الاضحية (شروطها وآدابها)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاضحية (توضيح) .
الاضحيّة
الشاة التي تذبح ضحوة
يوم العيد بمنى وغيره، فيطلقونها
الفقهاء على ما يذبح أو ينحر من
النعم يوم
عيد الأضحى وما بعده، ولها شروط و
آداب ، منها: ۱- ما يعود إلى الاضحيّة في نفسها، ۲- ما يعود إلى المضحّي، ۳- ما يعود إلى
التضحية .
وهي امور:
صرّح
الفقهاء بأنّ الاضحيّة تختصّ بالنعم الثلاث
بلا
خلاف ،
بل عليه
الإجماع .
واستدلّ له بقوله تعالى: «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا
مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا
اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِن
بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ»،
وقد أجمع المفسّرون
والفقهاء واللغويّون على أنّ المراد
ببهيمة الأنعام الحيوانات الثلاثة:
الإبل والبقر والغنم.
صرّح بعض الفقهاء
بأنّه يشترط في الاضحيّة من الأوصاف ما يشترط في
الهدي .
ويبدو أنّ
مستندهم في ذلك تتبّع الروايات، حيث وجدوها تعدّد جملة من العيوب التي يتعرّض لها في الهدي أيضاً، فاعتبروا الاثنين واحداً في الشروط.
لكن أورد عليه
النراقي بأنّ بعض الأخبار
الدالّة على هذه الأوصاف مختصّة بالهدي، وعدم ثبوت الإجماع المركّب، ومعارضة صحيحة
عليّ بن جعفر للأخبار المتضمّنة للفظ الاضحيّة،
لكنّه قال أخيراً: «إلّاأنّ الحكم بالاعتبار لمّا كان موافقاً
للاحتياط - ومع ذلك كانت أكثر الأخبار المتقدّمة متضمّنة للفظ الأضاحي- لا بأس به».
وصرّح
السيّد الحكيم بأنّه لا يبعد كفاية سلامة العينين والاذنين، وجواز التضحية بالموجوء ونحوه؛
استناداً إلى المروي في
نهج البلاغة : «فإذا سلمت الاذن والعين سلمت الاضحيّة وتمّت».
وبالرجوع إلى المستند التفصيلي للعيوب نجد أنّ الروايات تدلّ على
اعتبار أكثر الصفات المعتبرة في الهدي، فيشترط خلوّ الاضحيّة من عدّة عيوب، وهي كالآتي: أن لا تكون عمياء، ولا
عرجاء بيّن عرجها، (العرجاء البيّن عرجها: هي التي لا تقدر أن تمشيبرجلها، ويمنعها
السير مع الغنم. ) ولا
عوراء بيّن عورها، (العوراء البيّن عورها: هي التي ذهب بصر إحدى عينيها. ) ولا
خرماء ، (الخرماء: هي المثقوبة الأنف. )
ولا
جذّاء ، (الجذّاء: هي المقطوعة الاذن. )
ولا
عضباء ، (العضباء: هي المكسورة القرن، أو هي التي ذهبنصف اذنها أو قرنها، فإنّها لا تجزي في الاضحية إلّاإذا كان القرن الداخل صحيحاً، فلا بأس به.)
ولا
عجفاء ، (العجفاء: هي المهزولة التي لا تنقى. )
ولا مريضة بيّن مرضها، ولا كبيرة لا تنقى. وهذه الصفات قد اشترطها جمع من الفقهاء.
واستدلّوا على اعتبارها بمعتبرة
السكوني عن
جعفر ، عن
أبيه ، عن
آبائه عليهم السلام قال: «قال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لا يضحّى بالعرجاء بيّن عرجها، ولا بالعجفاء، ولا بالجرباء، ولا بالخرقاء، ولا بالجدعاء، ولا بالعضباء».
ونحوها رواية
البراء بن عازب المنجبرة بعمل مشهور الفقهاء، حيث جاء فيها
:
قال
رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم : «أربع لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البيّن عورها، والمريضة البيّن مرضها، والعرجاء البيّن عرجها، و
الكسيرة التي لا تنقى».
