب الحرمة هو كون الشيء من الأعيان النجسة أو المتنجّسة، أو كونه مالًا للغير، أو غير ذلك.
•
آثار قاعدة الاضطرار،يترتّب على ارتفاع التكليف
بالاضطرار جملة من الآثار، نشير إليها فيما يلي.
•
شروط تحقق الاضطرار،تحدّثنا في التعريف الاصطلاحي للاضطرار عن موجباته ومفهومه، ولابدّ هنا من ذكر الشروط المأخوذة في
الاضطرار الرافع للتكليف.
يعدّ هذا المبدأ الشرعي والقانوني أساساً فقهيّاً في التعامل مع الضرورة، ويعني أنّ المضطرّ إلى شيء يجوز له
ارتكابه بقدر ما يرفع الضرورة لا أزيد، فليس حصول الاضطرار مبرراً لتجاوز الحد المرخّص به والمقيّد برفع الضرورة.والمستند الرئيسي في ذلك هو أصالة بقاء ما زاد عن الضرورة على حكمه الأوّل؛ لعدم صدق الاضطرار عليه،فيتمسّك بدليل التكليف.
وهناك موارد عديدة تحدّث عنها الفقهاء في هذا المجال:
منها: الاضطرار إلى أكل الميتة ونحوها، فقد ذكر الفقهاء أنّه يشترط أن يكون التناول بمقدار رفع الضرورة، وسدّ الرمق بما يحفظ
الإنسان من الهلاك.
وقد نسب إلى ظاهر الأكثر عدم جواز الشبع في هذه الحال،
بل ادّعي عليه
الإجماع .
وقد استندوا في هذا المورد إلى:
أ- قوله تعالى: «فَمَنِ اضطُرَّ غَيرَ بَاغٍ وَلَا عادٍ»
بناءً على تفسير
العدوان في الآية بالتجاوز عن الحدّ.
ب- رواية
المفضّل عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام ، وهي طويلة، وفيها: «... وعلم ما يضرّهم، فنهاهم عنه، وحرّمه عليهم، ثمّ أباحه للمضطرّ، وأحلّه له في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلّابه، فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك».
وحيث إنّ الضرورة في كلّ شيء بحسبه، فقد يكون الشبع أزيد من حدّ الضرورة، كما لو كان الطعام الحلال سيأتيه بعد ساعة، فاضطرّ للأكل الحرام لرفع الهلاك في هذه الساعة، فإنّ الشبع هنا لا يدخل ضمن الضرورة، بخلاف ما لو كان في صحراء أو منطقة يحتاج فيها إلى المشي الطويل لكي يصل إلى موضع الأمن
والاستقرار ، فإنّ الشبع هنا قد يصبح ضرورة للتزوّد للمشي.
وعلى هذا الأساس، تتّبع الضرورة حتى في تحديد
الإطار الزمني، فلو كان يحرم عليه التزوّد من الميتة يجوز له ذلك إذا خاف لو لم يتزوّد أن لا يصل بعد مدّة إلى الطعام الحلال، ولا تتوفّر ميتة أخرى»؛ لاشتراك العلّة
التي هي الاضطرار ولو في المستقبل الذي يخاف على نفسه الهلاك فيه.
ومنها: الاضطرار إلى واحد من محرّمين أو محرّمات، فهنا يجوز له ارتكاب غير ما هو أشدّ إثماً، فيقدّم الأقلّ إثماً على الأكثر، وإذا اختلفت مراتب الواحد من حيث القوّة والضعف قدّم الثاني أيضاً، وإذا لم يكن مميّزاً رجع إلى أهل التمييز.
فلو توقّف
العلاج على النظر دون اللمس، أو اللمس دون النظر وجب
الاقتصار على ما اضطرّ إليه، ولا يجوز الآخر،
وكذا لو اضطرّ إلى ارتكاب النجس ودار الأمر بين ارتكاب ما هو مورد السبب الواحد وما هو مورد السببين تعيّن ارتكاب الأوّل؛ لأنّه أقلّ المحذورين،
فيقدّم ما ذبحه الكافر والناصب- مثلًا- على الميتة، وكذا يقدّم ميتة مأكول اللحم على غيره، ويقدّم مذبوح المحرّم لحمه إذا ذكّي على الميتة، والمتنجّس على نجس العين.
ومن خلال هذه القاعدة يتمّ ضبط موارد الرخصة في حالات الضرورة.
ارتفاع التكاليف بالاضطرار امتنان من اللَّه تعالى على العباد للتوسعة عليهم، وعدم وقوعهم في المشقّة؛ لأنّ شريعة
الإسلام سهلة سمحة، فيباح بالاضطرار فعل المحرّم وترك الواجب.نعم، يستثنى من ذلك موارد لا تجري فيها قاعدة الاضطرار رغم تحقّقه؛ لأهميتها أو للزوم
اختلال النظام بتركها، نشير إلى أهمّها:
تقدّم أنّ فائدة جريان قاعدة الاضطرار ارتفاع التكاليف إلّاأنّ هناك تكاليف لا يرضى الشارع بمخالفتها ولو في حال الاضطرار مثل حفظ بيضة الإسلام، فإنّه لو اضطرّ المكلّف في موقع خاصّ إلى ارتكاب ما يكون فعله هتكاً وهدراً لبيضة الإسلام وكيانه لم يجز له ذلك وإن ترتّب على امتناعه الهلاك، وهذا الحكم لا شبهة فيه من حيث المبدأ والقاعدة بعد وضوح الأدلّة على أهمّية حفظ كيان الإسلام وبيضته، إلّاأنّ تشخيص المصاديق والتطبيقات لا يتسنّى لأيّ كان.وربما يكون المستند هو قانون
التزاحم وتقديم الأولويات للعلم من الشريعة بأنّ الإسلام تهدر لأجله النفوس وتراق الدماء، فيكون أهمّ من مراعاة حال المكلّفين.
