الاستيفاء(من له حق الاستيفاء)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاستيفاء(توضيح) .
يختلف من له حقّ
الاستيفاء باختلاف الحقوق التي تكون مرّة مختصّة باللَّه تعالى، واخرى مختصّة بالعباد، وثالثة مشتركة بينهما
:
وهي قد تكون غير مالية، وقد تكون مالية.
أمّا غير المالية- كالحدود- فلا خلاف في أنّ استيفاءها زمن
الحضور بيد
الإمام عليه السلام أو المنصوب من قبله، بل ادّعي عليه
الإجماع .
أمّا زمن
الغيبة فالمشهور
أنّ استيفاءها بيد
الفقيه الجامع للشرائط ؛
لأنّ تعطيل
الحدود يؤدّي إلى نشر
الفساد ، فالمقتضي
لإقامة الحدّ موجود في صورتي حضور الإمام وغيبته.
وكذا الحال بالنسبة
للتعزيرات فإنّها ملحقة بالحدود بالإجماع المركّب.
ولابدّ من
الإشارة هنا إلى أنّ
المشهور جواز استيفاء
المولى الحدّ من مملوكه في زمن عدم حضور الإمام أو عدم بسط يده،
كما أنّ المشهور عدم جواز استيفاء
الأب الحدّ من
ابنه ، ولا الزوج من زوجته.
وكذا الحكم بالنسبة للوالي المنصوب من قبل الجائر، إلّاإذا اضطرّه
الجائر إلى ذلك في غير
القتل ، وأمّا فيه فلا.
وأمّا حقوق اللَّه المالية فالمراد منها الأموال التي يعتبر في
أدائها قصد
القربة كالزكاة والخمس والكفّارات .
أمّا الزكاة فلا ريب في أنّ للإمام استيفاءها، فلو طلبها بنفسه أو بساعيه وجب حملها إليه، بلا خلاف ولا
إشكال ؛
لأنّه وليّ الأمر الذي إليه ترجع الامور، فتجب طاعته وتحرم مخالفته عقلًا وشرعاً،
وإنّما الخلاف في جواز
إعطائها الفقراء مباشرة مع عدم
مطالبة الإمام بها، حيث ذهب المشهور
إلى الجواز؛
للأصل، ولصدق امتثال الأمر في قوله تعالى: «وَآتُوا الزَّكَاةَ»
فيسقط عنه
التكليف لو أتاها بنفسه،
وإن كان الأفضل مع
الإمكان حملها إلى الإمام عليه السلام،
بل ادّعي الإجماع عليه،
وتتأكّد الأفضليّة في الأموال الظاهرة كالمواشي والغلّات.
بينما صرّح جماعة بوجوب حملها إليه حتى مع عدم المطالبة؛
لقوله تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً»،
فإنّ الأمر بأخذها يستلزم وجوب الدفع.
وفي زمان الغيبة يجوز للفقيه العادل الجامع لشرائط
الفتوى والحكومة استيفاء الزكاة وتفريقها بين مستحقّيها.
نعم، وقع الخلاف في وجوب دفعها إليه، فذهب بعضهم إلى وجوبه،
وقيّده آخر بعدم معرفة المالك للمستحقّ،
بينما ذهب جماعة إلى
استحباب دفعها إليه،
خصوصاً مع مطالبته بها.
وذهب بعض من قال بالاستحباب إلى وجوبه إذا كانت مطالبته إلزامية على نحو الفتوى وكان مقلّداً له، أو على نحو الحكم من حيث إنّه تكليف شرعي لا لمجرد المطالبة.
ويجب على الإمام تنصيب عامل لجمع الزكاة.
ويدلّ عليه- مضافاً إلى ظاهر قوله تعالى «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً»،
وإلى
السيرة الجارية في زمن
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
وأمير المؤمنين عليه السلام في زمان خلافته- أنّه مقتضى تولّيه لُامور
المسلمين فيدخل تحت قاعدة وجوب
مراعاة مصالحهم، فعدم قيامه بذلك يستلزم تفويت
المصلحة والوقوع في المفسدة
والمعصية وحرمان الفقراء بل عامّة من ينتفع بها من الناس؛
ضرورة عدم سخاء أنفس المكلّفين
بإخراجها من أموالهم؛
ولعلّه لذلك شرّع قتال مانعيّ الزكاة.