وهكذا ما روي عن
الإمام علي عليه السلام أنّه قال: «أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم في
الأضاحي أن نستشرف العين والاذن، ونهانا عن
الخرقاء ،(الخرقاء: هي الدابّة التي في اذنها خرق. )
و
الشرقاء ، (الشرقاء: هي الدابّة المشقوقة الاذن باثنتين.)
و
المقابلة ، (المقابلة: هي الدابّة التي تقطع من مقدّم اذنها قطعة. )
و
المدابرة (المدابرة: هي الدابّة التي تقطع من مؤخّر اذنها قطعة.)».
لكن بقيت هناك بعض العيوب التي وقع كلامٌ في
اشتراطها ، نفياً و
إثباتاً ، ففي الخصيّ صرّح جمع من الفقهاء القدماء
بعدم
الاجتزاء به، لا في الهدي ولا الاضحيّة؛
اعتماداً على شمول عنوان الناقص له، وللروايات الخاصّة: كصحيحة
محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الاضحيّة بالخصي؟ فقال: «لا».
وقريب منها صحيحته الاخرى.
لكن ذكر بعض الفقهاء أنّه يظهر من بعض الأخبار المعتبرة جواز الاضحيّة بالخصي، ففي صحيح
الحلبي ، قال عليه السلام: «
النعجة من
الضأن إذا كانت
سمينة أفضل من الخصي من الضأن»، وقال: «
الكبش السمين خير من الخصي ومن
الانثى »،
فيعلم من ذلك جواز الاضحيّة بالخصي وإن كان غيره أفضل.
وأمّا المهزولة، فقد حكم بالاجتزاء بها في الاضحيّة المندوبة، وعدم الاجتزاء في الهدي، حيث استظهر بأنّ الروايات الصحيحة المانعة من الاجتزاء بالمهزول
مختصّة بالهدي.
وأمّا السنّ فذهب جمع من الفقهاء إلى اعتبار كونها ثنيّة(الثنيّ من الإبل: ما استكمل خمس سنين، ودخل فيالسادسة. والثنيّ من
البقر و
الغنم : ما استكمل سنتين، ودخل في الثالثة. و
الجذع من البقر والغنم: ما استكمل سنة واحدة، ودخل في الثانية. )
من الإبل والبقر و
المعز ، ويجزي الجذع من الضأن، وهو الذي له ستّة أشهر.
واستدلّوا على ذلك بصحيح
العيص بن القاسم عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام عن عليّ عليه السلام أنّه كان يقول: «الثنيّة من الإبل، والثنيّة من البقر، والثنيّة من المعز، و
الجذعة من الضأن».
ونحوه ما رواه
محمّد بن عليّ بن الحسين ، قال: خطب
أمير المؤمنين عليه السلام يوم الأضحى، وذكر
الخطبة ، وممّا جاء فيها: «ومن ضحّى منكم بجذع من المعز فإنّه لا يجزي عنه، والجذع من الضأن يجزي».
ولكنّ
المستفاد منها هو عدم شرطية كونها ثنيّة، بحيث يرتفع
الاستحباب عمّا دونها، بل الظاهر منها هو الاستحباب المؤكّد بالنسبة إلى كونها ثنيّة.
قال السيّد الحكيم: «
الأحوط أن تكون ثنيّاً وإن كان الاجتزاء بالجذع من الضأن هنا غير بعيد».
واستند فيه على ما ورد في خبر
ابن جعفر : كان عليّ عليه السلام يقول: «ضحّ بثنيٍّ فصاعداً».
يستحبّ في الاضحيّة أن تكون ملحاء،(الملحاء من
النعاج : الشمطاء، تكون سوداء تنفذهاشعرة بيضاء. و
الأملح من الشعر نحو
الأصبح ، وجعل بعضهم الأملح
الأبيض النقيّ البياض، وقيل: الملحة: بياض إلى
الحمرة ، ما هو كلون
الظبي .)