وهذا مثل باب
الجهاد ، فإنّه يجب وإن كان فيه خطر على المجاهد، فلا يحقّ للمسلم أن يفرّ من الجهاد ويتخلّف عنه تحت ذريعة الاضطرار إلى ذلك؛ لأنّ فيه مظنة الهلاك.والعلّة في ذلك واضحة أيضاً ممّا ذكروه في قاعدة (لا ضرر)؛ لأنّ هذا النوع من الأحكام مبنيّ على الضرر، ويغلب فيه حصول الاضطرار، فإذا سقط بمثل قاعدة نفي الضرر أو الاضطرار أو الحرج لزم إلغاؤه من رأس، بخلاف تقييد هذه القواعد به، علماً أنّ في
إجراء هذه القواعد فيه خلاف الامتنان النوعي على الامّة والمجتمع بل حتى على الفرد؛ لأنّ عدم الجهاد سيؤدّي- في المآل- إلى مزيد من الضرر والحرج وغير ذلك.
ومن موارد عدم جريان قاعدة الاضطرار أن ينتهي الاضطرار إلى سفك الدماء المحترمة، فإنّه لا يجوز قتل النفس المحترمة لا في حال الاضطرار
ولا الاختيار، لأيّ سبب من الأسباب، حتى لو توعّد على تركه بالقتل،
وهو منسوب إلى المشهور،
بل ادّعي عدم الخلاف فيه،
بل الإجماع
عليه.
ولذلك قال العلّامة الحلّي: «لو اضطرّ إلى الحكم بمذهب أهل الخلاف بأن يكون قد اضطرّ إلى
الولاية من قِبَلهم، ولم يتمكّن من إنفاذ الحكم بالحقّ، جاز له ذلك ما لم يبلغ إلى الدماء فإنّه لا تقيّة فيها».
هذا، ولديهم بحث وخلاف في
الإكراه الشامل للدم وبلوغ التقية الدم، يراجع تفصيله في مصطلح: (إكراه، تقيّة، قتل).ورغم أنّ القاعدة تستدعي عدم شمول أحكام الاضطرار لحالة الاضطرار في الدماء، إلّاأنّ هناك موارد استثنيت من ذلك، وخرجت إمّا بجعل الطرف الآخر مهدور الدم في تلك الحال أو مع بقاء
احترام النفس فيه؛ لهذا كانت هناك حالتان:
الأولى: أن يقع الاضطرار إلى التعرّض لشخص آخر، لكن في مورد يحكم الشرع فيه بهدر دم الطرف الآخر في تلك الحال بالخصوص، سواء كان مهدور الدم قبلها أو لا، وذلك كما لو توقّف الدفاع عن النفس والعرض على قتل المهاجم المعتدي بغير حقّ، ولم يندفع بدون ذلك، فإنّه يجوز قتله حينئذٍ ولو كان مسلماً، ويكون دمه هدراً.
ولا فرق في ذلك بين الحرّ والعبد، والمسلم والكافر، والليل والنهار، بأيّ وسيلة كان الدفاع عن النفس حينئذٍ.
واستدلّ لذلك
بالأصل والإجماع.
الحالة الثانية: أن يقع الاضطرار ولو مع بقاء احترام النفوس، كما لو توقّف النصر في الحرب على قتل بعض النفوس وإن لم تكن مهدورة الدم، كما إذا تترّس الكفّار بالنساء والأطفال منهم ولم يمكن الفتح إلّا بقتلهم.
قال المحقّق النجفي: «ولو تترّسوا بالنساء والصبيان منهم ونحوهم ممّن لا يجوز قتله منهم- كالمجانين- كفّ عنهم مع إمكان التوصّل إليهم بغير ذلك للمقدّمة... إلّافي حال التحام الحرب جاز وإن استلزم قتل الترس... وكذا لو تترّسوا بالاسارى من المسلمين وإن قتل
الأسير إذا لم يمكن جهادهم إلّاكذلك- إلى أن قال:- ولا يجوز قتل المجانين ولا الصبيان ولا النساء منهم ولو عاونّهم- بتشديد النون- إلّا مع الاضطرار، بلا خلاف أجده في شيء من ذلك- إلى أن قال:- والمراد بالضرورة أن يتترّس الكفّار بهنّ، أو يتوقّف الفتح على قتلهنّ، أو نحو ذلك».
ومن الموارد التي لا تجري فيها قاعدة الاضطرار ولا يرتفع به التكليف موارد التزاحم بالأهمّ؛ لأنّ ارتفاع التكليف في حقّ المكلّف إنّما يثبت مع عدم مزاحمة واجب آخر أهمّ منه، فوجوب حفظ النفس أو نحوه عند الاضطرار إنّما يقتضي
إباحة المحرّمات في صورة عدم مزاحمتها لوجوب حفظ نفس الغير الأشرف منزلة، أو وجوب حفظ أمر أهم من النفس، وإلّا لم ترتفع الحرمة.
ونجد في كلمات بعض الفقهاء بعض أمثلة هذه القاعدة كما في تزاحم حفظ النفس مع حفظ نفس نبيٍّ من
الأنبياء أو وصيّ نبيّ.
ومن هذا الباب لو دار الأمر بين أن يحفظ حياة الغير أو يدفع عن نفسه المرض؛ فإنّ حفظ النفس المحترمة أهمّ من دفع الألم والمرض عن النفس، فلا يجوز له رفع اضطراره بذلك. وهذا قانونٌ له مصاديق وموارد كثيرة في الأبواب الفقهية.
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۴۳۶-۴۶۷.