وأمّا الخمس فقد ذكر الفقهاء أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو متولّي استيفائه وكذا
الأئمة من أوصيائه المعصومين عليهم السلام بعده.
هذا في زمان
الحضور . وأمّا في زمن
الغيبة فالمشهور
أنّ سهم الإمام عليه السلام أمره بيد الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، فيحمل إليه أو يصرف بإذنه،
وقيل: مع وجود
حكومة إسلاميّة يكون وليّ أمر المسلمين أولى به من غيره، فيجب
إيصاله إليه وإن لم يكن مرجعاً لمن استقرّ في ذمّته الخمس.
كما أنّ على
الحاكم الإسلامي التصدّي لاستيفاء الخمس وصرفه في مصارفه العامّة، كما هو ظاهر الأمر في قوله تعالى:«خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً»
بناءً على شمول
الصدقة للخمس أيضاً، بل هو مقتضى تولّيه امور المسلمين العامّة ومنها الامور المالية فيكون استيفاء الأموال العامة التي منها الخمس وصرفها في مصارفها ومصالحها من جملة مسؤولياته العامّة.
وفي مقابل المشهور اختار بعضهم سقوط الخمس؛ لما ورد من تحليله
لشيعته ، وآخر وجوب كنزه حتى يصل إلى
الحجة بن الحسن عليه السلام بعد ظهوره، وثالث استحباب صلة ذراري رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم به، وكذا فقراء الشيعة،
وغير ذلك من آراء مذكورة في محلّها.
وأمّا الكفّارات
والنذور فالمستفاد من كلماتهم أنّ استيفاءها ليس بيد الإمام عليه السلام، بل يؤدّيها من وجبت عليه إلى مستحقّيها،
وهكذا في النذورات المالية والأيمان والعهود.
وهي أيضاً على قسمين:
ومواردها متعدّدة:
منها:
القصاص ، فإنّ استيفاءه يكون لمن هو أولى
بالإرث ، فله أن يستوفي القصاص بنفسه أو بغيره.
وليس للزوج والزوجة
ولاية فيه،
وكذا النساء ومن يتقرّب بالامّ عند بعض.
نقله عن قوم في
المبسوط.
إنّما الخلاف في جواز مبادرة وليّ
الدم إلى القصاص من دون رفع أمره إلى الحاكم
والإذن منه، حيث ذهب جماعة إلى عدم الجواز؛
لأنّ استيفاءه بحاجة إلى نظر
واجتهاد في شروطه وكيفية تطبيقه.
وبناءً على عدم الجواز ففي تعزير من استوفى القصاص بدون إذن الحاكم قولان.
وخالف في ذلك جماعة
فجوّزوا
الاستقلال بالاستيفاء؛ للأصل،
وعموم أخبار جواز الاقتصاص لوليّ الدم،
ولقوله تعالى: «فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً»،
فتوقّفه على الإذن ينافي إطلاق
السلطنة .
نعم، الأولى عند من اختار هذا الرأي
الاستئذان من الحاكم لاستيفاء القصاص.
ولا فرق في استئذان الإمام- بناءً على اشتراطه- بين قصاص النفس أو الأعضاء بل يتأكّد الحكم في الأعضاء وجوباً واستحباباً؛ لأنّه بمثابة الحدّ، وهو من فروض الإمام.
وفي جواز استيفاء القصاص فيما لو كان الجاني باذلًا
للدية والمقتول مديناً- من دون
ضمان ما عليه من ديون- خلاف، فجوّزه بعضهم؛
للأصل، وإطلاق قوله تعالى: «فَقَد جَعَلْنَا لِوَليِّهِ سُلطَاناً».
ومنعه آخرون؛
لرواية
أبي بصير ، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الرجل يقتل وعليه دين... فقال: «... إن أرادوا القود فليس لهم ذلك حتى يضمنوا الدين للغرماء وإلّا فلا».
ومنها: حقّ القسمة والزوجية
والطلاق وغيرها من الحقوق التي صرّح بعض الفقهاء باستقلال ذي الحقّ في استيفائه مع
الإمكان وعلمه بحقّه من دون حاجة إلى إذن الحاكم؛ لظاهر الإجماع، والأصل الخالي عن
المعارض .