سمينة، ومن
ذوات الأرحام من الإبل والبقر، و
الفحولة من الغنم.
وتدلّ على ذلك صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنّه سئل عن الاضحيّة، فقال: «أقرن، فحل، سمين، عظيم العين والاذن- إلى أن قال:- إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان يضحّي بكبش
أقرن ،
عظيم ، فحل، يأكل في سواد، وينظر في سواد، (اختلفوا في
المراد به، فقيل: المراد بذلك كون هذهالمواضع سواداً، وقيل: المراد أنّ من عظمته ينظر في شحمه ويمشي في فيئه، ويبرك في ظلّ شحمه، وقيل: السواد كناية عن
المرعى والنبت، فإنّه يطلق عليه ذلك لغة، والمعنى: أن يكون الهدي رعى ومشى ونظر وبرك في
الخضرة والمرعى، فسمن لذلك.)
فإن لم تجدوا من ذلك شيئاً فاللَّه أولى بالعذر».
وصحيحة
عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «تجوز ذكورة الإبل والبقر في
البلدان إذا لم يجدوا
الإناث ، والإناث أفضل».
وموثّقة معاوية بن عمّار، قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «أفضل
البدن ذوات الأرحام من الإبل والبقر، وقد تجزي
الذكورة من البدن، والضحايا من الغنم الفحولة».
تكره التضحية بالثور، وما ربّاه
الإنسان على ما صرّح به جمع من الفقهاء.
ويدلّ على ذلك مضمر
أبي بصير : «ولا تضحّ بثور ولا جمل».
ورواية
ابن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت: جعلت فداك، كان عندي كبش سمين لُاضحّي به، فلمّا أخذته وأضجعته نظر إليّ، فرحمته ورققت عليه، ثمّ إنّي ذبحته، قال: فقال لي: «ما كنت احبّ لك أن تفعل، لا تربّين شيئاً من هذا ثمّ تذبحه».
وأمّا كراهية التضحية
بالجاموس فقال بها بعض الفقهاء من دون نقل خلافٍ،
ولكن صرّح جمع آخر منهم بأنّهم لم يجدوا له دليلًا.
صرّح جماعة من الفقهاء
بأنّه يستحبّ لصاحب الاضحيّة أن يتولّى ذبح اضحيّته بنفسه، وإن لم يُحسن
الذباحة جعل يده مع يد الذابح. ويستدلّ لذلك برواية
حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «نحر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم بيده ثلاثاً وستّين، ونحر
علي عليه السلام ما غبر (غبر الرجل يغبر غبوراً، أي مكث. )
»، قلت: سبعاً وثلاثين؟ قال: «نعم».
وكذا رواية
الكليني عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «كان
علي بن الحسين عليه السلام يجعل السكّين في يد الصبي، ثمّ يقبض الرجل على يد الصبي فيذبح».
قال جمع من الفقهاء بجواز التضحية عن الغير، سواء كان حيّاً أو ميّتاً.
ويدلّ على ذلك ما رواه
الصدوق ، حيث قال: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يضحّي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كلّ سنة بكبش فيذبحه، ويقول:
بسم اللَّه... اللّهمّ هذا عن نبيّك، ثمّ يذبحه ويذبح كبشاً آخر عن نفسه».
المعروف بين الفقهاء جواز
الاشتراك في اضحيّة واحدة في المندوبة، سواء كانوا من
أهل بيت واحد أو غيره، وعدم جوازه في الواجبة.
وتدلّ عليه صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن النفر تجزيهم البقرة؟ قال: «أمّا في الهدي فلا، وأمّا في الأضحى فنعم».
وفي روايته الاخرى عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «تجزئ
البقرة أو
البدنة في الأمصار عن سبعة، ولا تجزئ بمنى إلّا عن واحد».