وهي كثيرة ومتعدّدة:
منها: حقّ استيفاء
العوض والمعوّض في العقود المعاوضيّة-
كالبيع والسلم والقرض والإجارة والزواج وغيرها- فإنّه بعد
إتمام العقد يستحقّ كلّ من المتعاوضين استيفاء حقّه من الآخر، ففي البيع- مثلًا- يستحقّ البائع الثمن، وله استيفاؤه من
المشتري ، كما يستحقّ المشتري المبيع وله استيفاؤه من البائع، وفي الإجارة يستحقّ المستأجر
المنفعة وله استيفاؤها من العين المستأجرة، وفي
النكاح تستحقّ الزوجة
المهر ، ولها منع الزوج عن المباشرة حتى تستوفي المهر كلّه، إلّاإذا طلّقها قبل
المباشرة فلا تستحقّ إلّانصفه.
ومنها: حقّ استيفاء الدية
والأرش وغيرهما ممّا يترتّب على
إتلاف النفس أو الطرف وغيرهما، فإنّ للوليّ أو المجنيّ عليه استيفاء الدية أو الأرش، كما أنّ لصاحب المال المتلف أو صاحب الأمانة استيفاء مثل المتلف إن كان مثليّاً وقيمته إن كان قيميّاً.
ومنها: حقّ استيفاء
الأمانات التي تقع بيد الأمين وديعة أو وقع التصرف بها برضا أصحابها
كالعارية ، والعين المستأجرة أو المرهونة، وغير ذلك من الأمانات التي لابدّ من
إرجاعها إلى أصحابها عند مطالبتهم بها، إلّاإذا كان هناك مبرر لعدم إرجاعها كعدم
انقضاء الدين في العين المرهونة أو عدم انقضاء مدّة الإجارة.
والمراد بها الحدود التي يعتبر في مشروعية استيفائها مطالبة صاحب الحقّ بها، كحدّ
القذف مثلًا،
فإنّه مع عفو المقذوف يسقط الحد عن القاذف.
ولا فرق في العفو بين كونه قبل
المرافعة أو بعدها.
ولو مات المقذوف قبل استيفاء حقّه أو عفوه عن القاذف
انتقل ما كان له إلى ورثته عدا الزوج والزوجة،
فإن كان الوارث واحداً فالأمر واضح، وإن كانوا جماعة لم يسقط الحدّ إلّامع عفو الجميع،
ولو لم يكن له وارث فللإمام استيفاء حقّه، وفي جواز
العفو له قولان.
ومن الحقوق المشتركة أيضاً حدّ
السرقة ، فإنّ استيفاءه متوقّف على امور متعدّدة، كرفع المالك أمره إلى الحاكم
على المشهور،
فلا يكفي علم الحاكم بالسرقة أو إقامة البيّنة عليه أو إقراره؛ لقول الإمام الصادق عليه السلام في حديث
الحسين بن خالد : «... الحقّ إذا كان للَّه فالواجب على الإمام
إقامته ، وإذا كان للناس فهو للناس»،
نعم، لا تأثير لعفو صاحب المال بعد رفع أمره إلى الحاكم.
وخالف في ذلك بعضهم، معتبراً
استقرار الحدّ عليه لو ثبتت السرقة
بالإقرار ، بل عمّم ذلك بعضهم ليشمل
الإثبات بالبيّنة أيضاً،
من دون حاجة إلى
مطالبة صاحب المال بقطع يده؛ لأنّ الثابت هو سقوط الحدّ إذا كان العفو قبل المرافعة وقبل ثبوت السرقة لدى حاكم الشرع؛ لما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في صحيحة
الفضيل : «... إذا أقرّ على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه...»،
وهي مقدّمة على الرواية السابقة؛ لموافقتها للكتاب والسنة.
هذا كلّه بالنسبة إلى القطع. وأمّا المال المسروق فلا خلاف
في وجوب
إعادة عينه إن كانت باقية، ومثلها أو قيمتها إن كانت تالفة،
من دون فرق بين استيفاء الحدّ وعدمه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۳۸۰-۳۸۷.