صرّح جماعة من الفقهاء
بأنّ
العبد القنّ و
المدبّر وامّ الولد غير مخاطبين بالاضحيّة؛ لأنّهم لا ملك لهم. نعم، لو ملّكهم مواليهم صحّ عنهم. و
العبد المكاتب أيضاً إن كان مشروطاً لا تكليف له؛ لأنّه بحكم المملوك، وإن كان مطلقاً وقد تحرّر منه شيء جازت له التضحية إذا ملك شيئاً.
وقتها لمن كان في
منى أربعة أيّام، أوّلها
يوم النحر وثلاثة بعده، وفي
الأمصار ثلاثة أيّام كذلك بلا خلاف فيه،
بل ادّعي
الإجماع عليه.
وتدلّ عليه صحيحة عليّ بن جعفر عن
أخيه موسى عليه السلام : سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال: «أربعة أيّام»، وسألته عن الأضحى في غير منى؟ فقال: «ثلاثة أيّام». فقلت: فما تقول في رجل
مسافر قدم بعد الأضحى بيومين، أله أن يضحّي في اليوم الثالث؟ فقال: «نعم».
وقريب منها
موثّقة عمّار الساباطي .
وقد حملوا ما خالف ذلك من نصوص- كقول
أبي جعفر عليه السلام في حسنة ابن مسلم: «الأضحى يومان بعد يوم النحر، ويوم واحد بالأمصار»
- على ضرب من
الندب .
أمّا وقتها من حيث أجزاء النهار فقد صرّح جملة من الفقهاء
بأنّه بعد
طلوع الشمس ومضيّ مقدار ما يمكن معه
إقامة صلاة العيد والخطبتين، سواء صلّى
الإمام أو لم يصلّ. ويمكن أن يستدلّ له بموثّقة
سماعة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: قلت له: متى يذبح؟ قال: «إذا انصرف الإمام»، قلت: فإذا كنت في أرضٍ ليس فيها إمام فاصلّي بهم
جماعة ؟ فقال: «إذا استقلّت الشمس...».
هذا، ولكن ذهب
المحقّق النجفي إلى عدم
اعتبار وقت معيّن من يوم العيد في ذبحها؛
لإطلاق ما دلّ على مشروعية الاضحيّة في هذا اليوم، وحمل موثّقة سماعة أيضاً على ضرب من الندب؛ جمعاً بينها وبين إطلاق الأيّام في غيره نصّاً وفتوى.
ولو فاتت أيّام الأضاحي، فإن كانت الاضحيّة واجبة بالنذر وشبهه فقد صرّح العلّامة الحلّي
بعدم
سقوط وجوب قضائها؛ معلّلًا بأنّ لحمها مختصّ بالمساكين، فلا يخرجون عن
الاستحقاق بفوات الوقت. وتبعه عليه الشهيدان
فيما يخصّ وجوب القضاء.
وخالفهم المحقّق النجفي في ذلك؛ لعدم كونها اضحيّة في غير الأيّام المعيّنة، فلا تكون حينئذٍ مورداً للوفاء بالنذر وشبهه،
بل تجب عليه
كفّارة خلف النذر، كما ذهب إلى ذلك
المحدّث البحراني .
ولو لم تكن واجبة بالنذر وشبهه فلا يصدق على الذبح في غير هذه الأيّام عنوان الاضحيّة،
وليس عليه قضاؤها؛
لأنّه بأمر جديد.
التضحية من الامور العبادية، فتحتاج إلى نيّة
القربة ، كما يجب فيها
استقبال القبلة، و
التسمية . وللتفصيل في ذلك راجع مصطلح (حجّ، ذبح، هدي).
يستحبّ الدعاء بالمأثور عن
النبي و
آله عليهم السلام عند الذبح،
فقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يضحّي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كلّ سنة بكبش يذبحه، ويقول: «بسم اللَّه، وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض
حنيفاً مسلماً وما أنا من
المشركين ، إنّ صلاتي ونسكي و
محياي و
مماتي للَّهربّ العالمين، اللّهمّ منك ولك».
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۳۹۴-۴۰۳.